کتابخانه تفاسیر
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 46
الله»، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، و به قال عكرمة، و المعنى: لا يطهّرون أنفسهم من الشّرك بالتوحيد. و الثاني: لا يؤمنون بالزّكاة و لا يقرّون بها، قاله الحسن، و قتادة. و الثالث: لا يزكّون أعمالهم، قاله مجاهد، و الرّبيع. و الرابع: لا يتصدّقون، و لا ينفقون في الطّاعات، قاله الضّحّاك، و مقاتل. و الخامس: لا يعطون زكاة أموالهم، قال ابن السّائب: كانوا يحجّون و يعتمرون و لا يزكّون.
قوله تعالى: غَيْرُ مَمْنُونٍ أي: غير مقطوع و لا منقوص.
[سورة فصلت (41): الآيات 9 الى 12]
قوله تعالى: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ قال ابن عباس: في يوم الأحد و الاثنين، و به قال عبد الله بن سلام، و السّدّيّ، و الأكثرون. و قال مقاتل: في يوم الثلاثاء و الأربعاء.
(1240) و قد أخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بيدي، فقال:
«خلق الله عزّ و جلّ التّربة يوم السّبت، و خلق الجبال فيها يوم الأحد، و خلق الشّجر فيها يوم الاثنين، و خلق المكروه يوم الثلاثاء، و خلق النّور يوم الأربعاء، و بثّ فيها الدّوابّ يوم الخميس»، و هذا الحديث يخالف ما تقدّم و هو أصحّ.
قوله تعالى: وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً قد شرحناه في البقرة «1» ، و ذلِكَ الذي فعل ما ذكر رَبُّ الْعالَمِينَ . وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ أي: جبالا ثوابت من فوق الأرض، وَ بارَكَ فِيها بالأشجار و الثّمار و الحبوب و الأنهار، و قيل: البركة فيها: أن ينمي فيها الزّرع، فتخرج الحبّة حبّات، و النّواة نخلة وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها قال أبو عبيدة: هي جمع قوت، و هي الأرزاق و ما يحتاج إليه. و للمفسّرين في هذا التّقدير خمسة أقوال «2» : أحدها: أنه شقّق الأنهار و غرس الأشجار، قاله ابن عباس. و الثاني: أنه قسم أرزاق العباد و البهائم، قاله الحسن. و الثالث: أقواتها من المطر، قاله مجاهد. و الرابع: قدّر لكلّ بلدة ما لم (1240) تقدم تخريجه في الجزء الأول، و هو أحد الأحاديث التي تكلم فيها، و هو في صحيح مسلم 2789.
(1) البقرة: 22.
(2) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» 11/ 90: و الصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى أخبر أنه قدّر في الأرض أقوات أهلها، و ذلك ما يقوتهم من الغذاء، و يصلحهم من المعاش، و لم يخصص جل ثناؤه بقوله:
وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها ، و لا قول في ذلك أصح مما قال جل ثناؤه: قدّر في الأرض أقوات أهلها لما وصفنا من العلة.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 47
يجعله في الأخرى كما أنّ ثياب اليمن لا تصلح إلّا ب «اليمن» و الهرويّة ب «هراة» ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة، قاله عكرمة و الضّحّاك. و الخامس: قدّر البرّ لأهل قطر، و التّمر لأهل قطر، و الذّرة لأهل قطر، قاله ابن السّائب. قوله تعالى: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أي: في تتمة أربعة أيّام. قال الأخفش:
و مثله أن تقول: تزوّجت أمس امرأة، و اليوم ثنتين، و إحداهما التي تزوّجتها أمس. قال المفسّرون:
يعني: الثلاثاء و الأربعاء، و هما مع الأحد و الاثنين أربعة أيام. قوله تعالى: سَواءً قرأ أبو جعفر:
«سواء» بالرفع. و قرأ يعقوب، و عبد الوارث: «سواء» بالجرّ. و قرأ الباقون من العشرة: بالنّصب. قال الزّجّاج: من قرأ بالخفض، جعل «سواء» من صفة الأيّام؛ فالمعنى: في أربعة أيّام مستويات تامّات؛ و من نصب، فعلى المصدر؛ فالمعنى: استوت سواء و استواء؛ و من رفع، فعلى معنى: هي سواء. و في قوله: لِلسَّائِلِينَ وجهان: أحدهما: للسائلين القوت، لأنّ كلّا يطلب القوت و يسأله. و الثاني: لمن يسأل: في كم خلقت الأرض؟ فيقال: خلقت في أربعة أيّام سواء، لا زيادة و لا نقصان. قوله تعالى:
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ قد شرحناه في البقرة «1» وَ هِيَ دُخانٌ و فيه قولان: أحدهما: أنه لمّا خلق الماء أرسل عليه الرّيح فثار منه دخان فارتفع و سما، فسمّاه سماء. و الثاني: أنه لمّا خلق الأرض أرسل عليها نارا، فارتفع منها دخان فسما. قوله تعالى: فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ قال ابن عباس: قال للسّماء: أظهري شمسك و قمرك و نجومك، و قال للأرض: شقّقي أنهارك، و أخرجي ثمارك، طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ قال الزّجّاج: هو منصوب على الحال، و إنما لم يقل: طائعات، لأنهنّ جرين مجرى ما يعقل و يميّز، كما قال في النّجوم: وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ «2» ، قال: و قد قيل: أتينا نحن و من فينا طائعين.
فَقَضاهُنَ أي: خلقهنّ و صنعهنّ، قال أبو ذؤيب الهذلي:
و عليهما مسرودتان قضاهما
داود أو صنع السّوابغ تبّع «3»
معناه: عملهما و صنعهما.
قوله تعالى: فِي يَوْمَيْنِ قال ابن عباس و عبد الله بن سلام: و هما يوم الخميس و يوم الجمعة.
و قال مقاتل: الأحد و الاثنين، لأنّ مذهبه أنها خلقت قبل الأرض. و قد بيّنا مقدار هذه الأيام في الأعراف «4» . وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها فيه قولان: أحدهما: أوحى ما أراد، و أمر بما شاء، قاله مجاهد، و مقاتل. و الثاني: خلق في كلّ سماء خلقها، قاله السّدّيّ.
قوله تعالى: وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا أي: القربى إلى الأرض بِمَصابِيحَ و هي النّجوم، و المصابيح: السّرج، فسمّي الكوكب مصباحا، لإضاءته وَ حِفْظاً قال الزّجّاج: معناه: و حفظناها من استماع الشياطين بالكواكب حفظا.
(1) البقرة: 29.
(2) يس: 40.
(3) في «اللسان» يقال: رجل صنع و امرأة صناع، إذا كان لهما صنعة يعملانها بأيديهما و يكسبان بها.
(4) الأعراف: 54.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 48
[سورة فصلت (41): الآيات 13 الى 18]
وَ نَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ (18)
قوله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الإيمان بعد هذا البيان فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً الصّاعقة: المهلك من كلّ شيء؛ و المعنى: أنذرتكم عذابا مثل عذابهم. و إنّما خصّ القبيلتين، لأنّ قريشا يمرّون على قرى القوم في أسفارهم. إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أي: أتت آباءهم و من كان قبلهم وَ مِنْ خَلْفِهِمْ أي: من خلف الآباء، و هم الذين أرسلوا إلى هؤلاء المهلكين أَلَّا تَعْبُدُوا أي بأن لا تعبدوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا أي لو أراد دعوة الخلق لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً .
قوله تعالى: فَاسْتَكْبَرُوا أي: تكبّروا عن الإيمان و عملوا بغير الحقّ. و كان هود قد تهدّدهم بالعذاب فقالوا: نحن نقدر على دفعه بفضل قوّتنا. و الآيات هاهنا: الحجج. و في الرّيح الصّرصر أربعة أقوال: أحدها: أنها الباردة، قاله ابن عباس، و قتادة، و الضّحّاك. و قال الفرّاء: هي الرّيح الباردة تحرق كالنار، و كذلك قال الزّجّاج: هي الشديدة البرد جدّا؛ فالصّرصر متكرّر فيها البرد، كما تقول: أقللت الشيء و قلقلته، فأقللته بمعنى رفعته، و قلقلته: كرّرت رفعه. و الثاني: أنها الشّديدة السّموم، قاله مجاهد. و الثالث: الشّديدة الصّوت، قاله السّدّيّ، و أبو عبيدة، و ابن قتيبة. و الرابع: الباردة الشديدة، قاله مقاتل.
قوله تعالى: فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ قرأ ابن كثير، و نافع، و أبو عمرو: «نحسات» بإسكان الحاء؛ و قرأ الباقون: بكسرها. قال الزّجّاج: من كسر الحاء، فواحدهن «نحس»، و من أسكنها، فواحدهنّ «نحس»؛ و المعنى: مشؤومات. و في أوّل هذه الأيّام ثلاثة أقوال «1» : أحدها: غداة يوم الأحد، قاله السّدّيّ.
و الثاني: يوم الجمعة، قاله الرّبيع بن أنس. و الثالث: يوم الأربعاء، قاله يحيى بن سلام. و الخزي:
الهوان.
قوله تعالى: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: بيّنّا لهم، قاله ابن عباس، و سعيد بن جبير. و قال قتادة: بيّنّا لهم سبيل الخير و الشرّ. و الثاني: دعوناهم، قاله مجاهد. و الثالث: دللناهم على مذهب الخير، قاله الفرّاء. قوله تعالى: فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى أي اختاروا الكفر على الإيمان فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ أي ذي الهوان، و هو الذي يهينهم.
(1) و هذا من الشؤم المنهي عنه، حيث لا دليل عليه، و إنما هي روايات إسرائيلية، و لا يصح تعيين اسم هذا اليوم، و القرآن لم يذكر ذلك. قال ابن كثير في «تفسيره» 4/ 112: و قوله فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ أي متتابعات، سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً : أي ابتدءوا بهذا العذاب في يوم نحس عليهم، و استمر بهم هذا النحس سبع ليال و ثمانية أيام، حتّى أبادهم عن آخرهم، و اتصل بهم خزي الدنيا بعذاب الآخرة.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 49
[سورة فصلت (41): الآيات 19 الى 25]
قوله تعالى: وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ و قرأ نافع: «نحشر» بالنّون «أعداء» بالنّصب. قوله تعالى:
فَهُمْ يُوزَعُونَ أي: يحبس أوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا. حَتَّى إِذا ما جاؤُها يعني النّار التي حشروا إليها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ ، و في المراد بالجلود ثلاثة أقوال: أحدها: الأيدي و الأرجل. و الثاني: الفروج، رويا عن ابن عباس. و الثالث: أنه الجلود نفسها، حكاه الماوردي. و قد أخرج مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال:
(1241) كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فضحك فقال: «هل تدرون ممّ أضحك؟» قال: قلنا: الله و رسوله أعلم. قال: «من مخاطبة العبد ربّه، يقول: يا ربّ ألم تجرني من الظّلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإنّي لا أجيز عليّ إلّا شاهدا منّي، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، و بالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثمّ يخلّى بينه و بين الكلام، فيقول: بعدا لكنّ و سحقا، فعنكنّ كنت أناضل».
قوله تعالى: قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ أي: ممّا نطق. و هاهنا تمّ الكلام. و ما بعده ليس من جواب الجلود.
قوله تعالى: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ .
(1242) روى البخاريّ و مسلم في «الصّحيحين» من حديث ابن مسعود قال: كنت مستترا بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفر، قرشيّ و ختناه ثقفيّان، أو ثقفيّ و ختناه قرشيّان، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فتكلّموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أ ترون الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخران: إنّا إذا (1241) صحيح. أخرجه مسلم 2969 عن أبي بكر بن أبي النضر من حديث أنس. و أخرجه أبو يعلى 3977 و ابن حبان 7358 و البيهقي في «الأسماء و الصفات» 467 من طرق عن أبي بكر بن أبي النضر به.
(1242) صحيح. أخرجه البخاري 4817 و البغوي في «التفسير» 1864 عن الحميدي من حديث ابن مسعود.
و أخرجه البخاري 4816 و 7521 و مسلم 2775 و الترمذي 3245 و الطيالسي 1972 و النسائي في «التفسير» 488 و الطبري 30496 و البيهقي في «الأسماء الصفات» 177 و الواحدي في «أسباب النزول» 732 من طرق عن منصور به. و أخرجه مسلم 2775 و أحمد 1/ 381 و 426 و 442 و 444 و أبو يعلى 5204 و الطبري 30497 و الواحدي في «أسباب النزول» 733 من طريق الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود به. و أخرجه الحميدي 87 من طريق سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 50
رفعنا أصواتنا سمعه، و إن لم نرفع لم يسمع، و قال الآخر: إن سمع منه شيئا سمعه كلّه، فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه و سلّم، فأنزل الله تعالى: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ إلى قوله: مِنَ الْخاسِرِينَ .
و معنى «تستترون»: تستخفون «أن يشهد» أي: من أن يشهد «عليكم سمعكم» لأنّكم لا تقدرون على الاستخفاء من جوارحكم، و لا تظنّون أنها تشهد وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ قال ابن عباس: كان الكفّار يقولون: إنّ الله لا يعلم ما في أنفسنا، و لكنه يعلم ما يظهر، وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ أي: أنّ الله لا يعلم ما تعملون، أَرْداكُمْ أهلككم. فَإِنْ يَصْبِرُوا أي: على النّار فهي مسكنهم، وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا أي: يسألوا أن يرجع لهم إلى ما يحبّون، لم يرجع لهم، لأنهم لا يستحقّون ذلك.
يقال: أعتبني فلان، أي: أرضاني بعد إسخاطه إيّاي. و استعتبته، أي: طلبت منه أن يعتب، أي:
يرضى. قوله تعالى: وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ أي: سبّبنا لهم قرناء من الشياطين فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا جنّة و لا نار و لا بعث و لا حساب، و ما خلفهم من أمر الدنيا، فزيّنوا لهم اللّذات و جمع الأموال و ترك الإنفاق في الخير. و الثاني:
ما بين أيديهم من أمر الدنيا، و ما خلفهم من أمر الآخرة، على عكس الأول. و الثالث: ما بين أيديهم:
ما فعلوه، و ما خلفهم: ما عزموا على فعله. و باقي الآية قد تقدّم تفسيره «1» .
[سورة فصلت (41): الآيات 26 الى 28]
قوله تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ أي: لا تسمعوه وَ الْغَوْا فِيهِ أي: عارضوه باللّغو، و هو الكلام الخالي عن فائدة. و كان الكفّار يوصي بعضهم بعضا: إذا سمعتم القرآن من محمّد و أصحابه فارفعوا أصواتكم حتى تلبّسوا عليهم قولهم. و قال مجاهد: و الغوا فيه بالمكاء و الصّفير و التّخليط من القول على رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إذا قرأ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فيسكتون.
قوله تعالى: ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ يعني العذاب المذكور. و قوله: النَّارُ بدل من الجزاء لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ أي: دار الإقامة. قال الزّجّاج: النّار هي الدّار، و لكنه كما تقول: لك في هذه الدّار دار السّرور، و أنت تعني الدّار بعينها، قال الشاعر:
أخو رغائب يعطيها و يسألها
يأبى الظّلامة منه النّوفل الزّفر «2»
(1) الأعراف: 38، الإسراء: 16.
(2) البيت لأعشى باهلة كما في «الأصمعيات» 89 و «خزانة الأدب» 1/ 89. و الرغائب: العطايا الواسعة. و النّوفل:
السيد المعطاء. و الزفر: السيد. و قال في «اللسان» لأنه يزدفر بالأموال في الحمالات مطيقا له، و المعنى: يأبى الظلامة لأنه النوفل الزفر.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 51
[سورة فصلت (41): الآيات 29 الى 32]
قوله تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لمّا دخلوا النّار رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا و قرأ ابن عامر، و أبو بكر عن عاصم: «أرنا» بسكون الراء. قال المفسّرون: يعنون إبليس و قابيل، لأنهما سنّا المعصية، نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ أي: في الدّرك الأسفل، و هو أشدّ عذابا من غيره. ثم ذكر المؤمنين فقال: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ أي: وحّدوه ثُمَّ اسْتَقامُوا فيه ثلاثة أقوال: أحدها:
استقاموا على التوحيد، قاله أبو بكر الصّديق، و مجاهد. و الثاني: على طاعة الله و أداء فرائضه، قاله ابن عباس، و الحسن، و قتادة. و الثالث: على الإخلاص و العمل إلى الموت، قاله أبو العالية، و السّدّيّ.
(1243) و روى عطاء عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصّدّيق، و ذلك أنّ المشركين قالوا: ربّنا الله، و الملائكة بناته، و هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فلم يستقيموا، و قالت اليهود:
ربّنا الله، و عزير ابنه، و محمّد ليس بنبيّ، فلم يستقيموا، و قالت النّصارى: ربّنا الله، و المسيح ابنه، و محمّد ليس بنبيّ، فلم يستقيموا، و قال أبو بكر: ربّنا الله وحده، و محمّد عبده و رسوله، فاستقام.
قوله تعالى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا أي: بأن لا تخافوا. و في وقت نزولها عليهم قولان «1» : أحدهما: عند الموت، قاله ابن عباس، و مجاهد؛ فعلى هذا في معنى «أَلَّا تَخافُوا» قولان:
أحدهما: لا تخافوا الموت، و لا تحزنوا على أولادكم، قاله مجاهد. و الثاني: لا تخافوا ما أمامكم، و لا تحزنوا على ما خلفكم، قاله عكرمة، و السّدّيّ. و القول الثّاني: تتنزّل عليهم إذا قاموا من القبور، قاله قتادة؛ فيكون معنى «أَلَّا تَخافُوا» : أنهم يبشّرونهم بزوال الخوف و الحزن يوم القيامة. قوله تعالى:
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ قال المفسّرون: هذا قول الملائكة لهم، و المعنى: نحن الذين كنّا نتولّاكم في الدّنيا، لأنّ الملائكة تتولّى المؤمنين و تحبّهم لما ترى من أعمالهم المرفوعة إلى السماء، وَ فِي الْآخِرَةِ أي:
و نحن معكم في الآخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنّة. و قال السّدّيّ: هم الحفظة على ابن آدم، فلذلك قالوا: «نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ» ؛ و قيل: هم الملائكة الذين يأتون لقبض الأرواح.
قوله تعالى: وَ لَكُمْ فِيها أي: في الجنّة. نُزُلًا قال الزّجّاج: معناه: أبشروا بالجنّة تنزلونها نزلا. و قال الأخفش: لكم فيها ما تشتهي أنفسكم أنزلناه نزلا.
[سورة فصلت (41): الآيات 33 الى 36]
(1243) ذكره الواحدي بدون إسناد في «أسباب النزول» 734، و لم أره مسندا، فهو لا شيء، لخلوه عن الإسناد، و الصحيح عموم الآية، و ذكر اليهود و النصارى في هذا الخبر منكر جدا.
(1) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 4/ 117: قال زيد بن أسلم: يبشرونه عند موته، و في قبره، و حين يبعث.
و هذا القول يجمع الأقوال كلها. و هو حس جدا، و هو الواقع.
زاد المسير فى علم التفسير، ج4، ص: 52
قوله تعالى: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ فيمن أريد بهذا ثلاثة أقوال «1» : أحدها: أنهم المؤذّنون. روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أنه قال:
(1244) «نزلت في المؤذّنين»، و هذا قول عائشة، و مجاهد، و عكرمة.
(1245) و الثاني: أنه رسول الله صلّى الله عليه و سلّم دعا إلى شهادة أن لا إله إلّا الله، قاله ابن عباس، و السّدّيّ، و ابن زيد. و الثالث: أنه المؤمن أجاب الله إلى ما دعاه، و دعا الناس إلى ذلك وَ عَمِلَ صالِحاً في إجابته، قاله الحسن.
و في قوله تعالى: وَ عَمِلَ صالِحاً ثلاثة أقوال: أحدها: صلّى ركعتين بعد الأذان، و هو قول عائشة، و مجاهد، و روى إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم: «وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ» قال: الأذان «وَ عَمِلَ صالِحاً» قال: الصّلاة بين الأذان و الإقامة. و الثاني: أدّى الفرائض و قام للّه بالحقوق، قاله عطاء. و الثالث: صام و صلّى، قاله عكرمة.
قوله تعالى: وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ قال الزّجّاج: «لا» زائدة مؤكّدة؛ و المعنى: و لا تستوي الحسنة و السّيّئة، و للمفسّرين فيهما ثلاثة أقوال: أحدها: أنّ الحسنة: الإيمان، و السّيّئة: الشّرك، قاله ابن عباس .. و الثاني: الحلم و الفحش، قاله الضّحّاك. و الثالث: النّفور و الصّبر، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و ذلك كدفع الغضب بالصّبر، و الإساءة بالعفو، فإذا فعلت ذلك صار الذي بينك و بينه عداوة كالصّديق القريب «2» . و قال عطاء. هو السّلام على من تعاديه إذا (1244) لم أره في شيء من كتب التفسير و الأثر، و الأشبه أن المصنف أخذه من تفسير الكلبي أو مقاتل أو نحوهما، فإن المتن باطل. و الصحيح العموم في كل داع يدعو إلى الله تعالى.
(1245) أثر واه. أخرجه الطبري 30542 عن ابن زيد، و اسمه عبد الرحمن، و هو متروك، ليس بشيء.
و أخرجه 30541 عن السدي به، و لم أره عن ابن عباس. و لا يصح، و انظر التعليق المتقدم.
(1) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 4/ 118- 119: و هذه عامة في كل من دعا إلى خير، و هو في نفسه مهتد، و رسول الله صلّى الله عليه و سلّم، أولى الناس بذلك. و قال بعد أن ذكر الأقوال فيمن نزلت: و الصحيح أن الآية عامة في المؤذنين و في غيرهم، فأما حال نزول هذه الآية فإنه لم يكن الأذان مشروعا بالكلية، لأنها مكية، و الأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة، حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في منامه، فقصه على رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فأمره أن يلقيه على بلال فإنه أندى صوتا.