کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم

الجزء الحادي عشر

فهرس المجلد الحادي عشر من روح المعاني

الجزء الثاني عشر

الفهرس

الجزء الثالث عشر

فهرس المجلد الثالث عشر من روح المعاني

الجزء الرابع عشر

فهرس المجلد الرابع عشر من روح المعاني

الجزء الخامس عشر

فهرس المجلد الخامس عشر من روح المعاني

الجزء السادس عشر

الفهارس العامة

فهرس الآيات المفسرة

تفسير سورة البقرة تفسير سورة آل عمران تفسير سورة النساء تفسير سورة المائدة تفسير سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة يوسف تفسير سورة الرعد تفسير سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر تفسير سورة النحل تفسير سورة الإسراء تفسير سورة الكهف تفسير سورة مريم تفسير سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة القصص تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة تفسير سورة الأحزاب تفسير سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة ص تفسير سورة الزمر تفسير سورة المؤمن تفسير سورة فصلت تفسير سورة الشورى تفسير سورة الزخرف تفسير سورة الدخان تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة و النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن عز و جل تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة تبت تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

فهرس آيات الشواهد

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة النبأ سورة المرسلات سورة الإنسان سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم


صفحه قبل

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏10، ص: 309

و قال عليه الرحمة: إن النظم على هذا الوجه ينطبق، و اختار الإمام الرازي أنها شرطية إلا أنه لم يرتض ما قالوه في تقدير الجواب فقال بعد نقل ما قالوه: و عندي أن الجواب غير محذوف، و في تقريره وجوه أحدها أن اللّه تعالى إذا خاطبهم بقوله سبحانه: ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ‏ فهناك يشتد الخوف عليهم و يلحقهم شي‏ء كالسدر و الدوار فيصيرون بحيث لا يبصرون شيئا، فقال سبحانه: و رأوا العذاب لو أنهم كانوا يبصرون شيئا على معنى أنهم لم يروا العذاب لأنهم صاروا بحيث لا يبصرون شيئا، و ثانيها أنه تعالى لما ذكر عن الشركاء و هي الأصنام أنهم لا يجيبون الذين دعوهم قال في حقهم: وَ رَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ‏ أي هذه الأصنام كانوا يشاهدون العذاب لو كانوا من الأحياء المهتدين، و لكنها ليست كذلك؛ و الإتيان بضمير العقلاء على حسب اعتقاد القوم بهم، و ثالثها أن يكون المراد من الرؤية رؤية القلب أي و الكفار علموا حقية هذا العذاب لو كانوا يهتدون و هذه الوجوه عندي خير من الوجوه المبنية على أن جواب لو محذوف فإن ذلك يقتضي تفكيك نظم الآية ا ه و لعمري إنه لم يأت بشي‏ء و ما يرد عليه أظهر من أن يخفى على من له أدنى تمييز بين الحي و اللي.

وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ‏ عطف على الأول سئلوا أولا عن إشراكهم لأنه المقصود من‏ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ‏ ، و ثانيا عن جوابهم للرسل الذين نهوهم عن ذلك.

فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ أصله فعموا عن الأنباء أي لم يهتدوا إليها، و فيه استعارة تصريحية تبعية حيث استعير العمى لعدم الاهتداء ثم قلب للمبالغة فجعل الأنباء لا تهتدي إليهم و ضمن العمى معنى الخفاء فعدي بعلى و لولاه لتعدى بعن و لم يتعلق بالأنباء لأنها مسموعة لا مبصرة، و في هذا القلب دلالة على أن ما يحضر الذهن يفيض عليه و يصل إليه من الخارج و نفس الأمر إما ابتداء و إما بواسطة تذكر الصورة الواردة منه بأماراتها الخارجية فإذا أخطأ الذهن الخارج بأن لم يصل إليه لانسداد الطريق بينه و بينه بعمى و نحوه لم يمكنه إحضار و لا استحضار، و ذلك لأنه لما جعل الأنباء الواردة عليهم من الخارج عميا لا تهتدي دل على أنهم عمي لا يهتدون بالطريق الأولى لأن اهتداءهم بها فإذا كانت هي في نفسها لا تهتدي فما بالك بمن يهتدي بها كذا قيل: فليتدبر، و جوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية تخيلية أي فصارت الأنباء كالعمى عليهم لا تهتدي إليهم، و المراد بالأنباء إما ما طلب منهم مما أجابوا به الرسل عليهم السلام أو ما يعمها و كل ما يمكن الجواب به، و إذا كانت الرسل عليهم السلام يتتعتعون في الجواب عن مثل ذلك في ذلك المقام الهائل و يفوضون العلم إلى علام الغيوب مع نزاهتهم عن غائلة المسئول فما ظنك بأولئك الضلال من الأمم.

و قرأ الأعمش و جناح بن حبيش و أبو زرعة بن عمرو بن جرير «فعمّيت» بضم العين و تشديد الميم. فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ‏ أي لا يسأل بعضهم بعضا لفرط الدهشة أو العلم بأن الكل سواء في الجهل، و الفاء إما تفصيلية أو تفريعية لأن سبب العمى فرط الدهشة.

و قرأ طلحة «لا يساءلون» بإدغام التاء في السين‏ فَأَمَّا مَنْ تابَ‏ أي من الشرك‏ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً أي جمع بين الإيمان و العمل الصالح‏ فَعَسى‏ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ‏ أي الفائزين بالمطلوب عنده عز و جل الناجين عن المهروب و (عسى) للتحقيق على عادة الكرام أو للترجي من قبل التائب المذكور بمعنى فليتوقع أن يفلح، و قوله تعالى: فَأَمَّا قيل لتفصيل المجمل الواقع في ذهن السامع من بيان ما يؤول إليه حال المشركين، و هو أن حال من تاب منهم كيف يكون، و الدلالة على ترتب الاخبار به على ما قبله فالآية متعلقة بما عندها.

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏10، ص: 310

و قال الطيبي: هي متعلقة بقوله تعالى: أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً [القصص: 61] و الحديث عن الشركاء مستطرد لذكر الإحضار، و تعقبه في الكشف بأن الظاهر أنه ليس متعلقا به بل لما ذكر سبحانه حال من حق عليه القول من التابع و المتبوع قال تعالى شأنه حثا لهم على الإقلاع: فَأَمَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ‏ فكأنه قيل: ما ذكر لمصيرهم فأما من تاب فكلا.

وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ خلقه من الأعيان و الأعراض‏ وَ يَخْتارُ عطف على يخلق، و المعنى على ما قيل يخلق ما يشاؤه باختياره فلا يخلق شيئا بلا اختيار، و هذا مما لم يفهم مما يشاء فليس في الآية شائبة تكرار، و قيل في دفع ما يتوهم من ذلك غير ما ذكر مما نقله ورده الخفاجي و لم يتعرض للقدح في هذا الوجه، و أراه لا يخلو عن بعد ولي وجه في الآية سأذكره بعد إن شاء اللّه تعالى‏ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ أي التخير كالطيرة بمعنى التطير و هما و الاختيار بمعنى، و ظاهر الآية نفي الاختيار عن العبد رأسا كما يقوله الجبرية، و من أثبت للعبد اختيارا قال: إنه لكونه بالدواعي التي لو لم يخلقها اللّه تعالى فيه لم يكن كان في حيز العدم، و هذا مذهب الأشعري على ما حققه العلامة الدواني قال: الذي أثبته الأشعري هو تعلق قدرة العبد و إرادته الذي هو سبب عادي لخلق اللّه تعالى الفعل فيه، و إذا فتشنا عن مبادئ الفعل وجدنا الإرادة منبعثة عن شوق له و تصور أنه ملائم و غير ذلك من أمور ليس شي‏ء منها بقدرة العبد و اختياره، و حقق العلامة الكوراني في بعض رسائله المؤلفة في هذه المسألة أن مذهب السلف أن للعبد قدرة مؤثرة بإذن اللّه تعالى و أن له اختيارا لكنه مجبور باختياره و ادعى أن ذلك هو مذهب الأشعري دون ما شاع من أن له قدرة غير مؤثرة أصلا بل هي كاليد الشلاء و نفي الاختيار عنه على هذا نحوه على ما مر فإنه حيث كان مجبورا به كان وجوده كالعدم، و قيل: إن الآية أفادت نفي ملكهم للاختيار و يصدق على المجبور باختياره بأنه غير مالك للاختيار إذ لا يتصرف فيه كما يشاء تصرف المالك في ملكه، و قيل: المراد لا يليق و لا ينبغي لهم أن يختاروا عليه تعالى أي لا ينبغي لهم التحكم عليه سبحانه بأن يقولوا لم لم يفعل اللّه تعالى كذا.

و يؤيده أن الآية نزلت حين قال الوليد بن المغيرة لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أو حين قال اليهود لو كان الرسول إلى محمد صلى اللّه تعالى عليه و سلم غير جبريل عليه السلام لآمنا به على ما قيل، و الجملة على هذا الوجه مؤكدة لما قبلها أو مفسرة له إذ معنى ذلك يخلق ما يشاء و يختار ما يشاء أن يختاره لا ما يختاره العباد عليه و لذا خلت عن العاطف و هي على ما تقدم مستأنفة في جواب سؤال تقديره فما حال العباد أو هل لهم اختيار أو نحوه؟ فقيل: إنهم ليس لهم اختيار، و ضعف هذا الوجه بأنه لا دلالة على هذا المعنى في النظم الجليل و فيه حذف المتعلق و هو على اللّه تعالى من غير قرينة دالة عليه، و كون سبب النزول ما ذكر ممنوع، و القول الثاني فيه يستدعي بظاهره أن يكون ضمير لهم لليهود و فيه من البعد ما فيه، و قيل: ما موصولة مفعول يختار و العائد محذوف، و الوقف على يشاء لا نافية، و الوقف على يختار كما نص عليه الزجاج و علي بن سليمان و النحاس كما في الوجهين السابقين أي و يختار الذي كان لهم فيه الخير و الصلاح، و اختياره تعالى ذلك بطريق التفضل و الكرم عندنا و بطريق الوجوب عند المعتزلة، و إلى موصولية ما و كونها مفعول يختار ذهب الطبري إلا أنه قال في بيان المعنى عليه: أي و يختار من الرسل و الشرائع ما كان خيرة للناس، و أنكر أن تكون نافية لئلا يكون المعنى أنه لم تكن لهم الخيرة فيما مضى و هي لهم فيما يستقبل، و ادعى أبو حيان أنه روي عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما معنى ما ذهب إليه، و اعترض بأن اللغة لا تساعده لأن المعروف فيها أن الخيرة بمعنى الاختيار لا بمعنى الخير و بأنه لا يناسب ما بعده من قوله تعالى: سُبْحانَ اللَّهِ‏ إلخ، و كذا لا يناسب ما قبله من قوله سبحانه: يَخْلُقُ ما يَشاءُ ، و ضعفه بعضهم بأن‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏10، ص: 311

فيه حذف العائد و لا يخفى أن حذفه كثير. و أجيب عما اعترض به الطبري بأنه يجوز أن يكون المراد بمعونة المقام استمرار النفي؛ أو يكون المراد ما كان لهم في علم اللّه تعالى ذلك، و هذا بعد تسليم لزوم كون المعنى ما ذكره لو أبقى الكلام على ظاهره. و قال ابن عطية: يتجه عندي أن يكون ما مفعول يختار إذا قدرنا كان تامة أي إن اللّه تعالى يختار كل كائن و لا يكون شي‏ء إلا بإذنه و قوله تعالى: لَهُمُ الْخِيَرَةُ جملة مستأنفة معناها تعديد النعمة عليهم في اختيار اللّه سبحانه لهم لو قبلوا و فهموا ا ه.

يعني و اللّه تعالى أعلم أن المراد خيرة اللّه تعالى لهم أي اختياره لمصلحتهم. و للفاضل سعدي جلبي نحو هذا إلا أنه قال في قوله تعالى: لَهُمُ الْخِيَرَةُ إنه في معنى ألهم الخيرة بهمزة الاستفهام الإنكاري، و ذكر أن هذا المعنى يناسبه ما بعد من قوله سبحانه: سُبْحانَ اللَّهِ‏ إلخ فإنه إما تعجيب عن إثبات الاختيار لغيره تعالى أو تنزيه له عز و جل عنه، و لا يخفى ضعف ما قالاه لما فيه من مخالفة الظاهر من وجوه، و يظهر لي في الآية غير ما ذكر من الأوجه، و هو أن يكون يختار معطوفا على يخلق و الوقف عليه تام كما نص عليه غير واحد و هو من الاختيار بمعنى الانتقاء و الاصطفاء و كذا الخيرة بمعنى الاختيار بهذا المعنى و الفعل متعد حذف مفعوله ثقة بدلالة ما قبله عليه أي و يختار ما يشاء، و تقديم المسند إليه في كل من جانبي المعطوف و المعطوف عليه لإفادة الحصر، و جملة ما كان لهم الخيرة مؤكدة لما قبلها حيث تكفل الحصر بإفادة النفي الذي تضمنته، و الكلام مسوق لتجهيل المشركين في اختيارهم ما أشركوه و اصطفائهم إياه للعبادة و الشفاعة لهم يوم القيامة كما يرمز إليه‏ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ‏ و للتعبير- بما- وجه ظاهر، و المعنى و ربك لا غيره يخلق ما يشاء خلقه و هو سبحانه دون غيره ينتقي و يصطفي ما يشاء انتقاءه و اصطفاءه فيصطفي مما يخلقه شفعاء و يختارهم للشفاعة و يميز بعض مخلوقاته جل جلاله على بعض و يفضله عليه بما شاء ما كان لهؤلاء المشركين أن ينتقوا و يصطفوا ما شاؤوا و يميزوا بعض مخلوقاته تعالى على بعض و يجعلوه مقدما عنده عز و جل على غيره لأن ذلك يستدعي القدرة الكاملة و عدم كون فاعله محجورا عليه أصلا و أنى لهم ذلك فليس لهم إلا اتباع اصطفاء اللّه تعالى و هو جل و علا لم يصطف شركاءهم الذين اصطفوهم للعبادة و الشفاعة على الوجه الذي اصطفوهم عليه فما هم إلا جهال ضلال صدوا عما يلزمهم و تصدوا لما ليس لهم بحال من الأحوال، و إن شئت فنزل الفعل منزلة اللازم و قل المعنى و ربك لا غيره يخلق ما يشاء خلقه و هو سبحانه لا غيره يفعل الاختيار و الاصطفاء فيصطفي بعض مخلوقاته لكذا و بعضا آخر لكذا و يميز بعضا منها على بعض و يجعله مقدما عنده تعالى عليه فإنه سبحانه قادر حكيم لا يسأل عما يفعل و هو جل و علا أعظم من أن يعترض عليه و أجل، و يدخل في الغير المنفي عنه ذلك المشركون فليس لهم أن يفعلوا ذلك فيصطفوا بعض مخلوقاته للشفاعة و يختاروهم للعبادة و يجعلوهم شركاء له عز و جل و يدخل في الاختيار المنفي عنهم ما تضمنه قولهم لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فإن فيه انتقاء غيره صلّى اللّه عليه و سلّم من الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي و تمييزه بأهلية تنزيل القرآن عليه فإن صح ما قيل: في سبب نزول هذه الآية من أنه القول المذكور كان فيها رد ذلك عليهم أيضا إلا أنها لتضمنها تجهيلهم باختيارهم الشركاء و اصطفائهم إياهم آلهة و شفعاء كتضمنها الرد المذكور جي‏ء بها هنا متعلقة بذكر الشركاء و تقريع المشركين على شركهم، و ربما يقال:

إنها لما تضمنت تجهيلهم فيما له نوع تعلق به تعالى كاتخاذ الشركاء له سبحانه و فيما له نوع تعلق بخاتم رسله عليه الصلاة و السلام كتمييزهم غيره عليه الصلاة و السلام بأهلية الإرسال إليه و تنزيل القرآن عليه جي‏ء بها بعد ذكر سؤال المشركين عن إشراكهم و سؤالهم عن جوابهم للمرسلين الناهين لهم عنه الذين عين أعيانهم و قلب صدر ديوانهم رسوله الخاتم لهم صلى اللّه تعالى عليه و سلم فلها تعلق بكلا الأمرين إلا أن تعلقها بالأمر الأول أظهر و أتم و خاتمتها تقتضيه‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏10، ص: 312

على أكمل وجه و أحكم. و ربما يقال أيضا: إن لها تعلقا بجميع ما قبلها، أما تعلقها بالأمرين المذكورين فكما سمعت، و أما تعلقها بذكر حال التائب فمن حيث إن انتظامه في سلك المفلحين يستدعي اختيار اللّه تعالى إياه و اصطفاءه له و تمييزه على من عداه، و لذا جي‏ء بها بعد الأمور الثلاثة و ذكر انحصار الخلق فيه تعالى و تقديمه على انحصار الاختيار و الاصطفاء مع أن مبنى التجهيل و الرد إنما هو الثاني للإشارة إلى أن انحصار الاختيار من توابع انحصار الخلق، و في ذكره تعالى بعنوان الربوبية إشارة إلى أن خلقه عز و جل ما شاء على وفق المصلحة و الحكمة و إضافة الرب إليه صلى اللّه تعالى عليه و سلّم لتشريفه عليه الصلاة و السلام و هي في غاية الحسن إن صح ما تقدم عن الوليد سببا للنزول، و يخطر في الباب احتمالات أخر في الآية فتأمل فإني لا أقول ما أبديته هو المختار كيف و ربك جل شأنه يخلق ما يشاء و يختار سُبْحانَ اللَّهِ‏ أي تنزه تعالى بذاته تنزها خاصا به من أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره عز شأنه‏ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ أي عن إشراكهم على أن ما مصدرية و يحتمل أن تكون موصولة بتقدير مضاف أي عن مشاركة ما يشركونه به كذا قيل، و جعل بعضهم‏ سُبْحانَ اللَّهِ‏ تعجيبا من إشراكهم من يضرهم بمن يريد لهم كل خير تبارك و تعالى و هو على احتمال كون‏ ما فيما تقدم موصولة مفعول يختار، و المعنى و يختار ما كان لهم فيه الخير و الصلاح، و يجوز أن يكون تعجيبا أيضا من اختيارهم شركاءهم الذين أعدوهم للشفاعة و إقدامهم على ما لم يكن لهم و ذلك بناء على ما ظهر لنا و ظاهر كلام كثير أن الآية ليست من باب الإعمال، و جوز أن تكون منه بأن يكون كل من سبحان و تعالى طالبا عما يشركون و الأفيد على ما قيل أن لا تكون منه.

وَ رَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ‏ أي ما يكنون و يخفون في صدورهم من الاعتقادات الباطلة و من عداوتهم لرسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلم، و نحو ذلك‏ وَ ما يُعْلِنُونَ‏ و ما يظهرونه من الأفعال الشنيعة و الطعن فيه عليه الصلاة و السلام و غير ذلك، و لعله للمبالغة في خباثة باطنهم لأن ما فيه مبدأ لما يكون في الظاهر من القبائح لم يقل ما يكون كما قيل: ما يعلنون.

و قرأ ابن محيصن «تكن» بفتح التاء و ضم الكاف‏ وَ هُوَ اللَّهُ‏ أي و هو تعالى المستأثر بالألوهية المختص بها، و قوله سبحانه: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ تقرير لذلك كقولك: الكعبة القبلة لا قبلة إلا هي.

لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى‏ وَ الْآخِرَةِ أي له تعالى ذلك دون غيره سبحانه لأنه جل جلاله المعطي لجميع النعم بالذات و ما سواه و سائط، و المراد بالحمد هنا ما وقع في مقابلة النعم بقرينة ذكرها بعده بقوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ‏ إلخ.

و زعم بعضهم أن الحمد هنا أعم من الشكر، و اعتبر الحصر بالنسبة إلى مجموع حمدي الدارين زاعما أن الحمد في الدنيا و إن شاركه فيه غيره تعالى لكن الحمد في الآخرة لا يكون إلا له تعالى، و فيه أن الحمد مطلقا مختص به تعالى لأن الفضائل و الأوصاف الجميلة كلها بخلقه تعالى فيرجع الحمد عليها في الآخرة له تعالى لأنه جل و علا مبديها و مبدعها، و لو نظر إلى الظاهر لم يكن حمد الآخرة مختصا به سبحانه أيضا فإن نبينا صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم يحمده الأولون و الآخرون عند الشفاعة الكبرى، و فسر غير واحد حمده تعالى في الآخرة بقول المؤمنين:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ‏ [الزمر: 74]، و قولهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ‏ [فاطر: 34]، و قولهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ [الفاتحة: 2]، و قالوا: التحميد هناك على وجه اللذة لا الكلفة، و في حديث رواه مسلم و أبو داود عن جابر في وصف أهل الجنة يلهمون التسبيح و التهليل كما يلهمون النفس‏ وَ لَهُ الْحُكْمُ‏ أي‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏10، ص: 313

القضاء النافذ في كل شي‏ء من غير مشاركة فيه لغيره تعالى، و عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أي له الحكم بين عباده تعالى فيحكم لأهل طاعته بالمغفرة و الفضل و لأهل معصيته بالشقاء و الويل‏ وَ إِلَيْهِ‏ سبحانه لا إلى غيره.

تُرْجَعُونَ‏ بالبعث‏ قُلْ‏ تقريرا لما ذكر أَ رَأَيْتُمْ‏ أي أخبروني، و قرأ الكسائي «أريتم» بحذف الهمزة إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً أي دائما و هو عند البعض من السرد و هو المتابعة و الإطراد و الميم مزيدة لدلالة الاشتقاق عليه فوزنه فعمل و نظيره دلامص من الدلاص، يقال: درع دلاص أي ملساء لينة.

و اختار بعض النحاة أن الميم أصلية فوزنه فعلل لأن الميم لا تنقاس زيادتها في الوسط، و نصبه إما على أنه مفعول ثان لجعل أو على أنه حال من الليل، و قوله تعالى: إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ إما متعلق بسرمدا أو بجعل؛ و جوز أبو البقاء أيضا تعلقه بمحذوف وقع صفة لسرمدا و جعله تعالى كذلك بإسكان الشمس تحت الأرض مثلا و قوله تعالى:

مَنْ إِلهٌ‏ مبتدأ و خبر، و قوله سبحانه: غَيْرُ اللَّهِ‏ صفة لإله. و قوله تعالى: يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ صفة أخرى له عليها يدور أمر التبكيت و الإلزام كما في قوله تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‏ [سبأ: 24]، و قوله سبحانه:

فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ‏ [الملك: 30] و نظائرهما خلا إنه قصد بيان انتفاء الموصوف بانتفاء الصفة، و لم يؤت بهل التي هي لطلب التصديق المناسب بحسب الظاهر للمقام، و أتى بمن التي هي لطلب التعيين المقتضي لأصل الوجود لإيراد التبكيت و الإلزام على زعمهم فإنه أبلغ كما لا يخفى، و جملة مَنْ إِلهٌ‏ إلخ قال أبو حيان: في موضع المفعول الثاني لأرأيتم و جعل الليل مما تنازع فيه أ رأيتم و جعل و قال: إنه أعمل فيه الثاني فيكون المفعول الأول للأول محذوفا، و حيث جعلت تلك الجملة في موضع مفعوله الثاني لا بد من تقدير العائد فيها أي من إله غيره يأتيكم بضياء بدله مثلا، و جواب إن محذوف دل عليه ما قبله، و كذا يقال في الآية بعد، و عن ابن كثير أنه قرأ «بضآء» بهمزتين‏ أَ فَلا تَسْمَعُونَ‏ سماع فهم و قبول الدلائل الباهرة و النصوص المتظاهرة لتعرفوا أن غير اللّه تعالى لا يقدر على ذلك‏ قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ بإسكان الشمس في وسط السماء مثلا مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ‏ استراحة من متاعب الأشغال‏ أَ فَلا تُبْصِرُونَ‏ الشواهد المنصوبة الدالة على القدرة الكاملة لتقفوا على أن غير اللّه تعالى لا قدرة له على ذلك، و يعلم مما ذكرنا أن كلّا من جملتي أ فلا تسمعون و أ فلا تبصرون تذييل للتوبيخ الذي يعطيه قوله تعالى: أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ‏ إلخ قبله، و أفاد الزمخشري أن ظاهر التقابل يقتضي ذكر النهار و التصرف فيه إلا أن العدول عن ذلك إلى الضياء و هو ضوء الشمس للدلالة على أنه يتضمن منافع كثيرة منها التصرف فلو أتى بالنهار لاستدعى القصر على تلك المنفعة من ضرورة التقابل و لأن المنافع للضياء لا للنهار على أن النهار أيضا من منافعه، ثم استشعر أن يقال: فلم لم يؤت بالظلام بدل الليل في الآية الثانية لتتم المقابلة من هذا الوجه؟ و أجاب بأنه ليس بتلك المنزلة فلا هو مقصود في ذاته كالضياء و لا أن المنافع من روادفه مع ما فيهما من الاستئناس و الاشمئزاز، بل لو تأمل حق التأمل وجد حكم بأن الليل من منافع الضياء أيضا و الظلام من ضرورات كون الشمس المضيئة تحت الأرض و إلقاء ظل الليل، ثم أفاد أن التفصلة و هو التذييل المذكور فيها إرشاد إلى هذه النكتة فإن قوله تعالى: أَ فَلا تَسْمَعُونَ‏ يدل على أن التوبيخ بعدم التأمل في الضياء أكثر من حيث إن مدرك السمع أكثر. و المراد ما يدركه العقل بواسطة السمع فلا يرد أن مدركه الأصوات وحدها و مدرك البصر أكثر من ذلك، و ذلك أن ما لا يدرك بحس أصلا يدرك بواسطة السمع إذا عبر عنه المعبر بعبارة مفهمة، و أما ما يدرك بالبصر فمن مشاهدة المبصرات و هي قليلة، و أما المطالعة من الكتب فإنها أضيق مجالا من السمع و قرعه كذا في الكشف، و العلامة الطيبي قرر عبارة الكشاف بما قرر ثم قال: الأبعد من التكلف أن يجعل أفلا تسمعون تذييلا للتوبيخ المستفاد من أرأيتم إلخ قبله‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏10، ص: 314

و كذا أَ فَلا تُبْصِرُونَ‏ على ما في المعالم أفلا تسمعون سماع فهم و قبول أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ ليجتمع لهم الصمم و العمى من الإعراض عن سماع البراهين و الإغماض عن رؤية الشواهد.

و لما كانت استدامة الليل أشق من استدامة النهار لأن النوم الذي هو أجل الغرض فيه شبيه الموت و الابتغاء من فضل اللّه تعالى الذي هو بعض فوائد النهار شبيه بالحياة قيل في الأول أ فلا تسمعون أي سماع فهم و في الثاني أ فلا تبصرون أي ما أنتم عليه من الخطأ ليطابق كل من التذييلين الكلام السابق من التشديد و التوبيخ، و ذكر في حاصل المعنى ما ذكرناه أولا ثم قال: و فيه أن دلالة النص أولى و أقدم من العقل، و صاحب الكشف قرر العبارة بما سمعت و ذكر أن ذلك لا ينافي ما في المعالم بل يؤكده و يبين فائدة التوبيخين، و نقل الطيبي عن الراغب في غرة التنزيل أنه قال: إن نسخ الليل بالنير الأعظم أبلغ في المنافع و أضمن للمصالح من نسخ النهار بالليل، ألا ترى أن الجنة نهارها دائم لا ليل معه لاستغناء أهلها عن الاستراحة فتقديم ذكر الليل لانكشافه عن النهار الذي هو أجدى من تفاريق العصا و منافع ضوء شمسه أكثر من أن تحصى أحق و أولى، و معنى قوله تعالى: أَ فَلا تَسْمَعُونَ‏ أ فلا تسمعون سماع من يتدبر المسموع ليستدرك منه قصد القائل و يحيط بأكثر ما جعل اللّه تعالى في النهار من المنافع فإن عقيب السماع استدراك المراد بالمسموع إذا كان هناك تدبر و تفكر فيه و معنى‏ أَ فَلا تُبْصِرُونَ‏ أ تستدركون من ذلك ما يجب استدراكه انتهى.

و في الكشف أنه مؤيد لما ذكره صاحب الكشاف، و ربما يقال ذكر سبحانه أولا فرضية جعل الليل سرمدا و ثانيا فرضية جعل النهار كذلك لأن الليل كما قالوا مقدم على النهار شرعا و عرفا و أيضا ذلك أوفق بقوله تعالى‏ وَ رَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَ ما يُعْلِنُونَ‏ [القصص: 69] ففي المثل الليل أخفى للويل و كذا بقوله تعالى سبحانه: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى‏ وَ الْآخِرَةِ ففي الأثر كان الخلق في ظلمة فرش اللّه تعالى عليهم من نوره، و لعله لاعتبار الأولية و الآخرية ذيلت الآية الأولى بقوله تعالى: أَ فَلا تَسْمَعُونَ‏ بناء على أن المعنى أ فلا تسمعون ممن سلف من آبائكم أو مما سلف منا أن آلهتكم لا تقدر على مثل ذلك و الثانية بقوله سبحانه: أَ فَلا تُبْصِرُونَ‏ بناء على أن المعنى أ فلا تبصرون أنتم عجزها عن مثل ذلك و جي‏ء بالضياء غير موصوف في الآية الأولى و بالليل موصوفا في الثانية لما أفاده الزمخشري و قيل في وجه تذييل الآية الأولى بقوله تعالى: أَ فَلا تَسْمَعُونَ‏ دون قوله سبحانه: أَ فَلا تُبْصِرُونَ‏ أن المفروض لو تحقق بقي معه السمع دون الإبصار إذ ظلمة الليل لا تحجب السمع و تحجب البصر، و في وجه تذييل الثانية بقوله تعالى: أَ فَلا تُبْصِرُونَ‏ دون‏ أَ فَلا تَسْمَعُونَ‏ أن تحقق المفروض و عدمه سيان في أمر السمع دون الإبصار إذ لضياء النهار مدخل في الإبصار و ليس له مدخل في السمع أصلا و هو كما ترى (و اعلم) أن هاهنا إشكالا و هو أن جعل الليل سرمدا إلى يوم القيامة إن تحقق لم يتصور الإتيان بضياء أصلا و كذا جعل النهار سرمدا إلى يوم القيامة إن تحقق لم يتصور الإتيان بليل كذلك، أما من غيره تعالى فظاهر لأنه معدن العجز عن كل شي‏ء، و أما منه عز و جل فلاستلزامه اجتماع الليل و النهار إذ لو لم يجتمعا لم يتحقق الليل مستمرا إلى يوم القيامة و كذا جعل النهار كذلك و هو خلاف المفروض و اجتماعهما محال و المحال لا صلاحية له لتعلق القدرة فلا يراد.

و أجيب بأن المراد إن أراد سبحانه ذلك فمن إله غيره تعالى يأتيكم بخلاف مراده سبحانه بأن يقطع الاستمرار فيأتي بنهار بعد ليل و ليل بعد نهار، و اعترض بأنه يفهم من الآية حينئذ أنه جل و علا هو الذي إن أراد ذلك يأتيهم بخلاف مراده تعالى فيقطع الاستمرار و هو مشكل أيضا لأن إتيانه تعالى بخلاف مراده جل و علا مستلزم لتخلف المراد عن الإرادة و هو محال فإذا أراد اللّه تبارك و تعالى شيئا على وجه إرادة لا تعليق فيها لا يمكن أن يريده على خلاف ذلك‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏10، ص: 315

الوجه، و أجيب بأنه يجوز أن يكون المراد إن أراد اللّه تعالى ذلك غير معلق له على إرادته عز شأنه خلافه لا يأتيكم بخلافه غيره عز و جل و لم يصرح بالقيد لدلالة العقل الصريح على أن الإرادة غير المعلقة لا يمكن الإتيان بخلاف موجبها أصلا، و من الناس من ذهب إلى أنه سبحانه لا يبت إرادته فجميع ما يريده جل شأنه معلق، و قيل: الأولى أن يقال: ليس المراد سوى أن آلهتهم لا يقدرون على الإتيان بنهار بعد ليل و ليل بعد نهار إذا أراد اللّه تعالى شأنه استمرار أحدهما، و إنما القادر على الإتيان بذلك هو اللّه سبحانه وحده من غير نظر إلى كون ذلك الإتيان مقيدا بتلك الإرادة فتدبر وَ مِنْ رَحْمَتِهِ‏ أي بسبب رحمته جل شأنه‏ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ‏ أي في الليل‏ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ‏ أي في النهار بالسعي بأنواع المكاسب ففي الآية ما يقال له اللف و النشر و يسمى أيضا التفسير كقول ابن حيوش:

و مقرطق يغني النديم بوجهه‏

عن كأسه الملأى و عن إبريقه‏

فعل المدام و لونها و مذاقها

في مقلتيه و وجنتيه و ريقه‏

و ضمير فضله للّه تعالى؛ و جوز أبو حيان كونه للنهار على الإسناد المجازي و هو خلاف الظاهر، و فيها إشارة إلى مدح السعي في طلب الرزق و

قد ورد «الكاسب حبيب اللّه»

و هو لا ينافي التوكل و أن ما يحصل للعبد بواسطته فضل من اللّه عز و جل و ليس مما يجب عليه سبحانه‏ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏ أي و لكي تشكروا نعمته تعالى فعل ما فعل أو لتعرفوا نعمته تعالى و تشكروه عليها وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ‏ منصوب باذكر.

فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ‏ تقريع إثر تقريع للإشعار بأنه لا شي‏ء أجلب لغضب اللّه تعالى من الإشراك كما لا شي‏ء أدخل في مرضاته من توحيده عز و جل، أو أن الأول لبيان فساد رأيهم كما يشير إليه قوله تعالى هناك: حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ‏ [القصص: 63]، و هذا لبيان أن إشراكهم لم يكن عن سند بل عن محض هوى كما يشير إليه قوله تعالى بعد هاتُوا بُرْهانَكُمْ‏ أو الأول إحضار للشركاء بعدم الصلوح لقوله سبحانه بعده: ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ‏ و هذا تحسير بأنهم لم يكونوا في شي‏ء من اتخاذهم ألا ترى قوله تعالى: وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏ وَ نَزَعْنا عطف على يناديهم و صيغة الماضي للدلالة على التحقق أو حال من فاعله بإضمار قد أو بدونه و الالتفات إلى نون العظمة لإبراز كمال العناية بشأن النزع و تهويله أي أخرجنا بسرعة مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ من الأمم‏ شَهِيداً شاهدا يشهد عليهم بما كانوا عليه و هو نبي تلك الأمة كما روي عن مجاهد، و قتادة، و يؤيده قوله تعالى:

فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: 41] و هذا في موقف من مواقف يوم القيامة فلا يضر كون الشهيد في موقف آخر غير الأنبياء عليهم السلام و هم أمة محمد صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم أو الملائكة عليهم السلام لقوله تعالى: وَ جِي‏ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ [الزمر: 69] فإنه دال في الظاهر على مغايرة الشهداء للأنبياء عليهم السلام.

و قيل: يجوز اتحاد الموقف و الدلالة على المغايرة غير مسلمة و لو سلمت فشهادة الأنبياء عليهم السلام لا تنافي شهادة غيرهم معهم، و قوله تعالى: مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ و إفراد شهيد ظاهر فيما تقدم، و من هنا قال في البحر قيل: أي عدولا و خيارا، و الشهيد عليه اسم جنس‏ فَقُلْنا لكل من تلك الأمم‏ هاتُوا بُرْهانَكُمْ‏ على صحة ما كنتم تدينون به‏ فَعَلِمُوا يومئذ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ‏ في الألوهية لا يشاركه سبحانه فيها أحد.

صفحه بعد