کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم

الجزء الحادي عشر

فهرس المجلد الحادي عشر من روح المعاني

الجزء الثاني عشر

الفهرس

الجزء الثالث عشر

فهرس المجلد الثالث عشر من روح المعاني

الجزء الرابع عشر

فهرس المجلد الرابع عشر من روح المعاني

الجزء الخامس عشر

فهرس المجلد الخامس عشر من روح المعاني

الجزء السادس عشر

الفهارس العامة

فهرس الآيات المفسرة

تفسير سورة البقرة تفسير سورة آل عمران تفسير سورة النساء تفسير سورة المائدة تفسير سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة يوسف تفسير سورة الرعد تفسير سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر تفسير سورة النحل تفسير سورة الإسراء تفسير سورة الكهف تفسير سورة مريم تفسير سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة القصص تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة تفسير سورة الأحزاب تفسير سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة ص تفسير سورة الزمر تفسير سورة المؤمن تفسير سورة فصلت تفسير سورة الشورى تفسير سورة الزخرف تفسير سورة الدخان تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة و النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن عز و جل تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة تبت تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

فهرس آيات الشواهد

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة النبأ سورة المرسلات سورة الإنسان سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم


صفحه قبل

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏14، ص: 58

فالظن هنا مراد به التوهم و شاع استعماله فيه، و يفهم من كلام الراغب أن التوهم من أفراد الظن‏ وَ ما تَهْوَى الْأَنْفُسُ‏ أي و الذي تشتهيه أنفسهم الأمارة بالسوء على أن‏ ما موصولة و عائدها مقدر- و أل- في الأنفس للعهد، أو عوض عن المضاف إليه، و جوز كون‏ ما مصدرية و كذا جوز كون- أل- للجنس و النفس من حيث هي إنما تهوى غير الأفضل لأنها مجبولة على حب الملاذ و إنما يسوقها إلى حسن العاقبة العقل، و الالتفات في‏ يَتَّبِعُونَ‏ إلى الغيبة للإيذان بأن تعداد قبائحهم اقتضى الاعراض عنهم، و حكاية جناياتهم لغيرهم، و قرأ ابن عباس و ابن مسعود و ابن وثاب و طلحة و الأعمش و عيسى بن عمر- تتبعون- بتاء الخطاب‏ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى‏ حال من ضمير يَتَّبِعُونَ‏ مقررة لبطلان ما هم عليه من اتباع الظن و الهوى، و المراد بالهدى الرسول صلى اللّه تعالى عليه و سلم أو القرآن العظيم على أنه بمعنى الهادي أو جعله هدى مبالغة أي ما يتبعون إلا ذلك، و الحال لقد جاءهم من ربهم جل شأنه ما ينبغي لهم معه تركه و اتباع سبيل الحق.

و حاصله‏ يَتَّبِعُونَ‏ ذلك في حال ينافيه، و جوز أن تكون الجملة معترضة و هي أيضا مؤكدة لبطلان ذلك‏ أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى‏ أَمْ‏ منقطعة مقدرة- ببل- و هي للانتقال من بيان أن ما هم عليه غير مستند إلا إلى توهمهم و هوى أنفسهم إلى بيان أن ذلك مما لا يجدي نفعا أصلا؛ و الهمزة و هي للإنكار و النفي أي بل ليس للإنسان كل ما يتمناه و تشتهيه نفسه، و مفاده قيل: رفع الإيجاب الكلي و مرجعه إلى سالبه جزئية، و إليه يشير قول بعضهم: المراد نفي أن يكون للكفرة ما كانوا يطمعون فيه من شفاعة الآلهة و الظفر بالحسنى عند اللّه تعالى يوم القيامة و ما كانوا يشتهونه من نزول القرآن على رجل من إحدى القريتين عظيم و نحو ذلك، و يفهم من كلام بعض المحققين أن المراد السلب الكلي، و المعنى لا شي‏ء مما يتمناه الإنسان مملوكا له مختصا به يتصرف فيه حسب إرادته و يتضمن ذلك نفي أن يكون للكفرة ما ذكر و ليس الإنسان خاصا بهم كما قيل، و قوله تعالى: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَ الْأُولى‏ تعليل لانتفاء ذلك فإن اختصاص ملك أمور الآخرة و الأولى جميعا به تعالى مقتض لانتفاء أن يكون للإنسان أمر من الأمور بل ما شاء اللّه تعالى له كان و ما لم يشأ لم يكن، و قدمت الآخرة اهتماما برد ما هو أهمّ أطماعهم عندهم من الفوز فيها، و لذا أردف ذلك بقوله تعالى: وَ كَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً و إقناطهم عما طمعوا به من شفاعة الملائكة عليهم السلام موجب لاقناطهم عن شفاعة الأصنام بطريق الاولوية وَ كَمْ‏ خبرية مفيدة للتكثير محلها الرفع على الابتداء، و الخبر الجملة المنفية، و جمع الضمير في شفاعتهم مع إفراد الملك باعتبار المعنى أي و كثير من الملائكة لا تغني شفاعتهم عند اللّه تعالى شيئا من الإغناء في وقت من الأوقات‏ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ‏ لهم في الشفاعة.

لِمَنْ يَشاءُ أن يشفعوا له‏ وَ يَرْضى‏ و يراه سبحانه أهلا للشفاعة من أهل التوحيد و الإيمان، و أما من عداهم من أهل الكفر و الطغيان فهم من إذن اللّه تعالى بمعزل. و عنه بألف ألف منزل، و جوز أن يكون المراد إلا من بعد أن يأذن اللّه لمن يشاء من الملائكة بالشفاعة و يراه عز و جل أهلا لها، و أيا ما كان فالمعنى على أنه إذا كان حال الملائكة في باب الشفاعة كما ذكر فما ظنهم بحال الأصنام، و الكلام قيل من باب:

على لا حب لا يهتدى بمناره فحاصله لا شفاعة لهم و لا غناء بدون أن يأذن اللّه سبحانه إلخ، و قيل: هو وارد على سبيل الفرض فلا يخالف قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ‏ [البقرة: 255]، و قرأ زيد بن علي شفاعته بإفراد الشفاعة و الضمير، و ابن مقسم شفاعاتهم بجمعهما و هو اختيار صاحب الكامل أبي القاسم الهذلي، و أفردت‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏14، ص: 59

الشفاعة في قراءة الجمهور قال أبو حيان: لأنها مصدر و لأنهم لو شفع جميعهم لواحد لم تغن شفاعتهم عنه شيئا إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ و بما فيها من العقاب على ما يتعاطونه من الكفر و المعاصي‏ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ المنزهين عن سمات النقصان على الإطلاق‏ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى‏ فإنهم كانوا يقولون الملائكة بنات اللّه سبحانه و تعالى عما يقولون، و الْمَلائِكَةَ في معنى استغراق المفرد فيكون التقدير ليسمون كل واحد من‏ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى‏ أي يسمونه بنتا لأنهم إذا قالوا ذلك فقد جعلوا كل واحد منهم بنتا، فالكلام على وزان كسانا الأمير حلة أي كسا كل واحد منا حلة، و الإفراد لعدم اللبس، و لذا لم يقل تسمية الإناث فلا حاجة إلى تأويل الأنثى بالإناث و لا إلى كون المراد الطائفة الأنثى، و ما ذكر أولا قيل: مبني على أن تسمية الأنثى في النظم الجليل ليس نصبا على التشبيه و إلا فلا حاجة إليه أيضا، و في تعليق التسمية بعدم الإيمان بالآخرة إشعار بأنها في الشناعة و الفظاعة و استتباع العقوبة في الآخرة بحيث لا يجترئ عليها إلا من لا يؤمن بها رأسا، و قوله تعالى: وَ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ‏ حال من فاعل (يسمون) و ضمير به للمذكور من التسمية و بهذا الاعتبار ذكر، أو باعتبار القول أي يسمونهم إناثا، و الحال أنهم لا علم لهم بما يقولون أصلا، و قرأ أبيّ بها أي بالتسمية، أو بالملائكة إِنْ يَتَّبِعُونَ‏ أي ما يتبعون في ذلك‏ إِلَّا الظَّنَ‏ أي التوهم الباطل‏ وَ إِنَّ الظَّنَ‏ أي جنس الظن كما يلوح به الإظهار في موقع الإضمار، و قيل: الإظهار ليستقل الكلام استقلال المثل.

لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً من الإغناء فإن الحق الذي هو عبارة عن حقيقة الشي‏ء و ما هو عليه إنما يدرك إدراكا معتدا به إذا كان عن يقين لا عن ظن و توهم فلا يعتدّ بالظن في شأن المعارف الحقيقية أعني المطالب الاعتقادية التي يلزم فيها الجزم و لو لم يكن عن دليل، و إنما يعتدّ به في العمليات و ما يؤدي إليها.

و فسر بعضهم الحق باللّه عز و جل لقوله سبحانه: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ* [الحج: 6، 62، لقمان:

30]، و استدل بالآية من لم يعتبر التقليد في الاعتقاديات- و فيه بحث- و الظاهرية على إبطاله مطلقا، و إبطال القياس ورده على أتم وجه في الأصول، و ما أخرج ابن أبي حاتم عن أيوب قال: قال عمر بن الخطاب:

احذروا هذا الرأي على الدّين فإنما كان الرأي من رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم مصيبا لأن اللّه تعالى كان يريه و إنما هو منا تكلف و ظن‏ وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً هو أحد أدلتهم على إبطال القياس أيضا، و قد حكى الآمدي في الأحكام نحوه عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما فقال: قال ابن عمر: اتهموا الرأي عن الدّين فإن الرأي منا تكلف و ظن‏ وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً و أجاب عنه بأن غايته الدلالة على احتمال الخطأ فيه و ليس فيه ما يدل على إبطاله، و أن المراد بقوله: إِنَّ الظَّنَ‏ إلخ استعمال الظن في مواضع اليقين و ليس المراد به إبطال الظن بدليل صحة العمل بظواهر الكتاب و السنة، و يقال نحو هذا في كلام عمر رضي اللّه تعالى عنه، و قد ذكر جملة من الآثار استدل بها المبطل على ما زعمه وردها كلها فمن أراد ذلك ليراجعه‏ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا أي عنهم و وضع الموصول موضع ضميرهم للتوسل به إلى وصفهم بما في حيز صلته من الأوصاف القبيحة، و تعليل الحكم بها أي فأعرض عمن أعرض عن ذكرنا المفيد للعلم الحق و هو القرآن العظيم. المنطوي على بيان الاعتقادات الحقة. المشتمل على علوم الأولين و الآخرين. المذكر الآخرة و ما فيها من الأمور المرغوب فيها و المرهوب عنها، و المراد بالإعراض عنه ترك الأخذ بما فيه و عدم الاعتناء به، و قيل: المراد بالذكر الرسول صلى اللّه تعالى عليه و سلم و بالإعراض عنه ترك الأخذ بما جاء به، و قيل: المراد به الإيمان، و قيل: هو على ظاهره و الإعراض عنه كناية عن الغفلة عنه عز و جل‏ وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا راضيا بها قاصرا نظره عليها جاهدا فيما يصلحها كالنضر بن الحارث.

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏14، ص: 60

و الوليد بن المغيرة، و المراد من الأمر المذكور النهي عن المبالغة في الحرص على هداهم كأنه قيل: لا تبالغ في الحرص على هدى من تولى عن ذكرنا و انهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته و قصارى سعيه، و قوله تعالى: ذلِكَ‏ أي أمر الحياة الدنيا المفهوم من الكلام و لذا ذكر اسم الإشارة، و قيل: أي ما أداهم إلى ما هم فيه من التولي و قصر الإرادة على الحياة الدنيا، و قيل: ذلك إشارة إلى الظن الذي يتبعونه، و قيل: إلى جعلهم الملائكة بنات اللّه سبحانه و كلا القولين كما ترى‏ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‏ أي منتهى علمهم لا علم لهم فوقه اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها من قصر الإرادة على الحياة الدنيا.

و المراد بالعلم مطلق الإدراك المنتظم للظن الفاسد، و ضمير مَبْلَغُهُمْ‏ - لمن- و جمع باعتبار معناه كما أن إفراده قبل باعتبار لفظه، و قوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى‏ تعليل للأمر بالإعراض، و تكرير قوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ‏ لزيادة التقرير و الإيذان بكمال تباين المعلومين، و المراد بِمَنْ ضَلَ‏ من أصر على الضلال و لم يرجع إلى الهدى أصلا، و بِمَنِ اهْتَدى‏ من شأنه الاهتداء في الجملة، أي هو جل شأنه المبالغ في العلم بمن لا يرعوي عن الضلال أبدا، و بمن يقبل الاهتداء في الجملة لا غيره سبحانه فلا تتعب نفسك في دعوتهم و لا تبالغ في الحرص عليها فإنهم من القبيل الأول: و قوله تعالى: وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ أي له ذلك على الوجه الأتم أي خلقا و ملكا لا لغيره عز و جل أصلا لا استقلالا و لا اشتراكا، و يشعر بفعل يتعلق به قوله تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا أي خلق ما فيهما ليجزي الضالين بعقاب ما عملوا من الضلال الذي عبر عنه بالإساءة بيانا لحاله؛ أو بمثل ما عملوا، أو بسبب ما عملوا على أن الباء صلة الجزاء بتقدير مضاف أو للسببية بلا تقدير وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا أي اهتدوا بِالْحُسْنَى‏ أي بالمثوبة الحسنى التي هي الجنة، أو بأحسن من أعمالهم أو بسبب الأعمال الحسنى تكميل لما قبل لأنه سبحانه لما أمره عليه الصلاة و السلام بالإعراض نفي توهم أن ذلك لأنهم يتركون سدى، و في العدول عن ضمير ربك إلى الاسم الجامع ما ينبى‏ء عن زيادة القدرة و أن الكلام مسوق لوعيد المعرضين و أن تسوية هذا الملك العظيم لهذه الحكمة فلا بدّ من ضال و مهتد، و من أن يلقى كلّ ما يستحقه، و فيه أنه صلى اللّه تعالى عليه و سلم يلقى الحسنى جزاء لتبليغه و هم يلقون السوء أي جزاء لتكذيبهم، و كرر فعل الجزاء لإبراز كمال الاعتناء به و التنبيه على تباين الجزاءين.

و جوز أن يكون معنى‏ فَأَعْرِضْ‏ إلخ لا تقابلهم بصنيعهم و كلهم إلى ربك إنه أعلم بك و بهم فيجزي كلا ما يستحقه، و لا يخفى ما في العدول عن الضميرين في «بمن ضل» «و بمن اهتدى» و جعل قوله تعالى: لِيَجْزِيَ‏ على هذا متعلقا بما يدل عليه قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ‏ إلخ أي ميز الضال عن المهتدي و حفظ أحوالهم‏ لِيَجْزِيَ‏ إلخ، و قوله سبحانه: وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ‏ جملة معترضة تؤكد حدث أنهم يجزون البتة و لا يهملون كأنه قيل: هو سبحانه أعلم بهم و هم تحت ملكه و قدرته، و جوز على ذلك المعنى أن يتعلق‏ لِيَجْزِيَ‏ بقوله تعالى:

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ‏ كما تقدم على تأكيد أمر الوعيد، أي- هو أعلم بهم- و إنما سوي هذا الملك للجزاء، و رجح بعضهم ذلك المعنى بالوجهين المذكورين على ما مرّ، و جوز في جملة لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ‏ كونها حالا من فاعل أعلم سواء كان بمعنى عالم أو لا، و في‏ لِيَجْزِيَ‏ تعلقه- بضل. و اهتدى- على أن اللام للعاقبة أي هو تعالى‏ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَ‏ ليؤول أمره إلى أن يجزيه اللّه تعالى بعمله، و بِمَنِ اهْتَدى‏ ليؤول أمره إلى أن يجزيه بالحسنى، و لا يخفى بعده، و أبعد منه بمراحل تعلقه بقوله سبحانه: لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ‏ كما ذكره مكي، و قرأ زيد ابن علي- لنجزي- و نجزي بالنون فيهما الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ‏ بدل من الموصول الثاني و صيغة الاستقبال‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏14، ص: 61

في صلته للدلالة على تجدد الاجتناب و استمراره أو بيان أو نعت أو منصوب على المدح أو مرفوع على أنه خبر محذوف؛ و الْإِثْمِ‏ الفعل المبطئ عن الثواب و هو الذنب. و كبائره ما يكبر عقابه، و قرأ حمزة و الكسائي و خلف- كبير الإثم- على إرادة الجنس، أو الشرك‏ وَ الْفَواحِشَ‏ ما عظم قبحه من الكبائر فعطفه على ما تقدم من عطف الخاص على العام، و قيل: الفواحش و الكبائر مترادفان‏ إِلَّا اللَّمَمَ‏ ما صغر من الذنوب و أصله ما قل قدره، و منه لمة الشعر لأنها دون الوفرة، و فسره أبو سعيد الخدري بالنظرة و الغمزة و القبلة و هو من باب التمثيل، و قيل: معناه الدنو من الشي‏ء دون ارتكاب له من ألممت بكذا أي نزلت به و قاربته من غير مواقعة- و عليه قول الرماني- هو الهمّ بالذنب و حديث النفس دون أن يواقع، و قول ابن المسيب: ما خطر على القلب، و عن ابن عباس و ابن زيد هو ما ألموا به من الشرك و المعاصي في الجاهلية قبل الإسلام، و الآية نزلت لقول الكفار للمسلمين قد كنتم بالأمس تعملون أعمالنا فهي مثل قوله تعالى: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ‏ [النساء: 23] على ما في البحر، و قيل: هو مطلق الذنب.

و في رواية عن ابن عباس أنه ما يلم به المرء في الحين من الذنوب ثم يتوب، و المعظم على تفسيره بالصغائر و الاستثناء منقطع، و قيل: إنه لا استثناء فيه أصلا، و إِلَّا صفة بمعنى غير إما لجعل المضاف إلى المعرف باللام الجنسية أعني كبائر الإثم في حكم النكرة، أو لأن غير و إِلَّا التي بمعناها قد يتعرفان بالإضافة كما في‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ‏ [الفاتحة: 7] و تعقبه بعضهم بأن شرط جواز وقوع‏ إِلَّا صفة كونها تابعة لجمع منكر غير محصور و لم يوجد هنا، ورد بأن هذا ما ذهب إليه ابن الحاجب، و سيبويه يرى جواز وقوعها صفة مع جواز الاستثناء فهو لا يشترط ذلك، و تبعه أكثر المتأخرين، نعم كونها هنا صفة خلاف الظاهر و لا داعي إلى ارتكابه، و الآية عند الأكثرين دليل على أن المعاصي منها كبائر و منها صغائر و أنكر جماعة من الأئمة هذا الانقسام و قالوا: سائر المعاصي كبائر، منهم الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني، و القاضي أبو بكر الباقلاني، و إمام الحرمين في الإرشاد، و تقي الدين السبكي و ابن القشيري في المرشد بل حكاه ابن فورك عن الاشاعرة. و اختاره في تفسيره فقال معاصي اللّه تعالى كلها عندنا كبائر و إنما يقال لبعضها صغيرة و كبيرة بالإضافة، و حكي الانقسام عند المعتزلة، و قال: إنه ليس بصحيح، و قال القاضي عبد الوهاب: لا يمكن أن يقال في معصية إنها صغيرة إلا على معنى أنها تصغر باجتناب الكبائر و يوافق ذلك ما رواه الطبراني عن ابن عباس لكنه منقطع أنه ذكر عنده الكبائر فقال: كل ما نهى اللّه تعالى عنه فهو كبيرة، و في رواية كل شي‏ء عصى اللّه تعالى فيه فهو كبيرة، و الجمهور على الانقسام قيل: و لا خلاف في المعنى، و إنما الخلاف في التسمية، و الإطلاق لإجماع الكل على أن من المعاصي ما يقدح في العدالة و منها ما لا يقدح فيها و إنما الأولون فروا من التسمية فكرهوا تسمية معصية صغيرة لأنها بالنظر إلى باهر عظمته كبيرة أي كبيرة و لم ينظر الجمهور إلى ذلك لأنه معلوم؛ و قسموها إلى ما ذكر لظواهر الآيات و الأحاديث و لذلك قال الغزالي: لا يليق إنكار الفرق بين الكبائر و الصغائر و قد عرفنا من مدارك الشرع، ثم القائلون بالفرق اختلفوا في حدّ الكبيرة فقيل: هي ما لحق صاحبها عليها بخصوصها و عيد شديد بنص كتاب أو سنة و هي عبارة كثير من الفقهاء، و قيل: كل معصية أوجبت الحدّ- و به قال البغوي و غيره- و الأول أوفق لما ذكروه في تفصيل الكبائر إذ عدوا الغيبة و النميمة و العقوق و غير ذلك منها و لا حدّ فيه فهو أصح من الثاني و إن قال الرافعي: إنهم إلى ترجيحه أميل، و قد يقال: يرد على الأول أيضا أنهم عدوا من الكبائر ما لم يرد فيه بخصوصه وعيد شديد.

و قيل: هي كل ما نص الكتاب على تحريمه أو وجب في جنسه حدّ و ترك فريضة تجب فورا و الكذب في‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏14، ص: 62

الشهادة و الرواية و اليمين، زاد الهروي و شريح و كل قول خالف الإجماع العام، و قيل: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة و هو المحكي عن إمام الحرمين، و رجحه جمع لما فيه من حسن الضبط، و تعقب بأنه بظاهره يتناول صغيرة الخسة، و الإمام- كما قال الاذرعي- إنما ضبط به ما يبطل العدالة من المعاصي الشاملة لذلك لا الكبيرة فقط، نعم هو أشمل من التعريفين الأولين، و قيل: هي ما أوجب الحدّ أو توجه إليه الوعيد ذكره الماوردي في فتاويه، و قيل: كل محرم لعينه منهي عنه لمعنى في نفسه فإن فعله على وجه يجمع وجهين أو وجوها من التحريم كان فاحشة، فالزنا كبيرة و بحليلة الجار فاحشة و الصغيرة تعاطي ما تنقص عن رتبته عن رتبته المنصوص عليه. أو تعاطيه على وجه دون المنصوص عليه فإن تعاطاه على وجه يجمع وجهين أو أكثر من التحريم كان كبيرة فالقبلة و اللمس و المفاخذة صغيرة، و مع حليلة الجار كبيرة كذا نقله ابن الرفعة و غيره عن القاضي حسين عن الحليمي، و قيل: هي كل فعل نص الكتاب على تحريمه أي بلفظ التحريم و هو أربعة أشياء: أكل الميتة، و لحم الخنزير، و مال اليتيم، و الفرار من الزحف ورد بمنع الحصر، و قيل:

إنها كل ذنب قرن به حدّ، أو وعيد أو لعن بنص كتاب أو سنة أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به ذلك أو أكثر أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه إشعارا صغر الكبائر المنصوص عليها بذلك كما لو قتل من يعتقده معصوما فظهر أنه مستحق لدمه أو وطئ امرأة ظانا أنه زان بها فإذا هي زوجته أو أمته، و إليه ذهب شيخ الإسلام البارزي و قال: هو التحقيق؛ و قيل: غير ذلك، و اعتمد الواحدي أنها لا حدّ لها يحصرها فقال الصحيح أن الكبيرة ليس لها حدّ يعرفها العباد به و إلا لاقتحم الناس الصغائر و استباحوها و لكن اللّه تعالى أخفى ذلك عنهم ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه رجاء أن تجتنب الكبائر. و نظير ذلك إخفاء الاسم الأعظم و الصلاة الوسطى و ليلة القدر و ساعة الإجابة، و قال العلامة ابن حجر الهيتمي: كل ما ذكر من الحدود إنما قصد به التقريب فقط و إلا فهي ليست بحدود جامعة، و كيف يمكن ضبط ما لا مطمع في ضبطه؟ و ذهب جمع إلى تعريفها بالعدّ، فعن ابن عباس أنها ما ذكره اللّه تعالى في أول سورة النساء إلى قوله سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ‏ [النساء: 31].

و قيل:

هي سبع‏ و روي ذلك عن علي كرم اللّه تعالى وجهه‏

و عطاء و عبيد بن عمير، و استدل له بما

في الصحيحين‏ «اجتنبوا السبع الموبقات: الإشراك باللّه تعالى و السحر و قتل النفس التي حرم اللّه تعالى إلا بالحق و أكل مال اليتيم و أكل الربا و التولي يوم الزحف و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات»

و قيل: خمس عشرة، و قيل: أربع عشرة، و قيل: أربع، و عن ابن مسعود ثلاث، و في رواية أخرى عشرة، و قال شيخ الإسلام العلائي:

المنصوص عليه في الأحاديث أنه كبيرة خمس و عشرون، و تعقبه ابن حجر بزيادة على ذلك، و قال أبو طالب المكي: هي سبع عشرة أربع في القلب الشرك و الإصرار على المعصية و القنوط و الأمن من المكر، و أربع في اللسان القذف و شهادة الزور و السحر، و هو كل كلام يغير الإنسان أو شيئا من أعضائه. و اليمين الغموس و هي التي تبطل بها حقا أو تثبت بها باطلا، و ثلاث في البطن أكل مال اليتيم ظلما و أكل الربا و شرب كل مسكر، و اثنان في الفرج: الزنا و اللواط، و اثنتان في اليد القتلة و السرقة، و واحدة في الرجل الفرار من الزحف، و واحدة في جميع الجسد عقوق الوالدين، و فيه ما فيه، و روى الطبراني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلا قال له:

كم الكبائر سبع هي؟ فقال هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار، و قد ألف فيها غير واحد من العلماء، و في كتاب الزواجر تأليف العلامة ابن حجر ما فيه كفاية فليراجع، و اللّه تعالى الموفق و إنا لنستغفره و نتوب إليه‏ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ حيث يغفر الصغائر باجتناب‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏14، ص: 63

الكبائر، فالجملة تعليل لاستثناء اللمم، و تنبيه على أن إخراجه عن حكم المؤاخذة ليس لخلوه عن الذنب في نفسه بل لسعة المغفرة الربانية، و جوز أن يكون المعنى له سبحانه أن يغفر لمن يشاء من المؤمنين ما يشاء من الذنوب صغيرها و كبيرها، و لعل تعقيب وعيد المسيئين و وعد المحسنين بذلك حينئذ لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته تعالى و لا يتوهم وجوب العقاب عليه عز و جل، و زعم بعض جواز كون الموصول مبتدأ و هذه الجملة خبره و الرابط محذوف أي‏ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ لهم ليس بشي‏ء كما لا يخفى.

هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ‏ أي بأحوالكم من كل أحد إِذْ أَنْشَأَكُمْ‏ في ضمن إنشاء أبيكم آدم عليه السلام.

مِنَ الْأَرْضِ‏ إنشاء إجماليا حسبما مر تحقيقه، و قيل: إنشاؤهم من الأرض باعتبار أن المني الذي يتكونون منه في الأغذية التي منشؤها الأرض، و أيا ما كان- فإذا- ظرف- لأعلم- و هو على بابه من التفصيل.

و قال مكي: هو بمعنى عالم إذ تعلق علمه تعالى بأحوالهم في ذلك الوقت لا مشارك له تعالى فيه، و تعقب بأنه قد يتعلق علم من أطلعه اللّه تعالى من الملائكة عليه، و قيل: إِذْ منصوب بمحذوف، و التقدير اذكروا إِذْ أَنْشَأَكُمْ‏ و هو كما ترى‏ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ و وقت كونكم أجنة فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ‏ على أطوار مختلفة مترتبة لا يخفى عليه سبحانه حال من أحوالكم و عمل من أعمالكم التي من جملتها اللمم الذي لو لا المغفرة الواسعة لأصابكم وباله. فالجملة استئناف مقرر لما قبلها و ذكر فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ‏ مع أن الجنين ما كان في البطن للإشارة إلى الأطوار كما أشرنا إليه، و قيل: لتأكيد شأن العلم لما أن بطن الأم في غاية الظلمة، و الفاء في قوله تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ‏ لترتيب النهي عن تزكية النفس على ما سبق من أن عدم المؤاخذة باللمم ليس لعدم كونه من قبيل الذنوب بل لمحض مغفرته تعالى مع علمه سبحانه بصدوره عنكم أي إذا كان الأمر كذلك فلا تثنوا على أنفسكم بالطهارة عن المعاصي بالكلية أو بزكاء العمل و زيادة الخير بل اشكروا اللّه تعالى على فضله و مغفرته جل شأنه‏ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى‏ المعاصي جميعا و هو استئناف مقرر للنهي و مشعر بأن فيهم من يتقيها بأسرها كذا في الإرشاد، و قيل: اتقى الشرك، و قيل: اتقى شيئا من المعاصي، و الآية نزلت على ما قيل: في قوم من المؤمنين كانوا يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا و صيامنا و حجنا و هذا مذموم منهي عنه إذا كان بطريق الإعجاب، أو الرياء أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به و لا يعد فاعله من المزكين أنفسهم، و لذا قيل: المسرة بالطاعة طاعة و ذكرها شكر، و لا فرق في التزكية بين أن تكون عبارة و أن تكون إشارة و عدّ منها التسمية بنحو برّة،

أخرج أحمد و مسلم و أبو داود و ابن مردويه و ابن سعد عن زينب بنت أبي سلمة أنها سميت برّة فقال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم: «لا تزكوا أنفسكم اللّه أعلم بأهل البر منكم سموها زينب»

و كذا غير عليه الصلاة و السلام إلى ذلك اسم برة بنت جحش، و تغيير مثل ذلك مستحب و كذا ما يوقع نفيه بعض الناس في شي‏ء من الطيرة كبركة و يسار، و النهي عن التسمية به للتنزيه و

قوله صلى اللّه تعالى عليه و سلم كما روى جابر: «إن عشت إن شاء اللّه أنهى أمتي أن يسمعوا نافعا و أفلح و بركة»

محمول كما قال النووي على إرادة أنهى نهي تحريم، و الظاهر أن كراهة ما يشعر بالتزكية مخصوصة بما إذا كان الاشعار قويا كما إذا كان الاسم قبل النقل ظاهر الدلالة على التسمية مستعملا فيها فلا كراهة في التسمية بما يشعر بالمدح إذا لم يكن كذلك كسعيد و حسن، و قد كان لعمر رضي اللّه تعالى عنه ابنة يقال لها:

عاصية فسماها رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم جميلة كذا قيل، و المقام بعد لا يخلو عن بحث‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏14، ص: 64

فليراجع، و قيل: معنى- لا تزكوا أنفسكم- لا يزكي بعضكم بعضا، و المراد النهي عن تزكية السمعة أو المدح للدنيا، أو تزكية على سبيل القطع، و أما التزكية لإثبات الحقوق و نحوه فهي جائزة، و ذهب بعضهم إلى أن الآية نزلت في اليهود.

أخرج الواحدي و ابن المنذر و غيرهما عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال: «كانت اليهود إذا هلك لهم صبي صغير قالوا: هو صديق فبلغ ذلك النبي صلى اللّه تعالى عليه و سلم فقال: كذبت يهود ما من نسمة يخلقها اللّه تعالى في بطن أمها إلا يعلم سعادتها أو شقاوتها» فأنزل اللّه سبحانه عند ذلك‏ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ‏ الآية.

[سورة النجم (53): الآيات 33 الى 62]

أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَ أَعْطى‏ قَلِيلاً وَ أَكْدى‏ (34) أَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى‏ (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى‏ (36) وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)

أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ (38) وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى‏ (39) وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى‏ (40) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى‏ (41) وَ أَنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الْمُنْتَهى‏ (42)

وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى‏ (43) وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا (44) وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى‏ (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى‏ (46) وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى‏ (47)

وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنى‏ وَ أَقْنى‏ (48) وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى‏ (49) وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى‏ (50) وَ ثَمُودَ فَما أَبْقى‏ (51) وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَ أَطْغى‏ (52)

وَ الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى‏ (53) فَغَشَّاها ما غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى‏ (55) هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى‏ (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)

لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَ تَضْحَكُونَ وَ لا تَبْكُونَ (60) وَ أَنْتُمْ سامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَ اعْبُدُوا (62)

أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى‏ أي عن اتباع الحق و الثبات عليه‏ وَ أَعْطى‏ قَلِيلًا أي شيئا قليلا، أو إعطاء قليلا وَ أَكْدى‏ أي قطع العطاء من قولهم حفر فأكدى إذا بلغ إلى كدية أي صلابة في الأرض فلم يمكنه الحفر، قال مجاهد و ابن زيد: نزلت في الوليد بن المغيرة كان قد سمع قراءة رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم و جلس إليه و وعظه فقرب من الإسلام و طمع فيه رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و سلم ثم إنه عاتبه رجل من المشركين، و قال له:

صفحه بعد