کتابخانه تفاسیر
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 7
سورة الزّمر
و تسمّى سورة الغرف
فصل في نزولها:
روى العوفيّ و ابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكّيّة، و به قال الحسن، و مجاهد، و عكرمة، و قتادة، و جابر بن زيد. و روي عن ابن عباس أنه قال: فيها آيتان نزلتا بالمدينة:
قوله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ «1» و قوله: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا «2» و قال مقاتل: فيها من المدنيّ:
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا الآية، و قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ «3» . و في رواية أخرى عنه قال: فيها آيتان مدنيّتان: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا و قوله: يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ «4» . و قال بعض السّلف: فيها ثلاث آيات مدنيّات: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا إلى قوله: وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ «5» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الزمر (39): الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتابِ قال الزّجّاج: الكتاب هاهنا القرآن، و رفع «تنزيل» من وجهين:
أحدهما: الابتداء، و يكون الخبر مِنَ اللَّهِ ، فالمعنى: نزل من عند الله. و الثاني: على إضمار: هذا تنزيل الكتاب؛ و مُخْلِصاً منصوب على الحال؛ فالمعنى: فاعبد الله موحّدا لا تشرك به شيئا. قوله تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ يعني: الخالص من الشّرك، و ما سواه ليس بدين الله الذي أمر به؛ و قيل:
المعنى: لا يستحقّ الدّين الخالص إلّا الله «6» . وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يعني آلهة، و يدخل
(1) الزمر: 23.
(2) الزمر: 53.
(3) الزمر: 10.
(4) الزمر: 10.
(5) الزمر: 53- 55.
(6) قال القرطبي رحمه الله في «الجامع لأحكام القرآن»: 15/ 205: قال ابن العربي: هذه الآية دليل على وجوب النية في كل عمل، و أعظمه الوضوء الذي هو شطر الإيمان، خلافا لأبي حنيفة و الوليد بن مسلم عن مالك اللذين يقولان إن الوضوء يكفي من غير نية، و ما كان ليكون من الإيمان شطره و لا ليخرج الخطايا من بين الأظافر و الشعر بغير نية.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 8
في هؤلاء اليهود حين قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ و النّصارى لقولهم: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ «1» ، و جميع عبّاد الأصنام، و يدلّ عليه قوله بعد ذلك: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً . قوله تعالى: ما نَعْبُدُهُمْ أي:
يقولون: ما نعبدهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى أي: إلّا ليشفعوا لنا إلى الله. و الزّلفى: القربى، و هو اسم أقيم مقام المصدر، فكأنه قال: إلّا ليقرّبونا إلى الله تقريبا. إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ أي: بين أهل الأديان فيما كانوا يختلفون فيه من أمر الدّين. و ذهب قوم إلى أنّ هذه الآية منسوخة بآية السيف، و لا وجه لذلك.
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي أي: لا يرشد مَنْ هُوَ كاذِبٌ في قوله: إنّ الآلهة تشفع كَفَّارٌ أي: كافر باتّخاذها آلهة، و هذا إخبار عمّن سبق عليه القضاء بحرمان الهداية.
لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً أي: على ما يزعم من ينسب ذلك إلى الله لَاصْطَفى أي: لاختار ممّا يخلق. قال مقاتل: أي: من الملائكة.
[سورة الزمر (39): آية 5]
قوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ أي: لم يخلقهما لغير شيء. قوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ قال أبو عبيدة: يدخل هذا على هذا. قال ابن قتيبة: و أصل التّكوير: اللّفّ، و منه كور العمامة. و قال غيره. التّكوير: طرح الشيء بعضه على بعض. قوله تعالى: وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ أي: ذلّلهما للسّير على ما أراد كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أي: إلى الأجل الذي وقّت الله للدّنيا. و قد شرحنا معنى العزيز في البقرة «2» و معنى الغفّار في طه «3» .
[سورة الزمر (39): آية 6]
قوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني آدم ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها أي: قبل خلقكم جعل منها زوجها، لأنّ حوّاء خلقت قبل الذّرّيّة، و مثله في الكلام أن تقول: قد أعطيتك اليوم شيئا، ثمّ الذي أعطيتك أمس أكثر؛ هذا اختيار الفرّاء. و قال غيره: ثم أخبركم أنه خلق منها زوجها وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ أي: خلق ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ، و قد بيّنّاها في سورة الأنعام «4» .
قوله تعالى: خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ أي: نطفا ثمّ علقا ثم مضغا ثم عظما ثم لحما ثم أنبت الشّعر، إلى غير ذلك من تقلّب الأحوال إلى إخراج الأطفال، هذا قول الجمهور. و قال ابن زيد: خلقا في البطون من بعد خلقكم في ظهر آدم. قوله تعالى: فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ظلمة البطن، و ظلمة الرّحم،
(1) التوبة: 30.
(2) البقرة: 129.
(3) طه: 82.
(4) الأنعام: 143.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 9
و ظلمة المشيمة «1» ، قاله الجمهور، و ابن زيد معهم. و قال أبو عبيدة: إنها ظلمة صلب الأب، و ظلمة بطن المرأة، و ظلمة الرّحم.
قوله تعالى: فَأَنَّى تُصْرَفُونَ أي: من أين تصرفون عن طريق الحقّ بعد هذا البيان؟!
[سورة الزمر (39): آية 7]
قوله تعالى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ أي: عن إيمانكم و عبادتكم وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ فيه قولان: أحدهما: لا يرضاه للمؤمنين، قاله ابن عباس. و الثاني: لا يرضاه لأحد و إن وقع بإرادته، و فرق بين الإرادة و الرّضى، و قد أشرنا إلى هذا في البقرة عند قوله: وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ «2» . وَ إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ أي: يرضى ذلك الشّكر لكم، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي: بما في القلوب.
[سورة الزمر (39): آية 8]
قوله تعالى: وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ اختلفوا فيمن نزلت على قولين: أحدهما: في عتبة ابن ربيعة، قاله عطاء. و الثاني: في أبي حذيفة بن المغيرة، قاله مقاتل. و الضّرّ: البلاء و الشّدّة. مُنِيباً إِلَيْهِ أي: راجعا إليه من شركه. ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ أي: أعطاه و ملّكه نِعْمَةً مِنْهُ بعد البلاء الذي أصابه، كالصّحّة بعد المرض، و الغني بعد الفقر نَسِيَ أي: ترك ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ ، و فيه ثلاثة أقوال: أحدها: نسي الدّعاء الذي كان يتضرّع به إلى الله تعالى. و الثاني: نسي الضّرّ الذي كان يدعو الله إلى كشفه. و الثالث: نسي الله الذي كان يتضرّع إليه. قال الزّجّاج: و قد تدلّ «ما» على الله عزّ و جلّ، كقوله: وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ* . و قال الفرّاء: ترك ما كان يدعو إليه. و قد سبق معنى الأنداد «3» و معنى لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ* «4» . قوله تعالى: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ لفظه لفظ الأمر و معناه التّهديد، و مثله: فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* «5» .
[سورة الزمر (39): الآيات 9 الى 10]
(1) في «اللسان»: المشيمة: هي للمرأة التي فيها الولد، و الجمع مشيم، و قال ابن الأعرابي: يقال لما يكون فيه الولد المشيمة، و الكيس و الحوران و القميص.
(2) البقرة: 205، و قال القرطبي رحمه الله في «الجامع» 15/ 208: و هذا مذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يرضى الكفر و إن أراده، فاللّه تعالى يريد الكفر من الكافر و بإرادته كفر لا يرضاه و لا يحبه، فهو يريد كون ما لا يرضاه، و قد أراد الله عز و جل خلق إبليس و هو لا يرضاه، فالإرادة غير الرضا.
(3) البقرة: 22.
(4) الحج: 9.
(5) النحل: 55.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 10
قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ قرأ ابن كثير، و نافع، و حمزة، و أبو جعفر، و المفضّل عن عاصم، و زيد عن يعقوب: «أمن» بالتخفيف؛ و قرأ الباقون: بالتشديد. فأمّا المشدّدة، فمعناها: أ هذا الذي ذكرنا خير، أمّن هو قانت؟ و الأصل في «أمّن»: أم من، فأدغمت الميم في الميم. و أمّا المخفّفة، ففي تقديرها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها بمعنى النداء. قال الفرّاء: فسّرها الذين قرءوا بها فقالوا: يا من هو قانت، و هو وجه حسن، و العرب تدعو بالألف كما تدعو بياء، فيقولون: يا زيد أقبل، و: أزيد أقبل، فيكون المعنى: أنه ذكر النّاسي الكافر، ثم قصّ قصّة الصّالح بالنّداء، كما تقول: فلان لا يصوم و لا يصلّي، فيا من يصوم أبشر. و الثاني: أنّ تقديرها: أمن هو قانت كمن ليس بقانت؟! و الثالث: أمن هو قانت كمن جعل للّه أندادا؟! و قد ذكرنا معنى القنوت في سورة البقرة «1» و معنى آناءَ اللَّيْلِ في آل عمران «2» .
قوله تعالى: ساجِداً وَ قائِماً يعني في الصلاة. و فيمن نزلت فيه هذه الآية خمسة أقوال «3» :
أحدها: أنه أبو بكر الصّدّيق، رواه عطاء عن ابن عباس. و الثاني: عثمان بن عفّان، قاله ابن عمر.
و الثالث: عمّار بن ياسر، قاله مقاتل. و الرابع: ابن مسعود، و عمّار، و صهيب، و أبو ذرّ، قاله ابن السّائب. و الخامس: أنه رسول الله- صلّى الله عليه و سلّم، حكاه يحيى بن سلام. قوله تعالى: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ أي:
عذاب الآخرة. و قد قرأ ابن مسعود، و أبيّ بن كعب، و ابن عباس، و عروة، و سعيد بن جبير، و أبو رجاء، و أبو عمران: «يحذر عذاب الآخرة» بزيادة «عذاب». وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ فيها قولان: أحدهما:
أنها المغفرة، قاله ابن السّائب. و الثاني: الجنّة، قاله مقاتل.
قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أنّ ما وعد الله من الثّواب و العقاب حقّ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ . و باقي الآية قد تقدّم في الرّعد «4» ، و كذلك قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ قد تقدّم في النّحل «5» . و في قوله: وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ قولان: أحدهما: أنه حثّ لهم على الهجرة من مكّة إلى حيث يأمنون. و الثاني: أنها أرض الجنّة رغّبهم فيها. إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ الذين صبروا لأجل الله تعالى على ما نالهم بِغَيْرِ حِسابٍ أي: يعطون عطاء كثيرا أوسع من أن يحسب و أعظم من أن يحاط به، لا على قدر أعمالهم.
[سورة الزمر (39): الآيات 11 الى 18]
(1) البقرة: 116.
(2) آل عمران: 113.
(3) الصواب أن الآية عامة.
(4) الرعد: 19.
(5) النحل: 30.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 11
قوله تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ .
(1223) قال مقاتل: و ذلك أنّ كفّار قريش قالوا لرسول الله صلّى الله عليه و سلّم: ما حملك على الذي أتيتنا به؟! أ لا تنظر إلى ملّة آبائك فتأخذ بها؟! فنزلت هذه الآية.
و المعنى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أي: أمرت أن أعبده على التوحيد و الإخلاص السالم من الشّرك، وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ من هذه الأمّة. قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بالرّجوع إلى دين آبائي، عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ و قد اختلفوا في نسخ هذه الآية كما بيّنّا في نظيرتها في الأنعام «1» . قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي بالتوحيد، فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ ، و هذا تهديد، و بعضهم يقول: هو منسوخ بآية السيف، و هذا باطل، لأنه لو كان أمرا كان منسوخا، فأمّا أن يكون بمعنى الوعيد، فلا وجه لنسخه. قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بأن صاروا إلى النّار وَ خسروا أَهْلِيهِمْ فيه ثلاثة أقوال «2» : أحدها: أنهم خسروا الحور العين اللّواتي أعددن لهم في الجنّة لو أطاعوا، قاله الحسن، و قتادة. و الثاني: خسروا الأهل في النّار، إذ لا أهل لهم فيها، قاله مجاهد، و ابن زيد. و الثالث:
خسروا أهليهم الذين كانوا في الدنيا، إذ صاروا إلى النّار بكفرهم، و صار أهلوهم إلى الجنّة بإيمانهم، قاله الماورديّ. قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ و هي الأطباق من النّار. و إنما قال: وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ لأنّها ظلل لمن تحتهم ذلِكَ الذي وصف الله من العذاب يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ المؤمنين.
قوله تعالى: وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ .
(1224) روى ابن زيد عن أبيه أنّ هذه الآية و التي بعدها نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهليّة يوحّدون الله تعالى: زيد بن عمرو بن نفيل، و أبي ذرّ، و سلمان الفارسيّ، رضي الله عنهم؛ قال:
أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ بغير كتاب و لا نبيّ.
و في المراد بالطّاغوت هاهنا ثلاثة أقوال: أحدها: الشياطين، قاله مجاهد. و الثاني: الكهنة، قاله ابن السّائب. و الثالث: الأوثان، قاله مقاتل، فعلى قول مقاتل هذا: إنما قال: «يعبدوها» لأنها مؤنّثة.
و قال الأخفش: إنما قال: «يعبدوها» لأنّ الطّاغوت في معنى جماعة، و إن شئت جعلته واحدا مؤنّثا.
(1223) عزاه المصنف لمقاتل، و هو ممن يصنع الحديث، فخبره هذا لا شيء.
(1224) ضعيف جدا. أخرجه الطبري 30108 عن ابن وهب، قال: قال ابن زيد، حدثني أبي ... و هذا مرسل، و ابن زيد هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، و هو متروك، و المتن منكر جدا، و الصحيح عموم الآية. و ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 724 و كذلك ابن كثير 4/ 59 بدون سند.
و قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 4/ 59: و الصحيح أنها شاملة لهم و لغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان، و أناب إلى عبادة الرحمن. فهؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة.
(1) الأنعام: 15.
(2) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 4/ 58: قوله تعالى: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي تفارقوا فلا التقاء لهم أبدا، سواء ذهب أهلوهم إلى الجنة و قد ذهبوا هم إلى النار، أو أن الجميع أسكنوا النار، و لكن لا اجتماع لهم و لا سرور اه.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 12
قوله تعالى: وَ أَنابُوا إِلَى اللَّهِ أي: رجعوا إليه بالطّاعة لَهُمُ الْبُشْرى بالجنّة «فبشر عبادي» بياء، و حرّك الياء أبو عمرو. ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ و فيه قولان: أحدها: أنه القرآن، قاله الجمهور. فعلى هذا، في معنى فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أقوال قد شرحناها في الأعراف «1» عند قوله:
وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها . و الثاني: أنه جميع الكلام. ثم في المعنى قولان. أحدهما: أنه الرّجل يجلس مع القوم فيسمع كلامهم، فيعمل بالمحاسن و يحدّث بها، و يكفّ عن المساوئ و لا يظهرها، قاله ابن السّائب. و الثاني: أنه لمّا ادّعى مسيلمة أنه قد أتى بقرآن، و أتت الكهنة بالكلام المزخرف في الأباطيل، فرّق المؤمنون بين ذلك و بين كلام الله، فاتّبعوا كلام الله، و رفضوا أباطيل أولئك، قاله أبو سليمان الدّمشقي.
[سورة الزمر (39): الآيات 19 الى 20]
قوله تعالى: أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ قال ابن عباس: سبق في علم الله أنّه في النّار. فإن قيل: كيف اجتمع في هذه الآية استفهامان بلا جواب؟ قيل: أمّا الفرّاء، فإنه يقول: هذا ممّا يراد به استفهام واحد، فسبق الاستفهام إلى غير موضعه فردّ إلى موضعه الذي هو له، فيكون المعنى: أ فأنت تنقذ من في النّار من حقّت عليه كلمة العذاب؟ و مثله: أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ «2» فردّ «أَنَّكُمْ» مرّتين، و المعنى: أ يعدكم أنكم مخرجون إذا متّم؟ و مثله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا ثم قال: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ «3» فردّ «تحسبنّ» مرتين، و المعنى: لا تحسبنّ الذين يفرحون بمفازة من العذاب. و قال الزّجاج: يجوز أن يكون في الكلام محذوف، تقديره: أ فمن حقّ عليه كلمة العذاب فيتخلّص منه أو ينجو، أ فأنت تنقذه؟ قال المفسّرون: أ فأنت تخلّصه ممّا قدّر له فتجعله مؤمنا؟
و المعنى: ما تقدر على ذلك. قال عطاء: يريد بهذه الآية أبا لهب و ولده و من تخلّف من عشيرة النبيّ صلّى الله عليه و سلّم عن الإيمان.
قوله تعالى: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا و قرأ أبو المتوكّل، و أبو جعفر «لكنّ» بتشديد النون و فتحها. قال الزّجّاج: و الغرف: هي المنازل الرّفيعة في الجنّة، مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ أي: منازل أرفع منها. وَعْدَ اللَّهِ منصوب على المصدر؛ فالمعنى: وعدهم الله غرفا وعدا. و من قرأ: «وعد الله» بالرّفع؛ فالمعنى: ذلك وعد الله.
[سورة الزمر (39): آية 21]
قوله تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً قال الشّعبي: كلّ ما في الأرض فمن السّماء ينزل فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ قال ابن قتيبة: أي: أدخله فجعله ينابيع، أي: عيونا تنبع، ثُمَّ يَهِيجُ أي: ييبس. قال الأصمعيّ: يقال للنّبت إذا تمّ جفافه: قد هاج يهيج هيجا. فأمّا الحطام، فقال أبو عبيد: هو ما يبس
(1) الأعراف: 145.
(2) المؤمنون: 35.
(3) آل عمران: 188.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 13
فتحاتّ من النّبات، و مثله الرّفات. قال مقاتل: هذا مثل ضرب للدنيا، بينا ترى النّبت أخضر، إذ تغيّر فيبس ثمّ هلك، و كذلك الدّنيا و زينتها. و قال غيره: هذا البيان للدّلالة على قدرة الله عزّ و جلّ.
[سورة الزمر (39): آية 22]
قوله تعالى: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ قال الزّجّاج: جوابه متروك، لأنّ الكلام دالّ عليه، تقديره:
أ فمن شرح الله صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يهتد؟ و يدلّ على هذا قوله: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ .
(1225) و قد روى ابن مسعود أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم تلا هذه الآية، فقلنا: يا رسول الله، و ما هذا الشّرح؟ فذكر حديثا قد ذكرناه في قوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ «1» .
قوله تعالى: فَهُوَ عَلى نُورٍ فيه أربعة أقوال. أحدها: اليقين، قاله ابن عباس. و الثاني: كتاب الله يأخذ به و ينتهي إليه، قاله قتادة. و الثالث: البيان، قاله ابن السّائب. و الرابع: الهدى، قاله مقاتل.
و فيمن نزلت هذه الآية؟ فيه ثلاثة أقوال «2» : أحدها: أنّها نزلت في أبي بكر الصّدّيق، و أبيّ بن خلف، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. و الثاني: في عليّ و حمزة و أبي لهب و ولده، قاله عطاء. و الثالث: في رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و في أبي جهل، قاله مقاتل.
(1225) متن منكر بأسانيد واهية، و هو شبه موضوع. إسناده ضعيف جدا، محمد بن يزيد بن سنان و أبوه ضعيفان، و في الإسناد مجاهيل. و بهذا الإسناد أخرجه البغوي في «التفسير» 1817.
و أخرجه الحاكم 4/ 311 من طريق محمد بن بشر بن مطر، و البيهقي في «الشعب» 10552 من طريق ابن أبي الدنيا كلاهما عن محمد بن جعفر الوركاني عن عدي بن الفضل عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود به. و إسناده ضعيف، لضعف عدي بن الفضل، و قد سكت عليه الحاكم، و أعله الذهبي بوهن ابن الفضل. هذا و له علة ثانية، المسعودي صدوق إلا أنه اختلط. و أخرجه الطبري 13859 من وجه آخر عن أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود مرفوعا، و إسناده ضعيف، ففي الإسناد مجاهيل، و علة ثانية: و هي الإرسال بين أبي عبيدة، و ابن مسعود. و أخرجه الطبري أيضا 13861 من وجه آخر عن عبد الرحمن بن عتبة عن ابن مسعود به مرفوعا و هذا إسناد ضعيف، عبد الرحمن عن ابن مسعود معضل. و قد ورد من مرسل أبي جعفر، أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» 852 و من طريقه الطبري 13856 و 13857 و 13858. و أخرجه ابن المبارك في «الزهد» 315 من وجه آخر عن أبي جعفر به، هذا مرسل، و مع إرساله، أبو جعفر هذا متهم بالوضع. قال أحمد: أحاديثه موضوعة. راجع «الميزان» 4608. و أخرجه الطبري 13860 و البيهقي في «الأسماء و الصفات» 326 من وجه آخر عن عبد الله بن المسور. و عبد الله هذا هو أبو جعفر المدائني المتقدم ذكره، و هو متروك متهم، فالحديث ضعيف، و لا يصح عن النبيّ صلّى الله عليه و سلّم، و حسبه أن يكون من كلام من دون ابن مسعود، و الله أعلم. و أخرجه البيهقي 325 من وجه آخر عن أبي جعفر فجعله من قوله، و لم يرفعه و قال: و قد روي في هذا خبر مرفوع. و انظر الحديث المتقدم في سورة الأنعام عند آية:
125. الخلاصة: المتن منكر كونه مرفوعا، و حسبه أن يكون موقوفا، أو من كلام أبي جعفر المدني فإنه لا يشبه كلام النبوة، بل الأشبه أنه من كلام الصوفية و الوعاظ، و الله أعلم.
(1) الأنعام: 125.