کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم

الجزء الحادي عشر

فهرس المجلد الحادي عشر من روح المعاني

الجزء الثاني عشر

الفهرس

الجزء الثالث عشر

فهرس المجلد الثالث عشر من روح المعاني

الجزء الرابع عشر

فهرس المجلد الرابع عشر من روح المعاني

الجزء الخامس عشر

فهرس المجلد الخامس عشر من روح المعاني

الجزء السادس عشر

الفهارس العامة

فهرس الآيات المفسرة

تفسير سورة البقرة تفسير سورة آل عمران تفسير سورة النساء تفسير سورة المائدة تفسير سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة يوسف تفسير سورة الرعد تفسير سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر تفسير سورة النحل تفسير سورة الإسراء تفسير سورة الكهف تفسير سورة مريم تفسير سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة القصص تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة تفسير سورة الأحزاب تفسير سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة ص تفسير سورة الزمر تفسير سورة المؤمن تفسير سورة فصلت تفسير سورة الشورى تفسير سورة الزخرف تفسير سورة الدخان تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة و النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن عز و جل تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة تبت تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

فهرس آيات الشواهد

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة النبأ سورة المرسلات سورة الإنسان سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم


صفحه قبل

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 81

اللّه تعالى عنه «لا يقل أحدكم أطعم ربك و ضئ ربك و لا يقل أحد ربي و ليقل سيدي و مولاي» «1» و أجابوا عن قول يوسف عليه السلام‏ ارْجِعْ إِلى‏ رَبِّكَ‏ [يوسف: 50] و إِنَّهُ رَبِّي‏ [يوسف: 23] و نحوه بأنه مثل‏ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً [يوسف: 100] مخصوص جوازه بزمانه و العالمين في المشهور جمع عالم و اعترض بأنه يعم العقلاء و غيرهم و عالمون خاص بالعقلاء و أجيب بكونه جمعا له بعد تخصيصه بهم و هو في حكم الصفات كما سيعلم بتوفيقه تعالى من تعريفه أو نقول بالتغليب و قيل نزل من ليس له العلم لكونه دالا على معنى العلم منزلة من له العلم فجمع بالواو و النون كما في‏ أَتَيْنا طائِعِينَ‏ [فصلت: 11] و رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ‏ [يوسف: 4] و قيل هو اسم جمع على وزن السلامة و لا نظير له و فيه نظر لأن الاسم الدال على أكثر من اثنين إن كان موضوعا للآحاد المجتمعة دالا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف فهو الجمع و إن كان موضوعا للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية فهو اسم الجنس الجمعي كتمر و تمرة و إن كان موضوعا لمجموع الآحاد فهو اسم جمع سواء كان له واحد كركب أولا كرهط فانظر أي التعريفات صادقة عليه و في الكشف لو قيل عالم و عالمون كعرفة و عرفات لم يبعد و فيه أنه أبعد بعيد لأنه قياس فيما يعرف بالسماع على أنه للعالمين آحادا يسمى كل منها عالما فلا مرية في كونه جمعا له بخلاف عرفات فإنه ليس لها آحاد كل منها عرفة و العالم كالخاتم اسم لما يعلم به و غلب فيما يعلم به الخالق تعالى شأنه و هو كل ما سواه من الجواهر و الأعراض و يطلق على مجموع الأجناس و هو الشائع كما يطلق على واحد منها فصاعدا فكأنه اسم للقدر المشترك و إلا يلزم الاشتراك أو الحقيقة و المجاز و الأصل نفيهما، و لا يطلق على فرد منها فلا يقال عالم زيد كما يقال عالم الإنسان و لعله ليس إلا باعتبار الغلبة و الاصطلاح و أما باعتبار الأصل فلا ريب في صحة الإطلاق قطعا لتحقق المصداق حتما فإنه كما يستدل على اللّه سبحانه و تعالى بمجموع ما سواه، و بكل جنس من أجناسه يستدل عليه تعالى بكل جزء من أجزاء ذلك المجموع و بكل فرد من أفراد تلك الأجناس لتحقق الحاجة إلى المؤثر الواجب لذاته في الكل فإن كل ما ظهر في المظاهر مما عز و هان و حضر في هذه المحاضر كائنا ما كان لإمكانه و افتقاره دليل لائح على الصانع المجيد و سبيل واضح إلى عالم التوحيد.

فيا عجبا كيف يعصي الإل

ه أم كيف يجحده الجاحد

و في كل شي‏ء له آية

تدل على أنه واحد

و إنما أتى الرب سبحانه بالجمع المعرف لأنه لو أفرد و عرف بلام الاستغراق لم يكن نصا فيه لاحتمال العهد بأن يكون إشارة إلى هذا العالم المحسوس لأن العالم و إن كان موضوعا للقدر المشترك إلا أنه شاع استعماله بمعنى المجموع كالوجود في الوجود الخارجي و قد غلب استعماله في العرف بهذا المعنى في العالم المحسوس لألف النفس بالمحسوسات فجمع ليفيد الشمول قطعا لأنه حينئذ لا يكون مستعملا في المجموع حتى يتبادر منه هذا العالم المحسوس فيكون مستعملا في كل جنس إذ لا ثالث فيكون المعنى رب كل جنس سمي بالعالم و التربية للأجناس إنما تتعلق باعتبار أفرادها فيفيد شمول آحاد الأجناس المخلوقة كلها نظرا إلى الحكم، و حديث أن استغراق المفرد «2»

(1) قيل هذا الحديث منسوخ فافهم ا ه منه.

(2) قال الطيبي فإن قلت ليس هذا مخالفا لقولهم الاستغراق في المفرد أشمل قلت لا لأنهم يريدون أن الجمع قد يحتمل غير الشمول في بعض المقامات و المفرد و إن دل على الشمول و الاستغراق لكن الغرض استغراق الأجناس المختلفة فلو أفرد و قيل رب العالم لاحتمل الاستغراق شمول أفراد كل ما يصح عليه اطلاق اسم العالم فلا يعلم نصوصية تعدد الإجناس و كثرتها كالجن و الإنس و الملائكة و غيرها كما يعلم من الجمعية فجمع ليشمل ذلك المعنى ا ه منه.

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 82

أشمل على ما فيه أمر فرغ عنه و لا ضرر لنا منه كما لا يخفى على المتأمل، و بعضهم خص العالمين بذوي العلم من الملائكة و الثقلين و رب أشرف الموجودات رب غيرهم قال الإمام الأسيوطي: و عليه هو مشتق من العلم و على القول بالعموم من العلامة، و فيه أن الكل في كل محتمل و التخصيص دعوى من غير دليل و قيل هم الجن و الإنس لقوله تعالى: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: 1] و

قيل‏ هم الإنس لقوله تعالى: أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ‏ [الشعراء:

165] و هو المنقول عن جعفر الصادق‏

و المأخوذ من بحر أهل البيت و رب البيت أدرى و لعل الوجه فيه الإشارة إلى أن الإنسان هو المقصود بالذات من التكليف بالحلال و الحرام و إرسال الرسل عليهم الصلاة و السلام و لأنه فذلكة جميع الموجودات و نسخة جميع الكائنات المنقولة من اللوح الرباني بالقلم الرحماني، و من هذا الباب ما نسب لباب مدينة العلم كرم اللّه وجهه.

دواؤك فيك و ما تبصر

و داؤك منك و ما تشعر

و تزعم أنك جرم صغير

و فيك انطوى العالم الأكبر

و من تأمل في ذاته و تفكر في صفاته ظهرت له عظمة باريه و آيات مبديه‏ وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ‏ [الذاريات: 2، 21] بل‏

من عرف نفسه فقد عرف ربه‏

و المناسب للمقام هنا العموم و العوالم كثيرة لا تحصيها الأرقام‏ وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ‏ [لقمان: 27] و

روي في بعض الأخبار أن اللّه تعالى خلق مائة ألف قنديل و علقها بالعرش و السماوات و الأرض و ما فيهن حتى الجنة و النار في قنديل واحد و لا يعلم ما في باقي القناديل إلا اللّه تعالى.

و قال كعب الأحبار لا يحصى عدد العالمين إلا اللّه تعالى: وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ‏ [النحل: 8] وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر: 31] و ما من ذرة من ذرات العوالم إلا و هي في حيطة تربيته سبحانه بل ما من شي‏ء مما أحاط به نطاق الإمكان و الوجود من العلويات و السفليات و المجردات و الماديات و الروحانيات و الجسمانيات إلا و هو في حد ذاته بحيث لو فرض انقطاع آثار التربية عنه آنا واحدا لما استقر له القرار و لا اطمأنت به الدار إلا في مطمورة العدم و مهاوي البوار لكن يفيض عليه من الجناب الأقدس تعالى شأنه و تقدس في كل زمان يمضي و كل آن يمر و ينقضي من فنون الفيوض المتعلقة بذاته و وجوده و صفاته و كمالاته ما لا يحيط بذلك فلك التعبير و لا يعلمه إلا اللطيف الخبير ضرورة أنه كما لا يستحق شي‏ء من الممكنات بذاته الوجود ابتداء لا يستحقه بقاء و إنما ذلك من جناب المبدأ الأول عز و علا فكما لا يتصور وجوده ابتداء ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الأصلى لا يتصور بقاؤه على الوجود بعد تحققه بعلته ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الطارئ لما أن الدوام من خصائص الوجود الواجبي، و ظاهر أن ما يتوقف عليه وجوده من الأمور الوجودية التي هي علله و شرائطه و إن كانت متناهية لوجوب تناهي ما دخل تحت الوجود لكن الأمور العدمية التي لها دخل في وجوده و هي المعبر عنها بارتفاع الموانع ليست كذلك إذ لا استحالة في أن يكون لشي‏ء واحد موانع غير متناهية يتوقف وجوده أو بقاؤه على ارتفاعها أي بقائها على العدم مع إمكان وجودها في أنفسها، فإبقاء تلك الموانع التي لا تتناهى على العدم تربية لذلك الشي‏ء من وجوه غير متناهية، و بالجملة آثار تربيته تعالى واضحة المنار ساطعة الأنوار فسبحانه من رب لا يضاهى و منان لا يحصى كرمه و لا يتناهى و نحن في تيار بحر جوده سابحون و عن إقامة مراسم شكره قاصرون، و ما أحسن قول بعض العارفين إنه تعالى يملك عبادا غيرك و أنت ليس لك رب سواه ثم إنك تتساهل في خدمته و القيام في وظائف طاعته كأن لك ربا بل أربابا غيره و هو سبحانه يعتني بتربيتك حتى كأنه لا عبد له سواك فسبحانه ما أتم تربيته و أعظم رحمته، و إنما كان الجمع بالواو و النون مع أنه في المشهور جمع قلة و الظاهر مستدع لجمع الكثرة تنبيها على أن العوالم و إن كثرت‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 83

قليلة بل أقل من القليل في جنب عظمة اللّه تعالى و كبريائه‏ وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ‏ [الزمر: 67] على أن جمع القلة كثيرا ما يوصله المقام إلى جمع الكثرة على أن بعض المحققين المحقين من أرباب العربية ذهب إلى أن الجمع المذكر السالم صالح للقلة و الكثرة فاختر لنفسك ما يحلو.

و قد أشار سبحانه و تعالى بقوله‏ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ إلى حضرة الربوبية التي هي مقام العارفين و هي اسم للمرتبة المقتضية للأسماء التي تطلب الموجودات فدخل تحتها العليم و السميع و البصير و القيوم و المريد و الملك و ما أشبه ذلك لأن كل واحد من هذه الأسماء و الصفات يطلب ما يقع عليه فالعليم يقتضي معلوما و القادر مقدورا و المريد مرادا إلى غير ذلك و الأسماء التي تحت اسم الرب هي الأسماء المشتركة بين الحق و الخلق و الأسماء المختصة بالخلق اختصاصا تأثيريا فمن القسم الأول العليم مثلا فإن له وجهين وجه يختص بالجناب الإلهي و منه يقال يعلم نفسه و وجه ينظر إلى المخلوقات و منه يقال يعلم غيره و من القسم الثاني الخالق و نحوه من الأسماء الفعلية فله وجه واحد و منه يقال خالق للموجودات و لا يقال خالق لنفسه تعالى عن ذلك و هذا القسم من الأسماء تحت اسمه الملك و منه يظهر الفرق بينه و بين الرب، و أما الفرق بين الرب، و الرحمن فهو أن الرحمن عندهم اسم لمرتبة اختصت بجميع الأوصاف العلية الإلهية سواء انفردت الذات به كالعظيم و الفرد أو حصل الاشتراك أو الاختصاص بالخلق كالقسمين المتقدمين فهو أكثر شمولا من الرب و من مرتبة الربوبية ينظر الرحمن إلى الموجودات «و أما اسمه تعالى اللّه» فهو اسم لمرتبة ذاتية جامعة و فلك محيط بالحقائق و هو مشير إلى الألوهية التي هي أعلى المراتب و هي التي تعطي كل ذي حق حقه و تحتها الأحدية و تحتها الواحدية و تحتها الرحمانية و تحتها الربوبية و تحتها الملكية و لهذا كان اسمه اللّه أعلى الأسماء و أعلى من اسمه الأحد فالأحدية أخص مظاهر الذات لنفسها و الألوهية أفضل مظاهر الذات لنفسها أو لغيرها و من ثم منع أهل اللّه تعالى تجلي الأحدية و لم يمنعوا تجلي الألوهية لأن الأحدية ذات محض لا ظهور لصفة فيها فضلا عن أن يظهر فيها مخلوق فما هي إلا للقديم القائم بذاته.

و مما قررنا يعلم سر كثرة افتتاح العبد دعاءه بيا رب يا رب مع أنه تعالى ما عين هذا الاسم الكريم في الدعاء و نفى ما سواه بل قال سبحانه‏ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ‏ [الإسراء: 11] و قال‏ وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: 180] و قال أرباب الظاهر الداعي لا يطلب إلا ما يظنه صلاحا لحاله و تربية لنفسه فناسب أن يدعوه بهذا الاسم و نداء المربي في الشاهد بوصف التربية أقرب لدر ثدي الإجابة و أقوى لتحريك عرق الرحمة، و عند ساداتنا الصوفية قدس اللّه تعالى أسرارهم يختلف الكلام باختلاف المقام فرقا و جمعا و عندي و هو قبس من أنوارهم أن الأرواح أول ما شنفت آذانها و عطرت أردانها بسماع وصف الربوبية كما يشعر بذلك قوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏ [الأعراف: 172] فهم ينادونه سبحانه بأول اسم قررهم به فأقروا و أخذ به عليهم العهد فاستقاموا و استقروا فهو حبيبهم الأول و مفزعهم إذا أشكل الأمر و أعضل.

تركت هوى سعدى و ليلى بمعزل‏

وعدت إلى مصحوب أول منزل‏

و نادتني الأهواء مهلا فهذه‏

منازل من تهوى رويدك فانزل‏

و قريب من هذا ما ذكره الشيخ الأكبر قدس سره الأنور مما حاصله أن اللّه تعالى لما أوجد الكلمة المعبر عنها بالروح الكلي إيجاد إبداع و أعماه عن رؤية نفسه فبقي لا يعرف من أين صدر و لا كيف صدر فحرك همته لطلب ما عنده و لا يدري أنه عنده.

قد يرحل المرء لمطلوبه‏

و السبب المطلوب في الراحل‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 84

وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] فأخذ في الرحلة بهمته فأشهده الحق ذاته فعلم ما أودع اللّه تعالى فيه من الأسرار و الحكم و تحقق عنده حدوثه و عرف ذاته معرفة إحاطية فكانت تلك المعرفة غذاء معينا يتقوت به و تدوم حياته فقال له عند ذلك التجلي الأقدس ما اسمي عندك فقال أنت ربي فلم يعرفه إلا في حضرة الربوبية و تفرد القديم بالألوهية فإنه لا يعرفه إلا هو فقال له سبحانه أنت مربوبي و أنا ربك أعطيتك أسمائي و صفاتي و لا يحصل لك العلم إلا من حيث الوجود و لو أحطت علما بي لكنت أنت أبا و لكنت محاطا لك و أمدك بالأسرار الإلهية و أربيك بها فتجدها مجعولة فيك فتعرفها و قد حجبتك عن معرفة كيفية إمدادي لك بها إذ لا طاقة لك أن تحمل مشاهدتها إذ لو عرفتها لاتحدت الآنية و أين المركب من البسيط و لا سبيل إلى قلب الحقائق إلى آخر ما قال، و يعلم منه إشارة سر افتتاح الأوصاف في الفاتحة برب العالمين، و فيه أيضا مناسبة لحال البعثة و إرساله صلى اللّه تعالى عليه و سلم إلى من أرسل إليه لأن ذلك أعظم تربية للعباد و رمز خفي إلى طلب الشفقة و الرأفة بالخلق كيف كانوا لأن اللّه تعالى ربهم أجمعين.

داريت أهلك في هواك و هم عدا

و لأجل عين ألف عين تكرم‏

و قد قرأ رب العالمين بالنصب و نسب ذلك إلى زيد بن علي رضي اللّه تعالى عنهما، و قد اختلف في توجيهه فقيل نصب على القطع و يقدر العامل هنا أمدح للمقام أو أذكر لا أعني لأن ذلك إذا لم يكن المنعوت متعينا كما في شرح العمدة و ضعف بالاتباع بعد القطع في النعت و أجيب بأن الرحمن بدل لا نعت و روي أنه قرى‏ء بنصب الرحمن الرحيم فلا ضعف حينئذ و قيل بفعل مقدر دل عليه الحمد و ليس على التوهم كما توهم أبو حيان فضعفه بزعمه أنه من خصائص العطف و قيل بالحمد المذكور و اعترض بأن فيه إعمال المصدر المحلى باللام و بأنه يلزم الفصل بين العامل و المعمول بالخبر الأجنبي و أجيب عن الأول بأن سيبويه و هو هو جوز أعمال المحلى مطلقا و الظرف تكفيه رائحة الفعل نعم منعه الكوفيون مطلقا و جوزه على قبح الفارسي و بعض البصريين و فصل البعض بين ما تعاقب أل فيه الضمير فيجوز و ما لا فلا، و عن الثاني بأن هذا الخبر كان معمولا لهذا المبتدأ في موضع المفعول كما تقول حمدا له فليس بأجنبي صرف على أن المبتدأ و الخبر لاتحادهما معنى كشي‏ء واحد فلا أجنبي.

و حكي عن بعض النحاة جواز الأعمال مطلقا و قيل بالنداء و لا يخفى ما فيه من اللبس و الفصل و الالتفات الذي لا يكاد لخلوه عما يأتي إن شاء اللّه تعالى يلتفت إليه و قيل رب فعل ماض و فيه أن أمره مضارع في البعد لما تقدم و أن الجملة لا تكون صفة و الحالية غير حسنة الحال مع أنه قرى‏ء بنصب ما بعد و المناسب المناسبة و أهون الأمور عندي أولها بل يكاد يقطع الظاهر بالقطع، ثم إنه سبحانه و تعالى بعد ما ذكر عموم تربيته صرح بعظيم رحمته فقال عز شأنه‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و قد تقدم الكلام عليهما و الجمهور على خفضهما، و نصبهما زيد و أبو العالية و ابن السميفع و عيسى بن عمرو، و رفعهما أبو رزين العقيلي و الربيع بن خثيم و أبو عمران الجولي‏ «1» و استدل بعض ساداتنا بتكرارهما على أن البسملة ليست آية من الفاتحة و ليس بالقوي لأن التكرار لفائدة، فذكرهما في البسملة تعليل للابتداء باسمه عز شأنه، و ذكرهما هنا تعليل لاستحقاقه تعالى الحمد، و قال الإمام الرازي قدس سره في بيان حكمة التكرار التقدير كأنه قيل له اذكر أني إله و رب مرة واحد و اذكر أني رحمن رحيم مرتين لتعلم أن العناية بالرحمة أكثر منها بسائر الأمور ثم لما بين الرحمة المضاعفة فكأنه قال: لا تغتروا بذلك فإني مالك يوم الدين و نظيره قوله تعالى‏ غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ‏ [غافر: 3]

(1) كذا بخطه الجولي باللام و صوابه بالنون ا ه.

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 85

انتهى، و في القلب منه شي‏ء فإن الألوهية مكررة أيضا كما ترى و عندي بمسلك صوفي أن ذكر الرحمن الرحيم تفصيل من وجه لما في رب العالمين من الإجمال و ذلك أن التربية تنقسم ببعض الاعتبارات إلى قسمين، أحدهما التربية بغير واسطة كالكلمة لأنه لا يتصور في حقه واسطة البتة، و ثانيهما التربية بواسطة كما فيمن دون الكلمة و هذا الثاني له قسمان أيضا، قسم ممزوج بألم كما في تربية العبد بأمور مؤلمة له شاقة عليه، و قسم لا مزج فيه كما في تربية كثير ممن شمله اللطف السبحاني.

غافل و السعادة احتضنته‏

و هو عنها مستوحش نفار

فالرحمن يشير إلى التربية بالوسائط و غيرها في عالمه و الرحيم يشير إلى التربية بلا واسطة في كلماته و رحمة الرحمن أيضا قد تمزج بالألم كشرب الدواء الكره الطعم و الرائحة فإنه و إن كان رحمة بالمريض لكن فيه ما لا يلائم طبعه و رحمة الرحيم لا يمازجها شوب فهي محض النعمة و لا توجد إلا عند أهل السعادات الكاملة.

اللهم اجعلنا سعداء الدارين بحرمة سيد الثقلين صلى اللّه تعالى عليه و سلم‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ قرأ مالك كفاعل مخفوضا عاصم و الكسائي و خلف في اختياره و يعقوب و هي قراءة العشرة إلا طلحة و الزبير و قراءة كثير من الصحابة، منهم أبيّ و ابن مسعود و معاذ و ابن عباس، و التابعين منهم قتادة و الأعمش، و قرأ ملك كفعل بالخفض أيضا باقي السبعة و زيد و أبو الدرداء و ابن عمرو و المسور و كثير من الصحابة و التابعين، و قرأ ملك على وزن سهل أبو هريرة و عاصم الجحدري و رواها الجعفي و عبد الوارث عن أبي عمرو و هي لغة بكر بن وائل، و قرأ ملكي بإشباع كثرة الكاف أحمد بن صالح عن ورش عن نافع، و قرأ ملك على وزن عجل أبو عثمان و الشعبي و عطية، و قرأ أنس بن مالك و أبو نوفل عمرو بن مسلم البصري ملك يوم الدين بنصب الكاف من غير ألف، و قرأ كذلك إلا أنه رفع الكاف سعد بن أبي وقاص و عائشة، و قرأ ملك فعلا ماضيا أبو حنيفة على ما قيل و أبو حيوة و جبير بن مطعم و أبو عاصم عبيد بن عمير الليثي و ينصبون اليوم و ذكر ابن عطية أن هذه قراءة علي بن أبي طالب كرم اللّه تعالى وجهه و الحسن و يحيى بن يعمر، و قرأ مالك بالنصب الأعمش أيضا و ابن السميفع و عثمان بن أبي سليمان و عبد الملك قاضي الهند، و ذكر ابن عطية أنها قراءة عمر بن عبد العزيز و أبي صالح السمان و روى ابن عاصم عن اليماني مالكا بالنصب و التنوين، و قرأ مالك برفع الكاف و التنوين، و رويت عن خلف و ابن هشام و أبي عبيد و أبي حاتم فينصب اليوم، و قرأ مالك يوم بالرفع و الإضافة أبو هريرة و أبو حيوة و عمر بن عبد العزيز بخلاف عنهم و نسبها صاحب اللوامع إلى ابن شداد العقيلي البصري و قرأ مليك كفعيل أبو هريرة في رواية و أبو رجاء العطاردي، و قرأ مالك بالامالة البليغة يحيى بن يعمر و أيوب السختياني و ببين بين قتيبة بن مهران عن الكسائي و لم يطلع على ذلك أبو علي الفارسي فقال لم يمل أحد و ذكر أنه قرأ ملاك بالألف و تشديد اللام و كسر الكاف فهذه عدة قراءات ذكرتها لغرابة وقوع مثلها في كلمة واحدة بعضها راجعة إلى الملك و بعضها إلى المالك، قال بعض اللغويين: و هما راجعان إلى الملك و هو الشد و الربط و منه ملك العجين و أنشدوا قول قيس بن الحطيم:

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها

يرى قائما من دونها ما وراءها

و المتواتر منها قراءة مالك و ملك فهما نيرا سواريها و قطبا فلك دراريها، و اختلف في الأبلغ منهما قال الزمخشري: و ملك هو الاختيار لأنه قراءة أهل الحرمين و لقوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ‏ [غافر: 16] و لقوله تعالى‏ مَلِكِ النَّاسِ‏ [الناس: 2] و لأن الملك يعم و الملك يخص و رجحه صاحب الكشف أيضا بأنه يلزم على قراءة مالك نوع‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 86

تكرار لأن الرب بمعناه أيضا و بأنه تعالى وصف ذاته المتعالية بالملكية عند المبالغة في قوله مالك الملك بالضم دون المالكية.

و اعترض ذلك كله، أما أولا فلأن قراءة أهل الحرمين لا تدل على الرجحان لأنه لو سلم كون أوائلهم أعلم بالقرآن لا نسلم ذلك في عهد القراء المشهورين ألا ترى أن صحيح البخاري مقدم على موطأ مالك و هو عالم المدينة على أن القراءات المشهورة كلها متواترة و بعد التواتر المفيد للقطع لا يلتفت إلى أصول الرواة، و قول الشهاب: لا يخفى أن أهل الحرمين قديما و حديثا أعلم بالقرآن و الأحكام فمن وراء المنع أيضا و دون إثباته التعب الكثير كما لا يخفى على من لم ترعه القعاقع، و أما ثانيا فلأن الاستدلال بقوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ‏ يخدشه قوله: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً [الانفطار: 19] فإنه سبحانه أراد باليوم يوم القيامة و هو يوم الدين و نفي المالكية عن غيره يقتضي إثباتها له إذ السياق لبيان عظمته تعالى و الأمر آخر الآية واحد الأمور لا الأوامر و إن كثر استعماله فيه.

«و أما ثالثا» فلأن ما في الناس مغاير لما هنا لأن مالك الناس لو كان هناك كما قرى‏ء به شذوذا يتكرر مع رب الناس و أما هنا فلا تكرار لاختلاف المقام «و أما رابعا» فلأن ما ادعاه من أن الملك بضم الميم يعم و الملك بالكسر يخص خلاف الظاهر و الظاهر أن بين المالك و الملك عموما و خصوصا من وجه لغة عرفا فيوسف الصديق عليه السلام بناء على أنه مالك رقاب المصريين في القحط بمقتضى شرعهم ملك و مالك و التاجر مالك غير ملك و السلطان على بلد لا ملك له فيها ملك غير مالك. و أما خامسا فبأن التكرار الذي زعمه صاحب الكشف قد كشف أمره على أنه مشترك الإلزام إذ الجوهري ذكر أن الرب كان يطلق على الملك.

«و أما سادسها» فلأن الدليل الأخير الذي ساقه لك أن تقلبه بأنه تعالى وصف ذاته بالمالكية دون الملكية و أيضا إضافة المالك إلى الملك تدل على أن المالك أبلغ من الملك لأن الملك بالضم قد جعل تحت حيطة المالكية فكأنه أحد مملوكاته كذا قالوه و لهم ما كسبوا و عليهم ما اكتسبوا، و عندي لا ثمرة للخلاف و القراءتان فرسا رهان و لا فرق بين المالك و الملك صفتين للّه تعالى كما قاله السمين و لا التفات إلى من قال إنهما كحاذر و حذر و متى أردت ترجيح أحد الوصفين تعارضت لدي الأدلة و سدت على الباب الآثار و انقلب إليّ بصر البصيرة خاسئا و هو حسير إلا أني أقرأ كالكسائي مالك لأحظى بزيادة عشر حسنات و لأن فيه إشارة واضحة إلى الفضل الكبير و الرحمة الواسعة و الطمع بالمالك من حيث إنه مالك فوق الطمع بالملك من حيث إنه ملك فأقصى ما يرجى من الملك أن ينجو الإنسان منه رأسا برأس و من المالك يرجى ما هو فوق ذلك فالقراءة به أرفق بالمذنبين مثلي و أنسب بما قبله و إضافته إلى يوم الدين بهذا المعنى ليكسر حرارته فإن سماع يوم الدين يقلقل أفئدة السامعين و يشبه ذلك من وجه قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ‏ [التوبة: 43] و المدار على الرحمة لا سيما و الأمر جدير و الترغيب فيه أرغب على أنه لا يخلو الحال عن ترهيب و كأني بك تعارض هذه النكت و ما عليّ فهذا الذي دعاني إليه حسن الظن «و اليوم» في العرف عبارة عما بين طلوع الشمس و غروبها من الزمان و في الشرع عند أهل السنة ما عدا الأعمش عبارة عما بين طلوع الفجر الثاني و غروب الشمس و يطلق على مطلق الوقت و يوم القيامة حقيقة شرعية في معناه المعروف و تركيبه غريب إذ فاء الكلمة فيه ياء و عينها واو و لم يأت من ذلك كما في البحر المحيط إلا يوم و تصاريفه «و الدين» الجزاء و منه‏

الحديث المرسل عن أبي قلابة رضي اللّه تعالى عنه قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم‏ البر لا يبلى و الإثم لا ينسى و الديان لا يموت فكن كما شئت كما تدين تدان»

و قيل فرق بينهما فإن الدين ما كان بقدر فعل المجازي و الجزاء أعم. و قيل الدين اسم للجزاء المحبوب المقدر بقدر ما يقتضيه الحساب إذا كان ممن معه وقع الأمر المجزي به فلا يقال لمن جازى عن‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 87

غيره أو أعطى كثيرا في مقابلة قليل دين و يقال جزاء و الأرجح عندي أن الدين و الجزاء بمعنى فيوم الدين هو يوم الجزاء و يؤيده قوله تعالى: الْيَوْمَ تُجْزى‏ كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ‏ [غافر: 17] و الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ [الجاثية:

28] و إضافة مالك إلى يوم على التوسع و قد قال النحاة الظرف إما متصرف و هو الذي لا يلزم الظرفية أو غير متصرف و هو مقابله و الأول كيوم و ليلة فلك أن تتوسع فيهما بأن ترفع أو تجر أو تنصب من غير أن تقدر فيه معنى «في» فيجري مجرى المفعول للتساوي في عدم التقدير فإذا قلت سرت اليوم كان منصوبا انتصاب «زيد» في ضربت زيدا و يجري سرت مجرى ضربت في التعدي مجازا لأن السير لا يؤثر في اليوم تأثير الضرب في زيد و لا يخرج بذلك عن معنى الظرفية و لذا يتعدى إليه الفعل اللازم و لا يظهر في الاسم الظاهر و إنما يظهر في الضمير كقوله:

و يوما شهدناه سليما و عامرا

قليل سوى طعن النهار نوافله‏

و إذا توسع في الظرف فإن كان فعله غير متعد تعدى و إن كان متعديا إلى واحد تعدى إلى اثنين و إن كان متعديا إلى اثنين تعدى إلى ثلاثة و هو قليل و منعه البعض و إن كان متعديا إلى ثلاثة لم يتعد إلى رابع في المشهور إذ لا نظير له.

و حكى ابن السراج جوازه و التوسع هذا تجوّز حكمي في النسبة الظرفية الواقعة بعد نسبة المفعول به الحقيقي فالمتعدي قبله باق على حاله حتى إذا لم يذكر مفعوله قدر أو نزل منزلة اللازم و الجمع بين الحقيقة و المجاز في المجاز الحكمي ليس محل الخلاف و لذا قال الرضي: اتفقوا على أن معنى الظرف متوسعا فيه و غير متوسع فيه سواء و المعنى مالك الأمر كله في يوم الدين و هذا ثابت له سبحانه أولا و أبدا لأنه إما من الصفات الذاتية المتفق على ثبوتها له سبحانه كذلك أو من الصفات الفعلية و هي عند الماتريدية مثلها بل قال الزركشي من الأشاعرة في إطلاق الخالق و الرازق و نحوهما في حقه تعالى قبل وجود الخلق و الرزق حقيقة و إن قلنا بحدوث صفات الأفعال أو المعنى ملك الأمور يوم الدين على حد وَ نادى‏ أَصْحابُ الْجَنَّةِ [الأعراف: 44] ففي الآية استعارة تبعية كما يفهمه كلام العلامة البيضاوي في تفسيره‏ «1» و على التقديرين يصح وقوعه صفة للمعرفة لأن الإضافة حينئذ حقيقية و لا ينافي ذلك التوسع في الظرف لأنه مفعول من حيث المعنى لا من حيث الإعراب أي يتعلق المالك به تعلق المملوكية حتى لو كانت شرائط العمل حاصلة عمل فيه كما قاله الشريف و فيه تأمل و الأولى باستمرار الاعتبار اعتبار الاستمرار و المستمر يصح أن تكون إضافته معنوية كما يصح أن لا تكون كذلك و التعيين مفوض للمقام و ذلك لاشتماله على الأزمنة الثلاث و لا يرد أن يوم الدين و ما فيه ليس مستمرا في جميع الأزمنة فكيف يتصور كونه تعالى مالكا على الاستمرار لأنا نقول ليس عند ربك صباح و لا مساء و هو سبحانه ليس بزماني و الأزل و الأبد عنده نقطة واحدة و الفرق بينهما بالاعتبار و التعبيرات المختلفة في كلامه عز شأنه بالنظر إلى حال المخاطب فالاستمرار بالنظر إليه تعالى متحقق بلا شبهة و من هنا يستنبط جواب للسؤال المشهور بأن المالك لا يكون مالكا للشي‏ء إلا إذا كان موجودا و يوم الدين غير موجود الآن، و أجاب‏ «2» غير واحد بأن يوم الدين لما كان محققا جعل كالقائم في الحال و أيضا من مات فقد قامت قيامته فكأن القيامة حاصلة في الحال فزال السؤال، و لا يخفى أن السؤال باق على مذهب بعض المتكلمين القائلين بأن الزمان معدوم إذ يقال بعد

(1) و نقل عنه أنه مجاز في الماضي المنقطع لا مطلقا و هو خلاف المشهور و بني عليه أن مالك يوم الدين حقيقة عنده و إن لم يعتبر استمراره ا ه منه.

صفحه بعد