کتابخانه تفاسیر
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 109
التّين، قاله ابن عباس. و الثاني: ورق الموز، ذكره المفسّرون. و ما بعد هذا قد سبق تفسيره إلى قوله:
قالَ فِيها تَحْيَوْنَ يعني الأرض.
و اختلف العلماء في تاء «تخرجون»؛ فقرأ ابن كثير، و نافع، و عاصم، و أبو عمرو: بضمّ التاء و فتح الراء، هاهنا؛ و في (الرّوم): وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ «1» . و في (الزّخرف): كَذلِكَ تُخْرَجُونَ «2» و في (الجاثية): لا يُخْرَجُونَ مِنْها «3» . و قرأهنّ حمزة، و الكسائيّ: بفتح التاء و ضم الراء. و فتح ابن عامر التاء في (الأعراف) فقط. فأمّا التي في (الرّوم) إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ «4» ، و في (سأل سائل) يَوْمَ يَخْرُجُونَ «5» فمفتوحتان من غير خلاف.
[سورة الأعراف (7): آية 26]
قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً .
(571) سبب نزولها: أنّ ناسا من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد. و قيل: إنّه لما ذكر عري آدم، منّ علينا باللباس.
و في معنى أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ ثلاثة أقوال: أحدها: خلقنا لكم. و الثاني: ألهمناكم كيفية صنعه.
و الثالث: أنزلنا المطر الذي هو سبب نبات ما يتّخذ لباسا. و أكثر القرّاء قرءوا: «و ريشا». و قرأ ابن عباس و الحسن و زرّ بن حبيش و قتادة و المفضّل، و أبان عن عاصم: «و رياشا» بألف. قال الفرّاء: يجوز أن تكون الرّياش جمع الرّيش، و يجوز أن تكون بمعنى الرّيش كما قالوا: لبس، و لباس.
فلمّا كشفن اللّبس عنه مسحنه
بأطراف طفل زان غيلا موشّما «6»
قال ابن عباس، و مجاهد: «الرّياش»: المال؛ و قال عطاء: المال و النّعيم. و قال ابن زيد:
الرّيش: الجمال؛ و قال معبد الجهنيّ: الرّيش: الرّزق؛ و قال ابن قتيبة: الرّيش و الرّياش: ما ظهر من اللّباس. و قال الزّجّاج: الرّيش: اللّباس و كلّ ما ستر الإنسان في جسمه و معيشته. يقال: تريّش فلان، أي: صار له ما يعيش به. أنشد سيبويه:
رياشي منكم و هواي معكم
و إن كانت زيارتكم لماما «7»
(571) ضعيف. أخرجه الطبري 14423 عن مجاهد مرسلا، فهو ضعيف. و كرره 14427 عن مجاهد مرسلا بنحوه.
(1) سورة الروم: 19.
(2) سورة الزخرف: 11.
(3) سورة الجاثية: 35.
(4) سورة الروم: 25.
(5) سورة المعارج: 43.
(6) البيت منسوب إلى حميد بن ثور الهلالي ديوانه 14 «اللسان» لبس، طفل. الطفل: البنان الناعم. أراد مسحنه بأطراف بنان طفل. الغيل: الساعد الريان الممتلئ. الموشم: عليه الوشم. و الوشم زينة الجاهلية و قد أبطلها الإسلام.
(7) البيت منسوب إلى جرير، ديوانه 506. اللمام: الشيء اليسير. و هو أيضا الزيادة في النوم و أصله من ألم بالمنزل: إذا نزل به ثم رحل.
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 110
و على قول الأكثرين: الرّيش و الرّياش بمعنى. قال قطرب: الرّيش و الرّياش واحد. و قال سفيان الثّوري: الرّيش: المال، و الرّياش: الثّياب.
قوله تعالى: وَ لِباسُ التَّقْوى قرأ ابن كثير، و أبو عمرو، و عاصم، و حمزة: «و لباس التقوى» بالرّفع. و قرأ ابن عامر، و نافع، و الكسائيّ: بنصب اللّباس. قال الزّجّاج: من نصب اللباس، عطف به على الرّيش؛ و من رفعه، فيجوز أن يكون مبتدأ، و يجوز أن يكون مرفوعا بإضمار: هو؛ المعنى: و هو لباس التّقوى، أي: و ستر العورة لباس المتّقين. و للمفسّرين في لباس التّقوى عشرة أقوال «1» : أحدها:
أنه السّمت الحسن، قاله عثمان بن عفّان؛ و رواه الذّيّال بن عمرو عن ابن عباس. و الثاني: العمل الصّالح، رواه العوفيّ عن ابن عباس. و الثالث: الإيمان، قاله قتادة، و ابن جريج، و السّدّيّ؛ فعلى هذا، سمّي لباس التّقوى، لأنه يقي العذاب. و الرابع: خشية اللّه تعالى، قاله عروة بن الزّبير.
و الخامس: الحياء، قاله معبد الجهنيّ، و ابن الأنباري. و السادس: ستر العورة للصّلاة، قاله ابن زيد.
و السابع: أنه الدّرع، و سائر آلات الحرب، قاله زيد بن عليّ. و الثامن: العفاف، قاله ابن السّائب.
و التاسع: أنه ما يتّقى به الحرّ و البرد، قاله ابن بحر. و العاشر: أنّ المعنى: ما يلبسه المتّقون في الآخرة، خير مما يلبسه أهل الدنيا، رواه عثمان بن عطاء عن أبيه.
قوله تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ قال ابن قتيبة: المعنى: و لباس التّقوى خير من الثياب، لأن الفاجر، و إن كان حسن الثوب، فهو بادي العورة؛ و «ذلك» زائدة. قال الشاعر في هذا المعنى:
إنّي كأنّي أرى من لا حياء له
و لا أمانة وسط القوم عريانا «2»
قال ابن الأنباري: و يقال: لباس التّقوى، هو اللباس الأوّل، و إنما أعاده لمّا أخبر عنه بأنه خير من التّعرّي، إذ كانوا يتعبّدون في الجاهلية بالتّعرّي في الطّواف.
قوله تعالى: ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ قال مقاتل: يعني: الثّياب و المال من آيات اللّه و صنعه، لكي يذّكّروا، فيعتبروا في صنعه.
[سورة الأعراف (7): آية 27]
قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ قال المفسّرون: هذا الخطاب للذين كانوا يطوفون
(1) قال الطبري رحمه اللّه في «تفسيره» 5/ 460: و أولى الأقوال بالصحة في تأويل لِباسُ التَّقْوى استشعار النفوس تقوى اللّه في الانتهاء عما نهى اللّه عنه من معاصيه، و العمل بما أمر به من طاعته، و ذلك يجمع الإيمان و العمل الصالح، و الحياء، و خشية اللّه، و السمت الحسن. لأن من اتقى اللّه كان به مؤمنا، و بما أمره به عاملا، و فيه خائفا، و له مراقبا، و من أن يرى عند ما يكرهه من عباده مستحييا. من كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه، فحسن سمته و هديه، و رئيت عليه بهجة الإيمان و نوره. و إنما قلنا عني ب (لباس التقوى) استشعار النفس و القلب ذلك لأن «اللباس» إنما هو ادراع ما يلبس، و اجتناب ما يكتسي، أو تغطية بدنه أو بعضه به، فكل من ادرع شيئا و اجتابه حتى يرى عينه أو أثره عليه، فهو له «لابس» و لذلك جعل جل ثناؤه الرجال للنساء لباسا، و هن لهن لباسا، و جعل الليل لعباده لباسا. ا. ه.
(2) البيت منسوب إلى سوّار بن المضرب «اللسان» وسط.
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 111
عراة؛ و المعنى: لا يخدعنّكم و لا يضلنّكم بغروره، فيزيّن لكم كشف عوراتكم، كما أخرج أبويكم من الجنّة بغروره. و أضيف الإخراج و نزع اللباس إليه، لأنه السّبب.
و في «لباسهما» أربعة أقوال: أحدها: أنه النّور، رواه أبو صالح عن ابن عباس؛ و قد ذكرناه عن ابن منبّه. و الثاني: أنه كان كالظفر؛ فلمّا أكلا، لم يبق عليهما منه إلّا الظفر، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، و به قال عكرمة، و ابن زيد. و الثالث: أنه التّقوى، قاله مجاهد. و الرابع: أنه كان من ثياب الجنّة، ذكره القاضي أبو يعلى.
قوله تعالى: لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما أي: ليري كلّ واحد منهما سوأة صاحبه. إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ قال مجاهد: قبيله: الجنّ و الشّياطين. قال ابن عباس: جعلهم اللّه تعالى يجرون من بني آدم مجرى الدّم، و صدور بني آدم مساكن لهم، فهم يرون بني آدم، و بنو آدم لا يرونهم.
قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ قال الزّجّاج: سلّطناهم عليهم، يزيدون في غيّهم. و قال أبو سليمان: جعلناهم موالين لهم.
[سورة الأعراف (7): آية 28]
قوله تعالى: وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً فيمن عنى بهذه الآية ثلاثة أقوال:
(572) أحدها: أنهم الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة. و الفاحشة: كشف العورة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، و به قال مجاهد، و زيد بن أسلم، و السّدّيّ.
(573) و الثاني: أنهم الذين جعلوا السّائبة و الوصيلة و الحام، و تلك الفاحشة، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس.
و الثالث: أنهم المشركون؛ و الفاحشة: الشّرك، قاله الحسن، و عطاء.
قال الزّجّاج: فأعلمهم عزّ و جلّ أنه لا يأمر بالفحشاء، لأنّ حكمته تدل على أنه لا يفعل إلّا المستحسن. و القسط: العدل. و العدل: ما استقرّ في النّفوس أنه مستقيم لا ينكره مميّز، فكيف يأمر بالفحشاء، و هي ما عظم قبحه؟!
[سورة الأعراف (7): آية 29]
(572) روي من وجوه لا تصح و الصحيح في هذه الآية العموم في كل فاحشة. أخرجه الطبري 14472 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، و فيه عطاء بن السائب، و قد اختلط. و كرره 11468 و 11469 عن مجاهد مرسلا، و المرسل من قسم الضعيف. و كرره 1447 عن سعيد بن جبير و الشعبي، و فيه عطاء بن السائب غير قوي، و عنه عمران بن عيينة لين الحديث.
(573) عزاه المصنف لابن عباس من طريق أبي صالح، و راوية أبي صالح هو الكلبي، و هذه رواية واهية ليست بشيء.
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 112
قوله تعالى: وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فيه أربعة أقوال: أحدها: إذا حضرت الصّلاة و أنتم عند مسجد، فصلّوا فيه، و لا يقولنّ أحدكم: أصلّي في مسجدي، قاله ابن عباس، و الضّحّاك، و اختاره ابن قتيبة. و الثاني: توجّهوا حيث كنتم في الصّلاة إلى الكعبة، قاله مجاهد، و السّدّيّ، و ابن زيد. الثالث: اجعلوا سجودكم خالصا للّه تعالى دون غيره، قاله الرّبيع بن أنس. و الرابع: اقصدوا المسجد في وقت كلّ صلاة، أمرا بالجماعة لها، ذكره الماوردي. و في قوله: وَ ادْعُوهُ قولان:
أحدهما: أنه العبادة. و الثاني: الدّعاء. و في قوله تعالى: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ قولان: أحدهما:
مفردين له العبادة. و الثاني: موحّدين غير مشركين. و في قوله: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ثلاثة أقوال:
أحدها: كما بدأكم سعداء و أشقياء، كذلك تبعثون، روي هذا المعنى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، و به قال مجاهد، و القرظيّ، و السّدّيّ، و مقاتل، و الفرّاء. و الثاني: كما خلقتم بقدرته كذلك يعيدكم، روي هذا المعنى العوفيّ عن ابن عباس، و به قال الحسن و ابن زيد و الزّجّاج، و قال: هذا الكلام متّصل بقوله: فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ «1» . و الثالث: كما بدأكم لا تملكون شيئا، كذلك تعودون، ذكره الماوردي.
[سورة الأعراف (7): آية 30]
قوله تعالى: فَرِيقاً هَدى قال الفرّاء: نصب الفريق ب «تعودون». و قال ابن الأنباري: نصب «فريقا» «و فريقا» على الحال من الضّمير الذي في «تعودون»، يريد: تعودون كما ابتدأ خلقكم مختلفين، بعضكم سعداء، و بعضكم أشقياء.
قوله تعالى: حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ أي: بالكلمة القديمة، و الإرادة السّابقة.
[سورة الأعراف (7): آية 31]
قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ .
(574) سبب نزولها: أنّ ناسا من الأعراب كانوا يطوفون بالبيت عراة، الرّجال بالنّهار، و النّساء بالليل، و كانت المرأة تعلّق على فرجها سيورا، و تقول:
(574) موقوف. أخرجه مسلم 3028 و النسائي في «التفسير» 202 و «المجتبى» 2956 و الطبري 14509 و 14510 و 14512 من طرق عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن مسلم بن عمران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
قلت: و لهذا الخبر ثلاث علل: الأولى: الإرسال، فقد أخرجه الطبري 14527 من طريق سويد و أبي أسامة عن حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير مرسلا، ليس فيه ذكر ابن عباس، و هذا الإسناد أصح، أيوب هو السختياني أثبت و أحفظ من مسلم البطين، ثم ذكر المرأة لا يصح لأنه يعم كل امرأة تطوف عريانة، و تقول هذا الشعر، و هذا باطل، هناك من النساء من يأبى ذلك، و هناك نساء أخر، لا يعرفن هذا الشعر، فهذه علة ثانية. و الصواب ما في مرسل سعيد بن جبير كانوا يطوفون بالبيت عراة فطافت امرأة بالبيت و هي عريانة
(1) سورة الأعراف: 25.
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 113
اليوم يبدو بعضه أو كلّه
و ما بدا منه فلا أحلّه
فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس.
(575) و قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن: كانوا إذا حجّوا، فأفاضوا من منى، لا يصلح لأحد منهم في دينه الذي اشترعوا أن يطوف في ثوبيه، فيلقيهما حتى يقضي طوافه، فنزلت هذه الآية.
(576) و قال الزّهريّ: كانت العرب تطوف بالبيت عراة، إلّا الحمس «1» قريش و أحلافها، فمن جاء من غيرهم، وضع ثيابه و طاف في ثوبي أحمس، فإن لم يجد من يعيره من الحمس، ألقى ثيابه و طاف عريانا، فإن طاف في ثياب نفسه، جعلها حراما عليه إذا قضى الطّواف، فلذلك جاءت هذه الآية.
و في هذه الزّينة قولان: أحدهما: الثياب. ثمّ فيه ثلاثة أقوال «2» : أحدها: أنه ورد في ستر العورة في الطّواف، قاله ابن عباس، و الحسن في جماعة. و الثاني: أنه ورد في ستر العورة في الصّلاة، قاله فقالت ..» فهذا هو الصواب، أن امرأة واحدة هي التي قالت هذا الشعر. العلة الثالثة: قوله «فتقول من يعيرني تطوافا، تجعله على فرجها» و هذا غريب، و باقي الروايات عن ابن عباس و عطاء و إبراهيم و غيرهم لا تذكر ذلك، و إنما فيها: و كانوا يطوفون بالبيت عراة، فنهوا عن ذلك، و لا يعني من لفظ «عراة» أنها ليس على فرجها شيء. و يؤيد ذلك ما في الطبري 14512 عن وهب بن جرير حيث قال في روايته «كانت المرأة تطوف بالبيت، و قد أخرجت صدرها و ما هنالك، و إن ثبت أنهن عراة ليس عليهن شيء فهو محمول على إحدى روايات الطبري، و هي برقم 14510 عن ابن عباس: كانوا يطوفون عراة، الرجال بالنهار، و النساء بالليل، فتنبه، و اللّه أعلم. انظر «أحكام القرآن» 891 بتخريجنا.
(575) مرسل. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» 453 عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مرسلا.
(576) مرسل، أخرجه الطبري 14530 عن الزهري مرسلا. و أخرجه البخاري 1665 و مسلم 1219/ 152 من حديث عروة. و لفظه عند البخاري: كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحمس و الحمس قريش و ما ولدت و كان الحمس يحتسبون على الناس، يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها و تعطي المرأة المرأة الثياب تطوف فيها فمن لم يعطه الحمس طاف بالبيت عريانا. و كان يفيض جماعة الناس من عرفات و تفيض الحمس من جمع.
(1) الحمس: قريش، لأنهم كانوا يتشددون في دينهم. و قيل: قريش و من ولدت قريش و كنانة و جديلة قيس و هم فهم و عدوان ابنا عمرو بن قيس عيلان و بنو عامر بن صعصعة. و كانت الحمس سكان الحرم و كانوا لا يخرجون أيام الموسم إلى عرفات و إنما يقفون بالمزدلفة و يقولون: نحن أهل اللّه و لا نخرج من الحرم.
و صارت بنو عامر من الحمس و ليسوا من ساكني الحرم لأن أمهم قرشية «اللسان» حمس.
(2) قال الإمام القرطبي رحمه اللّه في «تفسيره» 7/ 190: دلت الآية على وجوب ستر العورة، و ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها فرض من فروض الصلاة، و على الإنسان أن يسترها عن أعين الناس في الصلاة و غيرها، و هو الصحيح لقول النبي صلّى اللّه عليه و سلم للمسور بن مخرمة: «ارجع إلى ثوبك فخذه و لا تمشوا عراة» أخرجه مسلم. و ذهب إسماعيل القاضي إلى أن سترها في الصلاة سنة و احتج بأنه لو كان فرضا في الصلاة لكان العريان لا يجوز له أن يصلي. و ليس كذلك. قال ابن العربي: و إذا قلنا إن ستر العورة فرض في الصلاة فسقط ثوب إمام فانكشف دبره، و هو راكع، فرفع رأسه فغطاه أجزأه، قاله ابن القاسم. و قال سحنون: و كل من نظر إليه من المأمومين أعاد. و روي عن سحنون: أنه يعيد و يعيدون، لأن ستر العورة شرط من شروط الصلاة، فإذا ظهرت بطلت الصلاة اه ملخصا. و انظر «المدونة» 1/ 94- 95 و «مقدمات ابن رشد» 1/ 110.
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 114
مجاهد، و الزّجّاج. و الثالث: أنه ورد في التّزيّن بأجمل الثّياب في الجمع و الأعياد، ذكره الماوردي.
و الثاني: أنّ المراد بالزّينة: المشط، قاله أبو رزين.
قوله تعالى: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا قال ابن السّائب: كان أهل الجاهلية لا يأكلون في أيام حجّهم دسما، و لا ينالون من الطعام إلّا قوتا، تعظيما لحجّتهم، فنزل قوله: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا . و في قوله:
وَ لا تُسْرِفُوا أربعة أقوال «1» : أحدها: لا تسرفوا بتحريم ما أحلّ لكم، قاله ابن عباس. و الثاني: لا تأكلوا حراما، فذلك الإسراف، قاله ابن زيد. و الثالث: لا تشركوا، فمعنى الإسراف ها هنا: الإشراك، قاله مقاتل. و الرابع: لا تأكلوا من الحلال فوق الحاجة، قاله الزّجّاج.
(577) و نقل أنّ الرّشيد كان له طبيب نصرانيّ حاذق، فقال لعليّ بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطّب شيء، فقال عليّ: قد جمع اللّه تعالى الطّبّ في نصف آية من كتابنا. قال: ما هي؟ قال: قوله تعالى: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا . قال النّصرانيّ: و لا يؤثر عن نبيّكم شيء من الطب، فقال: قد جمع رسولنا علم الطّب في ألفاظ يسيرة. قال: و ما هي؟ قال: «المعدة بيت الدّاء، و الحمية رأس الدّواء، و عوّدوا كلّ بدن ما اعتاد». فقال النّصرانيّ: ما ترك كتابكم و لا نبيّكم لجالينوس طبّا.
قال المصنّف: هكذا نقلت هذه الحكاية، إلّا أنّ هذا الحديث المذكور فيها عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم لا يثبت. و قد جاءت عنه في الطّبّ أحاديث قد ذكرتها في كتاب: «لقط المنافع في الطّب».
[سورة الأعراف (7): آية 32]
قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ في سبب نزولها ثلاثة أقوال: أحدها: أن المشركين عيّروا المسلمين، إذ لبسوا الثياب في الطّواف، و أكلوا الطّيبات، فنزلت، رواه أبو صالح عن ابن عباس «2» .
و الثاني: أنهم كانوا يحرّمون أشياء أحلّها اللّه من الزّروع و غيرها، فنزلت هذه الآية، رواه ابن أبي طلحة (577) لا أصل له. قال الحافظ في «تخريج الكشاف» 2/ 100: لم أجد لها- أي حكاية الرشيد- إسنادا و المرفوع منه، قال عنه الحافظ 2/ 100 لم أجده. قلت: أخرجه أبو محمد الخلال كما في «الدر» 3/ 150 عن عائشة:
أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم دخل عليها و هي تشتكي فقال لها: الأزم دواء و المعدة بيت الأدواء و عودوا بدنا ما اعتاده». و لا يصح إسناده فقد نقل السخاوي في «المقاصد» 1035 عن الدارقطني قوله: رواه أبو قرة الرهاوي عن الزهري عن عائشة، و لا يصح، و لا يعرف هذا من كلام النبي صلّى اللّه عليه و سلم، إنما هو من كلام عبد الملك بن سعيد بن أنجر.
و قال العراقي في «تخريج الإحياء» 3/ 87: لم أجد له أصلا. و قال السخاوي 1035: لا يصح رفعه إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم، بل هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، أو غيره.
(1) قال الطبري رحمه اللّه في «تفسيره» 5/ 472 الآية لا تُسْرِفُوا . و قوله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ يقول: إن اللّه لا يحب المتعدي حده في حلال أو حرام: الغالين فيما أحل اللّه أو حرم، بإحلال الحرام و بتحريم الحلال، و لكنه يحب أن يحلل ما أحل اللّه و يحرم ما حرم اللّه. و ذلك العدل الذي أمر به. ا. ه.
(2) عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس و هي رواية ساقطة.
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 115
عن ابن عباس «1» . و الثالث: نزلت في طوافهم بالبيت عراة، قاله طاوس و عطاء.
و في زينة اللّه قولان: أحدهما: أنها ستر العورة؛ فالمعنى: من حرّم أن تلبسوا في طوافكم ما يستركم؟ و الثاني: أنها زينة اللّباس. و في الطّيّبات قولان: أحدهما: أنها الحلال. و الثاني: المستلذّ. ثمّ في ما عني بها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها البحائر، و السّوائب، و الوصائل، و الحوامي التي حرّموها، قاله ابن عباس، و قتادة. و الثاني: أنها السّمن، و الألبان، و اللحم، و كانوا حرّموه في الإحرام، قاله ابن زيد.
و الثالث: الحرث، و الأنعام، و الألبان، قاله مقاتل.
قوله تعالى: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً قال ابن الأنباري: «خالصة» نصب على الحال من لام مضمرة، تقديرها: هي للذين آمنوا في الحياة الدّنيا مشتركة، و هي لهم في الآخرة خالصة، فحذفت اللام لوضوح معناها، كما تحذف العرب أشياء لا يلبس سقوطها. قال الشاعر:
تقول ابنتي لمّا رأتني شاحبا
كأنّك يحميك الطّعام طبيب
تتابع أحداث تخرّمن إخوتي
فشيّبن رأسي، و الخطوب تشيب
أراد: فقلت لها: الذي أكسبني ما ترين، تتابع أحداث، فحذف لانكشاف المعنى: قال المفسّرون: إنّ المشركين شاركوا المؤمنين في الطّيبات، فأكلوا و لبسوا و نكحوا، ثم يخلص اللّه الطيبات في الآخرة للمؤمنين، و ليس للمشركين منها شيء. و قيل: خالصة لهم من ضرر أو إثم. و قرأ نافع:
«خالصة» بالرّفع. قال الزّجّاج: و رفعها على أنه خبر بعد خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب؛ و المعنى:
قل هي ثابتة للذين آمنوا في الدنيا، خالصة يوم القيامة.
قوله تعالى: كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ أي: هكذا نبّينها.
[سورة الأعراف (7): آية 33]
قوله تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ قرأ حمزة: «ربي» بإسكان الياء. ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ فيه ستة أقوال: أحدها: أنّ المراد بها الزّنا، ما ظهر منه: علانيته، و ما بطن: سرّه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، و به قال سعيد بن جبير. و الثاني: أنّ ما ظهر: نكاح الأمّهات، و ما بطن: الزّنا، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، و به قال عليّ بن الحسين. و الثالث: أنّ ما ظهر: نكاح الأبناء نساء الآباء، و الجمع بين الأختين، و أن تنكح المرأة على عمّتها أو خالتها، و ما بطن: الزّنا، روي عن ابن عباس أيضا. و الرابع: أنّ ما ظهر: الزّنا، و ما بطن: العزل، قاله شريح. و الخامس: أنّ ما ظهر: طواف الجاهلية عراة، و ما بطن: الزّنا، قاله مجاهد. و السادس: أنه عامّ في جميع المعاصي. ثمّ في «ما ظهر منها و ما بطن» قولان: أحدهما: أنّ الظّاهر: العلانية، و الباطن: السّرّ، قاله أبو سليمان الدّمشقي.
و الثاني: أنّ ما ظهر: أفعال الجوارح، و الباطن: اعتقاد القلوب، قاله الماوردي. و في الإثم ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الذّنب الذي لا يوجب الحدّ، قاله ابن عباس و الضّحّاك، و الفرّاء. و الثاني: المعاصي