کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم

الجزء الحادي عشر

فهرس المجلد الحادي عشر من روح المعاني

الجزء الثاني عشر

الفهرس

الجزء الثالث عشر

فهرس المجلد الثالث عشر من روح المعاني

الجزء الرابع عشر

فهرس المجلد الرابع عشر من روح المعاني

الجزء الخامس عشر

فهرس المجلد الخامس عشر من روح المعاني

الجزء السادس عشر

الفهارس العامة

فهرس الآيات المفسرة

تفسير سورة البقرة تفسير سورة آل عمران تفسير سورة النساء تفسير سورة المائدة تفسير سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة يوسف تفسير سورة الرعد تفسير سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر تفسير سورة النحل تفسير سورة الإسراء تفسير سورة الكهف تفسير سورة مريم تفسير سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة القصص تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة تفسير سورة الأحزاب تفسير سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة ص تفسير سورة الزمر تفسير سورة المؤمن تفسير سورة فصلت تفسير سورة الشورى تفسير سورة الزخرف تفسير سورة الدخان تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة و النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن عز و جل تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة تبت تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

فهرس آيات الشواهد

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة النبأ سورة المرسلات سورة الإنسان سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم


صفحه قبل

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 5

و كون المراد حسرة غيرهم عليهم و الاضافة لأدنى ملابسة خلاف الظاهر؛ و أخرج ابن جرير. و غيره عن قتادة أنه قال في بعض القراءات «يا حسرة العباد على أنفسها ما يأتيهم» إلخ.

و جوز أن تكون حسرة الملائكة عليهم السلام و المؤمنين من الثقلين، و عن الضحاك تخصيصها بحسرة الملائكة عليهم السلام و زعم أن المراد بالعباد الرسل الثلاثة و أبو العالية فسر الْعِبادِ بهذا أيضا لكنه حمل الحسرة على حسرة الكفار المهلكين قال: تحسروا حين رأوا عذاب اللّه تعالى و تلهفوا على ما فاتهم، و قيل: المراد بالعباد المهلكون و المتحسر الرجل الذي جاء من أقصى المدينة تحسر لما وثب القوم لقتله، و قيل: المراد بالعباد أولئك و المتحسر الرسل حين قتلوا ذلك الرجل و حل بهم العذاب و لم يؤمنوا، و لا يخفى حال هذه الأقوال و كان مراد من قال:

المتحسر الرجل و من قال المتحسر الرسل عنى أن القول المذكور قول الرجل أو قول الرسل، و في كلام أبي حيان ما هو ظاهر في ذلك، و مع هذا لا ينبغي أن يعول على شي‏ء مما ذكر، و جوز أن يكون التحسر منه سبحانه و تعالى مجازا على استعظام ما جنوه على أنفسهم، و أيد بأنه قرى‏ء «يا حسرتا على العباد» فإن الأصل عليها يا حسرتي فقلبت الياء ألفا، و نحوها قراءة ابن عباس كما قال ابن خالويه «يا حسرة على العباد» بغير تنوين فإن الأصل أيضا يا حسرتي فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الألف و اكتفى عنها بالفتحة، و قرأ أبو الزناد و ابن هرمز و ابن جندب «يا حسرة على العباد» بالهاء الساكنة، قال في المنتقى: وقف «على حسره» وقفا طويلا تعظيما للأمر ثم قيل «على العباد».

و في اللوامح وقفوا على الهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التأهه كالتأوه، ثم وصلوه على تلك الحال.

و قال الطيبي: إن العرب إذا أخبرت عن الشي‏ء غير معتد به أسرعت فيه و لم تأت على اللفظ المعبر عنه نحو قلت لها قفي قالت لنا قاف أي وقفت فاقتصرت من جملة الكلمة على حرف منها تهاونا بالحال و تثاقلا عن الإجابة، و لا يخفى أن هذا لا يناسب المقام، و ينبغي على هذا القراءة أن لا يكون‏ عَلَى الْعِبادِ متعلقا بحسرة أو صفة له إذ لا يحسن الوقف حينئذ بل يجعل متعلقا بمضمر يدل عليه‏ حَسْرَةً نحو يتحسر أو أتحسر على العباد، و تقدير انظروا ليس بذاك أو خبر مبتدأ محذوف لبيان المتحسر عليه أي الحسرة على العباد و تخريج قراءة «يا حسرتا» بالألف على هذا الطرز بأن يقال: قدر الوقف على المنصوب المنون فإنه يوقف عليه بالألف ككان اللّه على كل شي‏ء قديرا، و ضرب زيد عمرا ليس بشي‏ء و لو سلم أنه شي‏ء لا ينافي التأييد، و قيل‏ يا للنداء و المنادى محذوف و حَسْرَةً مفعول مطلق لفعل مضمر و عَلَى الْعِبادِ متعلق بذلك الفعل أي يا هؤلاء تحسروا حسرة على العباد.

و لعل الأوفق للمقام المتبادر إلى الأفهام أن المراد نداء حسرة كل من يتأتى منه التحسر ففيه من المبالغة ما فيه.

و قوله تعالى‏ ما يَأْتِيهِمْ‏ إلخ استئناف لبيان ما يتحسر منه، و بِهِ‏ متعلق بيستهزئون. و قدم عليه للحصر الادعائي و جوز أن يكون لمراعاة الفواصل.

أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ‏ الضمير لأهل مكة و الاستفهام للتقرير و كم خبرية في موضع نصب باهلكنا و مِنَ الْقُرُونِ‏ بيان لكم، و جوز بعض المتأخرين كون‏ كَمْ‏ مبتدأ و الجملة بعده خبره و هو كلام من لا خبر عنده و الجملة معمولة ليروا نافذ معناها فيها و كَمْ‏ معلقة لها عن العمل في اللفظ لأنها و إن كانت خبرية لها صدر الكلام كالاستفهامية فلا يعمل فيها عامل متقدم على اللغة الفصيحة إلا إذا كان حرف جر أو اسما مضافا نحو على كم فقير تصدقت أرجو الثواب و ابن كم رئيس صحبته.

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 6

و حكى الأخفش على ما في البحر جواز تقدم عامل عليها غير ذلك عن بعضهم نحو ملكت كم غلام أي ملكت كثيرا من الغلمان عاملوها معاملة كثير؛ و الرؤية علمية لا بصرية خلافا لابن عطية لأنها لا تعلق على المشهور و لأن أهل مكة لم يحضروا إهلاك من قبلهم حتى يروه بل علموه بالأخبار و مشاهدة الآثار، و القرون جمع قرن و هم القوم المقترنون في زمن واحد كعاد و ثمود و غيرهم‏ أَنَّهُمْ‏ الضمير عائد على معنى‏ كَمْ‏ و هي القرون أي إن القرون المهلكين‏ إِلَيْهِمْ‏ أي إلى أهل مكة لا يَرْجِعُونَ‏ و أن و ما بعدها في تأويل المفرد بدل من جملة كَمْ أَهْلَكْنا على المعنى كما نقل عن سيبويه و تبعه الزجاج أي ألم يروا كثرة إهلاكنا من قبلهم و كونهم غير راجعين إليهم.

و قيل على المعنى لأن الكثرة المذكورة و عدم الرجوع ليس بينهما اتحاد بجزئية و لا كلية و لا ملابسة كما هو مقتضى البدلية لكن لما كان ذلك في معنى الذين أهلكناهم و أنهم لا يرجعون بمعنى غير راجعين اتضح فيه البدلية على أنه بدل اشتمال أو بدل كل من كل قاله الخفاجي: و أفاد صاحب الكشف على أنه من بدل الكل بجعل كونهم غير راجعين كثرة إهلاك تجوزا، و عندي أن هذا الوجه و إن لم يكن فيه إبدال مفرد من جملة و تحقق فيه مصحح البدلية على ما سمعت و لا يخلو عن تكلف، و سيبويه ليس بنبي النحو ليجب اتّباعه.

و قال السيرافي: يجوز أن يجعل‏ أَنَّهُمْ‏ إلخ صلة أهلكناهم أي أهلكناهم بأنهم لا يرجعون أي بهذا الضرب من الهلاك، و جوز ابن هشام في المغني أن يكون إن وصلتها معمول‏ يَرَوْا و جملة كَمْ أَهْلَكْنا معترضة بينهما و أن يكون معلقا عن‏ كَمْ أَهْلَكْنا و أنهم إليهم لا يرجعون مفعولا لأجله، قال الشمني: ليروا و المعنى أنهم علموا لأجل أنهم لا يرجعون إهلاكهم. ورد بأنه لا فائدة يعتد بها فيما ذكر من المعنى. و تعقبه الخفاجي بقوله: لا يخفى أن ما ذكر وارد على البدلية أيضا، و الظاهر أن المقصود من ذكره إما التهكم بهم و تحميقهم و إما إفادة ما يفيد تقديم‏ إِلَيْهِمْ‏ من الحصر أي إنهم لا يرجعون إليهم بل إلينا فيكون ما بعده مؤكدا له اه و هو كما ترى، و قال الجلبي:

لعل الحق أن يجعل أول الضميرين لمعنى‏ كَمْ‏ و ثانيهما للرسل و إن وصلتها مفعولا لأجله لأهلكناهم، و المعنى أهلكناهم لاستمرارهم على عدم الرجوع عن عقائدهم الفاسدة إلى الرسل و ما دعوهم إليه فاختيار لا يَرْجِعُونَ‏ على لم يرجعوا للدلالة على استمرار النفي مع مراعاة الفاصلة انتهى. و هو على بعده ركيك معنى، و أرك منه ما قيل الضمير أن على ما يتبادر فيهما من رجوع الأول بمعنى‏ كَمْ‏ و الثاني لمن نسبت إليه الرؤية و أن وصلتها علة لأهلكنا، و المعنى أنهم لا يرجعون إليهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب و جزاء الاستهزاء حق ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم، و نقل عن الفراء أنه يعمل‏ يَرَوْا في‏ كَمْ أَهْلَكْنا و في‏ أَنَّهُمْ‏ إلخ من غير إبدال و لم يبين كيفية ذلك.

و زعم ابن عطية أن أن وصلتها بدل من‏ كَمْ‏ و لا يخفى أنه إذا جعلها معمول‏ أَهْلَكْنا كما هو المعروف لا يسوغ ذلك لأن البدل على نية تكرار العامل و لا معنى لقولك أهلكنا أنهم لا يرجعون و لعله تسامح في ذلك، و المراد بدل من‏ كَمْ أَهْلَكْنا على المعنى كما حكي عن سيبويه، و أما جعل‏ كَمْ‏ معمولة ليروا و الإبدال منها نفسها إذ ذاك فلا يخفى حاله، و قال أبو حيان: الذي تقتضيه صناعة العربية أن‏ أَنَّهُمْ‏ إلخ مفعول لمحذوف دل عليه المعنى و تقديره قضينا أو حكمنا أنهم إليهم لا يرجعون و الجملة حال من فاعل‏ أَهْلَكْنا على ما قال الخفاجي و أراه أبعد عن القيل و القال بيد أن في الدلالة على المحذوف خفاء فإن لم يلصق بقلبك لذلك فالأقوال بين يديك و لا حجر عليك.

و كأني بك تختار ما نقل عن السيرافي و لا بأس به، و جوز على بعض الأقوال أن يكون الضمير في‏ أَنَّهُمْ‏ عائدا على من أسند إليه يروا و في‏ إِلَيْهِمْ‏ عائدا على المهلكين، و المعنى أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 7

بنسب و لا ولادة أي أهلكناهم و قطعنا نسلهم و الإهلاك مع قطع النسل أتم و أعم، و يحسن هذا على الوجه المحكي عن السيرافي و قرأ ابن عباس و الحسن «إنه» بكسر الهمزة على الاستئناف و قطع الجملة عما قبلها من جهة الاعراب. و قرأ عبد اللّه «ألم يروا من أهلكنا فإنهم» إلخ على قراءة الفتح بدل اشتمال، ورد بالآية على القائلين بالرجعة كما ذهب إليه الشيعة.

و أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر عن أبي إسحاق قال: قيل لابن عباس أن ناسا يزعمون أن عليا كرم اللّه تعالى وجهه مبعوث قبل يوم القيامة؟ فسكت ساعة ثم قال: بئس القوم نحن إن نكحنا نساءه و اقتسمنا ميراثه أما تقرءون‏ أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ‏ .

وَ إِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ‏ بيان لرجوع الكل إلى المحشر بعد بيان عدم الرجوع إلى الدنيا و إِنْ‏ نافية و كُلٌ‏ مبتدأ و تنوينه عوض عن المضاف إليه، و لَمَّا بمعنى إلا و مجيئها بهذا المعنى ثابت في لسان العرب بنقل الثقات فلا يلتفت إلى زعم الكسائي أنه لا يعرف ذلك. و قال أبو عبد اللّه الرازي: في كونها بهذا المعنى معنى مناسب و هو أنها كأنها حرفا نفي أكد أولهما بثانيهما و هما لم و ما و كذلك إلا كأنها حرفا نفي و هما إن النافية و لا فاستعمل أحدهما مكان الآخر، و هو عندي ضرب من الوساوس و جَمِيعٌ‏ خبر المبتدأ و هو فعيل بمعنى مفعول فيفيد ما لا تفيده‏ كُلٌ‏ لأنها تفيد إحاطة الأفراد و هذا يفيد اجتماعها و انضمام بعضها إلى بعض و لَدَيْنا ظرف له أو لمحضرون و مُحْضَرُونَ‏ خبر ثان أو نعت و جمع على المعنى، و المعنى ما كلهم إلا مجموعون لدينا محضرون للحساب و الجزاء.

و قال ابن سلام: محضرون أي معذبون فكل عبارة عن الكفرة، و يجوز أن يراد به هذا المعنى على الأول. و في الآية تنبيه على أن المهلك لا يترك. و قرأ جمع من السبعة لَمَّا بالتخفيف على أن إن مخففة من الثقيلة و اللام فارقة و ما مزيدة للتأكيد و المعنى أن الشأن كلهم مجموعون إلخ و هذا مذهب البصريين، و ذهب الكوفيون إلى أن إن نافية و اللام بمعنى إلا و ما مزيدة و المعنى كما في قراءة التشديد وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ بالتخفيف و قرأ نافع بالتشديد، و آيَةٌ خبر مقدم للاهتمام و تنكيرها للتفخيم و لَهُمُ‏ إما متعلق بها لأنها بمعنى العلامة أو متعلق بمضمر هو صفة لها و ضمير الجمع لكفار أهل مكة و من يجري مجراهم في إنكار الحشر، و الْأَرْضُ‏ مبتدأ و الْمَيْتَةُ صفتها، و قوله تعالى‏ أَحْيَيْناها استئناف مبين لكيفية كونها آية، و قيل في موضع الحال و العامل فيها آية لما فيها من معنى الإعلام و هو تكلف ركيك، و قيل‏ آيَةٌ مبتدأ أول و لَهُمُ‏ صفتها أو متعلق بها و كل من الأمرين مسوغ للابتداء بالنكرة و الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ مبتدأ ثان و صفة و جملة أَحْيَيْناها خبر المبتدأ الثاني و جملة المبتدأ الثاني و خبره خبر المبتدأ الأول و لكونها عين المبتدأ كخبر ضمير الشأن لم تحتج لرابط، قال الخفاجي: و هذا حسن جدا إلا أن النحاة لم يصرحوا به في غير ضمير الشأن، و قيل إنها مؤولة بمدلول هذا القول فلذا لم يحتج لذلك و لا يخفى بعده، و قيل‏ آيَةٌ مبتدأ و الْأَرْضُ‏ خبره و جملة أَحْيَيْناها صفة الأرض لأنها لم يرد بها أرض معينة بل الجنس فلا يلزم توصيف المعرفة بالجملة التي هي في حكم النكرة، و نظير ذلك قوله:

و لقد أمر على اللئيم يسبني‏

فمضيت ثمت قلت لا يعنيني‏

و أنكر جواز ذلك أبو حيان مخالفا للزمخشري و ابن مالك في التسهيل و جعل جملة يسبني حالا من اللئيم، و أنت تعلم أن المعنى على استمرار مروره على من يسبه و إغماضه عنه و لهذا قال: أمر و عطف عليه فمضيت و التقييد بالحال لا يؤدي هذا المؤدى، ثم إن مدار الخبرية إرادة الجنس فليس هناك أخبار بالمعرفة عن النكرة ليكون مخالفا للقواعد

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 8

كما قيل نعم أرجح الأوجه ما قرر أولا و قد مر المراد بموت الأرض و إحيائها فتذكر.

وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا أي جنس الحب من الحنطة و الشعير و الأرز و غيرها، و النكرة قد تعم كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه، و في ذكر الإخراج و كذا الجعل الآتي تنبيه على كمال الأحياء فَمِنْهُ‏ أي من الحب بعد إخراجنا إياه، و الفاء داخلة على المسبب و من ابتدائية أو تبعيضية و الجار و المجرور متعلق بقوله تعالى‏ يَأْكُلُونَ‏ و التقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل و يعاش به لما في ذلك من إيهام الحصر للاهتمام به حتى كأنه لا مأكول غيره‏ وَ جَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ‏ جمع نخل كعبيد جمع عبد كما ذهب إليه أكثر الأئمة و صرح به في القاموس، و قيل اسم جمع، و قال الجوهري: النخل و النخيل بمعنى واحد و على الأول المعول‏ وَ أَعْنابٍ‏ جمع عنب و يقال على الكرم نفسه و على ثمرته كما قال الراغب: و لعله مشترك فيهما، و قيل حقيقة في الثمرة مجاز في الشجرة، و أيا ما كان فالمراد الأول بقرينة العطف على النخيل، و جمعا دون الحب قيل لتدل الجمعية على تعدد الأنواع أي من أنواع النخل و أنواع العنب و ذلك لأن النخل و العنب اسمان لنوعين فكل منهما مقول على إفراد حقيقة واحدة فلا يدلان على اختلاف ما تحتهما و تعدد أنواعه إلا إذا عبر عنهما بلفظ الجمع بخلاف الحب فإنه اسم جنس و هو يشعر باختلاف ما تحته لأنه المقول على كثرة مختلفة الحقائق قولا ذاتيا فلا يحتاج في الدلالة على الاختلاف إلى الجمعية، و قولهم جمع العالم في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ [الفاتحة: 2] و هو اسم جنس ليشمل ما تحته من الأجناس لا ينافي ذلك قيل لأن المراد ليشمل شمولا ظاهرا متعينا و إن حصل الإشعار بدونه، و قيل جمعا للدلالة على مزيد النعمة، و أما الحب ففيه قوام البدن و هو حاصل بالجنس.

و امتن عز و جل في معرض الاستدلال على أمر الحشر بجعل الجنات من النخيل و الأعناب المراد بها الأشجار و لم يمتن سبحانه و تعالى بجعل ثمرات تلك الأشجار من التمر و العنب كما امتن جل جلاله بإخراج الحب إعظاما للمنة لتضمن ذلك الامتنان بالثمار و غيرها من منافع تلك الأشجار أنفسها بسائر أجزائها للإنسان نفسه بلا واسطة لا سيما النخيل، و لا دلالة في الكلام على حصر ثمرة الجعل بأكل الثمرة، و ثمرة التنصيص على ذلك من بين المنافع ظاهرة و هذا بخلاف أشجار الحبوب فإنها ليست بهذه المثابة و لذا غير الأسلوب و لم يعامل ثمر ذلك معاملة الحبوب و كلام البيضاوي عليه الرحمة ظاهر في أن المراد بالأعناب الثمار المعروفة لا الكروم و علل ذكر النخيل دون ثمارها مع أنه الأوفق بما قبل و ما بعد باختصاصها بمزيد النفع و آثار الصنع و تفسير الأعناب بالثمار دون الكروم بعيد عندي لمكان العطف مع أن الجار و المجرور في موضع الصفة لجنات، و المعروف كونها من أشجار لا من ثمار.

قال الراغب: الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، و قد تسمى الأشجار الساترة جنة و على ذلك حمل قوله:

من النواضح تسقي جنة سحقا على أن في الآية بعد ما يؤيد إرادة الثمار فتدبر.

وَ فَجَّرْنا فِيها أي شققنا في الأرض. و قرأ جناح بن حبيش «فجرنا» بالتخفيف و المعنى واحد بيد أن المشدد دال على المبالغة و التكثير مِنَ الْعُيُونِ‏ أي شيئا من العيون على أن الجار و المجرور في موضع الصفة لمحذوف، و من بيانية و جوز كونها تبعيضية و ليس بذاك، و قيل المفعول محذوف و مِنَ الْعُيُونِ‏ متعلق بفجر و من ابتدائية على معنى فجرنا من المنابع ما ينتفع به من الماء، و ذهب الأخفش إلى زيادة من و جعل العيون مفعول فجرنا لأنه يرى جواز زيادتها في الإثبات مع تعريف مجرورها لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ‏ متعلق بجعلنا و تأخيره عن تفجير العيون‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 9

لأنه من مبادئ الثمر أي و جعلنا فيها جنات من نخيل و أعناب و رتبنا مبادئ ثمرها ليأكلوا، و ضمير ثمره عائد على المجعول و هو الجنات و لذا أفرد و ذكر و لم يقل من ثمرها أي الجنات أو من ثمرهما أي النخيل و الأعناب، و مثله ما قيل عائد على المذكور و الضمير قد يجري مجرى اسم الاشارة كما في قول رؤبة:

فيها خطوط من سواد و بلق‏

كأنه في الجلد توليع البهق‏ «1»

فإنه أراد كما قال لأبي عبيدة و قد سأله كأن ذاك، و قيل عائد على الماء لدلالة العيون عليه أو لكون الكلام على حذف مضاف أي ماء العيون، و قيل على النخيل و اكتفى به للعلم باشتراك الأعناب معه في ذلك، و قيل على التفجير المفهوم من‏ فَجَّرْنا و المراد بثمره فوائده كما تقول ثمرة التجارة الربح أو هو ظاهره و الإضافة لأدنى ملابسة و الكل كما ترى، و جوز أن يكون الضمير له عز و جل و إضافة الثمر إليه تعالى لأنه سبحانه خالقه فكأنه قيل: ليأكلوا مما خلقه اللّه تعالى من الثمر. و كان الظاهر من ثمرنا لضمير العظمة على قياس ما تقدم إلا أنه التفت من التكلم إلى الغيبة لأن الأكل و التعيش مما يشغل عن اللّه تعالى فيناسب الغيبة فالالتفات في موقعه.

و زعم بعضهم أن هذا ليس من مظانه لأنه أولى بضمير الواحد المطاع لأنه المقصود بالإحياء و الجعل و التفجير و قد أسندت إليه. ورد بأن ما سبق أفخم لأنها أفعال عامة النفع ظاهرة في كمال القدرة و الثمر أحط مرتبة من الحب و لذا لم يورد على سبيل الاختصاص فلا يستحق ذلك التفخيم كيف و قد جعل بعضهم الثمر خلق اللّه تعالى و كماله بفعل الآدمي، و بما تقدم يستغنى عما ذكر. و قرأ طلحة و ابن و ثاب و حمزة و الكسائي «من ثمره» بضمتين و هي لغة فيه أو هو جمع ثمار.

و قرأ الأعمش «من ثمره» بضم فسكون‏ وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ‏ ما موصولة في محل جر عطف على‏ ثَمَرِهِ‏ و جعله في محل نصب عطفا على محل‏ مِنْ ثَمَرِهِ‏ خلاف الظاهر أي و ليأكلوا من الذي عملوه أو صنعوه بقواهم، و المراد به ما يتخذ من الثمر كالعصير و الدبس و غيرهما، و قال الزمخشري: أي من الذي عملته أيديهم بالغرس و السقي و الآبار و ليس بذاك، و جوز أن تكون ما نكرة موصوفة أي و من شي‏ء عملته أيديهم و الأول أظهر، و قيل: ما نافية و ضمير عَمِلَتْهُ‏ راجع إلى الثمر و الجملة في موضع الحال، و المراد من نفي عمل أيديهم إياه أنه بخلق اللّه تعالى لا بفعلهم و لا تقول المشايخ بالتوليد، و روي القول بأنها نافية عن ابن عباس و الضحاك، و ظاهر كلام الحبر أن الضمير راجع إلى شيئا الموصوف المحذوف و الجملة حال منه، فقد روى سعيد بن منصور و ابن المنذر عنه أنه قال: وجدوه معمولا لم تعمله أيديهم يعني الفرات و دجلة و نهر بلخ و أشباهها و فيه بعد. و أيد القول بالموصولية بقراءة طلحة و عيسى و حمزة و الكسائي و أبي بكر «و ما عملت» بلا هاء، و وجه التأييد أن الموصول مع الصلة كاسم واحد فيحسن معه لاستطالته و لاقتضائه إياه و دلالته عليه يكون كالمذكور، و تقدير اسم ظاهر غير ظاهر؛ و قال الطيبي: جعلها نافية أولى من جعلها موصولة لئلا يوهم استقلالهم بالعمل لأن ذكر الأيدي للتأكيد في هذا المقام كما في قوله تعالى‏ أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً [يس: 71] لأن التركيب من باب أخذته بيدي و رأيته بعيني و حينئذ لا يناسب أن يكون قوله تعالى‏ أَحْيَيْناها إلخ تفسيرا لكون الأرض الميتة آية. و تعقبه في الكشف بأنه ليس بشي‏ء لأن العمل من العباد بمعنى الكسب و قد جاء بما قدمت أيديكم و بما قدمت يداك فهذا التأكيد دافع للإيهام انتهى فلا تغفل.

و جوز على هذه القراءة كون ما مصدرية أي و عمل أيديهم و يراد بالمصدر اسم المفعول أي معمول أيديهم‏

(1) ظهور النقط البيض على الشي‏ء اه منه.

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 10

فيعود إلى معنى الموصولة و لا يخفى ما فيه‏ أَ فَلا يَشْكُرُونَ‏ إنكار و استقباح لعدم شكرهم للمنعم بالنعم المعدودة بالتوحيد و العبادة، و الفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أ يرون هذه النعم أو أ يتنعمون بها فلا يشكرون المنعم بها سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها استئناف مسوق لتنزيهه تعالى عما فعلوه من ترك شكره عز و جل و استعظام ما ذكر في حين الصلة من بدائع آثار قدرته و أسرار حكمته و روائع نعمائه الموجبة لشكره تعالى و تخصيص العبادة به سبحانه و التعجيب من إخلالهم بذلك و الحال هذه، و قد تقدم الكلام في‏ سُبْحانَ‏ . و في الإرشاد هنا أنه علم للتسبيح الذي هو التبعيد عن السوء اعتقادا و قولا أي اعتقاد البعد عنه و الحكم به من سبح في الأرض و الماء إذا بعد فيهما و أمعن و انتصابه على المصدرية أي أسبح سبحانه أي أنزهه عما لا يليق به عقدا و عملا تنزيها خاصا به حقيقا بشأنه عز شأنه، و فيه مبالغة عن جهة الاشتقاق وجهة العدول إلى التفعيل وجهة العدول عن المصدر الدال على الجنس إلى الاسم الموضوع له خاصة لا سيما العلم و جهة إقامته مقام المصدر مع الفعل، و قيل: هو مصدر كغفران أريد به التنزه التام و التباعد الكلي عن السوء ففيه مبالغة من جهة اسناد التنزه إلى الذات المقدس فالمعنى تنزه بذاته عن كل ما لا يليق به تعالى تنزها خاصا به سبحانه، فالجملة على هذا إخبار منه تعالى بتنزهه و براءته عن كل ما لا يليق به مما فعلوه و ما تركوه؛ و على الأول حكم منه عز و جل بذلك و تلقين للمؤمنين أن يقولوه و يعتقدوا مضمونه و لا يخلوا به و لا يغفلوا به.

و قدر بعضهم الفعل الناصب أمرا أي سبحوا سبحان، و المراد بالأزواج الأنواع و الأصناف، و قال الراغب: الأزواج جمع زوج و يقال لكل واحد من القرينين و لكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا و كل ما في العالم زوج من حيث إن له ضدا ما أو مثلا ما أو تركيبا ما بل لا ينفك بوجه من تركيب صورة و مادة و جوهر و عرض.

مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ‏ بيان للأزواج و المراد به كل ما ينبت فيها من الأشياء المذكورة و غيرها وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏ أي و خلق الأزواج من أنفسهم أي الذكر و الأنثى‏ وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ‏ أي و الأزواج مما لم يطلعهم اللّه تعالى و لم يجعل لهم طريقا إلى معرفته بخصوصياته و إنما أطلعهم سبحانه على ذلك بطريق الإجمال على منهاج‏ وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ‏ [النحل- 8] لما نيط به وقوفهم على عظم قدرته و سعة ملكه و جلالة سلطانه عز و جل، و لعله لما كان العلم من أخص صفات الربوبية لم يثبت على وجه الكمال و الإحاطة لأحد سواه سبحانه و لو كان بطريق الفيض منه تبارك و تعالى على أن ظرف الممكن يضيق عن الإحاطة فما يجهله كل أحد أكثر مما يعلمه بكثير، و قد يقال على بعض الاعتبارات: إن ما يعلمه كل أحد متناه و ما يجهله غير متناه و لا نسبة بين المتناهي و غير المتناهي أصلا فلا نسبة بين معلوم كل أحد و مجهوله، و تأمل في هذا مع دعوى بعض الأكابر الوقوف على الأعيان الثابتة و الاطلاع عليها و قل رب زدني علما وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ‏ بيان لقدرته تعالى الباهرة في الزمان بعد ما بينها سبحانه في المكان، و آيَةٌ خبر مقدم و اللَّيْلُ‏ مبتدأ مؤخر و قوله تعالى‏ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ استئناف لبيان كونه آية، و في التركيب احتمالات أخر تعلم مما مر إلا أن الأرجح ما ذكر أي نكشف و نزيل الضوء من مكان الليل و موضع إلقاء ظله و ظلمته و هو الهواء فالنهار عبارة عن الضوء إما على التجوز أو على حذف المضاف، و قوله تعالى‏ مِنْهُ‏ على حذف مضاف و ذلك لأن النهار و الليل عبارتان عن زمان كون الشمس فوق الأفق و تحته و لا معنى لكشف أحدهما عن الآخر و أصل السلخ كشط الجلد عن نحو الشاة فاستعير لكشف الضوء عن مكان الليل و ملقى ظلمته و ظله استعارة تبعية مصرحة و الجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر فإنه يترتب ظهور اللحم على كشط الجلد و ظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل، و جوز أن يكون في النهار استعارة مكنية و في السلخ استعارة تخييلية و الجمهور على ما ذكرنا و من‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 11

ابتدائية، و قيل: تبعيضية و جعلها سببية ليس بشي‏ء، و هذا التفسير محكي عن الفراء و نحوه تفسير السلخ بالنزع، و استعمال الفاء في قوله تعالى: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ‏ أي داخلون في الظلام كما يفيده همزة الأفعال عليه ظاهر، و وقع في عبارة الشيخ عبد القاهر و الإمام السكاكي أن المستعار له في الآية ظهور النهار من ظلمة الليل و المستعار منه ظهور المسلوخ من جلده و ذلك على ما قال العلامة الطيبي و الفاضل اليمني مأخوذ من قول الزجاج معنى نسلخ منه النهار نخرج منه النهار إخراجا لا يبقى معه شي‏ء من ضوئه فالظهور في عبارتهما بمعنى الخروج و هو يتعدى بمن فلا حاجة إلى جعلها بمعنى عن.

و قد جاء بهذا المعنى كما في قول عمر لأبي عبيدة رضي اللّه تعالى عنهما اظهر بمن معك من المسلمين إليها أي الأرض يعني أخرج إلى ظاهرها، و

في حديث عائشة رضي اللّه تعالى عنها كان صلّى اللّه عليه و سلم يصلي العصر و لم يظهر الفي‏ء بعد من الحجرة

أي لم يخرج إلى ظاهرها فسقط ما أورد عليه من أنه لو أريد الظهور لقيل «فإذا هم مبصرون» و لم يقل «فإذا هم مظلمون» لأن الواقع عقيب ظهور النهار من ظلمة الليل إنما هو الإبصار لا الإظلام من غير حاجة إلى حمل العبارة على القلب أي ظهور ظلمة الليل من النهار، و بعضهم‏ «1» رفع هذا الإيراد بأن النهار عبارة عن مجموع المدة من طلوع الفجر أو الشمس إلى الغروب لا عن بعضها فالواقع عقيب هذه المدة كلها الدخول في الظلام. و تعقبه السالكوتي بأن الدخول في الظلام مترتب على السلخ لا على انقضاء مدة النهار.

و لعل مراد البعض أن السلخ بمعنى ظهور النهار لا يتحقق إلا بظهور كل أجزائه و متى ظهرت أجزاء النهار كلها انقضت مدته، و ذكر العلامة القطب أن السلخ قد يكون بمعنى النزع نحو سلخت الإهاب عن الشاة و قد يكون بمعنى الإخراج نحو سلخت الشاة من الإهاب و الشاة مسلوخة فذهب الشيخ عبد القاهر و السكاكي إلى الثاني و غيرهما إلى الأول فاستعمال الفاء في‏ فَإِذا هُمْ‏ ظاهر على قول الغير و أما على قولهما فإنما يصح من جهة أنها موضوعة لما يعد في العادة مرتبا غير متراخ و هذا يختلف باختلاف الأمور و العادات فقد يطول الزمان و العادة في مثله تقتضي عدم اعتبار المهلة و قد يكون بالعكس كما في هذه الآية فإن زمان النهار و إن توسط بين إخراج النهار من الليل و بين دخول الظلام لكن لعظم دخول الظلام بعد إضاءة النهار و كونه مما ينبغي أن لا يحصل إلا في أضعاف ذلك الزمان عد الزمان قريبا و جعل الليل كأنه يفاجئهم عقيب إخراج النهار من الليل بلا مهلة.

ثم لا يخفى أن إذ المفاجأة إنما تصح إذا جعل السلخ بمعنى الإخراج كما يقال: أخرج النهار من الليل ففاجأه دخول الليل فإنه مستقيم بخلاف ما إذا جعل بمعنى النزع فإنه لا يستقيم أن يقال: نزع ضوء الشمس عن الهواء ففاجأه الظلام كما لا يستقيم أن يقال كسرت الكوز ففاجأه الانكسار لأن دخولهم في الظلام عين حصول الظلام فيكون نسبة دخولهم في الظلام إلى نزع ضوء النهار كنسبة الانكسار إلى الكسر فلهذا جعلا السلخ بمعنى الإخراج دون النزاع اه كلامه، و قواه العلامة الثاني بأنه لا شك أن الشي‏ء إنما يكون آية إذا اشتمل على نوع استغراب و استعجاب بحيث يفتقر إلى نوع اقتدار إنما هو مفاجأة الظلام عقيب ظهور النهار لا عقيب زوال ضوء النهار.

و قال السالكوتي: إن عدم استقامة المفاجأة فيما ذكر لأنها إنما تتصور فيما لا يكون مترقبا بل يحصل بغتة حينئذ يمكن أن يقال في الجواب: إن نزع الضوء عن الليل لكون ظهوره في غاية الكمال كان المترقب فيه أن يكون في مدة

صفحه بعد