کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم

الجزء الحادي عشر

فهرس المجلد الحادي عشر من روح المعاني

الجزء الثاني عشر

الفهرس

الجزء الثالث عشر

فهرس المجلد الثالث عشر من روح المعاني

الجزء الرابع عشر

فهرس المجلد الرابع عشر من روح المعاني

الجزء الخامس عشر

فهرس المجلد الخامس عشر من روح المعاني

الجزء السادس عشر

الفهارس العامة

فهرس الآيات المفسرة

تفسير سورة البقرة تفسير سورة آل عمران تفسير سورة النساء تفسير سورة المائدة تفسير سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة يوسف تفسير سورة الرعد تفسير سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر تفسير سورة النحل تفسير سورة الإسراء تفسير سورة الكهف تفسير سورة مريم تفسير سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة القصص تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة تفسير سورة الأحزاب تفسير سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة ص تفسير سورة الزمر تفسير سورة المؤمن تفسير سورة فصلت تفسير سورة الشورى تفسير سورة الزخرف تفسير سورة الدخان تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة و النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن عز و جل تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة تبت تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

فهرس آيات الشواهد

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة النبأ سورة المرسلات سورة الإنسان سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم


صفحه قبل

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 94

الكتاب و لا أظن أحدا يقول إنه يعلم من هذا التخصيص فلا أختار أنا إلا العموم و

قد ثبت في الصحيح عنه صلى اللّه تعالى عليه و سلم أنه قال لابن عباس: «إذا استعنت فاستعن باللّه» الحديث‏

و هو ظاهر فيه و لعل ابن عباس من هنا قال به في الآية إذا قلنا بثبوت ذلك عنه و هو الظن الغالب فمن استعان بغيره في المهمات بل و في غيرها فقد استسمن ذا ورم و نفخ في غير ضرم أفلا يستعان به و هو الغني الكبير أم كيف يطلب من غيره و الكل إليه فقير؟ و إني لأرى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه من رأيه و ضلة من عقله فكم قد رأينا من أناس طلبوا العزة من غيره فذلوا و راموا الثروة من سواه فافتقروا و حاولوا الارتفاع فاتضعوا فلا مستعان إلا به و لا عون إلا منه.

إليك و إلا لا تشد الركائب‏

و منك و إلا فالمؤمل خائب‏

و فيك و إلا فالغرام مضيع‏

و عنك و إلا فالمحدث كاذب‏

و قد قرأ عبيد بن عمير الليثي و زيد بن حبيش و يحيى بن وثاب و النخعي نعبد- بكسر النون- و هي لغة قيس و تميم و أسد و ربيعة و هذيل و كذلك حكم حروف المضارعة في هذا الفعل و ما أشبهه كنستعين مما لم ينضم ما بعدها فيه سوى الياء لاستثقال الكسرة عليها على أن بعضهم قال يجل بكسر ياء المضارعة من وجل و قرأ بعضهم يعلمون و قرأ الحسن و ابن المتوكل و أبو مخلف يعبد بالياء مبنيا للمفعول و هو غريب و عن بعض أهل مكة أنه قرأ نعبد بإسكان الدال و قرأ الجمهور نعبد- بفتح النون و ضم الدال- و هي لغة أهل الحجاز و هي الفصحى‏ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ الهداية دلالة بلطف لدلالة اشتقاقه و مادته عليه و لذا أطلق على المشي برفق تهاد و سميت الهداية لطفا و قوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ‏ [الصافات: 23] وارد على الصحيح مورد التهكم على حد فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* [آل عمران: 21، التوبة: 34، الانشقاق: 24] و يقال هداه لكذا و إلى كذا فتعديه باللام و إلى إذا لم يكن فيه و هداه كذا بدونهما محتمل للحالين حتى لا يجوز في‏ وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: 69] لسبلنا أو إلى سبلنا إلا بإرادة الإرادة في جاهدوا أو إرادة تحصيل المراتب العلية في سبلنا و من ثم جمعها و

قد ورد: من عمل بما علم ورثه اللّه تعالى علم ما لم يعلم،

و قد يقال المراد بيان الاستعمال الحقيقي، و أما باب التجوز فواسع و هل يعتبر في الدلالة الإيصال أم لا فيه اختلاف المتأخرين من أهل اللسان ففريق خصها بالدلالة الموصلة و آخرون بالدلالة على ما يوصل، و قليل قال: إن تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها كانت بمعنى الإيصال و لا تسند إلا إليه تعالى كما في الآية و إن تعدت باللام أو إلى كانت بمعنى إراءة الطريق فكما تسند إليه سبحانه تسند إلى القرآن كقوله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ‏ [الإسراء: 9] و إلى النبي صلى اللّه تعالى عليه و سلم كقوله تعالى: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [الشورى: 52] و الكل من هذه الآراء غير خال عن خلل، أما الأول فيرد عليه قوله تعالى: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى‏ عَلَى الْهُدى‏ [فصلت: 17] و الجواب بجواز وقوعهم في الضلال بالارتداد بعد الوصول إلى الحق لا يساعده ما في التفاسير و التواريخ فإنها ناطقة بأن الجم الغفير من قوم ثمود لم يتصفوا بالإيمان قطعا و ما آمن من قومه إلا قليل و قد بقوا على إيمانهم و لم يرتدوا على أن صاحب الذوق يدرك من نفس الآية خلاف الفرض كما لا يخفى، و أما الثاني فيرد عليه قوله تعالى لحبيبه صلى اللّه تعالى عليه و سلّم‏ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ‏ [القصص:

56] و ما يقال إنه على حد قوله تعالى: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‏ [الأنفال: 17] أو أن المعنى أنك لا تتمكن من إراءة الطريق لكل من أحببت بل إنما يمكنك إراءته لمن أردنا لا يخلو عن تكلف، و أما الثالث فإن كلام أهل اللغة لا يساعده بل ينادي بما ينافيه و مع ذلك فالقول بأن المتعدية لا تسند إلا إلى اللّه تعالى منتقض بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام‏ يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا [مريم: 43] و عن‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 95

مؤمن آل فرعون‏ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ [غافر: 38] و لهذا الخلل قال طائفة بالاشتراك و البحث لغوي لا دخل للاعتزال فيه و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تتمته و الصِّراطَ الطريق و أصله بالسين من السرط و هو اللقم و لذلك يسمى لقما كأن سالكه يبتلعه أو يبتلع سالكه ففي الأزهري أكلته المفازة إذا نهكته لسيره فيها و أكل المفازة إذا قطعها بسهولة قال أبو تمام:

رعته الفيافي بعد ما كان حقبة

رعاها و ماء المزن ينهلّ ساكبه‏

و بالسين على الأصل قرأ ابن كثير برواية قنبل و رويس اللؤلؤي عن يعقوب و قرأ الجمهور بالصاد و هي لغة قريش و قرأ حمزة بإشمام الصاد زايا و الزاي الخالصة لغة لعذرة و كعب و الصاد عندي أفصح و أوسع و أهل الحجاز يؤنثون الصراط كالطريق و السبيل و الزقاق و السوق و بنو تميم يذكرون هذا كله و تذكيره هو الأكثر و يجمع في الكثرة على صراط ككتاب و كتب و في القلة قياسه أصرطة هذا إذا كان الصراط مذكرا و أما إذا أنث فقياسه أفعل نحو ذراع و أذرع و الْمُسْتَقِيمَ‏ المستوي الذي لا اعوجاج فيه و اختلف في المراد منه فقيل الطريق الحق. و قيل ملة الإسلام. و قيل القرآن و ردهما الرازي قدس سره بأن قوله تعالى‏ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ يدل على الصراط المستقيم و هم المتقدمون من الأمم و ما كان لهم القرآن و الإسلام و فيه ما لا يخفى و العجب كل العجب من هذا المولى أنه ذكر في أحد الوجوه المرضية عنده أن الصراط المستقيم هو الوسط بين طرفي الإفراط و التفريط في كل الأخلاق و في كل الأعمال و أكد ذلك بقوله تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: 143] فيا ليت شعري ماذا يقول لو قيل له لم يكن هذا للمتقدمين من الأمم و تلونا عليه الآية التي ذكرها و سبحان من لا يرد عليه و قيل المراد به معرفة ما في كل شي‏ء من كيفية دلالته على الذات و الصفات و قيل المراد منه صراط الأولين في تحمل المشاق العظيمة لأجل مرضاة اللّه تعالى و قيل العبادة لقوله تعالى: وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ‏ [يس: 61] و القرآن يفسر بعضه بعضا و فيه نظر، و قيل هو الاعراض عن السوي و الإقبال بالكلية على المولى و قال الشيخ الأكبر قدس سره: هو ثبوت التوحيد في الجمع و التفرقة، و لهم أقوال غير ذلك قريبة و بعيدة، و عندي بعد الاطلاع على ما للعلماء و كل حزب بما لديهم فرحون أن الصراط المستقيم يتنوع إلى عام للناس و خاص بخواصهم و الكل منهما صراط المنعم عليهم على اختلاف درجاتهم فالأول جسر بين العبد و بين اللّه سبحانه ممدود على متن جهنم الكفر و الفسق و الجهل و البدع و الأهواء و هو الاستقامة على ما ورد به الشرع الشريف القويم علما و عملا و خلقا و حالا و هو الذي يظهر في الآخرة على متن جهنم الجزاء ممثلا مصورا بالتمثيل الرباني و التصوير الإلهي على حسب ما عليه العبد اليوم فمن وجد خيرا فليحمد اللّه و من وجد دون ذلك فلا يلومن إلا نفسه و للتذكير بذلك الصراط لم يقل السبيل و لا الطريق و إن كان الكل واحدا، الثاني طريق الوصول إلى اللّه تعالى و من شهد الخلق لا فعل لهم فقد فاز و من شهدهم لا حياة لهم فقد جاز و من شهدهم عين العدم فقد وصل و تم سفره إلى اللّه تعالى ثم يتجدد له السفر فيه سبحانه و هو غير متناه لأن نعوت جماله و جلاله غير متناهية و لا يزال العبد يرقي من بعضها إلى بعض كما يشير إليه‏

قوله صلى اللّه تعالى عليه و سلم: «إنه ليغان على قلبي فأستغفر اللّه في اليوم و الليلة سبعين مرة»

و هناك يكون عز شأنه يده و سمعه و بصره فبه يبطش و به يسمع و به يبصر و وراء ذلك ما يحرم كشفه فمتى قال العامي اهدنا الصراط المستقيم أراد أرشدنا إلى الاستقامة على امتثال أوامرك و اجتناب نواهيك و متى قال ذلك أحد الخواص أراد ثبتنا على ما منحتنا به و هو المروي عن يعسوب المؤمنين كرم اللّه تعالى وجهه و أبيّ رضي اللّه تعالى عنه و ذلك لأن طالب هداية الطريق المستقيم ليسلكه له في سلوكه مقامات و أحوال و لكل منها بداية و نهاية و لا يصل إلى النهاية ما لم يصحح البداية و لا ينتقل إلى مقام أو حال إلا بعد الرسوخ فيما تحته و الثبات عليه فما

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 96

دام هو في أثناء المقام أو الحال و لم يصل إلى نهاية يطلب الثبات على ما منح به ليرسخ له ذلك المقام و يصير ملكه فيرقى منه إلى ما فوقه و ذلك هو الفضل الكبير و الفوز العظيم، و للمحققين في معنى اهدنا وجوه دفعوا بها ما يوشك أن يسأل عنه من أن المؤمن مهتد فالدعاء طلب لتحصيل الحاصل. أحدها أن معناه ثبتنا على الدين كيلا تزلزلنا الشبه و في القرآن‏ رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا [آل عمران: 8] و

في الحديث‏ «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك»

و ثانيها أعطنا زيادة الهدى كما قال تعالى: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً‏ [محمد: 17] و ثالثها أن الهداية الثواب كقوله تعالى: يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ [يونس: 9] فالمعنى اهدنا طريق الجنة ثوابا لنا و أيد بقوله تعالى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف: 43] و رابعها أن المراد دلنا على الحق في مستقبل عمرنا كما دللتنا عليه في ماضيه و لهم بعد أيضا كلمات متقاربة غير هذا و لعله يغنيك عن الكل ما ذكره الفقير فتدبره و لا تغفل.

بقي الكلام في ربط هذه الجملة بما قبلها و قد قيل ان عندنا احتمالات أربعة لأن طلب المعونة إما في المهمات كلها أو في أداء العبادة و الصراط المستقيم إما أن يؤخذ بمعنى خاص كملة الإسلام أو بمعنى عام كطريق الحق خلاف الباطل فعلى تقديري عموم الاستعانة و الصراط و خصوصهما يكون اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة كأنه قال كيف أعينكم في المهمات أو في العبادة فقالوا اهدنا طريق الحق في كل شي‏ء أو ملة الإسلام فيكون الفصل لشبه كمال الاتصال و على تقدير عموم الاستعانة و خصوص الصراط يكون اهدنا إفرادا للمقصود الأعظم من جميع المهمات فيكون الفصل حينئذ لكمال الاتصال، و أما على تقدير خصوص الاستعانة و عموم الصراط فلا ارتباط، و ما عندي غير خفي عليك إن أحطت خبرا بما قدمناه لديك، و قد قرأ الحسن و الضحاك و زيد بن علي صراطا مستقيما دون تعريف و

قرأ جعفر الصادق صراط المستقيم‏

بالإضافة و المتواتر ما تلوناه‏ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ بدل من الصراط الأول بدل الكل من الكل و هو الذي يسميه ابن مالك البدل الموافق أو المطابق تحاشيا من إطلاق الكل على اللّه تعالى في مثل صراط العزيز الحميد اللّه. و فائدة الإبدال تأكيد النسبة بناء على أن البدل في حكم تكرير العامل و الاشعار بأن الصراط المستقيم بيانه و تفسيره صراط المسلمين فيكون ذلك شهادة لاستقامة صراطهم على أبلغ وجه و آكده، و قيل صفة له.

و من غريب المنقول أن الصراط الثاني غير الأول و كأنه نوى فيه حرف العطف و في تعيين ذلك اختلاف، فعن جعفر بن محمد هو العلم باللّه و الفهم عنه و قيل موافقة الباطن للظاهر في إسباغ النعمة و قيل التزام الفرائض و السنن و لا يخفى أن هذا القول خروج عن الصراط المستقيم فلا نتعب جواد القلم فيه. و قرأ ابن مسعود و زيد بن علي صراط من أنعمت عليهم و هو المروي عن عمر و أهل البيت رضي اللّه تعالى عنهم. قال الشهاب: و فيه دليل على جواز إطلاق الأسماء المبهمة «كمن» على اللّه تعالى انتهى و هو خبط ظاهر إذ الإضافة إلى المفعول لا الفاعل. و الإنعام إيصال الإحسان إلى الغير من العقلاء كما قاله الراغب فلا يقال أنعم على فرسه و لذا قيل: إن النعمة نفع الإنسان من دونه لغير عوض، و اختلف في هؤلاء المنعم عليهم فقيل المؤمنون مطلقا و قيل الأنبياء و قيل أصحاب موسى و عيسى عليهما السلام قبل التحريف و النسخ، و قيل أصحاب محمد صلى اللّه تعالى عليه و سلم. و قيل محمد صلى اللّه تعالى عليه و سلم و أبو بكر و عمر رضي اللّه تعالى عنهما. و قيل الأولى ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أن المراد بالذين أنعمت عليهم الأنبياء و الملائكة و الشهداء و الصديقون و من أطاع اللّه تعالى و عبده و إليه يشير قوله تعالى:

فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 69] فما في هاتيك الأقوال اقتصار على بعض الأفراد. و لم يقيد الإنعام ليعم‏ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم:

34، النحل: 18] و قيل أنعم عليهم بخلقهم للسعادة. و قيل بأن نجاهم من الهلكة. و قيل بالهداية و في بناء أنعمت‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 97

للفاعل استعطاف فكأن الداعي يقول أطلب منك الهداية إذ سبق إنعامك فاجعل من إنعامك إجابة دعائنا و إعطاء سؤلنا و سبحانه ما أكرمه كيف يعلمنا الطلب ليجود على كلّ بما طلب.

لو لم ترد نيل ما نرجو و نطلبه‏

من فيض جودك ما علمتنا الطلبا

و حكى اللغويون في‏ عَلَيْهِمْ‏ عشر لغات ضم الهاء و إسكان الميم- و هي قراءة حمزة- و كسرها و إسكان الميم- و هي قراءة الجمهور- و كسر الهاء و الميم و ياء بعدها- و هي قراءة الحسن- قيل و عمر بن خالد و كذلك بغير ياء- و هي قراءة عمرو بن فائد- و كسر الهاء و ضم الميم بواو بعدها- و هي قراءة ابن كثير و قالون- بخلاف عنه و ضم الهاء و الميم و واو بعدها- و هي قراءة الأعرج و مسلم بن جندب و جماعة- و ضمهما بغير واو و نسبت لابن هرمز و كسر الهاء و ضم الميم بغير واو و نسبت للأعرج و الخفاف عن أبي عمرو و ضم الهاء و كسر الميم بياء بعدها و كذلك بغير ياء و قرى‏ء بهما أيضا.

و حاصلها ضم الهاء مع سكون الميم أو ضمها بإشباع أو دونه أو كسرها بإشباع أو دونه و كسر الهاء مع سكون الميم أو كسرها بإشباع أو دونه أو ضمها بإشباع أو دونه. و حجج كل في كتب العربية غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ بدل من الذين بدل كل من كل. و قيل من ضمير عَلَيْهِمْ‏ و لا يخلو من الركاكة بحسب المعنى و أما أنه يلزم عليه خلو الصلة عن الضمير فلا لأن المبدل منه ليس في نية الطرح حقيقة و القول بأن‏ غَيْرِ في الأصل صفة بمعنى مغاير و البدل بالوصف ضعيف ضعيف لأنها غلبت عليها الاسمية و لذا لم تجر على موصوف في الأكثر. و عن سيبويه أنها صفة الذين مبينة أو مقيدة و لا يرد أن‏ غَيْرِ من الأسماء المتوغلة في الإبهام فلا تتعرف بالإضافة فلا توصف بها المعرفة بل و لا تبدل منها على المشهور لأنا نقول الموصوف هنا معنى كالنكرة فيصح أن يوصف بها و ذلك لأن الموصول بعد اعتبار تعريفه بالصلة يكون كالمعرف باللام في استعمالاته فإذا استعمل في بعض ما اتصف بالصلة كان كالمعرف باللام للعهد الذهني فكما أن المعرف المذكور لكون التعريف فيه للجنس يكون معرفة بالنظر إلى مدلوله و في حكم النكرة بالنظر إلى قرينة البعضية المبهمة و لذا يعامل به معاملتهما كذلك الموصول المذكور بالنظر إلى التعيين الجنسي المستفاد من مفهوم الصلة معرفة و بالنظر إلى البعضية المستفادة من خارج كالنكرة فيعامل به معاملتهما أيضا فالذين أنعمت عليهم إذا لم يقصد به معهود كذلك إذ لا صحة لإرادة جنس المنعم عليم من حيث هو إذ لا صراط له و لا غرض يتعلق بطلب صراط من أنعم عليهم على سبيل الاستغراق سواء أريد استغراق الأفراد و الجماعات أو المجموع من حيث المجموع فالمطلوب صراط جماعة ممن أنعم عليهم بالنعم الأخروية أعني طائفة من المؤمنين لا بأعيانها فإن نظر إلى البعضية المبهمة المستفادة من إضافة الصراط إليهم كان كالنكرة و إن نظر إلى مفهومه الجنسي أعني المنعم عليهم كان معرفة قاله العلامة الساليكوتي و غيره و لا يخلو عن دغدغة أو يقال و هو المعول عليه عند من يعول عليه أن‏ غَيْرِ هنا معرفة لأن المحققين من علماء العربية قالوا إنها قد تتعرف بالإضافة و ذلك إذا وقعت بين متضادين معرفتين نحو عليك بالحركة غير السكون، و قال ابن السري و غيره إذا أضيفت‏ غَيْرِ إلى معرف له ضد واحد فقط تعرفت لانحصار الغيرية و هنا المنعم عليهم ضد لما بعده و لا يرد على هذا قوله تعالى.

رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ‏ [فاطر: 37] لجواز أن يكون صالحا حالا قدمت على صاحبها و هو غير الذي أو غير الذي بدلا من صالحا و لو قيل ضد الصالح الطالح و الذي كانوا يعملون فرد من أفراده فليس بضد لم يبعد، و قرأ عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه‏ غَيْرِ بالنصب و روي ذلك شاذا عن ابن كثير و هو حال من ضمير عليهم و العامل فيه أنعمت و يضعف أن يكون حالا من الذين لأنه مضاف إليه و الصراط لا يصح بنفسه أن يعمل في‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 98

الحال و قيل يجوز و العامل فيه معنى الإضافة، و جوز الأخفش أن يكون النصب على الاستثناء المنقطع أو المتصل إن فسر الإنعام بما يعم و منعه الفراء لأنه حينئذ بمعنى سوى فلا يجوز أن يعطف عليه «بلا» لأنها نفي و جحد و لا يعطف الجحد إلا على مثله، و أجيب بزيادة لا مثلها في قوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف: 12] و في قول الأحوص:

و يلحينني في اللهو أن لا أحبه‏

و للهو داع دائب غير غافل‏

و اعترض بأنه لم تسمع زيادتها بعد واو العطف و الكلام فيه، و حكى بعضهم عن الأخفش أن الاستثناء في معنى النفي فيجوز العطف عليه «بلا» حملا على المعنى فحينئذ لا يرد ما ورد، و عند الخليل النصب بفعل محذوف أعني أعني و به أقول لأن الاستثناء كما ترى و الحالية تقتضي التنكير و لا يتحقق إلا بعدم تحقق التضاد أو يجعل غير بمعنى مغاير لتكون إضافته لفظية و كلاهما غير مرضيّ لما علمت و قال بعضهم في الآية حذف و التقدير غير صراط المغضوب عليهم و هو ممكن على هذه القراءة فيكون غير حينئذ إما صفة لقوله الصراط و هو ضعيف لتقدم البدل على الوصف إذا قلنا به و الأصل العكس أو بدل أو صفة للبدل أو بدل منه أو حال من أحد الصراطين و الصراط السوي عدم التقدير.

و الغضب أصله الشدة و منه الغضبة الصخرة الصلبة الشديدة المركبة في الجبل و الغضوب الحية الخبيثة و الناقة العبوس و فسر تارة بحركة للنفس مبدؤها إرادة الانتقام كما في شرح المفتاح للسعد و تارة بإرادة الانتقام كما في شرح الكشاف له و أخرى بكيفية تعرض للنفس فيتبعها حركة الروح إلى خارج طلبا للانتقام كما في شرح المقاصد. و يقرب منه ما قيل تغير يحدث عند غليان دم القلب، و

في الحديث‏ «اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم أ لم تروا إلى انتفاخ أوداجه و حمرة عينيه»

و في الكشاف معنى غضب اللّه تعالى إرادة الانتقام من العصاة و إنزال العقوبة بهم و أن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده و أنا أقول كما قال سلف الأمة هو صفة للّه تعالى لائقة بجلال ذاته لا أعلم حقيقتها و لا كيف هي و العجز عن درك الإدراك إدراك و الكلام فيه كالكلام في الرحمة حذو القذة بالقذة فهما صفتان قديمتان له سبحانه و تعالى. و

حديث‏ «سبقت رحمتي غضبي»

محمول على الزيادة في الآثار أو تقدم ظهورها.

و أصل الضلال الهلاك و منه قوله تعالى: أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ‏ [السجدة: 10] أي هلكنا و قوله تعالى:

وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ‏ [محمد: 8] أي أهلكها و الضلال في الدين الذهاب عن الحق، و قرأ أبو أيوب السختياني «و لا الضألين» بإبدال الألف همزة فرارا من التقاء الساكنين مع أنه في مثله جائز. و حكى أبو زيد دأبة و شأبة و على هذه اللغة قراءة عمرو بن عبيد فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌ‏ [الرحمن: 39] و قوله:

و الأرض أما سودها فتجللت‏

بياضا و أما بيضها فادهأمت‏

و هل يقاس عليه أم لا؟ قولان و روي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه و عبد اللّه بن الزبير أنهما كانا يقرآن و غير الضالين و المتواتر لا كما في الإمام و هو سيف خطيب أتى بها لتأكيد ما في‏ غَيْرِ من معنى النفي و الكوفيون يجعلونها هنا بمعناها و

المراد بالمغضوب عليهم اليهود و بالضالين النصارى‏ و قد روى ذلك أحمد في مسنده و حسنه ابن حبان في صحيحه مرفوعا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم. و أخرجه ابن جرير عن ابن عباس و ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنهم،

و قال ابن أبي حاتم: لا أعلم فيه خلافا للمفسرين فمن زعم أن الحمل على ذلك ضعيف لأن منكري الصانع و المشركين أخبث دينا من اليهود و النصارى فكان الاحتراز منهم أولى بل الأولى أن يحمل المغضوب عليهم على كل من أخطأ في الأعمال الظاهرة و هم الفساق و يحمل الضالون على كل من أخطأ في الاعتقاد لأن اللفظ عام‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 99

و التقييد خلاف الأصل فقد ضل ضلالا بعيدا إن كان قد بلغه ما صح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و إلا فقد تجاسر على تفسير كتاب اللّه تعالى مع الجهل بأحاديث رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم و ما قاله في منكري الصانع لا يعتد به لأن من لا دين له لا يعتد بذكره، و العجب من الإمام الرازي أنه نقل هذا و لم يتعقبه بشي‏ء سوى أنه زاد في الشطرنج بغلا فقال و يحتمل أن يقال المغضوب عليهم هم الكفار و الضالون هم المنافقون و علله بما في أول البقرة من ذكر المؤمنين ثم الكفار ثم المنافقين فقاس ما هنا على ما هناك و هل بعد قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الصادق الأمين قول لقائل أو قياس لقائس هيهات هيهات دون ذلك أهوال، و استدل بعضهم على أن المغضوب عليهم هم اليهود بقوله تعالى: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ [المائدة: 60] و على أن الضالين النصارى بقوله تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا [المائدة: 77] و الأولى الاستدلال بالحديث لأن الغضب و الضلال وردا جميعا في القرآن لجميع الكفار على العموم فقد قال تعالى: وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ‏ [النحل: 106] و قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً [النساء: 167] و وردا لليهود و النصارى جميعا على الخصوص كما ذكره المستدل و إنما قدم سبحانه المغضوب عليهم على الضالين- مع أن الضلال في بادى‏ء النظر سبب للغضب إذ يقال ضل فغضب عليه- لتقدم زمان المغضوب عليهم و هم اليهود على زمان الضالين و هم النصارى أو لأن الإنعام يقابل بالانتقام و لا يقابل بالضلال فبينهما تقابل معنوي بناء على أن الأول إيصال الخير إلى المنعم عليه و الثاني إيصال الشر إلى المغضوب عليه أو لأن اليهود أشد في الكفر و العناد و أعظم في الخبث و الفساد و أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 82] و لذا ضربت عليهم الذلة و المسكنة. و

ورد في الحديث‏ «من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود» رواه السلفي و الديلمي و ابن عدي‏

و النصارى دون ذلك و أقرب للإسلام منهم و لذا وصفوا بالضلال لأن الضال قد يهتدي، و مما يدل على أن اليهود أسوأ حالا من النصارى أنهم كفروا بنبيين محمد صلّى اللّه عليه و سلّم و عيسى عليه السلام و النصارى كفروا بنبي واحد و هو نبينا صلى اللّه تعالى عليه و سلم و فضائحهم و فظائعهم أكثر مما عند النصارى كما ستقرؤه و تراه إن شاء اللّه تعالى، و قول النصارى بالتثليث ليس أفظع من قول اليهود إن اللّه فقير و نحن أغنياء و قولهم‏ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة: 64] و قولهم‏ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ‏ فمن زعم أن النصارى أسوأ حالا متوكئا على ما في دلائل الأسرار لم يعرف أسرار الدلائل و هي بعد العيوق عنه و ليست المسألة من الفروع ليكتفي مثلنا فيها بالتقليد المحض لا سيما و فضل اللّه تعالى ليس بمقصور على البعض. و قال بعضهم: تأخير الضالين لموافقة رؤوس الآي و لا بأس بضمه إلى تلك الوجوه و إلا فالاقتصار عليه من ضيق العطن و إنما أسند النعمة إليه تعالى تقربا و المقصود طلب الهداية إلى صراط من ثبت إنعام اللّه تعالى عليه و تحقق، و لذلك أتى بالفعل ماضيا و انحرف عن ذلك عند ذكر الغضب إلى الغيبة تأدبا و لأن من طلب منه الهداية و نسب الإنعام إليه لا يناسب نسبة الغضب إليه لأنه مقام تلطف و ترفق و تذلل لطلب الإحسان فلا يناسب مواجهته بوصف الانتقام.

و قد عد ابن الأثير في كنز البلاغة و التنوخي في الأقصى القريب بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله نوعا غريبا من الالتفات فإن كان الالتفات كما في استعمال الأدباء و المتقدمين بمعنى الافتنان فلا غبار عليه و إن كان بالمعنى المتعارف فلك أن تقول على رأي السكاكي الذي لا يشترط تعدد التعبير بل مخالفة مقتضى الظاهر أن المخاطب إذا ترك خطابه و بني ما أسند إليه للمفعول و المحذوف كالغائب فلا مانع من أن يسمى التفاتا فكما يجري في الانتقال من مقدر إلى محقق يجري في عكسه و هو معنى بديع كما قاله الشهاب، و يسن بعد الختام أن يقول القارئ «آمين»

فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه و البيهقي في الدلائل عن أبي ميسرة «أن جبريل أقرأ النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فاتحة الكتاب فلما قال‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 100

و لا الضالين قال له قل آمين» فقال آمين‏

و يقولها المأموم لقراءة إمامه‏

فقد أخرج مسلم و أبو: داود و النسائي و ابن ماجة و ابن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم: إذا قرأ

- يعني الإمام-

غير المغضوب عليهم و لا الضالين فقولوا آمين يحبكم اللّه»

و إخفاؤها مذهب ساداتنا الحنفية و هو مذهب أمير المؤمنين علي كرم اللّه تعالى وجهه، و عبد اللّه بن مسعود، و عند الشافعية يجهر بها. و عن الحسن لا يقولها الإمام لأنه الداعي. و عن أبي حنيفة في رواية غير مشهورة مثله و المشهور أن يخفيها، و روى الإخفاء عن رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم عبد اللّه بن مغفل و أنس رضي اللّه تعالى عنهما كما في الكشاف و رواية الجمهور محمولة على التعليم، و البحث فقهي و هذا القدر يكفي فيه و ليست من القرآن إجماعا و لذا سن الفصل بينها و بين السورة بسكتة لطيفة و ما قيل: إنها من السورة عند مجاهد فمما لا ينبغي أن يلتفت إليه إذ هو في غاية البطلان إذ لم يكتب في الإمام و لا في غيره من المصاحف أصلا حتى ذكر غير واحد أن من قال: إن آمين من القرآن كفر، و هي اسم فعل مبني على الفتح كأين لالتقاء الساكنين و البحث عن أسماء الأفعال مفروغ عنه في كتب النحو و الصحيح أنها كلمة عربية و معناها استجب و قيل موضوعة لما هو أعم منه و من مرادفه و من الغريب ما قيل: إنه عجمي معرب همين لما أن فاعيل كقابيل ليس من أوزان العرب ورد بأنه يكون وزنا لا نظير له و له نظائر و لذا قيل: إنه في الأصل مقصور و وزنه فعيل فأشبع، و من العجيب ما قيل إنه اسم اللّه تعالى و القول في توجيهه أنه لما كان مشتملا على الضمير المستتر الراجع إليه تعالى قيل إنه من أسمائه أعجب منه و قد تمد ألفه و تقصر و إلى أصالة كلّ ذهب طائفة، و أما تشديد ميمه فذكر الواحدي أنه لغة فيه، و قيل إنه جمع آم بمعنى قاصد منصوب باجعلنا و نحوه مقدرا، و قيل إنه خطأ و لحن و حيث إنه ليس من القرآن بل دعاء و معناه صحيح قال بعضهم لا تفسد به الصلاة و إن كان لحنا، و فضل هذه السورة مما لا يخفى و يكفي في فضلها ما

روي بأسانيد صحيحة عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه‏ «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خرج على أبي بن كعب فقال: يا أبي و هو يصلي فالتفت أبيّ فلم يجبه فصلى أبيّ فخفف ثم انصرف إلى رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم فقال: السلام عليك يا رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم: ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ فقال: يا رسول اللّه إني كنت في الصلاة، قال: أ فلم تجد فيما أوحى اللّه إليّ أن استجيبوا للّه و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم؟ قال بلى و لا أعود إن شاء اللّه تعالى، قال: تحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان مثلها؟ قال نعم يا رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم: كيف تقرأ في الصلاة فقرأ بأم القرآن فقال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم: و الذي نفسي بيده ما نزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان مثلها و إنها للسبع من المثاني- أو قال السبع المثاني- و القرآن العظيم الذي أعطيته»

صفحه بعد