کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم

الجزء الحادي عشر

فهرس المجلد الحادي عشر من روح المعاني

الجزء الثاني عشر

الفهرس

الجزء الثالث عشر

فهرس المجلد الثالث عشر من روح المعاني

الجزء الرابع عشر

فهرس المجلد الرابع عشر من روح المعاني

الجزء الخامس عشر

فهرس المجلد الخامس عشر من روح المعاني

الجزء السادس عشر

الفهارس العامة

فهرس الآيات المفسرة

تفسير سورة البقرة تفسير سورة آل عمران تفسير سورة النساء تفسير سورة المائدة تفسير سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة يوسف تفسير سورة الرعد تفسير سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر تفسير سورة النحل تفسير سورة الإسراء تفسير سورة الكهف تفسير سورة مريم تفسير سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة القصص تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة تفسير سورة الأحزاب تفسير سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة ص تفسير سورة الزمر تفسير سورة المؤمن تفسير سورة فصلت تفسير سورة الشورى تفسير سورة الزخرف تفسير سورة الدخان تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة و النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن عز و جل تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة تبت تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

فهرس آيات الشواهد

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة النبأ سورة المرسلات سورة الإنسان سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم


صفحه قبل

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏6، ص: 313

أحكام النبوة لأنه عليه السلام كان كثير الصلاة معروفا بذلك، بل أخرج ابن عساكر عن الأحنف أنه عليه السلام كان أكثر الأنبياء صلاة، و كانوا إذا رأوه يصلي يتغامزون و يتضاحكون فكانت هي من بين شعائر الدين ضحكة لهم، و قيل:

إن ذلك لأنه عليه السلام كان يصلي و يقول لهم: إن الصلاة تأمر بالمعروف و تنهى عن الفحشاء و المنكر، و روي هذا عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما، و إلى الأول ذهب غير واحد، و هذا الإسناد حقيقي لا مجازي غاية ما في الباب أنهم قصدوا الحقيقة تهكما، و اختيار المضارع ليدل على العموم بحسب الزمان، و قوله سبحانه: أَنْ نَتْرُكَ‏ على تقدير بتكليف أن نترك- فحذف المضاف و هو تكليف، فدخل الجار على‏ أَنْ‏ ثم حذف و حذفه قبلها مطرد، و عرف التخاطب في مثله يقتضي ذلك، و قيل: إن الداعي إليه أن الشخص لا يكلف بفعل غيره لأنه غير مقدور له أصلا، و قيل: لا تقدير، و المعنى- أ صلاتك تأمرك بما ليس في وسعك و عهدتك من أفاعيل غيرك- و غرضهم من ذلك التعريض بركاكة رأيه و حاشاه عليه السلام، و الاستهزاء به من تلك الجهة، و تعقب بأنه يأباه دخول الهمزة على الصلاة دون الأمر، و يستدعي أن يصدر عنه عليه السلام في أثناء الدعوة ما يدل على ذلك أو يوهمه، و أنى ذلك؟ فتأمل، و قرأ أكثر السبعة- أ صلواتك- بالجمع، و أمر الجمع بين القراءتين سهل، و قوله تعالى: أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا أجابوا به أمره عليه السلام بإيفاء الحقوق و نهيه عن البخس و النقص و هو عطف على‏ ما و أو بمعنى الواو أي و أن نترك فعلنا ما نشاء في أموالنا من التطفيف و غيره، و لا يصح عطفه على‏ أَنْ نَتْرُكَ‏ لاستحالة المعنى إذ يصير حينئذ- تأمرك بفعلنا في أموالنا ما نشاء من التطفيف و غيره- و هم منهيون عن ذلك لا مأمورون به، و حمل‏ ما على ما أشرنا إليه هو الظاهر، و قيل: كانوا يقرضون الدراهم و الدنانير و يجرونها مع الصحيحة على جهة التدليس فنهوا عن ذلك فقالوا ما قالوا، و روي هذا عن محمد بن كعب، و أدخل بعضهم ذلك الفعل في العثي في الأرض فيكون النهي عنه نهيا عنه. و لا مانع من اندراجه في عموم‏ ما ، و قرأ الضحاك بن قيس و ابن أبي عبلة و زيد بن علي- بالتاء- في الفعلين على الخطاب فالعطف على مفعول‏ تَأْمُرُكَ‏ أي- أ صلاتك تأمرك أن تفعل في أموالنا ما تشاء أي من إيفاء المكيال و الميزان- كما هو الظاهر، و قيل: من الزكاة، فقد كان عليه السلام يأمرهم بها كما روي عن سفيان الثوري، قيل: و في الآية على هذا مع حمل الصلاة على ما يتبادر منها دليل على أنه كان في شريعته عليه السلام صلاة و زكاة، و أيد بما روي عن الحسن أنه قال: لم يبعث اللّه تعالى نبيا إلا فرض عليه الصلاة و الزكاة، و أنت تعلم أن حمل‏ ما نَشؤُا على الزكاة غير متعين بل هو خلاف ظاهر السوق، و حمل الصلاة على ذلك و إن كان ظاهرا إلا أنه روى ابن المنذر و غيره عن الأعمش تفسيرها بالقراءة، و نقل عن غيره تفسيرها بالدعاء الذي هو المعنى اللغوي لها.

و عن أبي مسلم تفسيرها بالدين لأنها من أجل أموره، و على تقدير أن يراد منها الصلاة بالمعنى الآخر لا تدل الآية على أكثر من أن يكون له عليه السلام صلاة، و لا تدل على أنها من الأمور المكلف بها أحد من أمته فيمكن أن يكون ذلك من خصوصياته عليه السلام، و ما روي عن الحسن ليس نصا في الغرض كما لا يخفى، هذا و جوز أن يكون العطف على هذه القراءة على‏ ما و تعقب بأنه يستدعي أن يحمل الترك على معنيين مختلفين و لا يترك على ما يتبادر منه.

و قرأ أبو عبد الرحمن و طلحة بالنون في الأول و التاء في الثاني، و العطف على مفعول‏ تَأْمُرُكَ‏ و المعنى ظاهر مما تقدم‏ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ وصفوه عليه السلام بهذين الوصفين الجليلين على طريقة الاستعارة التهكمية، فالمراد بهما ضد معناهما، و هذا هو المروي عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما، و إليه ذهب قتادة و المبرد.

و جوز أن يكونوا وصفوه بذلك بناء على الزعم، و الجملة تعليل لما سبق من استبعاد ما ذكروه كأنهم قالوا: كيف‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏6، ص: 314

تكلفنا بما تكلفنا مع أنك أنت الحليم الرشيد بزعمك؛ و قيل: يجوز أن يكون تعليلا باقيا على ظاهره بناء على أنه عليه السلام كان موصوفا عندهم بالحلم و الرشد، و كان ذلك بزعمهم مانعا من صدور ما صدر منه عليه السلام، و رجح الأول بأنه الأنسب بما قبله لأنه تهكم أيضا، و رجح الأخير بأنه يكون الكلام عليه نظير ما مر في قصة صالح عليه السلام من قولهم له: قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا [هود: 62] و تعقيبه بمثل ما عقب به ذلك حسبما تضمنه قوله سبحانه:

قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى‏ بَيِّنَةٍ حجة ظاهرة مِنْ رَبِّي‏ و مالك أموري‏ وَ رَزَقَنِي مِنْهُ‏ من لدنه سبحانه‏ رِزْقاً حَسَناً هو النبوة و الحكمة يدل على ذلك، و الجواب عليه من باب إرخاء العنان. و الكلام المنصف كأنه عليه السلام قال: صدقتم فيما قلتم إني لم أزل مرشدا لكم حليما فيما بينكم لكن ما جئت به ليس غير الإرشاد و النصيحة لكم، انظروا بعين الإنصاف و أنتم ألباء إن كنت على حجة واضحة و يقين من ربي و كنت نبيا على الحقيقة أ يصح لي و أنا مرشدكم و الناصح لكم أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان و الكف عن المعاصي و الأنبياء لا يبعثون إلا لذلك؟ ثم إنه عليه السلام أكد معنى الإرشاد، و أدرج معنى الحلم فيما سيأتي من كلامه صلّى اللّه عليه و سلم كذا قرره العلامة الطيبي.

و اختار شيخ الإسلام عدم كونه باقيا على الظاهر لما أن مقام الاستهزاء آب عنه، و ذكر قدس سره أن المراد بالبينة و الرزق الحسن النبوة و الحكمة، و أن التعبير عنهما بذلك للتنبيه على أنهما مع كونهما بينة رزق حسن كيف لا و ذلك مناط الحياة الأبدية له عليه السلام و لأمته؟ و أن هذا الكلام منه عليه السلام رد على مقالتهم الشنعاء المتضمنة زعم عدم استناد أمره و نهيه إلى سند، ثم قال: و جواب الشرط محذوف يدل عليه فحوى الكلام أي أ تقولون و المعنى أنكم عددتم ما صدر عني من الأوامر و النواهي من قبيل ما لا يصح أن يتفوه به عاقل و جعلتموه من أحكام الوسوسة و الجنون و استهزأتم بي و بأفعالي و قلتم ما قلتم، فأخبروني إن كنت من جهة ربي و مالك أموري ثابتا على النبوة و الحكمة التي ليس وراءها غاية للكمال و لا مطمح لطامح و رزقني لذلك رزقا حسنا أ تقولون في شأني و شأن أفعالي ما تقولون مما لا خير فيه و لا شر وراءه؟! و ادّعى أن هذا هو الجواب الذي يستدعيه السياق و يساعده النظم الكريم.

و فسر القاضي- الرزق الحسن- بما آتاه اللّه تعالى من المال الحلال، و معنى كون ذلك منه تعالى أنه من عنده سبحانه و بإعانته بلا كد في تحصيله، و قدر جواب الشرط فهل يسع لي مع هذا الإنعام الجامع للسعادة الروحانية و الجسمانية أن أخون في وحيه و أخالفه في أمره و نهيه، و ذكر أن هذا الكلام منه عليه السلام اعتذار عما أنكروا عليه من تغيير المألوف و النهي عن دين الآباء، و قدر بعضهم ما قدره العلامة الطيبي.

و زعم شيخ الإسلام أن ذينك التقديرين بمعزل عما يستدعيه السياق، و أنهما إنما يناسبان إن حمل كلامهم على الحقيقة؛ و أريد بالصلاة الدين حسبما نقل عن أبي مسلم و عطاء، و يكون المراد بالرزق الحسن على ذلك ما آتاه اللّه تعالى من الحلال فقط كما روي عن الضحاك و يكون المعنى حينئذ أخبروني إن كنت نبيا من عند اللّه تعالى و رزقني مالا حلالا أستغني به عن العالمين أ يصح أن أخالف أمره أو أوافقكم فيما تأتون و ما تذرون انتهى.

و أقول: لا يخفى أن المناسب للمقام حمل الرزق الحسن على ما آتاه اللّه تعالى من الحلال الخالي عن التطفيف و البخس، و تقدير جواب الشرط نحو ما قدره القاضي ليس في الكلام ما يأبى عنه، و لا يتوقف على حمل الكلام على الحقيقة و الصلاة على الدين بل يتأتى تقدير ذلك، و لو كان الكلام على سبيل التهكم و الصلاة بالمعنى المتبادر بأن يقال: إنهم قاتلهم اللّه تعالى لما قالوا في ظلال الضلال و قالوا ما قالوا في حق نبيهم و ما صدر منه من الأفعال لم يكن لهم مقصود إلا ترك الدعوة و تركهم و ما يفعلون، و لم يتعرض عليه السلام صريحا لرد قولهم المتضمن لرميه- و حاشاه بالوسوسة و الجنون و السفه و الغواية- إيذانا بأن ذلك مما لا يستحق جوابا لظهور بطلانه و تعرض‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏6، ص: 315

لجوابهم عما قصدوه بكلامهم ذلك بما يكون فيه قطع أطماعهم من أول الأمر مع الإشارة إلى رد ما تضمنته مقالتهم الشنعاء فكأنه عليه السلام قال لهم: يا قوم إنكم اجترأتم على هذه المقالة الشنيعة و ضمنتموها ما هو ظاهر البطلان لقصد أن أترككم و شأنكم من عبادة الأوثان و نقص المكيال و الميزان فأخبروني إن كنت نبيا من عند اللّه تعالى و مستتنيا بما رزقني من المال الحلال عنكم و عن غيركم أ يصح أن أخالف وحيه و أوافق هواكم لا يكون ذلك مني أصلا فإذن لا فائدة لكم في هذا الكلام الشنيع، و ربما يقال: إن في هذا الجواب إشارة إلى وصفهم بنحو ما وصفوه به عليه السلام كأنه قال: إن طلبكم مني ترك الدعوة و موافقة الهوى مع أني مأمور بدعوتكم و غني عنكم مما لا يصدر عن عاقل و لا يرتكبه إلا سفيه غاو، و كأن التعرض لذكر الرزق مع الكون على بينة للإشارة إلى وجود المقتضي و ارتفاع ما يظن مانعا، و لا يخفى ما في إخراج الجواب على هذا الوجه من الحسن فتأمل.

بقي أن الذي ذكره النحاة على ما قال أبو حيان في مثل هذا الكلام أعني‏ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ‏ إلخ أن تقدر الجملة الاستفهامية على أنها في موضع المفعول الثاني- لأرأيتم- المتضمنة معنى أخبروني المتعدية إلى مفعولين و الغالب في الثاني أن يكون جملة استفهامية، و جواب الشرط ما يدل عليه الجملة السابقة مع متعلقها، و التقدير- إن كنت على بينة من ربي فأخبروني هل يسع لي- إلخ فافهم و لا تغفل‏ وَ ما أُرِيدُ بنهيي إياكم عما أنهاكم عنه عن البخس و التطفيف‏ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى‏ ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ‏ أي أقصده بعد ما وليتم عنه فأستبد به دونكم كما هو شأن بعض الناس في المنع عن بعض الأمور يقال: خالفني فلان إلى كذا إذا قصده و أنت مول عنه، و خالفني عنه إذا ولى عنه و أنت قاصده.

قال في البحر: و الظاهر على ما ذكروه أن‏ أَنْ أُخالِفَكُمْ‏ في موضع المفعول به- لأريد- أي و ما أريد مخالفتكم، و يكون خالف بمعنى خلف نحو جاوز و جاز، و يكون المعنى و ما أريد أن أكون خلفا منكم، و إِلى‏ متعلقة بأخالف أو بمحذوف أي مائلا إلى ما أنهاكم عنه، و قيل: في الكلام فعل محذوف معطوف على المذكور أي و أميل إلى إلخ، و يجوز أن يبقى أخالف على ظاهره من المخالفة، و يكون‏ إِنْ‏ و ما بعدها في موضع المفعول به- لأريد- و يقدر مائلا إلى كما تقدم، أو يكون‏ إِنْ‏ و ما بعدها في موضع المفعول له، و إِلى‏ ما متعلقا- بأريد- أي و ما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه، و قال الزجاج في معنى ذلك: أي ما أقصد بخلافكم إلى ارتكاب ما أنهاكم عنه‏ إِنْ أُرِيدُ أي ما أريد بما أقول لكم‏ إِلَّا الْإِصْلاحَ‏ أي إلا أن أصلحكم بالنصيحة و الموعظة مَا اسْتَطَعْتُ‏ أي مدة استطاعتي ذلك و تمكني منه لا آلو فيه جهدا- فما- مصدرية ظرفية.

و جوز فيها أن تكون موصولة بدلا من الإصلاح أي المقدار الذي استطعته أو إِلَّا الْإِصْلاحَ‏ إصلاح ما استطعت، و هي إما بدل بعض أو كل لأن المتبادر من الإصلاح ما يقدر عليه، و قيل: بدل اشتمال، و عليه و على الأول يقدر ضمير أي منه لأنه في مثل ذلك لا بد منه؛ و جوز أيضا أن تكون مفعولا به للمصدر المذكور كقوله:

ضعيف النكاية أعداءه‏

يخال الفرار يراخي الأجل‏

أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من فاسدكم، و الأبلغ الأظهر ما قدمناه لأن في احتمال البدلية إضمارا و فوات المبالغة؛ و في الاحتمال الأخير إعمال المصدر المعرف في المفعول به، و فيه- مع أنه لا يجوز عند الكوفيين و يقل عند البصريين- فواتها، و زيادة إضمار مفعول «استطعت» وَ ما تَوْفِيقِي‏ أي ما كوني موفقا لتحقيق ما أتوخاه من إصلاحكم‏ إِلَّا بِاللَّهِ‏ أي بتأييده سبحانه و معونته.

و اختار بعضهم أن يكون المراد- و ما توفيقي لإصابة الحق و الصواب في كل ما آتي و أذر إلا بهدايته تعالى‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏6، ص: 316

و معونته- و الظاهر أن المراد و ما كل فرد من أفراد توفيقي لما صرحوا به من أن المصدر المضاف من صيغ العموم، و يؤول إلى هذا ما قيل: إن المعنى ما جنس توفيقي لأن انحصار الجنس يقتضي انحصار أفراده لكن على الأول بطريق المفهوم. و على الثاني بطريق المنطوق، و تقدير المضاف بعد الباء مما التزمه كثير، و فيه على ما قيل: دفع الاستكشال بأن فاعل التوفيق هو اللّه تعالى، و أهل العربية يستقبحون نسبة الفعل إلى الفاعل بالباء لأنها تدخل على الآلة فلا يحسن ضربي بزيد، و إنما يقال: من زيد، فالاستعمال الفصيح بناء على هذا- و ما توفيقي إلا من عند اللّه و وجه الدفع بذلك التقدير ظاهر لأن الدخول ليس على الفاعل حينئذ.

و جوز أن يكون ذلك التقدير لما أن التوفيق و هو كون فعل العبد موافقا لما يحبه اللّه تعالى و يرضاه لا يكون إلا بدلالة اللّه تعالى عليه، و مجرد الدلالة لا يجدي بدون المعونة منه عز شأنه‏ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ‏ في ذلك، أو في جميع أموري لا على غيره فإنه سبحانه القادر المتمكن من كل شي‏ء، و غيره سبحانه عاجز في حد ذاته بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار كما أشار إليه الكتاب و عاينه أولو البصائر و الألباب‏ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ‏ أي أرجع فيما أنا بصدده، أو أقبل بشراشري في مجامع أموري لا إلى غيره، و الجملة معطوفة على ما قبلها، و كأن إيثار صيغة الاستقبال فيها على الماضي الأنسب للتقرر و التحقق كما في التوكل لاستحضار الصورة و الدلالة على الاستمرار، و لا يخفى ما في جوابه عليه السلام مما لا يكاد يوجد في كلام خطيب إلا أن يكون نبيا.

و في أنوار التنزيل أن لأجوبته عليه السلام الثلاثة يعني‏ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ‏ إلخ‏ وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ‏ إلخ و إِنْ أُرِيدُ إلخ على هذا النسق شأنا، و هو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه و يذره ثلاثة حقوق أهمها و أعلاها حق اللّه تعالى، فإن الجواب الأول متضمن بيان حق اللّه تعالى من شكر نعمته و الاجتهاد في خدمته.

و ثانيها حق النفس، فإن الجواب الثاني متضمن بيان حق نفسه من كفها عما ينبغي أن ينتهي عنه غيره. و ثالثها حق الناس فإن الجواب الثالث متضمن للإشارة إلى أن حق الغير عليه إصلاحه و إرشاده؛ و إنما لم يعطف قوله: إِنْ أُرِيدُ إلخ على ما قبله لكونه مؤكدا و مقررا له لأنه لو أراد الاستئثار بما نهى عنه لم يكن مريدا للإصلاح، و لا ينافي هذا كونه متضمنا لجواب آخر، و كأن قوله: وَ ما تَوْفِيقِي‏ إلخ إزاحة لما عسى أن يوهمه إسناد الاستطاعة إليه بإرادته من استبداده بذلك، و نظير ذلك‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ [الفاتحة: 5] و فيه مع ما بعده إشارة إلى محض التوحيد، و قال غير واحد: إنه قد اشتمل كلامه عليه السلام على مراعاة لطف المراجعة و رفق الاستنزال و المحافظة على حسن المجاراة و المحاورة، و تمهيد معاقد الحق بطلب التوفيق من جانبه تعالى و الاستعانة به عز شأنه في أموره و حسم أطماع الكفار و إظهار الفراغ عنهم و عدم المبالاة بمعاداتهم، و قيل: و فيه أيضا تهديدهم بالرجوع إلى اللّه تعالى للجزاء، و ذلك من قوله: وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ‏ لأن الرجوع إليه سبحانه يكنى به عن الجزاء و هو و إن كان هنا مخصوصا به لاقتضاء المقام له لكنه لا فرق فيه بينه و بين غيره، و فيه مع خفاء وجه الإشارة أن الإنابة إنما هي الرجوع الاختياري بالفعل إليه سبحانه لا الرجوع الاضطراري للجزاء و ما يعمه، و قد يقال: إن في قوله: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ‏ إشارة أيضا إلى تهديدهم لأنه عز و جل الكافي المعين لمن توكل عليه لكن لا يتعين أن يكون ذلك تهديدا بالجزاء يوم القيامة وَ يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ‏ أي لا يكسبنكم‏ شِقاقِي‏ أي معاداتي، و أصلها أن أحد المتعاديين يكون في عدوة و شق و الآخر في آخر، و روي هذا عن السدي و عن الحسن ضراري، و عن بعض فراقي، و الكل متقارب، و هو فاعل- يجرمنكم- و الكاف مفعوله الأول، و قوله سبحانه: أَنْ يُصِيبَكُمْ‏ مفعوله الثاني، و قد جاء تعدي- جرم- إلى مفعولين كما جاء تعديها لواحد و هي مثل كسب في ذلك، و من الأول قوله:

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏6، ص: 317

و لقد طعنت أبا عيينة طعنة

« جرمت» فزارة بعدها أن يغضبوا

و إضافة- شقاق- إلى ياء المتكلم من إضافة المصدر إلى مفعوله أي لا يكسبنكم شقاقكم إياي أن يصيبكم‏ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ‏ من الغرق‏ أَوْ قَوْمَ هُودٍ من الريح‏ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ‏ من الرجفة و الصيحة و نهي الشقاق مجاز أو كناية عن نهيهم و هو أبلغ من توجيه النهي إليهم لأنه إذا نهى و هو لا يعقل علم نهي المشاقين بالطريق الأولى، و قرأ ابن وثاب و الأعمش «يجرمنكم» بضم الياء، و حكي أيضا عن ابن كثير و هو حينئذ من أجرمته ذنبا إذا جعلته جارما له أي كاسبا، و الهمزة للنقل من جرم المتعدي إلى مفعول واحد، و نظيره في النقل كذلك كسب المال فإنه يقال فيه أكسبه المال و القراءتان سواء في المعنى إلا أن المشهورة جارية على ما هو الأكثر استعمالا في كلام الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم، و قرأ مجاهد و الجحدري، و ابن أبي إسحاق «مثل» بالفتح، و روي ذلك عن نافع، و خرجه جمع على أن «مثل» فاعل أيضا إلا أنه بني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن، و قد جوز فيه و كذا في غير مع- ما و أن- المخففة و المشددة ذلك كالظروف المضافة للمبني، و على هذا جاء قوله:

لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت‏

حمامة في غصون ذات أو قال‏

و بعض على أنه نعت لمصدر محذوف و الفتحة إعراب أي إصابة مثل إصابة قوم نوح، و فاعل‏ يُصِيبَكُمْ‏ ضمير مستتر يعود على العذاب المفهوم من السياق و فيه تكلف‏ وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ زمانا كما روي عن قتادة أو مكانا كما روي عن غيره و مراده عليه السلام أنكم إن لم تعتبروا بمن قبل لقدم عهد أو بعد مكان فاعتبروا بهؤلاء فإنهم بمرأى و مسمع منكم و كأنه إنما غير أسلوب التحذير بهم و اكتفى بذكر قربهم إيذانا بأن ذلك مغن عن ذكر ما أصابهم لشهرة كونه منظوما في سمط ما ذكر من دواهي الأمم المرقومة، و جوز أن يراد بالبعد البعد المعنوي أي ليسوا ببعيد منكم في الكفر و المساوي، فاحذروا أن يحل بكم ما حل بهم من العذاب، و قد أخذ هذا المعنى بعض المتأخرين فقال:

فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم‏

فما قوم لوط منكم ببعيد

و إفراد «بعيد» و تذكيره مع كون المخبر عنه و هو قوم اسم جمع، و مؤنثا لفظا على ما نص عليه الزمخشري، و استدل له بتصغيره على قويمة و ذلك يقتضي أن يقال: ببعيدة موافقة للفظ و ببعداء موافقة للمعنى لأن المراد، و ما إهلاكهم أو و ما هم بشي‏ء بعيد، أو و ما هم في زمان بعيد أو مكان بعيد، و جوز أن يكون ذلك لأنه يستوي في بعيد المذكر و المؤنث لكونه على زنة المصادر كالنهيق و الصهيل. و في الكشف عن الجوهري أن القوم يذكر و يؤنث لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر و تؤنث مثل رهط و نفر و قوم و إذا صغرت لم تدخل فيه الهاء، و قلت: قويم و رهيط و نفير، و يدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل الإبل و الغنم لأن التأنيث لازم و بينه و بين ما نقل عن الزمخشري بون بعيد، و عليه فلا حاجة إلى التأويل، هذا ثم إنه عليه السلام لما أنذرهم سوء عاقبة صنيعهم عقبه طمعا في اروعائهم عما هم فيه من الضلال بالحمل على الاستغفار و التوبة فقال: وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ‏ مر تفسير مثله‏ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ‏ عظيم الرحمة فيرحم من يطلب منه المغفرة وَدُودٌ أي كثير الود و المحبة فيحب من يتوب و يرجع إليه، و المشهور جعل الودود مجازا باعتبار الغاية أي مبالغ في فعل ما يفعل البليغ المودة بمن يوده من اللطف و الإحسان.

و جوز أن يكون كناية عند من لم يشترط إمكان المعنى الأصلي، و الداعي لارتكاب المجاز أو الكناية على ما قيل: إن المودة بمعنى الميل القلبي و هو مما لا يصح وصفه تعالى به، و السلفي يقول: المودة فينا الميل المذكور، و فيه‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏6، ص: 318

سبحانه وراء ذلك مما يليق بجلال ذاته جل جلاله، و قيل: معنى‏ وَدُودٌ متحبب إلى عباده بالإحسان إليهم، و قيل:

محبوب المؤمنين، و تفسيره هنا بما تقدم أولى، و الجملة في موضع التعليل للأمر السابق و لم يعتبر الأكثر ما أشرنا إليه من نحو التوزيع، فقال: عظيم الرحمة للتائبين مبالغ في اللطف و الإحسان بهم، و هو مما لا بأس به‏ قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ‏ أي ما نفهم ذلك كأنهم جعلوا كلامه المشتمل على فنون الحكم و المواعظ و أنواع العلوم و المعارف إذ ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل و لم يجدوا إلى محاورته عليه السلام سبيلا من قبيل التخليط و الهذيان الذي لا يفهم معناه و لا يدرك فحواه، و قيل: قالوا ذلك استهانة به عليه السلام كما يقول الرجل لمن لا يعبأ به:

لا أدري ما تقول، و ليس فيه كثير مغايرة للأول، و يحتمل أن يكون ذلك لعدم توجههم إلى سماع كلامه عليه السلام لمزيد نفرتهم عنه أو لغباوتهم و قصور عقولهم، قيل: و قولهم‏ كَثِيراً للفرار عن المكابرة و لا يصح أن يراد به الكل و إن ورد في اللغة لأن مما تقول يأبى ذلك كما أن‏ كَثِيراً نفسه يأبى حمل كلامهم هذا على أنه كناية عن عدم القبول، و زعم بعضهم أنهم إنما لم يفقهوا كثيرا مما يقول لأنه عليه السلام كان ألثغ، و أظن أنه لم يفصح بذلك خبر صحيح على أن ظاهر ما جاء من وصفه عليه السلام بأنه خطيب الأنبياء يأبى ذلك. و لعل صيغة المضارع للإيذان بالاستمرار وَ إِنَّا لَنَراكَ فِينا أي فيما بيننا ضَعِيفاً لا قوة لك و لا قدرة على شي‏ء من الضر و النفع و الإيقاع و الدفع.

و روي عن ابن عباس و ابن جبير و سفيان الثوري و أبي صالح تفسير الضعيف بالأعمى و هي لغة أهل اليمن، و ذلك كما يطلقون عليه ضريرا و هو من باب الكناية على ما نص عليه البعض، و إطلاق البصير عليه كما هو شائع من باب الاستعارة تمليحا، و ضعف هذا التفسير بأن التقييد بقولهم: فينا بصير لغوا لأن من كان أعمى يكون أعمى فيهم و في غيرهم و إرادة لازمه و هي الضعف بين من ينصره و يعاديه لا يخفى تكلفه، و من هنا قال الإمام: جوز بعض أصحابنا العمى على الأنبياء عليهم السلام لكن لا يحسن الحمل عليه هنا، و أنت تعلم أن المصحح عند أهل السنة أن الأنبياء عليهم السلام ليس فيهم أعمى، و ما حكاه اللّه تعالى عن يعقوب عليه السلام كان أمرا عارضا و ذهب.

و الأخبار المروية عمن ذكرنا في شعيب عليه السلام لم نقف على تصحيح لها سوى ما روي عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما فإن الحاكم صحح بعض طرقه لكن تصحيح الحاكم كتضعيف ابن الجوزي غير معول عليه، و ربما يقال فيه نحو ما قيل في يعقوب عليه السلام،

فقد أخرج الواحدي و ابن عساكر عن شداد بن أوس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «بكى شعيب عليه السلام من حب اللّه تعالى حتى عمي فرد اللّه تعالى عليه بصره و أوحى إليه يا شعيب ما هذا البكاء أ شوقا إلى الجنة أم خوفا من النار، فقال: لا و لكن اعتقدت حبك بقلبي فإذا نظرت إليك فلا أبالي ما الذي تصنع بي، فأوحى اللّه تعالى إليه يا شعيب إن يكن ذلك حقا فهنيئا لك لقائي يا شعيب لذلك أخدمتك موسى ابن عمران كليمي»،

و ذهب بعض المعتزلة إلى أنه لا يجوز استنباء الأعمى لكونه صفة منفرة لعدم الاحتراز معه عن النجاسات و لأنه يخل بالقضاء و الشهادة فإخلاله بمقام النبوة أولى، و أجيب بأنا لا نسلم عدم الاحتراز معه عن النجاسات فإن كثيرا ممن نشاهده من العميان أكثر احترازا عنها من غيره، و بأن القاضي و الشاهد يحتاجان إلى التمييز بين المدعي و المدعى عليه، و النبي لا يحتاج لتمييز من يدعوه مع أنه معصوم فلا يخطى‏ء كغيره كذا قيل، فلينظر وَ لَوْ لا رَهْطُكَ‏ أي جماعتك قال الراغب: هم ما دون العشرة.

و قال الزمخشري: من الثلاثة إلى العشرة، و قيل: إلى السبعة، و قيل: بل يقال: إلى الأربعين، و لا يقع فيما قيل- كالعصبة. و النفر- إلا على الرجال، و مثله الراهط و جمعه أرهط و جمع الجمع أراهط، و أصله على ما نقل عن الرماني الشد، و منه الرهيط لشدة الأكل، و الراهطاء لحجر اليربوع لأنه يتوثق به و يخبى‏ء فيه ولده، و الظاهر أن مرادهم لو لا

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏6، ص: 319

مراعاة جانب رهطك‏ لَرَجَمْناكَ‏ أي لقتلناك برمي الأحجار، و هو المروي عن ابن زيد، و قيل: ذلك كناية عن نكاية القتل كأنهم قالوا: لقتلناك بأصعب وجه، و قال الطبري: أرادوا لسببناك كما في قوله تعالى: لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم: 46]، و قيل: لأبعدناك و أخرجناك من أرضنا، و لم يجوزوا أن يكون المراد لو لا ممانعة رهطك و مدافعتهم لأن ممانعة الرهط و هم عدد نزر لألوف مؤلفة مما لا يكاد يتوهم؛ و معنى‏ وَ ما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ ما أنت بمكرم محترم حتى نمتنع من رجمك و إنما نكف عنك للمحافظة على حرمة رهطك الذين ثبتوا على ديننا و لم يختاروك علينا، و الجار الأول متعلق‏ بِعَزِيزٍ و جاز لكون المعمول ظرفا و الباء مزيدة، و لك أن تجعله متعلقا بمحذوف يفسره الظاهر و هو خبر أنت، و قد صرح السكاكي في المفتاح أنه قصد بتقديم هذا الضمير الذي هو فاعل معنوي و إن لم يكن الخبر فعلا بل صفة مشبهة و إيلائه النفي الحصر و الاختصاص أي اختصاص النفي بمعنى أن عدم العزة مقصور عليك لا يتجاوزك إلى رهطك لا بمعنى نفي الاختصاص بمعنى لست منفردا بالعزة و هو ظاهر، قاله العلامة الثاني، و قال السيد السند: إنه قصد فيه نفي العزة عن شعيب عليه السلام و إثباتها لرهطه فيكون تخصيصا للعزة بهم و يلزمه تخصيص عدمها به إلا أن المتبادر كما يشهد به الذوق السليم هو القصد إلى الأول، و استدل السكاكي على كون ذلك للاختصاص بقوله عليه السلام في جواب هذا الكلام ما حكي بقوله عز شأنه: قالَ يا قَوْمِ أَ رَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ‏ أي من نبي اللّه على ما قال عليه الرحمة، و وجه الاستدلال كما قال العلامة و غيره: إنه لو لم يكن قصدهم اختصاصه بنفي العزة بل مجرد الإخبار بعدم عزته عليهم لم يستقم هذا الجواب و لم يكن مطابقا لمقالهم إذ لا دلالة لنفي العزة عنه على ثبوتها للغير، و إنما يدل على ذلك اختصاصه بنفي العزة.

و اعترض صاحب الإيضاح بأن هذا من باب أنا عارف و هو لا يفيد الاختصاص وفاقا و إنما يفيده التقديم على الفعل مثل أنا عرفت، و كون المشتقات قريبة من الأفعال في التقوى لا يقتضي كونها كالأفعال في الاختصاص و التمسك بالجواب ضعيف لجواز أن يكون جوابا لقولهم: لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ‏ فإنه يدل على أن رهطه هم الأعزة حيث كان الامتناع عن رجمه بسببهم لا بسببه و معلوم بحسب الحال و المقام أن ذلك لعزتهم لا لخوفهم، و تعقبه السيد السند بأن صاحب الكشاف صرح بالتخصيص في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها [المؤمنون:

100] فكيف يقال: باب أنا عارف لا يفيد الاختصاص اتفاقا و إن جعله جوابا لما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ هو الظاهر بأن يجعل التنوين للتعظيم فيدل على ثبوت أصل العزة له عليه السلام و لا دلالة لقولهم: وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ‏ على اشتراك العزة فلا يلائمه أرهطي أعز عليكم، ثم قال: فإن قيل: شرط التخصيص عند السكاكي أن يكون المقدم بحيث إذا أخر كان فاعلا معنويا و لا يتصور ذلك فيما نحن فيه قلنا: إن الصفة بعد النفي تستقل مع فاعلها كلاما فجاز أن يقال: ما عزيز أنت على أن يكون أنت تأكيدا للمستتر ثم يقدم و يدخل الباء على عزيز بعد تقديم‏ أَنْتَ‏ و جعله مبتدأ. و كذلك قوله سبحانه: وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا [هود: 29] وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ* [الزمر: 41، الشورى: 6] مما يلي حرف النفي و كان الخبر صفة، و قد صرح صاحب الكشاف و غيره بإفادة التقديم الحصر في ذلك كله، و أما صورة الإثبات نحو أنا عارف فلا يجري فيها ذلك فلا يفيد عنده تخصيصا، و إن كان مفيدا إياه عند من لا يشترط ذلك.

صفحه بعد