کتابخانه تفاسیر
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 495
قوله تعالى: وَ حُسْنُ مَآبٍ المآب: المرجع و المنقلب.
[سورة الرعد (13): آية 30]
قوله تعالى: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ أي: كما أرسلنا الأنبياء قبلك.
قوله تعالى: وَ هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
(829) أحدها: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم لمّا قال لكفّار قريش: اسجدوا للرّحمن، قالوا: و ما الرّحمن؟
فنزلت هذه الآية، و قيل لهم: إنّ الرحمن الذي أنكرتم هو ربّي، هذا قول الضّحّاك عن ابن عباس.
(830) و الثاني: أنهم لمّا أرادوا كتاب الصّلح يوم الحديبية، كتب عليّ عليه السلام: بسم الله الرّحمن الرّحيم، فقال سهيل بن عمرو: ما نعرف الرّحمن إلّا مسيلمة، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة، و ابن جريج، و مقاتل.
(831) و الثالث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كان يوما في الحجر يدعو، و أبو جهل يستمع إليه و هو يقول:
يا رحمن، فولّى مدبرا إلى المشركين فقال: إنّ محمّدا كان ينهانا عن عبادة الآلهة و هو يدعو إلهين! فنزلت هذه الآية، ذكره عليّ بن أحمد النّيسابوري.
قوله تعالى: وَ إِلَيْهِ مَتابِ قال أبو عبيدة: هو مصدر تبت إليه.
[سورة الرعد (13): الآيات 31 الى 32]
قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ .
(832) سبب نزولها أنّ مشركي قريش قالوا للنبيّ صلّى اللّه عليه و سلم: لو وسّعت لنا أودية مكّة بالقرآن، و سيّرت (829) لا أصل له، عزاه المصنف للضحاك عن ابن عباس، و الضحاك لم يلق ابن عباس، و راوية الضحاك هو جويبر بن سعيد ذاك المتروك، فقد روى عن الضحاك تفسيرا مصنوعا عن ابن عباس.
- و ذكره الواحدي في «الأسباب» 549 و عزاه للضحاك عن ابن عباس.
(830) لم أقف عليه مسندا بهذا اللفظ، و هو باطل لا أصل له. و ذكره الواحدي 548 بقوله: قال المفسرون ... فهذا بدون إسناد كما ترى، أي لا أصل له، و الأشبه كونه كلام مقاتل، و هو ابن سليمان، و هو ممن يضع الحديث.
و تفرّد بذكر نزول الآية مع لفظ «إلا مسيلمة». و أخرجه الطبري 20396 عن قتادة مرسلا، دون ذكر نزول الآية، و دون استثناء مسيلمة. و كذا أخرجه 20397 عن ابن جريج عن مجاهد مرسلا أيضا هكذا. و أصل حديث الحديبية متفق عليه. دون ذكر نزول الآية و استثناء مسيلمة. و سيأتي في سورة الفتح.
(831) لم أقف عليه، و عزاه المصنف للمفسر النيسابوري، و هو يذكر ما لا أصل له. و قد ورد شيء من هذا في أواخر سورة الإسراء، و سيأتي.
(832) حسن. أخرجه الطبري 20398 من رواية عطية العوفي عن ابن عباس، و عطية العوفي روى مناكير كثيرة، و هو
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 496
جبالها فاحترثناها، و أحييت من مات منّا، فنزلت هذه الآية، رواه العوفيّ عن ابن عباس.
(833) و قال الزّبير بن العوّام: قالت قريش لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: ادع الله أن يسيّر عنّا هذه الجبال و يفجّر لنا الأرض أنهارا فنزرع، أو يحيي لنا موتانا فنكلّمهم، أو يصيّر هذه الصخرة ذهبا فتغنينا عن رحلة الشتاء و الصيف فقد كان للأنبياء آيات، فنزلت هذه الآية، و نزل قوله: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ «1» . و معنى قوله: أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أي: شقّقت فجعلت أنهارا، أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى أي: أحيوا حتى كلّموا.
و اختلفوا في جواب «لو» على قولين: أحدهما: أنه محذوف. و في تقدير الكلام قولان:
أحدهما: أنّ تقديره: لكان هذا القرآن، ذكره الفرّاء، و ابن قتيبة. قال قتادة: لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم لفعل بقرآنكم. و الثاني: أنّ تقديره: لو كان هذا كلّه لما آمنوا. و دليله قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ «2» ، قاله الزّجّاج. و الثاني: أن جواب «لو» مقدّم، و المعنى: و هم يكافرون بالرحمن، و لو أنزلنا عليهم ما سألوا، ذكره الفراء أيضا.
قوله تعالى: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أي: لو شاء أن يؤمنوا لآمنوا، و إذا لم يشأ، لم ينفع ما اقترحوا من الآيات. ثم أكّد ذلك بقوله: أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا و فيه أربعة أقوال:
أحدها: أ فلم يتبيّن، رواه العوفيّ عن ابن عباس، و روى عنه عكرمة أنه كان يقرؤها كذلك، و يقول: أظنّ الكاتب كتبها و هو ناعس، و هذا قول مجاهد، و عكرمة، و أبي مالك، و مقاتل.
و الثاني: أ فلم يعلم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، و به قال الحسن، و قتادة، و ابن زيد.
و قال ابن قتيبة: و يقال: هي لغة للنّخع «ييأس» بمعنى «يعلم»، قال الشاعر:
أقول لهم بالشّعب إذ يأسرونني
ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم «3»
و إنما وقع اليأس في مكان العلم، لأنّ في علمك الشيء و تيقّنك به يأسك من غيره.
و الثالث: أنّ المعنى: قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا واحدا، و لو شاء الله لهدى الناس جميعا، قاله أبو العالية. و الرابع: أ فلم ييأس الذين آمنوا أن يؤمن هؤلاء المشركون، قاله الكسائيّ. و قال ضعيف، و أخرجه الطبراني 12617 من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس، و قابوس ضعيف.
و أخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» 2/ 635 من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري. و له شاهد من مرسل قتادة، أخرجه الطبري 20403 و 20404. و له شاهد من مرسل الضحاك، أخرجه الطبري 20405. و له شاهد من مرسل ابن زيد، أخرجه الطبري 20406. و يشهد له ما بعده، فهذه الروايات تتأيد بمجموعها، فهو حسن إن شاء اللّه.
(833) حسن. أخرجه أبو يعلى 679، و الواحدي في «أسباب النزول» 550 من حديث الزبير. و إسناده ضعيف فيه عبد الجبار بن عمر الأيلي عن عبد الله بن عطاء، و كلاهما ضعيف، لكن يشهد له ما قبله.
(1) سورة الإسراء: 59.
(2) سورة الأنعام: 111.
(3) ذكره ابن منظور في «اللسان»، مادة «يئس»، و نسبه إلى سحيم بن وثيل اليربوعي. و زهدم فرس سحيم.
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 497
الزّجّاج: المعنى عندي: أ فلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون، لأنه لو شاء لهدى الناس جميعا.
قوله تعالى: وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فيهم قولان: أحدهما: أنهم جميع الكفّار، قاله ابن السّائب. و الثاني: كفار مكّة، قاله مقاتل. فأمّا القارعة، فقال الزّجّاج: هي في اللغة: النّازلة الشديدة تنزل بأمر عظيم. و في المراد بها ها هنا قولان: أحدهما: أنها عذاب من السماء، رواه العوفيّ عن ابن عباس. و الثاني: السّرايا و الطّلائع التي كان ينفذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، قاله عكرمة «1» . و في قوله: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ قولان: أحدهما: أنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فالمعنى: أو تحلّ أنت يا محمّد، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، و به قال مجاهد، و عكرمة، و قتادة. و الثاني: أنها القارعة، قاله الحسن.
و في قوله: حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ قولان: أحدهما: فتح مكّة، قاله ابن عباس، و مقاتل. و الثاني: القيامة، قاله الحسن.
[سورة الرعد (13): آية 33]
قوله تعالى: أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ يعني: نفسه عزّ و جلّ. و معنى القيام ها هنا:
التّولّي لأمور خلقه، و التّدبير لأرزاقهم و آجالهم، و إحصاء أعمالهم للجزاء، و المعنى: أ فمن هو مجازي كلّ نفس بما كسبت، يثيبها إذا أحسنت، و يأخذها بما جنت، كمن ليس بهذه الصّفة من الأصنام؟ قال الفرّاء: فترك جوابه، لأنّ المعنى معلوم، و قد بيّنه بعد هذا بقوله: وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ كأنه قيل:
كشركائهم. قوله تعالى: قُلْ سَمُّوهُمْ أي: بما يستحقّونه من الصّفات و إضافة الأفعال إليهم إن كانوا شركاء للّه كما يسمّى اللّه بالخالق، و الرّزاق، و المحيي، و المميت، و لو سمّوهم بشيء من هذا لكذبوا.
قوله تعالى: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ هذا استفهام منقطع ممّا قبله، و المعنى: فإن سمّوهم بصفات اللّه، فقل لهم: أ تنبئونه، أي: أ تخبرونه بشريك له في الأرض و هو لا يعلم لنفسه شريكا، و لو كان لعلمه؟
قوله تعالى: أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أم بظنّ من القول، قاله مجاهد.
و الثاني: بباطل، قاله قتادة. و الثالث: بكلام لا أصل له و لا حقيقة. قوله تعالى: بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ قال ابن عباس: زيّن لهم الشيطان الكفر. قوله تعالى: وَ صُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ قرأ ابن كثير، و نافع، و أبو عمرو، و ابن عامر: «و صدّوا» بفتح الصّاد، و مثله في (حم المؤمن). و قرأ عاصم، و حمزة، و الكسائيّ: «و صدّوا» بالضمّ فيهما. فمن فتح، أراد: صدّوا المسلمين، إمّا عن الإيمان، أو عن البيت الحرام. و من ضمّ، أراد: صدّهم الله عن سبيل الهدى.
[سورة الرعد (13): آية 34]
(1) قال الطبري رحمه اللّه 7/ 389: القارعة هي: ما يقرعهم من البلاء و العذاب و النّقم، بالقتل أحيانا، و بالحروب أحيانا، و القحط أحيانا.
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 498
قوله تعالى: لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و هو القتل، و الأسر، و السّقم، فهو لهم في الدنيا عذاب، و للمؤمنين كفّارة، وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ أي: أشدّ وَ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ أي: مانع يقيهم عذابه.
[سورة الرعد (13): آية 35]
قوله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ أي: صفتها أنّ الأنهار تجري من تحتها، هذا قول الجمهور. و قال ثعلب: خبر المثل مضمر قبله، و المعنى: فيما نصف لكم مثل الجنّة، و فيما نقصّه عليكم خبر الجنّة أُكُلُها دائِمٌ قال الحسن: يريد أنّ ثمارها لا تنقطع كثمار الدنيا وَ ظِلُّها لأنه لا يزول و لا تنسخه الشّمس.
قوله تعالى: تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا أي: عاقبة أمرهم المصير إليها.
[سورة الرعد (13): آية 36]
قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم مسلمو اليهود، قاله أبو صالح عن ابن عباس. و قال مقاتل: هم عبد الله بن سلام و أصحابه. و الثاني: أنهم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، قاله قتادة. و الثالث: مؤمنو أهل الكتابين من اليهود و النّصارى، ذكره الماوردي. و الذي أنزل إليه: القرآن، فرح به المسلمون و صدّقوه، و فرح به مؤمنو أهل الكتاب، لأنه صدّق ما عندهم.
و قيل: إنّ عبد الله بن سلام و من آمن معه من أهل الكتاب، ساءهم قلّة ذكر الرّحمن في القرآن مع كثرة ذكره في التّوراة، فلمّا نزل ذكره فرحوا، و كفر المشركون به، فنزلت هذه الآية.
فأمّا الأحزاب، فهم الكفّار الذين تحزّبوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالمعاداة، و فيهم أربعة أقوال «1» :
أحدها: أنهم اليهود و النّصارى، قاله قتادة. و الثاني: أنهم اليهود و النّصارى و المجوس، قاله ابن زيد.
و الثالث: بنو أميّة و بنو المغيرة و آل أبي طلحة بن عبد العزّى، قاله مقاتل. و الرابع: كفّار قريش، ذكره الماوردي. و في بعضه الذي أنكروه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ذكر الرّحمن و البعث و محمّد صلّى اللّه عليه و سلم، قاله مقاتل. و الثاني: أنهم عرفوا بعثة الرّسول في كتبهم و أنكروا نبوّته. و الثالث: أنهم عرفوا صدقه، و أنكروا تصديقه، ذكرهما الماوردي.
(1) قال الحافظ ابن كثير رحمه اللّه 2/ 639: و قوله وَ مِنَ الْأَحْزابِ أي: و من الطوائف من يكذب ببعض ما أنزل إليك. و قال مجاهد: وَ مِنَ الْأَحْزابِ اليهود و النصارى من ينكر بعض ما جاءك من الحق. و كذا قال قتادة و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. و هذا كما قال تعالى: وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ .
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 499
[سورة الرعد (13): آية 37]
قوله تعالى: وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ أي: و كما أنزلنا الكتاب على الأنبياء بلغاتهم، أنزلنا عليك القرآن حُكْماً عَرَبِيًّا قال ابن عباس: يريد ما فيه من الفرائض. و قال أبو عبيدة: دينا عربيّا.
قوله تعالى: وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ فيه قولان: أحدهما: في صلاتك إلى بيت المقدس بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أنّ قبلتك الكعبة، قاله ابن السّائب. و الثاني: في قبول ما دعوك إليه من ملّة آبائك، قاله مقاتل. قوله تعالى: ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍ أي: ما لك من عذاب اللّه من قريب ينفعك وَ لا واقٍ يقيك.
[سورة الرعد (13): آية 38]
قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ الآية.
(834) سبب نزولها أنّ اليهود عيّروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بكثرة التّزويج، و قالوا: لو كان نبيّا كما يزعم، شغلته النبوّة عن تزويج النّساء، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
و معنى الآية: أنّ الرّسل قبلك كانوا بشرا لهم أزواج، يعني النّساء، و ذريّة، يعني الأولاد. وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بأمره، و هذا جواب للذين اقترحوا عليه الآيات.
قوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: لكلّ أجل من آجال الخلق كتاب عند اللّه، قاله الحسن. و الثاني: أنه من المقدّم و المؤخّر، و المعنى: لكلّ كتاب ينزل من السماء أجل، قاله الضّحّاك و الفرّاء. و الثالث: لكلّ أجل قدّره اللّه عزّ و جلّ و لكلّ أمر قضاه كتاب أثبت فيه و لا تكون آية و لا غيرها إلّا بأجل قد قضاه اللّه في كتاب، هذا معنى قول ابن جرير.
[سورة الرعد (13): آية 39]
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (39)
قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ قرأ ابن كثير، و أبو عمرو، و عاصم: «و يثبت» ساكنة الثاء خفيفة الباء. و قرأ ابن عامر: و حمزة، و الكسائيّ: «و يثبّت» مشددة الباء مفتوحة الثاء. قال أبو عليّ: المعنى: و يثبّته، فاستغنى بتعدية الأول من الفعلين عن تعدية الثاني.
و اختلف المفسّرون في المراد بالذي يمحو و يثبت على ثمانية أقوال «1» : أحدها: أنه عامّ، في (834) لا أصل له. عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس، و راوية أبي صالح هو الكلبي و تقدم مرارا، أنهما رويا عن ابن عباس تفسيرا موضوعا. و ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 551 عن الكلبي.
(1) قال الإمام الطبري رحمه اللّه 7/ 403: و أولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بتأويل الآية و أشبهها بالصواب، القول الذي ذكرناه عن الحسن و مجاهد، و ذلك أن اللّه تعالى ذكره توعّد المشركين الذين سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الآيات بالعقوبة، و تهددهم بها، و قال لهم: وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ، يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مثبتا في كتاب، هم مؤخّرون إلى وقت مجيء ذلك الأجل، ثم قال لهم:
فإذا جاء ذلك الأجل، يجيء اللّه بما شاء ممن قد دنا أجله و انقطع رزقه، أو حان هلاكه أو اتضاعه من رفعة أو هلاك مال، فيقضي ذلك في خلقه، فذلك محوه، و يثبت ما شاء ممن بقي أجله و رزقه و أكله فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه.
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 500
الرّزق، و الأجل، و السعادة. و الشّقاوة، و هذا مذهب عمر، و ابن مسعود، و أبي وائل، و الضّحّاك، و ابن جريج. و الثاني: أنه النّاسخ و المنسوخ، فيمحو المنسوخ، و يثبت النّاسخ، روى هذا المعنى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، و به قال سعيد بن جبير، و قتادة، و القرظيّ، و ابن زيد. و قال ابن قتيبة: «يمحو الله ما يشاء» أي: ينسخ من القرآن ما يشاء «و يثبت» أي: يدعه ثابتا لا ينسخه، و هو المحكم. و الثالث:
أنه يمحو ما يشاء، و يثبت، إلّا الشّقاوة و السّعادة، و الحياة و الموت، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، و دليل هذا القول ما روى مسلم في (صحيحه) من حديث حذيفة بن أسيد قال:
(835) سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «إذا مضت على النّطفة خمس و أربعون ليلة، يقول الملك الموكّل: أذكر أم أنثى؟ فيقضي اللّه عزّ و جلّ، و يكتب الملك، فيقول: أ شقيّ، أم سعيد؟ فيقضي اللّه، و يكتب الملك، فيقول: عمله و أجله؟ فيقضي اللّه، و يكتب الملك، ثم تطوى الصّحيفة، فلا يزاد فيها و لا ينقص منها».
و الرابع: يمحو ما يشاء و يثبت، إلّا الشقاوة و السعادة لا يغيّران، قاله مجاهد. و الخامس: يمحو من جاء أجله، و يثبت من لم يجئ أجله، قاله الحسن. و السادس: يمحو من ذنوب عباده ما يشاء فيغفرها، و يثبت ما يشاء فلا يغفرها، روي عن سعيد بن جبير. و السابع: يمحو ما يشاء بالتّوبة، و يثبت مكانها حسنات، قاله عكرمة. و الثامن: يمحو من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب و لا عقاب، و يثبت ما فيه ثواب و عقاب، قاله الضّحّاك، و أبو صالح. و قال ابن السّائب: القول كلّه يكتب، حتى إذا كان في يوم الخميس، طرح منه كلّ شيء ليس فيه ثواب و لا عقاب، مثل قولك: أكلت، شربت، دخلت، خرجت، و نحوه، و هو صادق، و يثبت ما فيه الثواب و العقاب.
قوله تعالى: وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ قال الزّجّاج: أصل الكتاب. قال المفسّرون: و هو اللوح (835) صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه 2645، و الآجري في «الشريعة» ص 183- 184، و اللالكائي في «أصول الاعتقاد» 1047 من طريقين عن ابن جريج عن أبي الزبير به. و أخرجه الحميدي 826، و أحمد 4/ 6- 7، و الآجري ص 182- 183، و اللالكائي 1045، 1046، و ابن أبي عاصم في «السنة» 177 و 179 و 180، و الطبراني 3036 و 3043 و 3045 من طرق عن عامر بن واثلة به. و اللفظ عند مسلم: عن عامر بن واثلة أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقيّ من شقي في بطن أمه، و السعيد من وعظ بغيره. فأتى رجلا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقال له حذيفة بن أسيد الغفاري، فحدثه بذلك من قول ابن مسعود فقال: و كيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «إذا مر بالنطفة ثنتان و أربعون ليلة، بعث اللّه إليها ملكا. فصوّرها و خلق سمعها و بصرها و جلدها و لحمها و عظامها ثم قال: يا رب! أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء. و يكتب الملك. ثم يقول: يا رب! أجله. فيقول ربك ما شاء و يكتب الملك. ثم يقول: يا رب! رزقه. فيقضي ربك ما شاء و يكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده. فلا يزيد على ما أمر و لا ينقص».
زاد المسير فى علم التفسير، ج2، ص: 501
المحفوظ الذي أثبت فيه ما يكون و يحدث. و روى أبو الدّرداء عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال:
(836) «إنّ اللّه تعالى في ثلاث ساعات يبقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء و يثبت». و روى عكرمة عن ابن عباس قال: هما كتابان، كتاب سوى أمّ الكتاب يمحو منه ما يشاء و يثبت، و عنده أمّ الكتاب لا يغيّر منه شيء.
[سورة الرعد (13): آية 40]
قوله تعالى: وَ إِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أي: من العذاب و أنت حيّ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل أن نريك ذلك، فليس عليك إلّا أن تبلّغ، وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ قال مقاتل: يعني الجزاء. و روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أنّ قوله: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ نسخ بآية السّيف و فرض الجهاد، و به قال قتادة.
[سورة الرعد (13): آية 41]
قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها فيه خمسة أقوال «1» :
أحدها: أنه ما يفتح اللّه على نبيّه من الأرض، رواه العوفيّ عن ابن عباس، و به قال الحسن، و الضّحّاك. قال مقاتل: (أو لم يروا) يعني: كفّار مكّة (أنّا نأتي الأرض) يعني: أرض مكّة «ننقصها من أطرافها» يعني: ما حولها. و الثاني: أنها القرية تخرب حتى تبقى الأبيات في ناحيتها، رواه عكرمة عن ابن عباس، و به قال عكرمة. و الثالث: أنه نقص أهلها و بركتها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
و قال الشّعبيّ: نقص الأنفس و الثّمرات. و الرابع: أنه ذهاب فقهائها و خيار أهلها، رواه عطاء عن ابن عباس. و الخامس: أنه موت أهلها، قاله مجاهد، و عطاء، و قتادة.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ قال ابن قتيبة: لا يتعقّبه أحد بتغيير و لا نقص. و قد شرحنا معنى سرعة الحساب في سورة (البقرة) «2» .
(836) ضعيف جدا. أخرجه الطبري 20502 و 20503 و البزار 3516 «كشف»، و أبو نعيم في «صفة الجنة» 8، و ابن الجوزي في «العلل» 21 من حديث أبي الدرداء. و قال ابن الجوزي: هذا الحديث من عمل زيادة بن محمد، و لم يتابعه عليه أحد اه. و قال في «المجمع» 18719: زيادة بن محمد، ضعيف.
- قلت: الصواب أنه ضعيف جدا، قال الذهبي في «الميزان» 2/ 98: قال البخاري و النسائي: منكر الحديث.
ثم ذكر الذهبي هذا الحديث بأتم منه، و قال: فهذه ألفاظ منكرة، لم يأت بها غير زيادة.
و قاعدة البخاري: كل من قلت عنه منكر الحديث، فلا تحل الرواية عنه.
(1) قال الإمام الطبري رحمه اللّه 7/ 408: و أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: بظهور المسلمين من أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و سلم عليها و قهرهم أهلها، أ فلا يعتبرون بذلك فيخافون ظهورهم على أرضهم و قهرهم إياهم؟ و ذلك أن اللّه توعد الذين سألوا رسوله الآيات من مشركي قومه بقوله: وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ... ، ثم وبّخهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم بما يعاينون من فعل اللّه بضربائهم من الكفار، و هم مع ذلك يسألون الآيات، فقال: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها بقهر أهلها و الغلبة عليها من أطرافها و جوانبها، و هم لا يعتبرون بما يرون من ذلك.