کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم

الجزء الحادي عشر

فهرس المجلد الحادي عشر من روح المعاني

الجزء الثاني عشر

الفهرس

الجزء الثالث عشر

فهرس المجلد الثالث عشر من روح المعاني

الجزء الرابع عشر

فهرس المجلد الرابع عشر من روح المعاني

الجزء الخامس عشر

فهرس المجلد الخامس عشر من روح المعاني

الجزء السادس عشر

الفهارس العامة

فهرس الآيات المفسرة

تفسير سورة البقرة تفسير سورة آل عمران تفسير سورة النساء تفسير سورة المائدة تفسير سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة يوسف تفسير سورة الرعد تفسير سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر تفسير سورة النحل تفسير سورة الإسراء تفسير سورة الكهف تفسير سورة مريم تفسير سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة القصص تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة تفسير سورة الأحزاب تفسير سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة ص تفسير سورة الزمر تفسير سورة المؤمن تفسير سورة فصلت تفسير سورة الشورى تفسير سورة الزخرف تفسير سورة الدخان تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة و النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن عز و جل تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة تبت تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

فهرس آيات الشواهد

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة النبأ سورة المرسلات سورة الإنسان سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم


صفحه قبل

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏7، ص: 272

ذهب إليه الفلاسفة و احتجوا عليه بأن بعضها فيه فيجب أن يكون كلها كذلك، أما الأول فلأن الثوابت التي تكون قريبة من المنطقة تنكسف بالسيارات فوجب أن تكون الثوابت المنكسفة فوق السيارات الكاسفة، و أما الثاني فلأنها بأسرها متحركة حركة واحدة بطيئة كل مائة سنة أو أقل على الخلاف درجة فلا بد أن تكون مركوزة في كرة واحدة، و هو احتجاج ضعيف لأنه لا يلزم من كون بعض الثوابت فوق السيارات كون كلها هنا لأنه لا يبعد وجود كرة تحت كرة القمر و تكون في البطء مساوية لكرة الثوابت و تكون الكواكب المركوزة فيما يقارب القطبين مركوزة في هذه الكرة السفلية إذ لا يبعد وجود كرتين مختلفتين بالصغر و الكبر مع كونهما متشابهتين في الحركة، و على هذا لا يمتنع أن تكون هذه النجوم في السماء الدنيا، و قد ذكر الجلال السيوطي و غيره أنه جاء في بعض الآثار أن الكواكب معلقة بسلاسل من نور بأيدي ملائكة في السماء الدنيا يسيرونها حيث شاء اللّه تعالى و كيف شاء إلا أن في صحة ذلك ما فيه، على أن ما ذكر في السؤال من أن ذلك يستلزم الخرق و هو مما لا يكاد يقال إما أن يكون مبنيا على القول بامتناع الخرق و الالتئام على الفلك المحدد و غيره فقد تقرر فساد ذلك و حقق إمكان الخرق و الالتئام بما لا مزيد عليه في غير كتاب من كتب الكلام، و إما أن يكون مبنيا على مجرد الاستبعاد فهو مما لا يفيد شيئا لأن أكثر الممكنات مستبعدة و هي واقعة و لا أظنك في مرية من ذلك بل قد يقال: نحن لا نلتزم أن الكوكب نفسه يتبع الشيطان فيحرقه، و الشهاب ليس نصا في الكوكب لما علمت ما قيل في معناه و إن قيل: إنه بنفسه ينقض و يرمي الشيطان ثم يعود إلى مكان لظاهر إطلاق الرجوم على النجوم و قولهم رمي بالنجم مثلا.

و كذا لا نلتزم القول بأنه ينفصل عن الكوكب شعلة كالقبس الذي يؤخذ من النار فيرمى بها كما قاله غير واحد لنحتاج في الجواب عن السؤال بما تقدم إذ يجوز أن يقال: إنه يؤثر حين كان بإذن اللّه تعالى هذه الشعلة المسماة بالشهاب و يحرق بها من شاء اللّه تعالى من الشياطين، و إطلاق الرجوم على النجوم و قولهم: رمي بالنجم يحتمل أن يكون مبينا على الظاهر للرائي كما في قوله تعالى في الشمس: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [الكهف: 86] و قال الإمام:

إن هذه الشهب ليست هي الثوابت المركوزة في الفلك و الإظهار نقصان كثير في أعدادها مع أنه لم يوجد نقصان أصلا. و أيضا إن في جعلها رجوما ما يوجب النقصان في زينة السماء بل هي جنس آخر غيرها يحدثها اللّه تعالى و يجعلها رجوما للشياطين، و لا يأباه قوله تعالى: وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ‏ [الملك:

5] حيث أفاد أن تلك المصابيح هي الرجوم بأعيانها لأنا نقول: كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض إلا أن المصابيح منها باقية على وجه الدهر أمنة من التغير و الفساد و منها ما لا يكون كذلك و الشهاب من هذا القسم و حينئذ يزول الاشكال انتهى. و الجرح و التعديل بين القولين مفوضان إلى شهاب ذهنك الثقاب، و في أجوبته السابقة رحمه اللّه تعالى ما لا يخفى ضعفه، و كذا شاهدة عليه بقلة الاطلاع على الأخبار الصحيح المشهورة، ألا ترى قوله في الجواب عن ثالث الأسئلة التسعة: إن البعد بين السماء و الأرض خمسمائة عام و أما ثخن الفلك فإنه لا يكون عظيما فإنه مخالف لما نطقت به الشريعة و هذت به الفلسفة، أما مخالفته للأول فلأنه قد صح أن سمك كل سماء خمسائة عام كما صح أن بين السماء و الأرض كذلك، و أما مخلفته للثاني فلأنه لم يقل أحد من الفلاسفة: أن بين السماء و الأرض هذه المسافة التي ذكرها، و الافلاك عندهم مخالفتة في الثخن، و قد بينوا ثخن كل بالفراسخ حسبما ذكر في كتب الأجرام و الابعاد، و ذكروا في ثخن المحدد ما يشهد بمزيد عظمة اللّه جل جلاله لكن لا مستند لهم قطعي في ذلك بل إن قولهم: لا فضل في الفلكيات مع كونه أشبه شي‏ء بالخطابيات يعكر عليه. و قوله في الجواب عن السادس: إنه إنما دام لئلا يقدح انقطاعه في خبر الرسول صلى اللّه عليه و سلم عن بطلان الكهانة فإنه مستلزم للدور إذ الظاهر أنه عليه‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏7، ص: 273

الصلاة و السلام إنما أخبر بذلك لعلمه بدوام القذف المانع من تحقق ما تتوقف عليه الكهانة. و قوله في الجواب عن الخامس: إن النار قد تكون أقوى من نار أخرى فتبطلها ظاهر في أن الشياطين نار صرفة و ليس كذلك بل الحق أنهم يغلب عليهم العنصر الناري و قد حصل لهم بالتركيب و لو مع غلبة هذا العنصر ما ليس للنار الصرفة و هو ظاهر.

هذا ثم اعلم أنه يجوز أن يكون استراق السمع من الملائكة الذين عند السماء لا من الملائكة الذين بين كل سماء و سماء ليجي‏ء حديث الثخن و استبعاد السماع معه، و يشهد لهذا ما

رواه البخاري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي اللّه تعالى عنهم قالت: «سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: إن الملائكة تنزل في العنان و هو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون مع الكلمة مائة كذبة من عند أنفسهم»

و لا ينافيه ما

رواه أيضا عن عكرمة أنه قال: «سمعت أبا هريرة يقول: إن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: إذا أقضي اللّه تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانا لقوله سبحانه كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق و هو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع» الخبر،

إذ ليس فيه أكثر من سماع المسترق الكلمة بعد قول الملائكة عليهم السلام بعضهم لبعض، و عدم منافاة هذا لذاك ظاهر عند من ألقي السمع و هو شهيد، و أنه ليس في الآيات ما هو نص في أن ما نراه من الشهب لا يكون إلا لرمي شيطان يسترق بل غاية ما فيها أنه إذا استرق شيطان أتبعه شهاب و رمي بنجم و أين هذا من ذاك؟ نعم في خبر الزهري ما يحتاج معه إلى تأمل، و على هذا فيجوز أن يكون حدوث بعض ما نراه من الشهب لتصاعد البخار حسبما تقدم عن الفلاسفة، و كذا يجوز أن يكون صعود الشياطين للاستراق في كل سنة مثلا مرة، و لا يخفى نفع هذا في الجواب عن السؤال الثاني.

و من الناس من أجاب عنه بأنه لا يبعد أن يكون المسترقون صنفا من الشياطين تقتضي ذواتهم التصاعد نظير تصاعد الأبخرة، بل يجوز أن يكون أولئك الشياطين أبخرة تعلقت بها أنفس خبيثة على نحو ما ذكر الفلاسفة من أنه قد يتعلق بذوات الأذناب نفس فتغيب و تطلع بنفسها و فيه بحث. و نقل الإمام عن الجبائي أنه قال في الجواب عن ذلك:

إن الحالة التي تعتريهم ليس لها موضع معين و إلا لم يذهبوا إليه و إنما يمنعون من المصير إلى مواضع الملائكة و مواضعها مختلفة فربما صاروا إلى موضعهم فتصيبهم الشهب و ربما صاروا إلى غيره و لا يصادفون الملائكة فلا يصيبهم شي‏ء فلما هلكوا في بعض الأوقات و سلموا في بعضها جاز أن يصيروا إلى موضع يغلب على ظنونهم أنها لا تصيبهم فيه كما يجوز فيمن يسلك البحر أن يسلكه في موضع يغلب على ظنه حصول النجاة فيه.

و تعقبه بقوله: و لقائل أن يقول: إنهم إن صعدوا فإما أن يصلوا إلى مواضع الملائكة أو إلى غيرها فإن وصلوا إلى الأول احترقوا و إن إلى الثاني لم يظفروا بمقصود أصلا، فعلى كلا التقديرين المقصود غير حاصل فإذا حصلت هذه التجربة و ثبت بالاستقراء أن الفوز بالمقصود محقق وجب أن يمتنعوا، و هذا بخلاف حال المسافر في البحر فإن الغالب على المسافرين فيه الفوز بالمقصود، ثم قال: فالأقرب في الجواب أن نقول: هذه الواقعة إنما تتفق في الندرة فلعلها لا تشتهر بسبب كونها نادرة فيما بين الشياطين اه.

و أنت تعلم أن هذا لا يكاد يتم إلا مع القول بأنه ليس كل ما نراه من الشهب يحرق به الشياطين و الأمر مع هذا القول سهل كما لا يخفى. و ذكر البيضاوي أن استراق السمع خطفتهم اليسيرة من قطان السموات لما بينهم من المناسبة في الجوهر. أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب و حركاتها، و ذكر عند قوله تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ‏ [الشعراء: 212] أن السمع مشروط بمشاركتهم في صفات الذات و قبول فيضان الحق و الانتقاش بالصورة الملكوتية و نفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لا تقبل ذلك، و لا يخفى ما فيه، فإنه ظاهر في أن الاستراق يقتضي‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏7، ص: 274

مناسبة الجوهر و السمع التام يقتضي المشاركة المذكورة و هو لا يتمشى على أصول الشرع، و في أن تلقيهم يكون من الأوضاع الفلكية و هو مخالف لصريح النظم و الأحاديث مع أنه يقتضي أن يكون قطان السماء بمعنى الكواكب و شمول‏ مَنِ‏ شياطين الانس من المنجمين و هو كما ترى. و ذكر هو و غيره عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أن الشياطين كانوا لا يحجبون عن السموات فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات و لما ولد النبي صلى اللّه عليه و سلم منعوا من السموات كلها اه.

و من الناس من ذهب أخذا ببعض الظواهر إلى أن المنع عند البعثة و اللّه تعالى أعلم «بقي هاهنا إشكال» ذكره الإمام مع جوابه فقال: و لقائل أن يقول: إذا جوزتم في الجملة أن يصعد الشيطان إلى السماء و يسمع أخبار الغيوب من الملائكة عليهم السلام ثم يلقيها إلى الكهنة وجب أن يخرج الأخبار عن المغيبات عن كونه معجزا دالا على الصدق لأن كل غيب يخبر عنه الرسول عليه الصلاة و السلام يقوم فيه هذا الاحتمال، و لا يقال: إن اللّه تعالى أخبر أنهم عجزوا عن ذلك بعد مولده صلى اللّه عليه و سلم لأنا نقول: هذا المعجز لا يمكن إثباته إلا بعد القطع بكونه عليه الصلاة و السلام رسولا و بكون القرآن حقا و القطع بهذا لا يمكن إلا بواسطة المعجز، و كون الإخبار عن الغيوب معجزا لا يثبت إلا بعد إبطال هذا الاحتمال و حينئذ يلزم الدور و هو محال. و يمكن أن يجلب عنه بأنا نثبت كونه صلى اللّه عليه و سلم رسولا بسائر المعجزات ثم بعد العلم بثبوت ذلك نقطع بأن اللّه تعالى أعجز الشياطين عن تلقف الغيب بهذا الطريق و عند ذلك يصير الإخبار عن الغيوب معجزا و لا يلزم الدور اه فتدبر و اللّه سبحانه ولي التوفيق و بيده أزمة التحقيق.

وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها بسطناها، قال الحسن: أخذ اللّه تعالى طينة فقال لها: انبسطي فانبسطت، و عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن أم القرى مكة و منها دحيت الأرض و بسطت، و عن ابن عباس أنه قال: بسطناها على وجه الماء، و قيل:

يحتمل أن يكون المراد جعلناها ممتدة في الجهات الثلاث الطول و العرض و العمق، و الظاهر أن المراد بسطها و توسعتها ليحصل بها الانتفاع لمن حلها و لا يلزم من ذلك نفي كرويتها لما أن الكرة العظيمة لعظمها ترى كالسطح المستوي، و نسب‏ الْأَرْضَ‏ على الحذف على شريطة التفسير و هو في مثل ذلك أرجح من الرفع على الابتداء للعطف على الجملة الفعلية أعني قوله تعالى: وَ لَقَدْ جَعَلْنا إلخ و ليوافق ما بعده أعني قوله سبحانه: وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ‏ أي جبالا ثوابت جمع راسية جمع رأس على ما قيل، و قد بين حكمة إلقاء ذلك فيها في قوله سبحانه: وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ* [النحل: 15، لقمان: 10].

قال ابن عباس: إن اللّه تعالى لما بسط الأرض على الماء مالت كالسفينة فأرساها بالجبال الثقال لئلا تميل بأهلها، و قد تقدم الكلام في ذلك. و زعم بعضهم‏ «1» أنه يجوز أن يكون المراد أنه تعالى فعل ذلك لتكون الجبال دالة على طرق الأرض و نواحيها فلا تميد الناس عن الجادة المستقيمة و لا يقعون في الضلال، ثم قال: و هذا الوجه ظاهر الاحتمال. و أنت تعلم أنه لا يسوغ الذهاب إليه مع وجود أخبار تأباه كالجبال‏ وَ أَنْبَتْنا فِيها أي في الأرض، و هي إما شاملة للجبال لأنها تعد منها أو خاصة بغيرها لأن أكثر النبات و أحسنه في ذلك. و جوز أن يكون الضمير للجبال و الأرض بتأويل المذكورات مثلا أو للأرض بمعنى ما يقابل السماء بطريق الاستخدام، و عوده على الرواسي لقربها و حمل الإنبات على إخراج المعادن بعيد مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْزُونٍ‏ أي مقدر بمقدار معين تقتضيه الحكمة فهو مجاز مستعمل في لازم معناه أو كناية أو من كل شي‏ء مستحسن متناسب من قولهم: كلام موزون، و أنشد المرتضى في‏

(1) هو الإمام الرازي اه منه.

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏7، ص: 275

درره لهذا المعنى قول عمر بن أبي ربيعة:

و حديث ألذه و هو مما

تشتهيه النفوس يوزن وزنا

و قد شاع استعمال ذلك في كلام العجم و المولدين فيقولون: قوام موزون أي متناسب معتدل، أو ما له قدر و اعتبار عند الناس في أبواب النعمة و المنفعة، و قال ابن زيد: المراد ما يوزن حقيقة كالذهب و الفضة و غيرهما، و مِنْ‏ كما في البحر للتبعيض، و قال الأخفش: هي زائدة أي كل شي‏ء وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ‏ ما تعيشون به من المطاعم و المشارب و الملابس و غيرها مما يتعلق به البقاء و هي بياء صريحة. و قرأ الأعرج و خارجة عن نافع بالهمز، قال ابن عطية: و الوجه تركه لأن الياء في ذلك عين الكلمة، و القياس في مثله أن لا يبدل همزة و إنما يبدل إذا كان زائدا كياء شمائل و خبائث. لكن لما كان الياء هنا مشابها للياء هناك في وقوعه بعد مدة زائدة في الجمع عومل معاملته على خلاف القياس‏ وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ‏ عطف على معايش أي و جعلنا لكم من لستم برازقيه من العيال و المماليك و الخدم و الدواب و ما أشبهها على طريقة التغليب كما قال الفراء و غيره، و ذكرهم بهذا العنوان لرد حسبان بعض الجهلة أنهم يرتزقون منهم أو لتحقيق أن اللّه تعالى يرزقهم و إياهم مع ما في ذلك من عظيم الامتنان، و يجوز عطفه على محل‏ لَكُمْ‏ و جوز الكوفيون و يونس و الأخفش. و صححه أبو حيان العطف على الضمير المجرور و إن لم يعد الجار، و المعنى على التقديرين سواء أي و جعلنا لكم معايش و لمن لستم له برازقين، و قال الزجاج: إن‏ مَنْ‏ في محل نصب بفعل محذوف و التقدير و أعشنا من لستم إلخ أي أمما غيركم لأن المعنى أعشناكم، و قيل: إنه في محل رفع على الابتداء و خبره محذوف لدلالة المعنى عليه أي و من لستم له برازقين جعلنا له فيها معايش و هو خلاف الظاهر، و قال أبو حيان: لا بأس به فقد أجازوا ضربت زيدا و عمرو بالرفع على الابتداء أي و عمرو ضربته فحذف الخبر لدلالة ما قبله عليه.

و أخرج ابن المنذر و غيره عن مجاهد أن المراد ب مَنْ لَسْتُمْ‏ إلخ الدواب و الأنعام، و عن منصور الوحش، و عن بعضهم ذاك و الطير- فمن- على هذه الأقوال لما لا يعقل‏ وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِنْ‏ نافية و مِنْ‏ مزيدة للتأكيد و شَيْ‏ءٍ في محل الرفع على الابتداء أي ما شي‏ء من الأشياء الممكنة فيدخل فيها ما ذكر دخولا أوليا و الاقتصار عليه قصور. و زعم ابن جريج و غيره أن الشي‏ء هنا المطر خاصة.

إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ‏ الظرف خبر للمبتدأ و خَزائِنُهُ‏ مرتفع به على أنه فاعله لاعتماده أو مبتدأ و الظرف خبره و الجملة خبر للمبتدأ الأول، و الخزائن جمع خزانة و لا تفتح و هي اسم للمكان الذي يحفظ فيه نفائس الأموال لا غير غلبت- على ما قيل- في العرف على ما للملوك و السلاطين من خزائن أرزاق الناس، شبهت مقدوراته تعالى الغائبة للحصر المندرجة تحت قدرته الشاملة في كونها مستورة عن علوم العالمين و مصونة عن وصول أيديهم مع وفور رغبتهم فيها و كونها متهيئة متأتية لإيجاده و تكوينه بحيث متى تعلقت الإرادة بوجودها وجدت بلا تأخر بنفائس الأموال المخزونة في الخزائن السلطانية فذكر الخزائن على طريقة الاستعارة التخييلية قاله غير واحد، و جوز أن يكون قد شبه اقتداره تعالى على كل شي‏ء و إيجاده لما يشاء بالخزائن المودعة فيها الأشياء المعدة لأن يخرج منها ما شاء فذكر ذلك على سبيل الاستعارة التمثيلية، و المراد ما من شي‏ء إلا و نحن قادرون على إيجاده و تكوينه، و قيل: الأنسب أنه مثل لعلمه تعالى بكل معلوم، و وجهه- على ما قيل- أنه يبقى‏ شَيْ‏ءٍ على عمومه لشموله الواجب و الممكن بخلاف القدرة و لأن عند أنسب بالعلم لأن المقدور ليس عنده إلا بعد الوجود. و تعقب بأن كون المقدورات في خزان القدرة ليس باعتبار الوجود الخارجي بل الوجود العلمي، و قال قوم: الخزائن على حقيقتها و هي الأماكن التي تحفظ

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏7، ص: 276

فيها الأشياء و إن للريح مكانا و للمطر مكانا و لكل مكان حفظة من الملائكة عليهم السلام، و لا يخفى أنه لا يمكن مع تعميم الشي‏ء وَ ما نُنَزِّلُهُ‏ أي نوجد ما نكون شيئا من تلك الأشياء ملتبسا بشي‏ء من الأشياء إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏ أي إلا ملتبسا بمقدار معين تقتضيه الحكمة و تستدعيه المشيئة التابعة لها من بين المقدورات الغير المتناهية فإن تخصيص كل شي‏ء بصفة معينة و قدر معين و وقت محدود دون ما عدا ذلك مع استواء الكل في الأشكال و صحة تعلق القدرة به لا بد له من حكمة تقتضي اختصاص كل من ذلك بما اختص به.

و هذا لبيان سر عدم تكون الأشياء على وجه الكثرة حسبما هو في الخزائن، و هو إما عطف على مقدر أي ننزله و ما ننزله إلا بقدر إلى آخره أو حال مما سبق أي عندنا خزائن كل شي‏ء و الحال أنا ما ننزله إلا بقدر إلى آخره، فالأول لبيان سعة القدرة، و الثاني لبيان بالغ الحكمة قاله. مولانا شيخ الإسلام. و قرأ الأعمش «و ما نرسله إلا» إلى آخره، و هي على ما في البحر قراءة تفسير لمخالفتها لسواد المصحف، و الأولى في التفسير ما ذكرنا، و إنما عبر عن إيجاد ذلك و إنشائه بالتنزيل لما أنه بطريق التفضل من العالم العلوي إلى العالم السفلي و قيل: لما أن فيه إخراج الشي‏ء مما تميل إليه ذاته من العدم إلى ما لا تميل إليه ذاته من الوجود، و هذا كما في قوله تعالى: وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ‏ [الزمر: 6] و قوله سبحانه: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد: 25] و كأن من حمل الشي‏ء على المطر غره ظاهر التنزيل فارتكب خلاف ظاهره وجدا، و كأنه لما كان ذلك بطريق التدريج عبر عنه بالتنزيل، و جي‏ء بصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار. و استدل بعض القائلين يشيئية المعدوم على ذلك بهذه الآية، و قد بين وجهه و الجواب عنه الإمام و نحن مع القائلين بالشيئية وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ‏ عطف على‏ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ‏ و ما بينهما اعتراض لتحقيق ما سبق و ترشيح ما لحق، و اللواقح جمع لاقح بمعنى حامل يقال: ناقة لاقح أي حامل، و وصف الرياح بذلك على التشبيه البليغ، شبهت الريح التي بالسحاب الماطر بالناقة الحامل لأنها حاملة لذلك السحاب أو للماء الذي فيه، و قال الفراء: إنها جمع لاقح على النسب كلابن و تامر أي ذات لقاح و حمل، و ذهب إليه الراغب، و يقال لضدها ريح عقيم، و قال أبو عبيدة: لَواقِحَ‏ أي ملاقح جمع ملقحة كالطوائح في قوله:

لبيك يزيد ضارع لخصومة

و مختبط مما تطيح الطوائح‏

أي المطاوح جمع مطيحة، و هو من ألقح الفحل الناقة إذا ألقى ماءه فيها لتحمل، و المراد ملقحات للسحاب أو الشجر فيكون قد استعير اللقح لصب المطر في السحاب أو الشجر، و إسناده إليها على الأول حقيقة و على الثاني مجاز إذ الملقى في الشجر السحاب لا الريح و الرياح اللواقح هي ريح الجنوب كما

رواه ابن أبي الدنيا عن قتادة مرفوعا، و روى الديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة نحوه، و أخرج ابن جرير و غيره عن عبيد بن عمير قال: يبعث اللّه تعالى المبشرة فتقم الأرض قما ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب فتجعله كسفا ثم يبعث المؤلفة فتؤلف بينه فيجعله ركاما ثم يبعث اللواقح فتلقحه فيمطر.

و قرأ حمزة «و أرسلنا الريح» بالإفراد على تأويل الجنس فتكون في معنى الجمع فلذا صح جعل‏ لَواقِحَ‏ حالا منها و ذلك كقولهم: أهلك الناس الدينار الصفر و الدرهم البيض، و لا تخالف هذه القراءة ما قالوه‏

في حديث‏ «اللهم اجعلها رياحا و لا تجعلها ريحا»

من أن الرياح تستعمل للخير و الريح للشر لما قال الشهاب من أن ذلك ليس من الوضع و إنما هو من الاستعمال و هو أمر أغلبي لا كلي فقد استعملت الريح في الخير أيضا نحو قوله تعالى: وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يونس: 22] أو هو محمول على الإطلاق بأن لا يكون معه قرينة كالصفة و الحال، و أما كون المراد بالخير الدعاء بطول العمر ليرى رياحا كثيرة فلا وجه له.

فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ بعد ما أنشأنا بتلك الرياح سحابا ماطرا ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ‏ جعلناه لكم سقيا تسقون به‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏7، ص: 277

مزارعكم و مواشيكم و هو على ما قيل أبلغ من سقيناكم لما فيه من الدلالة على جعل الماء معدا لهم ينتفعون به متى شاؤوا، و قد فرق بين أسقى و سقى غير واحد فقد قال الأزهري: العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام أو من السماء أو من نهر جار أسقيته أي جعلت شربا له و جعلت له منه مسقى فإذا كان للشفة قالوا سقى و لم يقولوا أسقى، و قال أبو علي: يقال سقيته حتى روي و أسقيته نهرا جعلته شربا له، و ربما استعملوا سقى بلا همزة كأسقى كما في قول لبيد يصف سحابا:

أقول و صوته مني بعيد

يحط اللث‏ «1» من قلل الجبال‏

سقى قومي بني نجد و أسقى‏

نميرا و القبائل من هلال‏

فإنه لا يريد بسقى قومي ما يروي عطاشهم و لكن يريد رزقهم سقيا لبلادهم يخصبون بها و بعيد أن يسأل لقومه ما يروي و لغيرهم ما يخصبون به، و لا يرد على قول الأزهري أنه لا يقال أسقي في سقيا الشفة قول ذي الرمة:

و أسقيه حتى كاد مما أبثه‏

يكلمني أحجاره و ملاعبه‏

قال الإمام: لأنه أراد بأسقيه أدعو له بالسقيا و لا يقال في ذلك كما قال أبو عبيد سوى أسقي، هذا و قد جاء الضمير هنا متصلا بعد ضمير منصوب متصل أعرف منه و مذهب سيبويه في مثل ذلك وجوب الاتصال.

وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ‏ نفى سبحانه عنهم ما أثبته لجنابه بقوله جل جلاله: وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ‏ كأنه قيل: نحن القادرون على إيجاده و خزنه في السحاب و إنزاله، و ما أنتم على ذلك بقادرين، و قيل: المراد نفي حفظه أي و ما أنتم له بحافظين في مجاريه عن أن يغور فلا تنتفعون به و عن سفيان أن المعنى و ما أنتم له بمانعين لإنزاله من السماء وَ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي‏ بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها وَ نُمِيتُ‏ بإزالتها عنها فالحياة صفة وجودية و هي كما قيل صفة تقتضي الحس و الحركة الإرادية و الموت زوال تلك الصفة، و قال بعضهم: إنه صفة وجودية تضاد الحياة لظاهر قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ‏ [الملك: 2] و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تحقيق ذلك، و قد يعمم الإحياء و الإماتة بحيث يشمل الحيوان و النبات مثل أن يقال: المراد إعطاء قوة النماء و سلبها، و تقديم الضمير للحصر، و هو إما توكيد للأول أو مبتدأ خبره الجملة بعده و المجموع خبر لإنا، و جوز كونه ضمير فصل ورده أبو البقاء بوجهين أحدهما أنه لا يدخل على الخبر الفعلي و الثاني أن اللام لا تدخل عليه، و تعقب ذلك في الدر المصون بأن الثاني غلط فإنه ورد دخول اللام عليه في قوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ‏ [آل عمران: 62] و دخوله على المضارع مما ذهب إليه الجرجاني و بعض النحاة، و جعلوا من ذلك قوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ [البروج: 13] و لعل ذلك المجوز ممن يرى هذا الرأي و العجب من أبي البقاء فإنه رد ذلك هنا و جوزه في قوله تعالى: وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر:

10] كما نقله في المغني.

وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ‏ أي الباقون بعد فناء الخلق قاطبة المالكون للملك عند انقضاء زمان الملك المجازي، الحاكمون في الكل أولا و آخرا أو ليس لأحد إلا التصرف الصوري و الملك المجازي و في هذا تنبيه على أن المتأخر ليس بوارث للمتقدم كما يتراءى من ظاهر الحال، و تفسير الوارث بالباقي مروي عن سفيان و غيره، و فسر بذلك في‏

قوله عليه الصلاة و السلام: «اللهم متعنا بأسماعنا و أبصارنا و قوتنا ما أحييتنا و اجعله الوارث منا»

و هو من باب الاستعارة وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ‏ من مات‏ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏ من هو حي لم يمت بعد أخرجه ابن أبي‏

(1) يقال ألث المطر إذا أقام أياما لا يقلع و لعل المراد باللث هنا المطر الدائم اه منه.

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏7، ص: 278

حاتم و غيره عن ابن عباس، و في رواية أخرى عنه المستقدمين آدم عليه السلام و من مضى من ذريته و المستأخرين من في أصلاب الرجال، و روي مثله عن قتادة، و عن مجاهد المستقدمين من مضى من الأمم و الْمُسْتَأْخِرِينَ‏ أمة محمد صلى اللّه عليه و سلم، و قيل: من تقدم ولادة و موتا و من تأخر كذلك مطلقا و هو من المناسبة بمكان و روي عن الحسن أنه قال:

من سبق إلى الطاعة و من تأخر فيها، و روي عن معتمر أنه قال: بلغنا أن الآية في القتال فحدثت أبي فقال: لقد نزلت قبل أن يفرض القتال، فعلى هذا أخذ الجهاد في عموم الطاعة ليس بشي‏ء، على أنه ليس في تفسير ذلك بالمستقدمين و المستأخرين فيها كمال مناسبة، و المراد من علمه تعالى بهؤلاء علمه سبحانه بأحوالهم، و الآية لبيان كمال علمه جل و علا بعد الاحتجاج على كمال قدرته تعالى فإن ما يدل عليها دليل عليه ضرورة أن القادر على كل شي‏ء لا بد من علمه بما يصنعه و في تكرير قوله تعالى: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا ما لا يخفى من الدلالة على التأكيد. و أخرج أحمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و الحاكم و صححه و البيهقي في سننه. و جماعة من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حسناء من أحسن الناس فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها و يستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل اللّه تعالى الآية، و أخرج عبد الرزاق و ابن المنذر عن أبي الجوزاء أنه قال في الآية و لقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة و لم يذكر من حديث المرأة شيئا، قال الترمذي: هذا أشبه أن يكون أصح، و قال الربيع بن أنس: حرض النبي صلى اللّه عليه و سلم على الصف الأول في الصلاة فازدحم الناس عليه و كان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد فقالوا: نبيع دورنا و نشتري دورا قريبة من المسجد فأنزل اللّه تعالى الآية، و أنت تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، و من هنا قال بعضهم:

الأولى الحمل على العموم أي علمنا من اتصف بالتقدم و التأخر في الولادة و الموت و الإسلام و صفوف الصلاة و غير ذلك‏ وَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ‏ للجزاء، و توسيط الضمير قيل للحصر أي هو سبحانه يحشرهم لا غير، و قيل عليه: إنه في مثل ذلك يكون الفعل مسلم الثبوت و النزاع في الفاعل و هاهنا ليس كذلك فالوجه جعله لإفادة التقوى. و تعقب بأن هذا في القصر الحقيقي غير مسلم و تصدير الجملة بإن لتحقيق الوعد و التنبيه على ما سبق يدل على صحة الحكم، و في الالتفات و التعرض لعنوان الربوبية إشعار بعلته، و في الإضافة إلى ضميره صلى اللّه عليه و سلم دلالة على اللطف به عليه الصلاة و السلام.

و قرأ الأعمش «يحشرهم» بكسر الشين‏ إِنَّهُ حَكِيمٌ‏ بالغ الحكمة متقن في أفعاله. و الحكمة عندهم عبارة عن العلم بالأشياء على ما هي عليه و الإتيان بالأفعال على ما ينبغي‏ عَلِيمٌ‏ وسع علمه كل شي‏ء، و لعل تقديم وصف الحكمة للإيذان باقتضائها للحشر و الجزاء، و قد نص بعضهم على أن الجملة مستأنفة للتعليل‏ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ‏ أي هذا النوع بأن خلقنا أصله و أول فرد من أفراده خلقا بديعا منطويا على خلق سائر أفراده انطواء إجماليا.

صفحه بعد