کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم

الجزء الحادي عشر

فهرس المجلد الحادي عشر من روح المعاني

الجزء الثاني عشر

الفهرس

الجزء الثالث عشر

فهرس المجلد الثالث عشر من روح المعاني

الجزء الرابع عشر

فهرس المجلد الرابع عشر من روح المعاني

الجزء الخامس عشر

فهرس المجلد الخامس عشر من روح المعاني

الجزء السادس عشر

الفهارس العامة

فهرس الآيات المفسرة

تفسير سورة البقرة تفسير سورة آل عمران تفسير سورة النساء تفسير سورة المائدة تفسير سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة يوسف تفسير سورة الرعد تفسير سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر تفسير سورة النحل تفسير سورة الإسراء تفسير سورة الكهف تفسير سورة مريم تفسير سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة القصص تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة تفسير سورة الأحزاب تفسير سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة ص تفسير سورة الزمر تفسير سورة المؤمن تفسير سورة فصلت تفسير سورة الشورى تفسير سورة الزخرف تفسير سورة الدخان تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة و النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن عز و جل تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة تبت تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

فهرس آيات الشواهد

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة النبأ سورة المرسلات سورة الإنسان سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم


صفحه قبل

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 333

المجموع كما في قوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ‏ [الحديد: 3] و لم يترك العطف بينهما بناء على أن الأول مشبه به و الثاني مشبه و هما متحدان مآلا لأن كلا من الوصفين الأولين مغاير لكل من الوصفين الأخيرين و تغاير الصفات كتغاير الذوات في صحة التعاطف، و وجه التغاير أن الغافل و المستبصر و المحسن و المسي‏ء صفات متغايرة المفهوم بقطع النظر عن اتحاد ما صدقهما و عدمه، و قيل: التغاير بين الوصفين الأولين و الوصفين الأخيرين من جهة أن القصد في الأولين إلى العلم، و في الأخيرين إلى العمل، و هو وجه لا بأس به، و قيل: هما و إن اتحدا ذاتا متغايران اعتبارا من حيث إن الثاني صريح و الأول مذكور على طريق التمثيل، و نظر فيه بأنه لو اكتفى بمجرد هذه المغايرة لزم جواز عطف المشبه على المشبه به و عكسه.

قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ‏ أي تذكرا قليلا تتذكرون. و قرأ الجمهور و الأعرج و الحسن و أبو جعفر و شيبة بياء الغيبة و الضمير للناس أو الكفار، قال الزمخشري: و التاء أعم، و علله صاحب التقريب بأن فيه تغليب الخطاب على الغيبة، و قال القاضي: إن التاء للتغيب أو الالتفات أو أمر الرسول صلى اللّه عليه و سلم بالمخاطبة أي بتقدير قل قبله، و آثر العلامة الطيبي الالتفات لأن العدول من الغية إلى الخطاب في مقام التوبيخ يدل على العنف الشديد و الإنكار البليغ، فهذه الآية متصلة بخلق السماوات و هو كلام مع المجادلين. و تعقبه صاحب الكشف بأنه يجوز أن يجعل ما ذكر نكتة التغليب فيكون أولى لفائدة التعميم أيضا فليفهم، و الظاهر أن التغليب جار على احتمال كون الضمير للناس و احتمال كونه للكفار لأن بعض الناس أو الكفار مخاطب هنا؛ و التقليل أيضا يصح اجراؤه على ظاهره لأن منهم من يتذكر و يهتدي، و قال الجلبي: الضمير إذا كان للناس فالتقليل على معناه الحقيقي و المستثنى هم المؤمنون و إذا كان للكفار فهو بمعنى النفي، ثم الظاهر أن المخاطب من خاطبه صلى اللّه عليه و سلم من قريش فمن قال: المخاطب هو النبي عليه الصلاة و السلام لقوله تعالى: فَاصْبِرْ و لا يناسب إدخاله فيمن لم يتذكر فقدسها و لم يتذكر.

إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها أي في مجيئها أي لا بد من مجيئها و لا محالة لوضوح الدلالة على جوازها و إجماع الأنبياء على الوعد الصادق بوقوعها. و يجوز أن يكون المعنى أنها آتية و أنها ليست محلا للريب أي لوضوح الدلالة إلى آخر ما مر، و الفرق أن متعلق الريب على الأول المجي‏ء و على هذا الساعة و الحمل عليه أولى.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ‏ لا يصدقون بها لقصور نظرهم على ما يدركونه بالحواس الظاهرة و استيلاء الأوهام على عقولهم‏ وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ أي اعبدوني أثبكم على ما روي عن ابن عباس و الضحاك و مجاهد و جماعة. و عن الثوري أنه قيل له: ادع اللّه تعالى فقال: إن ترك الذنوب هو الدعاء يعني أن الدعاء باللسان ترجمة عن طلب الباطن و أنه إنما يصح لصحة التوجه و ترك المخالفة فمن ترك الذنوب فقد سأل الحق بلسان الاستعداد و هو الدعاء الذي يلزمه الإجابة و من لا يتركها فليس بسائل و إن دعاه سبحانه ألف مرة؛ و ما ذكر مؤيد لتفسير الدعاء بالعبادة و محقق له فإن ترك الذنوب من أجل العبادات و ينطبق على ذلك كمال الانطباق قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ‏ أي صاغرين أذلاء.

و جوز أن يكون المعنى اسألوني أعطكم و هو المروي عن السدي فمعنى قوله تعالى: يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي‏ يستكبرون عن دعائي لأن الدعاء نوع من العبادة و من أفضل أنواعها، بل روى ابن المنذر و الحاكم و صححه عن ابن عباس أنه قال: أفضل العبادة الدعاء و قرأ الآية، و التوعد على الاستكبار عنه لأن ذلك عادة المترفين المسرفين و إنما المؤمن يتضرع إلى اللّه تعالى في كل تقلباته، و في إيقاع العبادة صلة الاستكبار ما يؤذن بأن الدعاء باب من أبواب الخضوع لأن العبادة خضوع و لأن المراد بالعبادة الدعاء و الاستكبار إنما يكون عن شي‏ء إذا أتى به لم يكن مستكبرا.

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 334

قال في الكشف: و هذا الوجه أظهر بحسب اللفظ و أنسب إلى السياق لأنه لما جعل المجادلة في آيات اللّه تعالى من الكبر جعل الدعاء و تسليم آياته من الخضوع لأن الداعي له تعالى الملتجئ إليه عزّ و جلّ لا يجادل في آياته بغير سلطان منه البتة، و العطف في قوله تعالى: وَ قالَ‏ من عطف مجموع قصة على مجموع أخرى لاستوائهما في الغرض، و لهذا لما تمم هذه القصة أعني قوله سبحانه: وَ قالَ رَبُّكُمُ‏ إلى قوله عزّ و جلّ: كُنْ فَيَكُونُ* [البقرة:

117 و غيرها] صرح بالغرض في قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ‏ كما بنى القصة أولا على ذلك في قوله تبارك و تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ‏ [غافر: 35] و لو تؤمل في هذه السورة الكريمة حق التأمل وجد جل الكلام فيها مبنيا على رد المجادلين في آيات اللّه المشتملة على التوحيد و البعث و تبيين وجه الرد في ذلك بفنون مختلفة، ثم انظر إلى ما ختم به السورة كيف يطابق ما بدئت من قوله سبحانه: فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ‏ [غافر: 4] و كيف صرح آخرا بما رمز إليه أولا لتقضي منه العجب فهذا وجه العطف انتهى.

و ما ذكره من أظهرية هذا الوجه بحسب اللفظ ظاهر جدا لما في الأولى من ارتكاب خلاف الظاهر قبل الحاجة إليه في موضعين في الدعاء حيث تجوز به عن العبادة لتضمنها له أو لأنه عبادة خاصة أريد به المطلق، و في الاستجابة حيث جعلت الإثابة على العبادة لترتبها عليها استجابة مجازا أو مشاكلة بخلاف الثاني فإن فيه ارتكاب خلاف الظاهر و هو التجوز في موضع واحد و هو عَنْ عِبادَتِي‏ و مع هذا هو بعد الحاجة فلم يكن كنزع الخف قبل الوصول إلى الماء بل قيل: لا حاجة إلى التجوز فيه لأن الإضافة مراد بها العهد هنا فتفيد ما تقدم، لكن كونه أنسب بالسياق أيضا مما لا يتم في نظري، و أيا ما كان ف أَسْتَجِبْ‏ جزم في جواب الأمر أي إن تدعوني أستجب لكم و الاستجابة على الوجهين مشروطة بالمشيئة حسبما تقتضيه أصولنا، و قد صرح بذلك في استجابة الدعاء قال سبحانه: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ [الأنعام: 41] و الاستكبار عن عبادة اللّه تعالى دعاء كانت أو غيره كفر يترتب عليه ما ذكر في الآية الكريمة.

و أما ترك ذلك لا عن استكبار فتفصيل الكلام فيه لا يخفى، و المقامات في ترك الدعاء فقيل: متفاوتة فقد لا يحسن كما يدل عليه‏

قوله صلى اللّه عليه و سلم: «من لم يدع اللّه تعالى يغضب عليه» أخرجه أحمد و ابن أبي شيبة و الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا

، و قد يحسن كما يدل عليه ما روي من ترك الخليل عليه السلام الدعاء يوم ألقي في النار و قوله علمه بحالي يغني عن سؤالي، و ربما يقال: ترك الدعاء اكتفاء بعلم اللّه عزّ و جلّ دعاء و اللّه تعالى أعلم.

و قرأ ابن كثير و أبو بكر و زيد بن علي و أبو جعفر «سيدخلون» مبنيا للمفعول من الإدخال و اختلفت الرواية عن عاصم و أبي عمرو اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ‏ لتستريحوا فيه بأن أغاب سبحانه فيه الشمس فجعله جل شأنه باردا مظلما و جعل عزّ و جلّ برده سببا لضعف القوى المحركة و ظلمته سببا لهدو الحواس الظاهرة إلى أشياء أخرى جعلها أسبابا للسكون و الراحة وَ النَّهارَ مُبْصِراً يبصر فيه أو به فالنهار إما ظرف زمان للإبصار أو سبب له.

و أيا ما كان فإسناد الإبصار له بجعله مبصرا إسناد مجازي لما بينهما من الملابسة، و فيه مبالغة و أنه بلغ الإبصار إلى حد سرى في نهار المبصر، و لذا لم يقل: لتبصروا فيه على طرز ما وقع في قرينه، فإن قيل: لم لم يقل جعل لكم الليل ساكنا ليكون فيه المبالغة المذكورة و تخرج القرينتان مخرجا واحدا في المبالغة، قلت: أجيب عن ذلك بأن نعمة النهار أتم و أعظم من نعمة الليل فسلك مسلك المبالغة فيها، و تركت الأخرى على الظاهر تنبيها على ذلك، و قيل: إن النعمتين فرسا رهان فدل على فضل الأولى بالتقديم و على فضل الأخرى بالمبالغة و هو كما ترى، و قيل: لم يقل ذلك‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 335

لأن الليل يوصف على الحقيقة بالسكون فيقال: ليل ساكن أي لا ريح فيه و لا يبعد أن يكون السكون بهذا المعنى حقيقة عرفية. فلو قيل: ساكنا لم يتميز المراد نظرا إلى الإطلاق و إن تميز نظرا إلى قرينة التقابل.

و كان رجحان هذا الأسلوب لأن الكلام المحكم الواضح بنفسه من أول الأمر هو الأصل لا سيما في خطاب ورد في معرض الامتنان للخاصة و العامة، و هم متفاوتون في الفهم و الدراية الناقصة و التامة، و في الكشف لما لم يكن الأبصار علة غائية في نفسه بل العلة ابتغاء الفضل كما ورد مصرحا به في سورة القصص بخلاف السكون و الدعة في الليل صرح بذلك في الأول و رمز في الثاني مع إفادة نكتة سرية في الإسناد المجازي.

و قال الجلبي: إذا حملت الآية على الاحتباك، و قيل: المراد جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه و النهار مبصرا لتنتشروا فيه و لتبتغوا من فضل اللّه تعالى فحذف من الأول بقرينة الثانية و من الثاني بقرينة الأول لم يحتج إلى ما ذكر في تعليل ترك المبالغة في القرينة الأولى، و هذا هو المشهور في الآية و اللّه سبحانه و تعالى أعلم.

إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ‏ لا يوازيه فضل و لقصد الإشعار به لم يقل المفضل‏ عَلَى النَّاسِ‏ برهم و فاجرهم‏ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ‏ لجهلهم بالمنعم و إغفالهم مواقع النعم، و تكرير الناس لتخصيص الكفران بهم، و ذلك من إيقاعه على صريح اسمهم الظاهر الموضوع موضع الضمير الدال على أنه من شأنهم و خاصتهم في الغالب.

ذلِكُمُ‏ المتصف بالصفات المذكورة المقتضية للألوهية و الربوبية اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أخبار مترادفة تخصص اللاحقة السابقة و تقلل اشتراكها في المفهوم نظرا إلى أصل الوضع و تقررها، و جوز في بعضها الوصفية و البدلية، و أخر خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ عن‏ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ في آية [106 من سورة الأنعام‏]، و قدم هنا لما أن المقصود هاهنا على ما قيل الرد على منكري البعث فناسب تقديم ما يدل عليه، و هو أنه منه سبحانه و تعالى مبدأ كل شي‏ء فكذا إعادته.

و قرأ زيد بن علي «خالق» بالنصب على الاختصاص أي أعني أو أخص خالق كل شي‏ء فيكون‏ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ استئنافا مما هو كالنتيجة للأوصاف المذكورة فكأنه قيل: اللّه تعالى متصف بما ذكر من الصفات و لا إله إلا من اتصف بها فلا إله إلا هو فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏ فكيف و من أي جهة تصرفون من عبادته سبحانه إلى عبادة غيره عزّ و جلّ. و قرأ طلحة في رواية «يؤفكون» بياء الغيبة.

كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ‏ أي مثل ذلك الإفك العجيب الذي لا وجه له و لا مصحح أصلا يؤفك كل من جحد بآياته تعالى أي آية كانت لا إفكا آخر له وجه و مصحح في الجملة.

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً أي مستقرا وَ السَّماءَ بِناءً أي قبة و منه أبنية العرب لقبابهم التي تضرب و إطلاق ذلك على السماء على سبيل التشبيه، و هو تشبيه بليغ و فيه إشارة لكريتها. و هذا بيان لفضله تعالى المتعلق بالمكان بعد بيان فضله المتعلق بالزمان، و قوله سبحانه: وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ بيان لفضله تعالى المتعلق بأنفسهم، و الفاء في‏ فَأَحْسَنَ‏ تفسيرية فالمراد صوركم أحسن تصوير حيث خلق كلا منكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء و التخطيطات متهي‏ء لمزاولة الصنائع و اكتساب الكمالات. و قرأ الأعمش و أبو رزين «صوركم» بكسر الصاد فرارا من الضمة قبل الواو، و جمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسرها شاذ و منه قوة و قوى بكسر القاف في الجمع. و قرأت فرقة «صوركم» بضم الصاد و إسكان الواو على نحو بسرة و بسر وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ‏ أي المستلذات طعما و لباسا و غيرهما و قيل الحلال‏ ذلِكُمُ‏ الذي نعت بما ذكر من النعوت الجليلة اللَّهُ رَبُّكُمْ‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 336

خبران لذلكم‏ فَتَبارَكَ اللَّهُ‏ تعالى بذاته‏ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ أي مالكهم و مربيهم و الكل تحت ملكوته مفتقر إليه تعالى في ذاته و وجوده و سائر أحواله جميعها بحيث لو انقطع فيضه جل شأنه عنه آنا لعدم بالكلية هُوَ الْحَيُ‏ المنفرد بالحياة الذاتية الحقيقية لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا موجود يدانيه في ذاته و صفاته و أفعاله عزّ و جلّ‏ فَادْعُوهُ‏ فاعبدوه خاصة لاختصاص ما يوجب ذلك به تعالى.

و تفسير الدعاء بالعبادة هو الذي يقتضيه قوله تعالى: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ أي الطاعة من الشرك الخفي و الجلي و أنه الأليق بالترتب على ما ذكر من أوصاف الربوبية و الألوهية، و إنما ذكرت بعنوان الدعاء لأن اللائق هو العبادة على وجه التضرع و الانكسار و الخضوع‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ أي قائلين ذلك.

أخرج ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم و صححه و البيهقي في الأسماء و الصفات عن ابن عباس قال: من قال لا إله إلا اللّه فليقل على أثرها الحمد للّه رب العالمين و ذلك قوله تعالى: فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ‏ إلخ. و أخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير نحو ذلك، و على هذا ف الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ إلخ من كلام المأمورين بالعبادة قبله، و جوز كونه من كلام اللّه تعالى على أنه إنشاء حمد ذاته سبحانه بذاته جل شأنه.

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي‏ من الحجج و الآيات أو من الآيات لكونها مؤيدة لأدلة العقل منبهة عليها فإن الآيات التنزيلية مفسرات للآيات التكوينية الآفاقية و الأنفسية وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ أي بأن أنقاد له تعالى و أخلص له عزّ و جلّ ديني.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ‏ في ضمن خلق آدم عليه السلام منه حسبما مر تحقيقه‏ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أي ثم خلقكم خلقا تفصيليا من نطفة أي من مني‏ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ قطعة دم جامد ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا أي أطفالا و هو اسم جنس صادق على القليل و الكثير.

و في المصباح، قال ابن الأنباري: يكون الطفل بلفظ واحد للمذكر و المؤنث و الجمع و يجوز فيه المطابقة أيضا، و قيل: إنه أفراد بتأويل خلق كل فرد من هذا النوع ثم يخرج كل فرد منه طفلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ‏ للام فيه متعلقة بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا و ذلك المحذوف عطف على‏ يُخْرِجُكُمْ‏ و جوز أن يكون‏ لِتَبْلُغُوا عطفا على علة مقدرة ليخرجكم كأنه قيل: ثم يخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا أشدكم و كمالكم في القوة و العقل، و كذا الكلام في قوله تعالى: ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً و يجوز عطفه على‏ لِتَبْلُغُوا .

و قرأ ابن كثير و ابن ذكوان و أبو بكر و حمزة و الكسائي «شيوخا» بكسر الشين. و قرئ «شيخا» كقوله تعالى:

طِفْلًا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ‏ أي من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأشد أو قبله أيضا وَ لِتَبْلُغُوا متعلق بفعل مقدر بعده أي و لتبلغوا أَجَلًا مُسَمًّى‏ هو يوم القيامة بفعل ذلك الخلق من تراب و ما بعده من الأطوار، و هو عطف على‏ خَلَقَكُمْ‏ و المراد من يوم القيامة ما فيه من الجزاء فإن الخلق ما خلقوا إلا ليعبدوا ثم يبلغوا الجزاء، و تفسير الأجل المسمى بذلك مروي عن الحسن، و قال بعض: هو يوم الموت. و تعقب بأن وقت الموت فهم من ذكر التوفي قبله فالأولى تفسيره بما تقدم، و ظاهر صنيع الزمخشري ترجيح هذا على ما بين في الكشف‏ وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ و لكي تعقلوا ما في ذلك التنقل في الأطوار من فنون الحكم و العبر.

و أخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال: أي و لعلكم تعقلون عن ربكم أنه يحييكم كما أماتكم‏ هُوَ الَّذِي يُحْيِي‏ الأموات‏ وَ يُمِيتُ‏ الأحياء أو الذي يفعل الإحياء و الإماتة فَإِذا قَضى‏ أَمْراً أراد بروز أمر من الأمور إلى‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 337

الوجود الخارجي‏ فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ من غير توقف على شي‏ء من الأشياء أصلا.

و هذا عند الخلف تمثيل لتأثير قدرته تعالى في المقدورات عند تعلق إرادته سبحانه بها و تصوير لسرعة ترتب المكونات على تكوينه من غير أن يكون هناك آمر و مأمور و قد تقدم الكلام في ذلك، و الفاء الأولى للدلالة على أن ما بعدها من نتائج ما قبلها من حيث إنه يقتضي قدرة ذاتية غير متوقفة على العدد و المواد، و جوز فيها كونها تفصيلية و تعليلية أيضا فتدبر أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ تعجيب من أحوالهم الشنيعة و آرائهم الركيكة و تمهيد لما يعقبه من بيان تكذيبهم بكل القرآن و بسائر الكتب و الشرائع و ترتيب الوعيد على ذلك، كما أن ما سبق من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ‏ إلخ بيان لابتناء جدالهم على مبنى فاسد لا يكاد يدخل تحت الوجود فلا تكرير فيه كذا في إرشاد العقل السليم.

و قال القاضي: تكرير ذكر المجادلة لتعدد المجادل بأن يكون هناك قوما و هنا قوما آخرين أو المجادلة فيه بأن يحمل في كل على معنى مناسب ففيما مر في البعث و هنا في التوحيد أو هو للتأكيد اهتماما بشأن ذلك. و اختار ما في الإرشاد، أي انظر إلى هؤلاء المكابرين المجادلين في آياته تعالى الواضحة الموجبة للإيمان بها الزاجرة عن الجدال فيها كيف يصرفون عنها مع تعاضد الدواعي إلى الإقبال عليها و انتفاء الصوارف عنها بالكلية.

و قوله تعالى: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ‏ أي بكل القرآن أو بجنس الكتب السماوية فإن تكذيبه تكذيب لها في محل الجر على أنه بدل من الموصول الأول أو بيان أو صفة له أو في محل النصب على الذم أو في محل الرفع على أنه خبر محذوف أو مبتدأ خبره‏ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ و إنما وصل الموصول الثاني بالتكذيب دون المجادلة لأن المعتاد وقوع المجادلة في بعض المواد لا في الكل. و صيغة الماضي للدلالة على التحقيق كما أن صيغة المضارع في الصلة الأولى للدلالة على تجدد المجادلة و تكررها وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا من سائر الكتب على الوجه الأول في تفسير الكتاب أو مطلق الوحي و الشرائع على الوجه الثاني فيه.

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ كنه ما فعلوا من الجدال و التكذيب عند مشاهدتهم لعقوباته‏ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ‏ ظرف ليعلمون، و المعنى على الاستقبال، و التعبير بلفظ المضي للدلالة على تحققه حتى كأنه ماض حقيقة فلا تنافر بين سوف و إذ وَ السَّلاسِلُ‏ عطف على‏ الْأَغْلالُ‏ و الجار و المجرور في نية التأخير كأنه قيل: إذ الأغلال و السلاسل في أعناقهم، و قوله تعالى: يُسْحَبُونَ‏ أي يجرون‏ فِي الْحَمِيمِ‏ حال من ضمير يَعْلَمُونَ‏ أو ضمير فِي أَعْناقِهِمْ‏ أو جملة مستأنفة لبيان حالهم بعد ذلك، و جوز كون‏ السَّلاسِلُ‏ مبتدأ أو جملة يُسْحَبُونَ‏ خبره و العائد محذوف أي يسحبون بها.

و جوز كون‏ الْأَغْلالُ‏ مبتدأ وَ السَّلاسِلُ‏ عطف عليه و الجملة خبر المبتدأ و فِي أَعْناقِهِمْ‏ في موضع الحال، و لا يخفى حاله، و قرأ ابن مسعود و ابن عباس و زيد بن علي و ابن وثاب «و السلاسل يسحبون» بنصب السلاسل و بناء يسحبون للفاعل فيكون السلاسل مفعولا مقدما ليسحبون، و الجملة معطوفة على ما قبلها، و لا بأس بالتفاوت اسمية و فعلية.

و قرأت فرقة منهم ابن عباس في رواية «و السلاسل» بالجر، و خرج ذلك الزجاج على الجر بخافض محذوف كما في قوله:

أشارت كليب بالأكف الأصابع‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 338

أي و بالسلاسل كما قرئ به أو في السلاسل كما في مصحف أبي، و الفراء على العطف بحسب المعنى إذ الأغلال في أعناقهم بمعنى أعناقهم في الأغلال، و نظيره قوله:

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

و لا ناعب إلا ببين غرابها

و يسمى في غير القرآن عطف التوهم، و ذهب إلى هذا التخريج الزمخشري و ابن عطية، و ابن الأنباري بعد أن ضعف تخريج الزجاج خرج القراءة على ما قال الفراء قال: و هذا كما تقول: خاصم عبد اللّه زيد العاقلين بنصب العاقلين و رفعه لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصم الآخر، و هذه المسألة لا تجوز عند البصريين و نقل جوازها عن محمد ابن سعدان الكوفي قال: لأن كل واحد منهما فاعل مفعول‏ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ يحرقون ظاهرا و باطنا من سجر التنور إذا ملأه إيقادا و يكون بمعنى ملأه بالحطب ليحميه، و منه السجير للصديق الخليل كأنه سجر بالحب أي ملئ، و يفهم من القاموس أن السجر من الأضداد، و كلا الاشتقاقين مناسب في السجير أي ملئ من حبك أو فرغ من غيرك إليك و الأول أظهر.

و المراد بهذا و ما قبله أنهم معذبوهم بأنواع العذاب سحبهم على وجوههم في النار الموقدة ثم تسليط النار على باطنهم و أنهم يعذبون ظاهرا و باطنا فلا استدراك في ذكر هذا بعد ما تقدم.

[سورة غافر (40): الآيات 73 الى 85]

ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77)

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ (79) وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82)

فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85)

ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا أي يقال لهم و يقولون، و صيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع، و السؤال للتوبيخ، و ضلالهم عنهم بمعنى غيبتهم من ضلت دابته إذا لم يعرف مكانها، و هذا لا ينافي ما يشعر بآن آلهتهم مقرونون بهم في النار لأن للنار طبقات و لهم فيها مواقف فيجوز غيبتهم عنهم في بعضها

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏12، ص: 339

و اقترانهم بهم في بعض آخر، و يجوز أن يكون ضلالهم استعارة لعدم النفع فحضورهم كالعدم فذكر على حقيقته في موضع و على مجازه في آخر بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً أي بل تبين لنا اليوم أنّا لم نكن نعبد في الدنيا شيئا يعتد به، و هو إضراب عن كون الآلهة الباطلة ليست بموجودة عندهم أو ليست بنافعة إلى أنها ليست شيئا يعتد به.

و في ذلك اعتراف بخطئهم و ندم على قبيح فعلهم حيث لا ينفع ذلك، و جعل الجلبي هذه الآية كقوله تعالى:

وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ‏ [الأنعام: 23] يفزعون إلى الكذب لحيرتهم و اضطرابهم، و معنى قوله تعالى: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ‏ أنه تعالى يحيرهم في أمرهم حتى يفزعون إلى الكذب مع علمهم بأنه لا ينفعهم، و لعل ما تقدم هو المناسب للسياق.

و معنى هذا مثل ذلك الإضلال يضل اللّه تعالى في الدنيا الكافرين حتى أنهم يدعون فيها ما يتبين لهم أنه ليس بشي‏ء أو مثل ضلال آلهتهم عنهم في الآخرة نضلهم عن آلهتهم فيها حتى لو طلبوا الآلهة و طلبتهم لم يلق بعضهم بعضا أو مثل ذلك الضلال و عدم النفع يضل اللّه تعالى الكافرين حتى لا يهتدوا في الدنيا إلى ما ينفعهم في الآخرة، و في المجمع كما أضل اللّه تعالى أعمال هؤلاء و أبطل ما كانوا يؤملونه كذلك يفعل بأعمال جميع من يتدين بالكفر فلا ينتفعون بشي‏ء منها، فإضلال الكافرين على معنى إضلال أعمالهم أي إبطالها، و نقل ذلك عن الحسن، و قيل في معناه غير ذلك.

و قوله تعالى: ذلِكُمْ‏ إشارة إلى المذكور من سحبهم في السلاسل و الأغلال و تسجيرهم في النار و توبيخهم بالسؤال، و جوز على بعض الأوجه أن يكون إشارة إلى إضلال اللّه تعالى الكافرين، و إلى الأول ذهب ابن عطية أي ذلكم العذاب الذي أنتم فيه‏ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ‏ تبطرون و تأشرون كما قال مجاهد بِغَيْرِ الْحَقِ‏ و هو الشرك و المعاصي أو بغير استحقاق لذلك، و في ذلك‏ الْأَرْضِ‏ زيادة تفظيع للبطر وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ‏ تتوسعون في الفرح، و قيل: المعنى بما كنتم تفرحون بما يصيب أنبياء اللّه تعالى أولياءه من المكاره و بما كنتم تتوسعون في الفرح بما أوتيتم حتى نسيتم لذلك الآخرة و اشتغلتم بالنعمة عن المنعم، و

في الحديث‏ «اللّه تعالى يبغض البذخين الفرحين و يحب كل قلب حزين»

و بين الفرح و المرح تجنيس حسن، و العدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ لأن ذم المرء في وجهه تشهير له، و لذا قيل: النصح بين الملأ تقريع‏ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ‏ أي الأبواب المقسومة لكم‏ خالِدِينَ فِيها مقدرين الخلود فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ عن الحق جهنم، و كان مقتضى النظم الجليل حيث صدر بادخلوا أن يقال: فبئس مدخل المتكبرين ليتجاوب الصدر و العجز لكن لما كان الدخول المقيد بالخلود سبب الثواء عبر بالمثوى و صح التجاوب معنى، و هذا الأمر على ما استظهره في البحر مقول لهم بعد المحاورة السابقة و هم في النار، و مطمح النظر فيه الخلود فهو أمر بقيد الخلود لا بمطلق الدخول، و يجوز أن يقال: هم بعد الدخول فيها أمروا أن يدخلوا الأبواب المقسومة لهم فكان أمرا بالدخول بقيد التجزئة لكل باب، و قال ابن عطية: يقال لهم قبل هذه المحاورة في أول الأمر ادخلوا.

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بتعذيب أعدائك الكفرة حَقٌ‏ كائن لا محالة فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ‏ أصله فإن نرك فزيدت (ما) لتوكيد (إن) الشرطية و لذلك جاز أن يلحق الفعل نون التوكيد على ما قيل: و إلى التلازم بين ما و نون التوكيد بعد أن الشرطية ذهب المبرد. و الزجاج فلا يجوز عندهما زيادة ما بدون إلحاق نون و لا إلحاق نون بدون زيادة ما ورد بقوله:

فأما تريني ولي لمة

صفحه بعد