کتابخانه تفاسیر
زبدة التفاسير
الجزء الأول
مقدمة مؤلف
(2) سورة البقرة
(3) سورة آل عمران
الجزء الثاني
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
(7) سورة الأعراف
الجزء الثالث
(8) سورة الأنفال
(9) سورة التوبة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
الجزء الرابع
(17) سورة الإسراء
(18) سورة الكهف
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
الجزء الخامس
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة فاطر
(36) سورة يس
(37) سورة الصافات
الجزء السادس
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة حم السجدة«فصلت»
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(46) سورة الأحقاف
(56) سورة الواقعة
الجزء السابع
زبدة التفاسير، ج1، ص: 23
عليه. و آلهه غيره: أجاره، إذ العائذ يفزع إليه و هو يجيره. أو من: أله الفصيل، إذا أولع بامّه، إذ العباد مولعون بالتضرّع إليه في الشدائد.
و قيل: أصله: لاه، مصدر: لاه يليه ليها ولاها، إذا احتجب و ارتفع، لأنّه تعالى محجوب عن إدراك البصر، و مرتفع على كلّ شيء و عمّا لا يليق.
و قيل: إله ك: إعاء و إشاح، فإنّ أصلهما وعاء و وشاح. و يردّه الجمع على آلهة دون أولهة.
و قيل: هو اسم غير صفة، لأنّك تصفه فتقول: إله واحد، و لا تصف به فلا تقول: شيء إله. و الأظهر أنّه وصف في أصله، لكنّه لمّا غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره و صار كالعلم- مثل الثريّا و الصعق- اجري مجراه في إجراء الوصف عليه، و امتناع الوصف به.
و قيل: أصله «لولاها» بالسريانيّة، فعرّب بحذف الألف الأخيرة و إدخال اللام عليه، و فخّم لامه إذا انفتح أو انضمّ ما قبله. و حذف ألفه لحن.
و «الرحمن» فعلان من: رحم، كغضبان من: غضب. و الرحيم فعيل منه كعظيم. و في الرحمن تأكيد من المبالغة ما ليس في الرحيم، و لذلك قيل: الرحمن بجميع الخلق، و الرحيم بالمؤمنين خاصّة.
و
رووا عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: الرحمن اسم خاصّ بصفة عامّة، و الرحيم اسم عامّ بصفة خاصّة.
و ما روي عن عكرمة أنّه قال: الرحمن برحمة واحدة، و الرحيم بمائة رحمة، فهو مقتبس من
قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إنّ للّه عزّ و جلّ مائة رحمة، و أنّه أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسّمها بين خلقه، بها يتعاطفون و يتراحمون، و أخّر تسعا و تسعين لنفسه، يرحم بها عباده يوم القيامة.
و
روي أنّ اللّه قابض هذه إلى تلك فيكملها مائة يرحم بها عباده يوم القيامة.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 24
و لا يخفى أنّ الرحمن أبلغ من الرحيم، لأنّ زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى، كما في: قطع و قطّع، و كبار و كبّار. و زيادة المعنى في الرحمن بالنسبة إلى معنى الرحيم تارة باعتبار الكمّيّة، و اخرى باعتبار الكيفيّة. فعلى الأوّل قيل: يا رحمن الدنيا، لأنّه يعمّ المؤمن و الكافر، و رحيم الآخرة، لأنّه يخصّ المؤمن. و على الثاني قيل: يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيم الدنيا، لأنّ النعم الاخرويّة كلّها جسام، و أمّا النعم الدنيويّة فجليلة و حقيرة.
و تقديم الرحمن على الرحيم، و القياس يقتضي الترقّي من الأدنى إلى الأعلى، إمّا لاختصاص إطلاقه عليه سبحانه كاختصاص لفظة «اللّه» به، لقوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ «1» فصار كالعلم من حيث إنّه لا يوصف به غيره، لأنّ معناه: المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها، و ذلك لا يصدق على غيره، لأنّ ما عداه مستفيض بلطفه و إنعامه، و لأنّ الرحمن دلّ على جلائل النعم و أصولها، و ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها، فيكون كالتتمّة و الرديف له. و إمّا لتقدّم رحمة الدنيا.
و الرحمة في اللغة: رقّة القلب، و انعطاف يقتضي التفضّل و الإحسان، و منه:
الرحم، لانعطافها على ما فيها، و أسماء اللّه تعالى إنما يؤخذ باعتبار الغايات الّتي هي أفعال دون المبادئ الّتي تكون انفعالات.
روي عن علي بن موسى الرضا عليه السّلام أنّه قال: إنّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقرب إلى اسم اللّه الأعظم من سواد العين إلى بياضها.
و
روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّه قال: إذا قال المعلّم للصبيّ: قل: بسم اللّه الرحمن الرحيم، كتب اللّه براءة للصبيّ، و براءة لأبويه، و براءة للمعلّم.
و عن ابن مسعود: من أراد أن ينجيه اللّه من الزبانية التسعة عشر فليقرأ:
(1) الإسراء: 110.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 25
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فإنّها تسعة عشر حرفا، ليجعل اللّه كلّ حرف جنّة من واحد منهم.
و اعلم أنّ تخصيص تسميته سبحانه بهذه الأسماء دون سائر صفاته الاخرى ليعلم أنّ المستحقّ لأن يستعان به في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الّذي هو مولى النعم كلّها؛ عاجلها و آجلها، جليلها و حقيرها، فيتوجّه بالتوجّه التامّ إلى جناب القدس، و يتمسّك بحبل التوفيق، و يشغل سرّه بذكره، و الاستمداد به عن غيره، و يتشوّق بأن يحمد المنعم الحقيقي الّذي أعطى جميع نعم العاجلة و الآجلة، و يقول:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري من نعمة و غيرها. و التعريف فيه للجنس، و معناه الاشارة إلى ما يعرفه كلّ أحد من أنّ الحمد ما هو. و قيل: للاستغراق، إذ الحمد في الحقيقة كلّه له، إذ ما من خير إلّا هو موليه بوسط أو بغير وسط. و فيه إشعار بأنّه تعالى قادر حيّ مريد عالم، إذ الحمد لا يستحقّه إلّا من كان هذا شأنه.
و المدح هو الثناء على الجميل مطلقا، تقول: حمدت زيدا على علمه و كرمه، و لا تقول: حمدته على حسنه، بل مدحته. و قيل: هما أخوان.
و أمّا الشكر فعلى النعمة خاصّة، قولا و عملا و اعتقادا. فالحمد باعتبار المورد أخصّ من الشكر، و باعتبار المتعلّق أعمّ.
و لمّا كان الحمد أشيع للنعمة و أدلّ عليها، لخفاء الاعتقاد، جعل رأس الشكر و العمدة فيه، كما
قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: الحمد رأس الشكر.
فالمعنى في كونه رأس الشكر: أنّ الذكر باللسان أجلى و أوضح و أدلّ على مكان النعمة، و أشيع للثناء على موليها من الاعتقاد و عمل الجوارح. و نقيض الحمد الذمّ، و نقيض الشكر الكفران.
و إنّما عدل ب الْحَمْدُ عن النصب الّذي هو الأصل في كلامهم، على أنّه من
زبدة التفاسير، ج1، ص: 26
المصادر الّتي تنصب بأفعال مضمرة، كقولهم: شكرا و عجبا و نحو ذلك، إلى الرفع على الابتداء، للدلالة على ثبات المعنى و استقراره و استمراره، دون تجدّده.
و حدوثه في نحو قولك: أحمد اللّه حمدا، و منه قوله تعالى: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ «1» رفع السلام الثاني للدلالة على أنّ إبراهيم عليه السّلام حيّاهم بتحيّة أحسن من تحيّتهم، لأنّ الرفع دالّ على ثبات معنى السلام دون تجدّده. فمعنى الْحَمْدُ لِلَّهِ :
الثناء الحسن الجميل، و المدح الكامل الجزيل، للمعبود المنعم لجلائل النعم.
رَبِّ الْعالَمِينَ المربّي و المالك و المنشئ للخلائق و الأمم. و هو في الأصل بمعنى التربية، و هي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا، ثمّ وصف به للمبالغة كالصوم و العدل. و قيل: هو نعت من: ربّه يربّه فهو ربّ. و لم يطلق الربّ إلّا في اللّه وحده، و يقيّد في غيره فيقال: ربّ الدار، و ربّ الضيعة، و كقوله تعالى: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ «2» .
و العالم اسم لما يعلم به، كالخاتم و القالب، غلب فيما يعلم به الصانع، و هو كلّ ما سواه من الأجسام و الجواهر و الأعراض، فإنّها- لإمكانها و افتقارها إلى مؤثّر واجب الوجود لذاته- تدلّ على وجوده. و إنّما جمعه ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة. و غلّب العقلاء منهم فجمعه بالياء و النون، و إن كان اسما غير صفة، لدلالته على معنى العلم، فهو بمنزلة سائر أوصافهم.
و قيل: اسم وضع لذوي العلم من الملائكة و الثقلين، و تناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع.
و قيل: عنى به الناس هاهنا، فإنّ كلّ واحد منهم عالم، من حيث إنّه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر و الأعراض، يعلم به الصانع كما يعلم بما
(1) هود: 69.
(2) يوسف: 50.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 27
أبدعه في العالم، و لذلك سوّى بين النظر فيهما و قال: وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ «1» . و فيه دليل على أنّ الممكنات كما هي مفتقرة إلى المحدث حال حدوثها فهي مفتقرة إلى المبقي حال بقائها.
و وجه إيثار هذه الصفة بين صفات اللّه تعالى بعد الحمد: أنّ العارف لمّا رأى نعم اللّه تعالى على غيره واضحة، كما شاهد آثارها على نفسه لائحة، عرف أنّه ربّ الخلائق أجمعين، فينبغي أن يقول بعد ذلك: ربّ العالمين، و لمّا رأى شمول فضله للمربوبين، و عموم رزقه للمرزوقين، فبالحريّ أن يقول بعده: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
و قد مضى تفسيرهما.
قال الرمّاني «2» : إنّه سبحانه ذكر في البسملة العبوديّة فوصل ذلك للتنبيه بذكر النعم الّتي يستحقّ بها العبادة، و هاهنا ذكر الحمد فوصله بذكر ما يستحقّ الحمد من النعم، فليس فيه تكرار.
و اعلم أنّ العارف إذا رأى بعض العباد حامدا شكورا، و بعضهم كنودا كفورا، علم أن وراءهم يوما يثاب فيه الشكور و يعاقب فيه الكفور، فلزمه أن يقول بعد هذه الأوصاف الجميلة و النعوت الجليلة: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . قرأه عاصم و الكسائي و يعقوب، و يعضده قوله عزّ و جلّ: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً «3» . و قرأ الباقون:
«ملك»، لقوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ «4» ، و لقوله: مَلِكِ النَّاسِ «5» ، و لما فيه من التعظيم.
(1) الذاريات: 21.
(2) حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان 1: 23.
(3) الانفطار: 19.
(4) غافر: 16.
(5) الناس: 2.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 28
و المالك هو المتصرّف في الأعيان المملوكة كيف شاء، و اشتقاقه من الملك.
و الملك هو المتصرّف بالأمر و النهي مشتقّ من الملك. و يوم الدين يوم الجزاء، و منه:
كما تدين تدان.
و أضاف اسم الفاعل إلى الظرف إجراء له مجرى المفعول به على الاتّساع، كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار، تقديره: يا سارق متاع أهل الدار في الليل.
و معناه: مالك الأمور يوم الدين، على طريقة جعل المتوقّع الّذي لا بدّ من وقوعه بمنزلة الواقع، و مثل ذلك قوله تعالى: وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ «1» . أو: له الملك في هذا اليوم، على وجه الاستمرار. و على التقديرين تكون الإضافة حقيقيّة معدّة لوقوعه صفة للمعرفة، و إنّما تكون غير حقيقيّة إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال، فكان في تقدير الانفصال، كقولك: زيد مالك الساعة أو غدا، و لمّا كان هاهنا بمعنى الماضي أو الاستمرار فكانت إضافة حقيقيّة تصلح أن تكون وصفا للمعرفة.
و قيل: الدين: الشريعة. و قيل: الطاعة. و المعنى: يوم جزاء الدين. و تخصيص اليوم بالإضافة إمّا لتعظيمه، أو لتفرّده تعالى بنفوذ الأمر فيه.
و هذه الأوصاف- الّتي هي كونه سبحانه ربّا مالكا للعالمين، لا يخرج منهم شيء من ملكوتيّته و ربوبيّته، و كونه منعما بالنعم المتواترة الباطنة و الظاهرة، و كونه مالكا للأمر كلّه في الدار الآخرة، بعد الدلالة على اختصاص الحمد في قوله:
الْحَمْدُ لِلَّهِ - فيها دلالة باهرة على أنّ من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحقّ منه بالحمد و الثناء، بل لا يستحقّه على الحقيقة سواه، فإن ترتّب الحكم على الوصف يشعر بعلّيته له. و إذا وصل العارف الطالب إلى هذا المقام علم أنّ له خالقا و رازقا رحيما، يحيي و يميت، و يبدئ و يعيد، و هو الحيّ الّذي لا يشبهه شيء، و الإله الّذي
(1) الأعراف: 44.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 29
لا يستحقّ العبادة سواه.
و لمّا صار الموصوف بهذا الوصف كالمدرك بالعيان، و المشاهد بالبرهان، فكأنّ المعلوم المميّز بتلك الصفات العظام صار عيانا، و المعقول مشاهدا، و الغيبة حضورا، فقال: يا من هذا شأنه و هذه صفاته إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي: نخصّك بالعبادة في كلّ الحالات وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ و نخصّك بطلب المعونة في جميع المهمّات. فتقديم المفعول إنّما هو لقصد الاختصاص، و لهذا قال ابن عبّاس: معناه: نعبدك و لا نعبد غيرك.
و اعلم أنّ «إيّا» ضمير منفصل للمنصوب، و الكاف و الهاء و الياء اللاحقة به في «إيّاك» و «إيّاه» و «إيّاي» لبيان الخطاب و الغيبة و التكلّم، و لا محلّ لها من الإعراب، كالتّاء في «أنت» و الكاف في «أ رأيتك»، إذ هي حروف عند المحقّقين، و ليست بأسماء مضمرة كما قاله بعضهم. و من عادة العرب التفنّن في الكلام، و العدول من أسلوب إلى آخر تنشيطا للسامع، فإنّ لكلّ جديد لذّة، و يسمّى هذا التفاتا. و هو قد يكون من الخطاب إلى الغيبة، و من الغيبة إلى الخطاب، و من الغيبة إلى التكلّم، كقوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ «1» ، و قوله: وَ اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ «2» . و الفائدة المختصّة به في هذا الموضع قد ذكرت آنفا.
و العبادة أقصى غاية الخضوع و التذلّل، و منه: طريق معبّد أي: مذلّل، و لهذا لا تحسن إلّا للّه سبحانه الّذي هو مولى أعظم النعم.
و قدّمت العبادة على الاستعانة ليتوافق رؤوس الآي، و ليعلم منه أنّ تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة.
و الضمير المستكنّ في الفعلين للقارىء و من معه من الحفظة و حاضري
(1) يونس: 22.