کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم

الجزء الحادي عشر

فهرس المجلد الحادي عشر من روح المعاني

الجزء الثاني عشر

الفهرس

الجزء الثالث عشر

فهرس المجلد الثالث عشر من روح المعاني

الجزء الرابع عشر

فهرس المجلد الرابع عشر من روح المعاني

الجزء الخامس عشر

فهرس المجلد الخامس عشر من روح المعاني

الجزء السادس عشر

الفهارس العامة

فهرس الآيات المفسرة

تفسير سورة البقرة تفسير سورة آل عمران تفسير سورة النساء تفسير سورة المائدة تفسير سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة يوسف تفسير سورة الرعد تفسير سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر تفسير سورة النحل تفسير سورة الإسراء تفسير سورة الكهف تفسير سورة مريم تفسير سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة القصص تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة تفسير سورة الأحزاب تفسير سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة ص تفسير سورة الزمر تفسير سورة المؤمن تفسير سورة فصلت تفسير سورة الشورى تفسير سورة الزخرف تفسير سورة الدخان تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة و النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن عز و جل تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة تبت تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

فهرس آيات الشواهد

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة النبأ سورة المرسلات سورة الإنسان سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم


صفحه قبل

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏11، ص: 40

تبعك و أقم وجهك إلخ ا ه، و منه يعلم حال الفاء في قوله تعالى: فَمَنْ‏ و كذا في قوله سبحانه: فَأَقِمْ‏ و قدر النيسابوري للثانية إذا تبين الحق و ظهرت الوحدانية فأقم إلخ، و لعل ما أشار إليه الطيبي أولى، ثم إنه يلوح من كلامه احتمال أن يكون الموصول قائما مقام ضمير الَّذِينَ ظَلَمُوا فتدبر.

و «أقم» من أقام العود و يقال قوم العود أيضا إذا عدله، و المراد الأمر بالإقبال على دين الإسلام و الاستقامة و الثبات عليه و الاهتمام بترتيب أسبابه على أن الكلام تمثيل لذلك فإن من اهتم بشي‏ء محسوس بالبصر عقد إليه طرفة و سدد إليه نظره و أقبل عليه بوجه غير ملتفت عنه فكأنه قيل: فعدل وجهك للدين و أقبل عليه إقبالا كاملا غير ملتفت يمينا و شمالا، و قال بعض الأجلة: إن إقامة الوجه للشي‏ء كناية عن كمال الاهتمام به، و لعله أراد بالكناية المجاز المتفرع على الكناية فإنه لا يشترط فيه إمكان إرادة المعنى الحقيقي، و نصب‏ حَنِيفاً على الحال من الضمير في (أقم) أو من الدين، و جوز أبو حيان كونه حالا من الوجه، و أصل الحنف الميل من الضلال إلى الاستقامة و ضده الجنف بالجيم‏ فِطْرَتَ اللَّهِ‏ نصب على الإغراء أي الزموا فطرة اللّه تعالى، و من أجاز إضمار أسماء الأفعال جوز أن يقدر هنا عليكم اسم فعل، و قال مكي: هو نصب بإضمار فعل أي اتبع فطرة اللّه و دل عليه قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ‏ لأن معناه اتبع الدين، و اختاره الطيبي و قال: أنه أقرب في تأليف النظم لأنه موافق لقوله تعالى: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ‏ و لترتب قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ‏ عليه بالفاء.

و جوز أن يكون نصبا بإضمار أعني و أن يكون مفعولا مطلقا لفعل محذوف دل عليه ما بعد أي فطركم فطرة اللّه، و لا يصح عمل فطر المذكور بعد فيه لأنه من صفته، و أن يكون منصوبا بما دل عليه الجملة السابقة على أنه مصدر مؤكد لنفسه. و أن يكون بدلا من‏ حَنِيفاً و المتبادر إلى الذهن النصب على الإغراء، و إضمار الفعل على خطاب الجماعة مع أن المتقدم‏ فَأَقِمْ‏ هو ما اختاره الزمخشري ليطابق قوله تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ‏ و جعله حالا من ضمير الجماعة المسند إليه الفعل، و جعل قوله تعالى: وَ اتقوا وَ أَقِيمُوا وَ لا تَكُونُوا معطوفا على ذلك الفعل.

و قال الطيبي: بعد ما اختار تقرير اتبع و رجحه بما سمعت: و أما قوله تعالى: مُنِيبِينَ‏ فهو حال من الضمير في (أقم) و إنما جمع لأنه مردد على المعنى لأن الخطاب للنبي صلّى اللّه تعالى عليه و سلم و هو خطاب لأمته فكأنه قيل: أقيموا وجوهكم منيبين.

و قال الفراء: أي أقم وجهك و من تبعك كقوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ‏ [هود: 112] فلذلك قال سبحانه: مُنِيبِينَ‏ و في المرشد أن‏ مُنِيبِينَ‏ متعلق بمضمر أي كونوا منيبين لقوله تعالى بعد: وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ ا ه. و لا يخفى على المنصف حسن كلام الزمخشري، و ما أن ذكر من خطابه صلّى اللّه تعالى عليه و سلم خطاب الأمة يؤكد الدلالة و على ذلك المضمر لا أنه يجوز أن يكون‏ مُنِيبِينَ‏ حالا من الضمير في (أقم) و ظاهر كلام الفراء يقتضي كون الحال من مذكور و محذوف و هو قليل في الكلام، و إضمار كونوا مع إضمار فعل ناصب لفطرة اللّه موجب لكثرة الإضمار، و إضماره دون إضمار فيما قيل موجب لارتكاب خلاف المتبادر هناك، و الفطرة على ما قال ابن الأثير للحالة كالجلسة و الركبة من الفطر بمعنى الابتداء و الاختراع، و فسرها الكثير هنا بقابلية الحق و التهيؤ لإدراكه، و قالوا: معنى لزومها الجريان على موجبها و عدم الإخلال به باتباع الهوى و تسويل شياطين الأنس و الجن، و وصفها بقوله تعالى: الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لتأكيد وجوب امتثال الأمر، و عن عكرمة تفسيرها بدين الإسلام.

و في الخبر ما يدل عليه،

أخرج ابن مردويه عن حماد بن عمر الصفار قال: سألت عن قتادة عن قوله تعالى:

فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها فقال: حدثني أنس بن مالك رضي اللّه تعالى عنه قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏11، ص: 41

تعالى عليه و سلم فطرة اللّه التي فطر الناس عليها دين اللّه تعالى»

و المراد بفطرهم على دين الإسلام خلقهم قابلين له غير نابين عنه و لا منكرين له مجاوبا للعقل مساوقا للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينا آخر،

ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلم‏ ما من مولود يولد إلّا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء»

و المراد بالناس على التفسيرين جميعهم.

و زعم بعضهم أن المراد بهم على التفسير الثاني المؤمنون و ليس بشي‏ء. و استشكل الاستغراق بأنه ورد في الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام أنه طبع على الكفر. و أجيب بأن معنى ذلك أنه قدر أنه لو عاش يصير كافرا بإضلال غيره له أو بآفة من الآفات البشرية، و هذا على ما قيل هو المراد من‏

قوله عليه الصلاة و السلام: «الشقي شقي في بطن أمه»

و ذلك لا ينافي الفطر على دين الإسلام بمعنى خلقه متهيأ له مستعدا لقبوله فتأمل فالمقام محتاج بعد إلى تحقيق، و قيل:

فطرة اللّه العهد المأخوذ على بني آدم، و معنى فطرهم على ذلك على ما قيل خلقهم مركوزا فيهم معرفته تعالى كما أشير إليه بقوله سبحانه: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ* [لقمان: 25، الزمر: 38] و قوله سبحانه: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏ تعليل للأمر بلزوم فطرته تعالى أو لوجوب الامتثال به فالمراد بخلق اللّه فطرته المذكورة أولا ففيه إقامة المظهر مقام المضمر من غير لفظه السابق، و المعنى لا صحة و لا استقامة لتبديل فطرة اللّه تعالى بالإخلال بموجبها و عدم ترتيب مقتضاها عليها باتباع الهوى و قبول وسوسة الشياطين، و قيل: المعنى لا يقدر أحد على أن يغير خلق اللّه سبحانه و فطرته عزّ و جلّ فلا بد من حمل التبديل على تبديل نفس الفطرة بإزالتها رأسا و وضع فطرة أخرى مكانها غير مصححة لقبول الحق و التمكن من إدراكه ضرورة، فإن التبديل بالمعنى الأول مقدور بل واقع قطعا فالتعليل حينئذ من جهة أن سلامة الفطرة متحققة في كل أحد فلا بد من لزومها بترتيب مقتضاها عليها و عدم الإخلال به بما ذكر من اتباع الهوى و وسوسة الشياطين، و قال الإمام: يحتمل أن يقال: إن اللّه تعالى خلق خلقه للعبادة و هم كلهم عبيده لا تبديل لخلق اللّه أي ليس كونهم عبيدا مثل كون المملوك عبدا للإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره و يخرج عن ملكه بالعتق بل لا خروج للخلق عن العبادة و العبودية، و هذا لبيان فساد قول من يقول: العبادة لتحصيل الكمال و إذا كمل للعبد بها لا يبقى عليه تكليف.

و قول المشركين: إن الناقض لا يصلح لعبادة اللّه تعالى و إنما يعبد نحو الكواكب و هي عبيد اللّه تعالى، و قول النصارى: إن عيسى عليه السلام كمل بحلول اللّه تعالى فيه و صار إلها ا ه و فيه ما فيه، و مما يستغرب ما روي عن ابن عباس من أن معنى‏ لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏ النهي عن خصاء الفحول من الحيوان، و قيل: إن الكلام متعلق بالكفرة كأنه قيل: فأقم وجهك للدين حنيفا و الزم فطرة اللّه التي فطر الناس عليها فإن هؤلاء الكفرة خلق اللّه تعالى لهم الكفر و لا تبديل لخلق اللّه أي أنهم لا يفلحون. و أنت تعلم أنه لا ينبغي حمل كلام اللّه تعالى على نحو هذا ذلِكَ‏ إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو إلى لزوم فطرة اللّه تعالى المستفاد من الإغراء أو إلى الفطرة و التذكير باعتبار الخبر أو بتأويل المشار إليه بمذكر الدِّينُ الْقَيِّمُ‏ المستوي الذي لا عوج فيه و لا انحراف عن الحق بوجه من الوجوه كما ينبى‏ء عنه صيغة المبالغة، و أصله قيوم على وزن فيعل اجتمعت الواو و الياء و سبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء و أدغمت الياء فيها وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ ذلك فيصدون عنه صدودا.

و قيل: أي لا علم لهم أصلا و لو علموا لعلموا ذلك على أن الفعل منزل منزلة اللازم‏ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ‏ أي راجعين إليه تعالى بالتوبة و إخلاص العمل من ناب نوبة و نوبا إذا رجع مرة بعد أخرى، و من النواب أي النحل سميت‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏11، ص: 42

بذلك لرجوعها إلى مقرها، و قيل: أي منقطعين إليه تعالى من الناب السن خلف الرباعية لما يكون بها من الانقطاع ما لا يكون بغيرها. و تعقب بأنه بعيد لأن الناب يأتي و هذا واوي، و قد تقدم غير بعيد عدة أقوال في وجه نصبه، و زاد عليها في البحر القول بكونه نصبا على الحال من‏ النَّاسَ‏ في قوله تعالى: فَطَرَ النَّاسَ‏ و قدمه على سائر الأقوال و هو كما ترى، و تقدم أيضا ما قيل في عطف قوله تعالى: وَ اتَّقُوهُ‏ أي من مخالفة أمره تعالى‏ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ المبدلين لفطرة اللّه سبحانه تبديلا، و الظاهر أن المراد بهم كل من أشرك باللّه عزّ و جلّ، و النهي متصل بالأوامر قبله، و قيل: بأقيموا الصلاة، و المعنى و لا تكونوا من المشركين بتركها و إليه ذهب محمد بن أسلم الطوسي و هو كما ترى، و قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ‏ بدل من المشركين بإعادة الجار، و تفريقهم لدينهم اختلافهم فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم، و قيل: اختلافهم في اعتقاداتهم مع اتحاد معبودهم، و فائدة الإبدال التحذير عن الانتماء إلى حزب من أحزاب المشركين ببيان أن الكل على الضلال المبين.

و قرأ حمزة، و الكسائي «فارقوا» أي تركوا دينهم الذي أمروا به أو الذي اقتضته فطرتهم‏ وَ كانُوا شِيَعاً أي فرقا تشايع كل فرقة أمامها الذي مهد لها دينها و قرره و وضع أصوله‏ كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ‏ من الدين المعوج المؤسس على الرأي الزائغ و الزعم الباطل‏ فَرِحُونَ‏ مسرورون ظنا منهم أنه حق، و الجملة قيل اعتراض مقرر لمضمون ما قبله من تفريق دينهم و كونهم شيعا، و قيل: في موضع نصب على أنها صفة شِيَعاً بتقدير العائد أي كل حزب منهم، و زعم بعضهم كونها حالا. و جوز أن يكون‏ فَرِحُونَ‏ صفة لكل كقول الشماخ:

و كل خليل غير هاضم نفسه‏

لوصل خليل صارم أو معارز

و الخبر هو الظرف المتقدم أعني قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ‏ فيكون منقطعا عما قبله، و ضعف بأنه يوصف المضاف إليه في نحوه صرح به الشيخ ابن الحاجب في قوله:

و كل أخ مفارقه أخوه‏

لعمر أبيك إلا الفرقدان‏

و في البحر أن وصف المضاف إليه في نحوه هو الأكثر و أنشد قوله:

جادت عليه كل عين ترة

فتركن كل حديقة كالدرهم‏

و ما قيل: إنه إذا وصف به‏ كُلُ‏ دل على أن الفرح شامل للكل و هو أبلغ ليس بشي‏ء بل العكس أبلغ لو تؤمل أدنى تأمل‏ وَ إِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ أي شدة دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ‏ راجعين إليه تعالى من دعاء غيره عزّ و جلّ من الأصنام و غيرها ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً خلاصا من تلك الشدة إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ‏ الذي كانوا دعوه منيبين إليه‏ يُشْرِكُونَ‏ أي فاجأ فريق منهم الإشراك و ذلك بنسبة خلاصهم إلى غيره تعالى من صنم أو كوكب أو نحو ذلك من المخلوقات؛ و تخصيص هذا الفعل ببعضهم لما أن بعضهم ليسوا كذلك، و تنكير ضُرٌّ و رَحْمَةً للتعليل إشارة إلى أنهم لعدم صبرهم يجزعون لأدنى مصيبة و يطغون لأدنى نعمة، و «ثم» للتراخي الرتبي أو الزماني‏ لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ‏ اللام فيه للعاقبة و كونها تقتضي المهلة و لذا سميت لام المآل و الشرك و الكفر متقاربان لا مهلة بينهما كما قيل لا وجه له، و قيل: للأمر و هو للتهديد كما يقال عند الغضب اعصني ما استطعت و هو مناسب لقوله سبحانه: فَتَمَتَّعُوا فإنه أمر تهديدي، و احتمال كونه ماضيا معطوفا على‏ يُشْرِكُونَ‏ لا يخفى حاله، و الفاء للسببية، و التمتع التلذذ، و فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب‏ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏ و بال تمتعكم. و قرأ أبو العالية «فيمتعوا» بالياء التحتية مبنيا للمفعول و هو معطوف على (يكفروا) فسوف يعلمون بالياء التحتية أيضا، و عن أبي العالية أيضا «فيتمتعوا» بياء تحتية قبل التاء و هو معطوف على (يكفروا) أيضا، و عن ابن مسعود «و ليتمتعوا» باللام و الياء

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏11، ص: 43

التحتية و هو عطف على «ليكفروا» أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً التفات من الخطاب إلى الغيبة إيذانا بالإعراض عنهم و تعديدا لجناياتهم لغيرهم بطريق المباثة، و أَمْ‏ منقطعة، و السلطان لحجة فالإنزال مجاز عن التعليم أو الإعلام، و قوله تعالى: فَهُوَ يَتَكَلَّمُ‏ بمعنى فهو يدل على أن التكلم مجاز عن الدلالة، و لك أن تعتبر هنا جميع ما اعتبروه في قولهم: نطقت الحال من الاحتمالات، و يجوز أن يراد بسلطانا ذا سلطان أي ملكا معه برهان فلا مجاز أولا و آخرا.

و جملة هو يَتَكَلَّمُ‏ جواب للاستفهام الذي تضمنته‏ أَمْ‏ إذ المعنى بل أ أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم‏ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ‏ أي بإشراكهم باللّه عزّ و جلّ، و صحته على أن (ما) مصدرية و ضمير بِهِ‏ له تعالى أو بالأمر الذي يشركون بسببه و ألوهيته على أن (ما) موصولة و ضمير بِهِ‏ لها و الباء سببية، و المراد نفي أن يكون لهم مستمسك يعول عليه في شركهم‏ وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً أي نعمة من صحة و سعة و نحوهما فَرِحُوا بِها بطرا و أشرا فإنه الفرح المذموم دون الفرح حمدا و شكرا، و هو المراد في قوله تعالى: «قل بفضل اللّه و برحمته فبذلك فليفرحوا» و قال الامام: المذموم الفرح بنفس الرحمة و الممدوح الفرح برحمة اللّه تعالى من حيث إنها مضافة إلى اللّه تعالى‏ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ شدة بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏ بشؤم معاصيهم‏ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ‏ أي فاجؤوا القنوط من رحمته عزّ و جلّ، و التعبير بإذا أولا لتحقق الرحمة و كثرتها دون المقابل، و في نسبة الرحمة إليه تعالى دون السيئة تعليم للعباد أن لا يضاف إليه سبحانه الشر و هو كثير كقوله تعالى: أَنْعَمْتَ‏ و الْمَغْضُوبِ‏ في [الفاتحة: 7]، و عدم بيان سبب إذاقة الرحمة و بيان سبب إصابة السيئة إشارة إلى أن الأول تفضل و الثاني عدل، و التعبير بالمضارع في‏ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ‏ لرعاية الفاصلة و الدلالة على الاستمرار في القنوط، و المراد بالناس إما فريق آخر غير الأول على أن التعريف للعهد أو للجنس و إما الفريق الأول لكن الحكم الأول ثابت لهم في حال تدهشهم كمشاهدة العرق و هذا الحكم في حال آخر لهم فلا مخالفة بين قوله تعالى: «و إذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه» و قوله سبحانه: «و إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم ينقطون» فلا يحتاج إلى تكلف التوفيق بأن الدعاء اللساني جار على العادة فلا ينافي القنوط القلبي و لذا سمع بعض الخائضين في دم عثمان رضي اللّه تعالى عنه يدعو في طوافه و يقول: اللهم اغفر لي و لا أظنك تفعل، أو المراد يفعلون فعل القانطين كالاهتمام بجمع الذخائر أيام الغلاء، و لا يخفى أن في المفاجأة نبوة ما عن هذا فتأمل.

و قرى‏ء «يقنطون» بكسر النون‏ أَ وَ لَمْ يَرَوْا أي أ لم ينظروا و لم يشاهدوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ أن يبسطه تعالى له‏ وَ يَقْدِرُ أي و يضيقه على من يشاء أن يضيقه عليه، و هذا إما باعتبار شخصين أو باعتبار شخص واحد في زمانين، و المراد إنكار فرحهم و قنوطهم في حالتي الرخاء و الشدة أي أو لم يروا ذلك فما لهم لم يشكروا و لم يحتسبوا في السراء و الضراء كالمؤمنين‏ إِنَّ فِي ذلِكَ‏ المذكور أي البسط و ضده أو جميع ما ذكر لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏ فيستدلون بها على كمال القدرة و الحكمة و للّه تعالى در من قال:

نكد الأريب و طيب عيش الجاهل‏

قد أرشداك إلى حكيم كامل‏

قال الطيبي: كانت الفاصلة قوله تعالى: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏ إيذانا بأنه تعالى يفعل ذلك بمحض مشيئته سبحانه و ليس الغنى بفعل العبد و جهده و لا العدم بعجزه و تقاعده و لا يعرف ذلك إلا من آمن بأن ذلك تقدير العزيز العليم كما قال:

كم من أريب فهم قلبه‏

مستكمل العقل مقلّ عديم‏

و من جهول مكثر ماله‏

ذلك تقدير العزيز العليم‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏11، ص: 44

فَآتِ ذَا الْقُرْبى‏ حَقَّهُ‏ من الصلة و الصدقة و سائر المبرات‏ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ‏ ما يستحقانه، و الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه و سلم على أنه عليه الصلاة و السلام المقصود أصالة و غيره من المؤمنين تبعا، و قال الحسن: هو خطاب لكل سامع، و جوز غير واحد أن يكون لمن بسط له الرزق، و وجه تعلق هذا الأمر بما قبله و اقترانه بالفاء على ما ذكره الزمخشري أنه تعالى لما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل و ما يجب أن يترك، و حاصله على ما في الكشف أن امتثال أوامره تعالى مجلبة رضاه و الحياة الطيبة تتبعه كما أن عصيانه سبحانه مجلبة سخطه و الجدب و الضيقة من روادفه فإذا استبان ذلك فآت يا محمد و من تبعه أو فآت يا من بسط له الرزق ذا القربى حقه إلخ، و ذكر الإمام وجها آخر مبنيا على أن الأمر متفرع على حديث البسط و القدر و هو أنه تعالى لما بين أنه سبحانه يبسط و يقدر أمر جلّ و علا بالإنفاق إيذانا بأنه لا ينبغي أن يتوقف الإنسان في الإحسان فإن اللّه تعالى إذا بسط الرزق لا ينقص بالإنفاق و إذا قدر لا يزداد بالإمساك كما قيل:

إذ جادت الدنيا عليك فجد بها

على الناس طرّا إنها تتقلب‏

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت‏

و لا البخل يبقيها إذا هي تذهب‏

قال صاحب الكشف روح اللّه تعالى روحه: إن ما ذكره الزمخشري أوفق لتأليف النظم الجليل فإن قوله تعالى:

أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ‏ لتتميم الإنكار على من فرح بالنعمة عن شكر المنعم و يئس عند زوالها عنه، و الظاهر على ما ذكره الإمام أن المراد بالحق الحق المالي و كذا المراد به في جانب المسكين و ابن السبيل، و حمل ذلك بعضهم على الزكاة المفروضة. و تعقب بأن السورة مكية و الزكاة إنما فرضت بالمدينة و استثناء هذه الآية و دعوى أنها مدنية يحتاج إلى نقل صحيح، و سبق النزول على الحكم بعيد و لذا لم يذكر هنا بقية الأصناف، و حكي أن أبا حنيفة استدل بالآية على وجوب النفقة لكل ذي رحم محرم ذكرا كان أو أنثى إذا كان فقيرا أو عاجزا عن الكسب، و وجه بأن (آت) أمر للوجوب، و الظاهر من الحق بقرينة ما قبله أنه مالي و لو كان المراد الزكاة لم يقدم حق ذوي القربى إذ الظاهر من تقديمه المغايرة، و الشافعية أنكروا وجوب النفقة على من ذكر و قالوا: لا نفقة بالقرابة إلّا على الولد و الوالدين على ما بين في الفقه، و المراد بالحق المصرح به في ذي القربى صلة الرحم بأنواعها و بالحق المعتبر في جانب المسكين و ابن السبيل صدقة كانت مفروضة قبل فرض الزكاة أو الزكاة المفروضة و الآية مدنية أو مكية و النزول سابق على الحكم. و اعترض على هذا بأنه إذا فسر حق الأخيرين بالزكاة وجب تفسير الأول بالنفقة الواجبة لئلا يكون لفظ الأمر للوجوب و الندب، و لذا استدل أبو حنيفة عليه الرحمة بالآية على ما تقدم، و فيه بحث.

و قال بعض أجلّة الشافعية رادا على الاستدلال: إنه كيف يتم مع احتمال أن يكون الأمر بإيتاء الصدقة أيضا بدليل ما تلاه، ثم إن‏ ذَا الْقُرْبى‏ مجمل عند المستدل و من أين له أنه بين بذي الرحم المحرم، و كذلك قوله تعالى:

حَقَّهُ‏ ثم قال: و الحق أنه أمر بتوفير حقه من الصلة لا خصوص النفقة و صلة الرحم من الواجبات المؤكدة انتهى، و الحق أحق بالاتباع، و دليل الإمام عليه الرحمة ليس هذا وحده كما لا يخفى على علماء مذهبه.

و خص بعض الخطاب به صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم و قال: المراد بذي القربى بنو هاشم و بنو المطلب أمر صلى اللّه تعالى عليه و سلم أن يؤتيهم حقهم من الغنيمة و الفي‏ء، و في مجمع البيان للطبرسي من الشيعة المعنى و آت يا محمد ذوي قرابتك حقوقهم التي جعلها اللّه تعالى لهم من الأخماس. و

روى أبو سعيد الخدري و غيره‏ أنه لما نزلت هذه الآية أعطى عليه الصلاة و السلام فاطمة رضي اللّه تعالى عنها فدكا و سلمه إليها، و هو المروي عن أبي جعفر، و أبي عبد اللّه‏

انتهى؛ و فيه أن هذا ينافي ما اشتهر عند الطائفتين من أنها رضي اللّه تعالى عنها ادعت فدكا بطريق‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏11، ص: 45

الإرث، و زعم بعضهم أنها ادعت الهبة و أتت على ذلك بعلي و الحسن و الحسين رضي اللّه تعالى عنهم و بأم أيمن رضي اللّه تعالى عنها فلم يقبل منها لمكان الزوجية و البنوة و عدم كفاية المرأة الواحدة في الشهادة في هذا الباب فادعت الإرث فكان ما كان و هذا البحث مذكور على أتم وجه في التحفة إن أردته فارجع إليه، و خص بعضهم‏ ابْنَ السَّبِيلِ‏ بالضيف و حقه بالإحسان إليه إلى أن يرتحل و المشهور أنه المنقطع عن ماله و بين المعنيين عموم من وجه، و قدم ذو القربى اعتناء بشأنه و هو السر في تقديم المفعول الثاني على العطف و العدول عن و آت ذا القربى و المسكين و ابن السبيل حقهم، و عبر عن القريب بذي القربى في جميع المواضع و لم يعبر عن المسكين بذي المسكنة لأن القرابة ثابتة لا تتجدد و ذو كذا لا يقال في الأغلب إلا في الثابت ألا ترى أنهم يقولون لمن تكرر منه الرأي الصائب فلان ذو رأي و يكاد لا تسمعهم يقولون لمن أصاب مرة في رأيه كذلك و كذا نظائر ذلك من قولهم: فلان ذو جاه و فلان ذو إقدام، و المسكنة لكونها مما تطرأ و تزول لم يقل في المسكين ذو مسكنة كذا قال الإمام: ذلِكَ‏ أي الإيتاء المفهوم من الأمر خَيْرٌ في نفسه أو خير من غيره‏ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ‏ أي ذاته سبحانه أي يقصدونه عزّ و جلّ بمعروفهم خالصا أو جهته تعالى أي يقصدون جهة التقرب إليه سبحانه لا جهة أخرى و المعنيان كما في الكشف متقاربان و لكن الطريقة مختلفة.

وَ أُولئِكَ‏ المتصفون بالإيتاء هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ حيث حصلوا بإنفاق ما يفنى النعيم المقيم، و الحصر إضافي على ما قيل: أي أولئك هم المفلحون لا الذين بخلوا بما لهم و لم ينفقوا منه شيئا.

و قيل: هو حقيقي على أن المتصفين بالإيتاء المذكور هم الذين آمنوا و أقاموا الصلاة و أنابوا إليه تعالى و اتقوه عزّ و جلّ فلا منافاة بين هذا الحصر و الحصر المذكور في أول سورة البقرة فتأمل‏ وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً الظاهر أنه أريد به الزيادة المعروفة في المعاملة التي حرمها الشارع إليه ذهب الجبائي و روي ذلك عن الحسن و يشهد له ما روي عن السدي من أن الآية نزلت في ربا ثقيف كانوا يرون و كذا كانت قريش، و عن ابن عباس و مجاهد، و سعيد بن جبير، و الضحاك، و محمد بن كعب القرظي، و طاوس و غيرهم أنه أريد به العطية التي يتوقع بها مزيد مكافأة و عليه فتسميتها ربا مجاز لأنها سبب للزيادة، و قيل: لأنها فضل لا يجب على المعطي.

و عن النخعي أن الآية نزلت في قوم يعطون قراباتهم و إخوانهم على معنى نفعهم و تمويلهم و التفضيل عليهم و ليزيدوا في أموالهم على جهة النفع لهم و هي رواية عن ابن عباس فالمراد بالربا العطية التي تعطى للأقارب للزيادة في أموالهم، و وجه تسميتها بما ذكر معلوم مما ذكرنا، و أيا ما كان- فمن- بيان- لما- لا للتعليل.

و قرأ ابن كثير «أتيتم» بالقصر و معناه على قراءة الجمهور أعطيتم و على هذه القراءة جئتم أي ما جئتم به من عطاء ربا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ‏ أي ليزيد ذلك الربا و يزكو في أموال الناس الذين آتيتموهم إياه، و قال ابن الشيخ:

المعنى على تفسير الربا بالعطية ليزيد ذلك الربا في جذب أموال الناس و جلبها، و في معناه ما قيل ليزيد ذلك بسبب أموال الناس و حصول شي‏ء منها لكم بواسطة العطية، و عن ابن عباس، و الحسن، و قتادة، و أبي رجاء، و الشعبي، و نافع، و يعقوب، و أبي حيوة «لتربوا» بالتاء الفوقية مضمومة و إسناد الفعل إليهم و هو باب الأفعال المتعدية لواحد بهمزة التعدية و المفعول محذوف أي لتربوه و تزيدوه في أموال الناس أو هو من قبيل يجرح في عراقيبها نصلى أي لتربوا و تزيدوا أموال الناس، و يجوز أن يكون ذلك للصيرورة أي لتصيروا ذوي ربا في أموال الناس. و قرأ أبو مالك «لتربوها» بضمير المؤنث و كان الضمير للربا على تأويله بالعطية أو نحوها فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ‏ أي فلا يبارك فيه في تقديره تعالى و حكمه عزّ و جلّ‏ وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ أي من صدقة تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ‏ تبتغون به وجهه تعالى خالصا فَأُولئِكَ هُمُ‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏11، ص: 46

الْمُضْعِفُونَ‏ أي ذوو الأضعاف على أن مضعفا اسم فاعل من أضعف أي صار ذا ضعف بكسر فسكون بأن يضاعف له ثواب ما أعطاه كما قوى و أيسر إذا صار ذا قوة و يسار فهو لصيرورة الفاعل ذا أصله، و يجوز أن يكون من أضعف و الهمزة للتعدية و المفعول محذوف أي الذين ضعفوا ثوابهم و أموالهم ببركة الزكاة. و يؤيد هذا الوجه قراءة أبي «المضعفون» اسم مفعول، و كان الظاهر أن يقال: فهو يربو عند اللّه لأنه الذي تقتضيه المقابلة إلا أنه غير في العبارة إذا أثبت غير ما قبله و في النظم إذا أتى فيما قبل بجملة فعلية و هنا بجملة اسمية مصدرة باسم الإشارة مع ضمير الفصل لقصد المبالغة فأثبت لهم المضاعفة التي هي أبلغ من مطلق الزيادة على طريق التأكيد بالاسمية و الضمير و حصر ذلك فيهم بالاستحقاق مع ما في الإشارة من التعظيم لدلالته على علو المرتبة و ترك ما أتوا و ذكر المؤتى إلى غير ذلك، و الالتفات عن الخطاب حيث قيل: فأولئك دون فأنتم للتعظيم كأنه سبحانه خاطب بذلك الملائكة عليهم السلام و خواص الخلق تعريفا لحالهم، و يجوز أن يكون التعبير بما ذكر للتعميم بأن يقصد بأولئك هؤلاء و غيرهم، و الراجع في الكلام إلى‏ ما محذوف إن جعلت موصولة و كذلك إن جعلت شرطية على الأصح لأنه خبر على كل حال أي فأولئك هم المضعفون به أو فمؤتوا على صيغة اسم الفاعل أولئك المضعفون، و الحذف لما في الكلام من الدليل عليه، و على تقدير مؤتوه العام لا يكون هناك التفات بالمعنى المتعارف، و اعتبار الالتفات أولى، و في الكشاف أن الكلام عليه أملأ بالفائدة و بين ذلك بأن الكلام مسوق لمدح المؤتين حثا في الفعل و هو على تقدير الالتفات من وجوه.

أحدها الإشارة بأولئك تعظيما لهم و الثاني تقريه الملائكة عليهم السلام بمدحهم. و الثالث ما في نفس الالتفات من الحسن. و الرابع ما في أولئك على هذا من الفائدة المقررة في نحو* فذلك أن يهلك فحسبي ثناؤه* بخلافه إذا جعل وصفا للمؤتين و على ذلك التقدير يفيد تعظيم الفعل لا الفاعل و إن لزم بالعرض فلا يعارض ما يفيده بالأصالة فتأمل، و الآية على المعنى الأول للربا في معنى قوله عزّ و جلّ: يمحق اللّه الربا و يربي الصدقات [البقرة: 276] سواء بسواء، و الذي يقتضيه كلام كثير أنها تشعر بالنهي عن الربا بذلك المعنى لكن أنت تعلم أنها لو أشعرت بذلك لأشعرت بحرمة الربا بمعنى العطية التي يتوقع بها مزيد مكافأة على تقدير تفسير الربا بها مع أنهم صرحوا بعدم حرمة ذلك على غيره صلّى اللّه تعالى عليه و سلم و حرمتها عليه عليه الصلاة و السلام لقوله تعالى: و لا تمنن تستكثر [المدثر: 6] و كذا صرحوا بأن ما يأخذه المعطي لتلك العطية من الزيادة على ما أعطاه ليس بحرام و دافعه ليس بآثم لكنه لا يثاب على دفع الزيادة لأنها ليست صلة مبتدأة بل بمقابلة ما أعطي أولا و لا ثواب فيما يدفع عوضا و كذا لا ثواب في إعطاء تلك العطية أولا لأنها شبكة صيد، و معنى قول بعض التابعين الجانب المستغزر يثاب من هبته أن الرجل الغريب إذا أهدى إليك شيئا لتكافئه و تزيده شيئا فأثبه من هديته و زده.

صفحه بعد