کتابخانه تفاسیر
رحمة من الرحمن فى تفسير و اشارات القرآن
الجزء الاول
(2) سورة البقرة مدنية
الحروف
(3) سورة آل عمران مدنية
مبادي السور المجهولة
(4) سورة النساء مدنية
فى: خلقكم من نفس واحدة
الجزء الثانى
(5) سورة المائدة مدنية
(6) سورة الأنعام مكية
(7) سورة الأعراف مكية
(8) سورة الأنفال مدنية
(9) سورة التوبة مدنية
(10) سورة يونس مكية
(11) سورة هود مكية
(12) سورة يوسف مكية
(13) سورة الرعد مدنية
(14) سورة إبراهيم مكية
(15) سورة الحجر مكية
(16) سورة النحل مكية
(17) سورة الإسراء مكية
الجزء الثالث
(18) سورة الكهف مكية
(19) سورة مريم مكية
(20) سورة طه مكية
(21) سورة الأنبياء مكية
(22) سورة الحج مدنية
(23) سورة المؤمنون مكية
(24) سورة النور مدنية
(25) سورة الفرقان مكية
(26) سورة الشعراء مكية
(27) سورة النمل مكية
(28) سورة القصص مكية
(29) سورة العنكبوت مكية
(30) سورة الروم مكية
(31) سورة لقمان مكية
(32) سورة السجدة مكية
(33) سورة الأحزاب مدنية
(34) سورة سبا مكية
(35) سورة فاطر مكية
(36) سورة يس مكية
(37) سورة الصافات مكية
(38) سورة ص مكية
(39) سورة الزمر مكية
الجزء الرابع
(40) سورة غافر مكية
(41) سورة فصلت مكية
(42) سورة الشورى مكية
42/ 11
(43) سورة الزخرف مكية
(44) سورة الدخان مكية
(47) سورة محمد مدنية
(50) سورة ق مكية
(51) سورة الذاريات مكية
(53) سورة النجم مكية
(55) سورة الرحمن مدنية
(56) سورة الواقعة مكية
(57) سورة الحديد مدنية
57/ 3
(69) سورة الحاقة مكية
(74) سورة المدثر مكية
(89) سورة الفجر مكية
113/ 5
114/ 5
114/ 6
المراجع
سورة الناس
رحمة من الرحمن فى تفسير و اشارات القرآن، ج4، ص: 313
و ضحك و أمثال ذلك، فكان التكبر من صفات الحق لما كان من نزوله في الصفات إلى ما يعتقده أصحاب النظر و أكثر الخلق أنه صفة المخلوق، فلما علم ذلك منهم و هو سبحانه قد وصف لهم نفسه بتلك الصفات حتى طمعوا فيه، و ضل بها قوم عن طريق الهدى، كما اهتدى بها قوم في طريق الحيرة، قام لهم تعالى في صفة التكبر عن ذلك النزول، ليعلمهم أنه و إن اشترك معهم في الاسمية فإن نسبتها إليه تعالى ليست كنسبتها إلى المخلوق، فيكون مثل هذا تكبرا فإن نسبة التكبر محيرة، فتحير من تحير في نسبة التكبر إلى الحق و تحقيقها أن لو علم نزول الحق لعباده- إذ ليس في قوة الممكن نيل ما يستحقه الحق من الغنى عن العالم، و في قوة الحق مع غناه من باب الفضل و الكرم النزول لعباده- لعلمنا تلك النسبة، فإن جهل أحد من العباد قدر هذا النزول الإلهي، و تعاظم العبد في نفسه لنزول الحق له، و لم يعلم أن نزول الحق لعباده ما هو لعين عباده، و إنما ذلك لظهور أحكام أسمائه الحسنى في أعيان الممكنات، فما علم أنه لنفسه نزل لا لخلقه، كما قال تعالى: (وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فما خلقهما إلا من أجله، و الخلق نزول من مقام ما يستحقه من الغنى عن العالمين، فالمتخيل من العباد خلاف هذا و أنه تعالى ما نزل إلا لما هو المخلوق عليه من علو القدر و المنزلة، فهذا أجهل الجاهلين، فأعطى الحق هذا النزول أو ما توهمه الجاهل أن يتسمى الحق بالمتكبر عن هذا النزول، و لكن بعد هذا النزول لا قبله وجودا و تقديرا لابد من ذلك.
و اعلم أن التكبر لا يكتسبه الكبير و إنما يكتسبه الأدنى في الرتبة، فيكسب العبد الكبرياء بما هو الحق صفته، فالكبرياء للّه لا للعبد، فهو محمود مشكور في كبريائه و تكبره، و يكسب الحق هذا الاسم، فإنه تعالى ذكر عن نفسه أنه متكبر، و ذلك لنزوله تعالى إلى عباده في خلقه آدم بيديه، و غرسه شجرة طوبى بيده، و كونه يمينه الحجر الأسود، و في يد المبايع بالإمامة من الرسل في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ) و نزوله في قوله [جعت فلم تطعمني، و ظمئت فلم تسقني، و مرضت فلم تعدني] و ما وصف الحق به نفسه مما هو عندنا من صفات المحدثات، فلما تحقق بهذا النزول عندنا حتى ظن أكثر المؤمنين أن هذه له صفة استحقاق، و تأولها آخرون من المؤمنين، فمن اعتقد أن اتصاف الحق بهذا أن المفهوم منه ما هو المفهوم من اتصاف الخلق به، أعلم الحق هذه الطائفة خاصة أنه يتكبر عن هذا، أي عن المفهوم الذي فهمه القاصرون من كون نسبته إليه تعالى على حد نسبته إلى المخلوق، و به يقول أهل الظاهر أهل الجمود منهم القاصرة أفهامهم عن استحقاق كل مستحق حقه،
رحمة من الرحمن فى تفسير و اشارات القرآن، ج4، ص: 314
فقال عن نفسه تعالى إنه «الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ» عن هذا المفهوم و إن اتصف بما اتصف به، فله تعالى الكبرياء من ذاته، و له التكبر عن هذا المفهوم لا عن الاتصاف، لأنه لو تكبر عما وصف به نفسه مما ذكرنا لكان كذبا، و الكذب في خبره محال، فالاتصاف بما وصف به نفسه حق يعلمه أولو الألباب. و من كون الحق متكبرا أن يجد العبد في قلبه كبرياء الحق فلا يعصه، فالذي اجرأ العصاة و من اجترأ على اللّه من عباده على المخالفة، ما وصف الحق به نفسه من العفو و المغفرة، و نهاهم عن القنوط من رحمة اللّه، فما عندهم رائحة من نعت التكبر الإلهي الذي هو به متكبر في قلوب عباده، إذ لو كبر عندهم ما اجترؤا على شيء من ذلك، و لا حكمت عليهم هذه الأسماء التي أطمعتهم، فإن كبرياء الحق إذا استقر في قلب عبد و هو التكبر، من المحال أن تقع منه مخالفة لأمر الحق بوجه من الوجوه، فالحق المتكبر إنما هو في نفس هذا الموافق الطائع عبد اللّه على الحقيقة، و التوحيد في هذه الآية هو التوحيد الرابع و الثلاثون في القرآن، و هو توحيد النعوت، و هو من توحيد الهوية المحيطة، فله النعوت كلها، نعوت الجلال، فإن صفات التنزيه لا تعطي الثبوت، و الأمر وجودي ثابت، فلهذا قدم الهوية و أخرها حتى إذا جاءت نعوت السلب، و حصلت الحيرة في قلب السامع، منعت الهوية بإحاطتها أن يخرج السامع إلى العدم، فيقول: فما تمّ شيء وجودي، إذ قد خرج عن وجود العقل و الحس فيلحقه بالعدم فتمنعه الهوية، فإن الضمير لابد أن يعود على أمر مقرر:
59/ 24
هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ بالتقدير و الإيجاد، و الخالق هنا صفة للّه موصوف للباريء، و على ذلك تؤخذ الأسماء الإلهية إذا وقعت بين اسمين إلهيين، فالخالق صفة للّه موصوف للبارىء «الْبارِئُ» بما أوجده من مولدات الأركان «الْمُصَوِّرُ» بما فتح في الهباء من الصور، و في أعين المتجلى لهم من صور التجلي المنسوبة إليه، ما نكر منها و ما عرف، و ما أحيط بها و ما لم يدخل تحت إحاطة. «لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» و هي تسعة و تسعون اسما، مائة إلا واحد، و كل اسم واحد مدلوله ليس مدلول عين الاسم الآخر، و إن كان المسمى بالكل واحدا،
رحمة من الرحمن فى تفسير و اشارات القرآن، ج4، ص: 315
فهذه أحدية المجموع و آحاده، فما ثمّ جمع يقتضي هذا الحكم و هو أن يكون إلها إلا هذا المسمى بهذه الأسماء الحسنى المختلفة المعاني، التي افتقر إليها الممكن في وجود عينه. «يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» و لم يقل. «وَ ما فِي الْأَرْضِ» لأن كثيرا من الناس في الأرض لا يسبحون اللّه، و ممن يسبح اللّه منهم ما يسبحه في كل حال، و الأرض تسبحه في كل حال، و السموات و ما فيها من الملائكة و الأرواح المفارقة تسبحه كما قال (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) فراعى هنا من يدوم تسبيحه و هو الأرض، كما راعى في موطن آخر من القرآن تسبيح من في الأرض و إن كان البعض من العالم، فقال عز من قائل (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ) بجمع من يعقل، ثم أكد ذلك بقوله (وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) و زاد في التأكيد بقوله (وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فأتى بلفظة من و لم يأت بما، و أتى هنا بما و لم يأت بمن، فإن سيبويه يقول: إن اسم ما يقع على كل شيء؛ إلا أنه لم يعم الموجودات. و اعلم أن حضرة التصوير هي آخر حضرة الخلق و ليس وراءها حضرة للخلق جملة واحدة، فهي المنتهى و العلم أولها، و الهوية هي المنعوتة بهذا كله، أعني الهوية فابتدأ بقوله «هُوَ» لأن الهوية لابد منها، ثم ختم بها في السلب و الثبوت و هو قوله (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) و ابتدأ من الصفات بالعلم بالغيب و الشهادة و ختم بالمصور، و لم يعين بعد ذلك اسما بعينه، بل قال «لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» ثم ذكر أن له يسبح ما في السموات و الأرض، فإن إنشاء الصور لا يتناهى دنيا و لا آخرة، فالإنشاء متصل دائم و إن تناهت الدنيا، فسبحان من يجهل فلا يعلم و يعلم فلا يجهل «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» و من خصائص هذه السورة سورة الحشر:
جعل الرحمن آخرها
عصمة لنا من الفتن
عصم الرحمن قارئها
أبدا في السر و العلن
تحقيق- [تحقيق: ما خلق اللّه تعالى الثقلين إلا بأسماء اللطف و الحنان]
اعلم أن الثقلين ما خلقهم اللّه تعالى إلا بأسماء اللطف و الحنان، و الرأفة و الرحمة، و التنزل الإلهي، فخلقهم بالاسم الرحمن، فلما نظروا إلى الأسماء التي وجدوا عنها ما رأوا اسما إليها منها يقتضي أخذهم و عقوبتهم إن عصوا أمره و نهيه، و تكبروا على أمره، فلم يطيعوه و عصوه، لأنه تعالى بالرحمة أوجدنا، لم يوجدنا بصفة القهر، و كذلك تأخرت المعصية فتأخر الغضب عن الرحمة في الثقلين، فاللّه يجعل حكمهما في الآخرة كذلك، و لو كانت بعد حين، ألا ترى اللّه تعالى إذا ذكر أسماءه لنا يبتدي بأسماء الرحمة و يؤخر أسماء الكبرياء،
رحمة من الرحمن فى تفسير و اشارات القرآن، ج4، ص: 316
لأنا لا نعرفها، فإذا قدّم لنا أسماء الرحمة عرفناها و حننا إليها، عند ذلك يتبعها أسماء الكبرياء لنأخذها بحكم التبعية، فقال تعالى: «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ» فهذا نعت يعم الجميع أي جميع المخلوقات، و ليس واحدته بأولى من الآخر، ثم ابتدأ فقال «هُوَ الرَّحْمنُ» فعرفنا «الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» لأنا عنه وجدنا، ثم قال بعد ذلك «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» ابتدأ ليجعله فصلا بين «الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» و بين «الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ» فقال «الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ» و هذا كله من نعوت الرحمن، ثم جاء و قال «الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ» فقبلنا هذه النعوت بعد أن آنسنا بأسماء اللطف و الحنان و أسماء الاشتراك التي لها وجه إلى الرحمة، و وجه إلى الكبرياء و هو «اللَّهُ» و «الْمَلِكُ» فلما جاء بأسماء العظمة و المحل قد تأنس بترادف الأسماء الكثيرة الموجبة الرحمة، قبلنا أسماء العظمة لما رأينا أسماء الرحمة قد قبلتها حيث كانت نعوتا لها، فقبلناها ضمنا تبعا لأسمائنا، ثم إنه لما علم الخالق أن صاحب القلب و العلم باللّه و بمواقع خطابه إذا سمع مثل أسماء العظمة لابد أن تؤثر فيه أثر خوف و قبض، نعتها بعد ذلك و أردفها بأسماء لا تختص بالرحمة على الإطلاق، و لا تعرى عن العظمة على الإطلاق فقال: «هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» و هذا كله تعليم من اللّه عباده و تنزل إليهم، و لهذا قدّم سبحانه في كتابه بسم اللّه الرحمن الرحيم في كل سورة إذ كانت تحوي على أمور مخوفة تطلب أسماء العظمة و الاقتدار، فقدم أسماء الرحمة تأنيسا و بشرى، و ما طلب اللّه تعالى من عباده في حقه إلا أن يعلموا أنه إله واحد لا شريك له و بشرى، و ما طلب اللّه تعالى من عباده في حقه طلا أن يعلموا أنه إله واحد لا شريك له في ألوهته لا غير، و أن له الأسماء الحسنى بما هي عليه من المعاني في اللسان، و قرن النجاة و السعادة بمن وقف عندما جاء من عنده عز و جل في كتبه و على ألسنة رسله «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» .
(60) سورة الممتحنة مدنيّة
60/ 1
رحمة من الرحمن فى تفسير و اشارات القرآن، ج4، ص: 317
قال تعالى يخاطب المؤمنين
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي»
[السعيد من لم يتخذ عدوا للّه محبوبا و لا محبا:]
فجعلهم أعداء له كما قال في جزائه إياهم (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ) فإن كان للّه أعداء، فكيف بأجناس العالم؟
فهم عبيده أعداؤه؛ فكيف حال عبيده بعضهم مع بعض بما فيهم من التنافس و التحاسد؟
«وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» لكونهم أمثالا لكم؟ و لما بين المثلين من الضدية قال للمؤمن: عامل العدو بضدية المثل لا بمودة المثل، فإن العدو يريد إخراجك من الوجود، فقال تعالى «وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ» فما عاملكم العدو و إن كان مثلكم إلا بضدية المثل لا بمودته، فأمرنا الحق إذا أرادوا ذلك بنا أن نقاتلهم، فنذهب أعيانهم من الموضع الذي يكونون فيه، و إن لم تسر هذه الضدية في ذات المثل فليس بمؤمن، و لا هو عند اللّه بمكان، فإن اللّه لما علم ما هو عليه الإنسان في جبلته من حبه المحسن لإحسانه، و من استجلابه الود من أشكاله بالتودد إليهم، علم أنه تعالى إذا قال لهم «لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي» أنهم لما ذكرناه لا يقومون في هذا النهي في جانب الحق مقام ما يستحقه الحق، فزاد في الخطاب فقال «وَ عَدُوَّكُمْ» و ذلك ليبغضهم إلينا، لعلمه بأنا نحب أنفسنا و نؤثر هوانا عليه تعالى، فليس في القرآن ذم في حقنا من اللّه أعظم من هذا، فإنه لو علم منا إيثاره على أهوائنا لاكتفى بقوله «عَدُوِّي» ثم تمم على نسق واحد فقال «يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ» يعني من موطنه، فإن مفارقة الأوطان من أشق ما يجري على الإنسان، فلما علم اللّه أنكم لا يقوم عندكم إخراج الرسول- مع بقائكم في أوطانكم ذلك المقام- ما يستحقه الرسول منكم قال (وَ إِيَّاكُمْ) فشرككم في الإخراج مع الرسول، كما شرككم في العداوة مع اللّه، لتكونوا أحرص على أن لا تلقوا إليهم بالمودة، و أن نتخذهم أعداء، و المؤمنون هنا كل ما سوى الرسول، فإن الرسول إذا تبين له أن شخصا ما عدو للّه تبرأ منه، كما تبرأ إبراهيم عليه السلام من أبيه، و من لم يطلعك اللّه على عداوته فلا تتخذه عدوا، و أقل أحوالك إذا جهلته أن تهمل أمره، فلا تعاد عباد اللّه بالإمكان، و الذي ينبغي لك أن تكره فعله
رحمة من الرحمن فى تفسير و اشارات القرآن، ج4، ص: 318
لا عينه، و العدو للّه إنما تكره عينه، ففرّق بين من تكره عينه و هو عدو اللّه، و بين من تكره فعله و هو المؤمن، أو من تجهل خاتمته ممن ليس بمسلم في الوقت، فإذا تبين لك و تحققت من عداوته للّه يتعين عليك عند ذلك أن تتخذهم أعداء، لأمر اللّه لك بذلك، حيث نهاك أن تتخذ عدوه وليا تلقي إليه بالمودة، فإن اضطرك ضعف يقين إلى مداراتهم فدارهم من غير أن تلقي إليهم بمودة، و لكن مسالمة لدفع الشر عنك، و اللّه يجعلنا ممن آثر الحق على هواه، و أن يجعل ذلك مناه، فما أعظمها عندي حسرة حيث لم نكن بهذه المثابة عند اللّه، حتى نكتفي بذكر عداوتهم للّه و إخراج الرسول، فهنا ينبغي أن تسكب العبرات، فالسعيد من وجد ذلك من نفسه، فلم يدخل تحت هذا الخطاب، فلا يتخذ عدوا للّه محبوبا و لا محبا «أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ» أن و ما بعدها بتأويل المصدر، كأنه يقول: يخرجون الرسول و إياكم من أجل إيمانكم باللّه ربكم، «إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي، تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ، وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ» .
60/ 6- 2
رحمة من الرحمن فى تفسير و اشارات القرآن، ج4، ص: 319
فلم يذم من تولى ليعلمنا الأدب، بل نزه نفسه بالغنى عما دعاهم إليه، و أنهم إن أجابوا لذلك فإن الخير الذي فيه عليهم يرجع، و اللّه غني عنه، ثم أتبعه بالحميد، أي هو أهل الثناء بالمحامد في الأولى و الآخرة، فله الحمد على كل حال.
60/ 10- 7
ليس للمؤمن أن يبتلي المؤمن إلا بأمر إلهي