کتابخانه تفاسیر
زبدة التفاسير
الجزء الأول
مقدمة مؤلف
(2) سورة البقرة
(3) سورة آل عمران
الجزء الثاني
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
(7) سورة الأعراف
الجزء الثالث
(8) سورة الأنفال
(9) سورة التوبة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
الجزء الرابع
(17) سورة الإسراء
(18) سورة الكهف
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
الجزء الخامس
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة فاطر
(36) سورة يس
(37) سورة الصافات
الجزء السادس
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة حم السجدة«فصلت»
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(46) سورة الأحقاف
(56) سورة الواقعة
الجزء السابع
زبدة التفاسير، ج1، ص: 30
الجماعة، أو له و لسائر الموحّدين، فأدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم، و خلط حاجته بحاجتهم لعلّها تقبل ببركتها و يجاب إليها، و لهذا شرعت الجماعة. و كرّر الضمير للتنصيص على أنّه المستعان لا غير.
و أطلقت الاستعانة ليتناول كلّ مستعان فيه. و الأحسن أن يراد الاستعانة به و بتوفيقه على أداء العبادة، لتلاؤم الكلام و أخذ بعضه بحجزة بعض، فيكون قوله:
اهْدِنَا بيانا للمطلوب من المعونة، كأنّه قيل: كيف أعينكم؟ فقالوا: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ . و على الأوّل يكون هذا إفرادا لما هو المقصود الأعظم.
و الهداية دلالة بلطف، و لذلك يستعمل في الخير، و قوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ «1» على التهكّم و الاستهزاء. و أصلها أن يتعدّى باللام أو ب «إلى»، كقوله: يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ «2» وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «3» فعومل معاملة اختار في قوله: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ «4» .
و السراط- بالسين- الجادّة، من: سرط الشيء إذا ابتلعه، لأنّه يسترط المارّة إذا سلكوه، و بالصاد من قلب السين صادا لأجل الطاء، و هي اللغة الفصحى. و قرأ قنبل عن ابن كثير و رويس عن يعقوب بالسين، و حمزة بالإشمام، و الباقون بالصاد.
و الصراط المستقيم هو الدين الحقّ الّذي لا يقبل اللّه عن العباد غيره. و إنّما سمّي الدين صراطا لأنّه يؤدّي لمن يسلكه إلى الجنّة، كما أنّ الصراط يؤدّي لمن يسلكه إلى مقصده. و المعنى المراد من اهْدِنَا : زدنا هدى بمنح الألطاف، كقوله تعالى:
وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً «5» . و رووا عن أمير المؤمنين أنّ معناه: ثبّتنا.
(1) الصافّات: 23.
(2) الإسراء: 9.
(3) الشورى: 52.
(4) الأعراف: 155.
(5) محمد: 17.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 31
و هداية اللّه تنوّع أنواعا لا تحصى، لكنّها تنحصر في أجناس مترتّبة.
الأوّل: إفاضة القوى الّتي بها يتمكّن العبد من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوّة العقليّة، و الحواسّ الباطنة، و المشاعر الظاهرة.
و الثاني: نصب الدلائل الفارقة بين الحقّ و الباطل، و الصلاح و الفساد، و إليه أشار بقوله: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ «1» ، و قوله: فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى «2» .
و الثالث: الهداية بإرسال الرسل، و إنزال الكتب، و عناه بقوله: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا «3» ، و قوله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ «4» .
و الرابع: أن يكشف على قلوبهم السرائر، و يريهم الأشياء كما هي بالوحي أو الإلهام و المنامات الصادقة، و هذا مختصّ بالأنبياء و الأولياء، و إليه أشار بقوله:
أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «5» ، و بقوله: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا «6» .
ثمّ أراد أن يبيّن سبحانه أنّ الصراط المستقيم هو طريق المؤمنين فقال على سبيل البدليّة: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ و هو في حكم تكرير العامل، فكأنّه قال: اهدنا صراط الّذين أنعمت عليهم. و فائدة هذا البدل التوكيد، لما فيه من التثنية و التكرير، و الإشعار بأنّ الصراط المستقيم بيانه و تفسيره: صراط من خصّهم اللّه بعصمته، و أمدّهم بخواصّ نعمته، و احتجّ بهم على بريّته من الأنبياء و الأولياء
(1) البلد: 10.
(2) فصّلت: 17.
(3) الأنبياء: 73.
(4) الإسراء: 9.
(5) الأنعام: 90.
(6) العنكبوت: 69.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 32
و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين، و هم الّذين ذكرهم اللّه تعالى في قوله: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ «1» فيكون ذلك شهادة لصراطهم بالاستقامة على آكد الوجوه، كما تقول: هل أدلّك على أكرم الناس فلان؟ فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم من قولك: هل أدلّك على فلان الأكرم؟ لأنّك بيّنت كرمه مجملا أوّلا، و مفصّلا ثانيا، و أوقعت فلانا تفسيرا للأكرم فجعلته علما في الكرم، فكأنّك قلت: من أراد رجلا جامعا للكرم فعليه بفلان، فهو المعيّن لذلك لا غير.
و أطلق الإنعام ليشمل كلّ إنعام. و الإنعام: إيصال النعمة، و هي في الأصل الحالة الّتي يستلذّها الإنسان، فأطلقت لما يستلذّه من النعمة.
و قرأ حمزة «عليهم» بضمّ الهاء و إسكان الميم، نظرا إلى أصله المفرد و هو «هم». و كذلك: لديهم، و إليهم. و قرأ يعقوب بضمّ كلّ هاء قبلها ياء ساكنة، في التثنية و الجمع المذكّر و المؤنّث، نحو: عليهما، و فيهما، و عليهم، و فيهم، و عليهنّ، و فيهنّ. و قرأ الباقون «عليهم» و أخواتها بالكسر أمنا من اللبس. و أهل الحجاز و صلوا الميم انضمّت الهاء قبلها أو انكسرت.
و نعم اللّه- و إن كانت لا تحصى، كما قال تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها «2» - تنحصر في جنسين: دنيويّ، و أخرويّ.
و الأوّل قسمان: موهبي، و كسبي. و الموهبي قسمان: روحانيّ، كنفخ الروح فيه، و إشراقه بالعقل و ما يتبعه من القوى كالفهم و الفكر و النطق. و جسمانيّ، كتخليق البدن و القوى الحالّة فيه، و الهيئات العارضة له من الصحّة و كمال الأعضاء.
و الكسبيّ كتزكية النفس عن الرذائل، و تحليتها بالأخلاق الحسنة، و تزيين البدن بالهيئات المطبوعة، و حصول الجاه و المال.
(1) النساء: 69.
(2) النحل: 18.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 33
و الثاني: أن يعفو ما فرط عنه، و يرضى عنه، و يبوّئه في أعلى علّيّين مع الملائكة المقرّبين أبد الآبدين.
و المراد هنا هو القسم الأخير و ما يكون وصلة إلى نيله، فإنّ ما عدا ذلك يشترك فيه المؤمن و الكافر.
و روي عن ابن عبّاس أنّ المراد من الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ هم الّذين كانوا أتباع موسى و عيسى و مطيعين لأوامرهما و نواهيهما. و يؤيّد ذلك قوله عزّ و جلّ بعد ذلك بدلا منه: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يعني: اليهود، لقوله تعالى: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ «1» وَ لَا الضَّالِّينَ يعنى: النصارى، لقوله تعالى: قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً « «2»» . و المعنى: أنّ المنعم عليهم هم الّذين سلموا من غضب اللّه و الضلال. و يحتمل أن يكون صفة له، و إن كان «غير» لا يقع صفة للمعرفة و لا يتعرّف بالإضافة إلى المعرفة، لأنّ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ لا تعيين فيه، كقوله:
... و لقد أمرّ على اللّئيم يسبّني ...
و لأنّ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ و الضَّالِّينَ خلاف المنعم عليهم، فليس في «غير» إذن الإبهام الّذي أبى له أن يتعرّف، فتعيّن تعيّن الحركة من غير السكون.
و المعنى: أنّهم جمعوا بين نعمة العصمة و بين السلامة من غضب اللّه و الضلالة. و قال الحسن: إنّ اللّه تعالى لم يبرئ اليهود عن الضلالة بإضافة الضلال إلى النصارى، و لم يبرئ النصارى عن الغضب بإضافة الغضب إلى اليهود، بل كلّ واحدة من الطائفتين مغضوب عليهم و ضالّون، إلّا أنّ اللّه يخصّ كلّ فريق بسمة يعرف بها و يميّز بينه و بين غيره بها و إن كانوا مشتركين في صفات كثيرة.
و قيل: المراد بالمغضوب عليهم و الضالّين جميع الكفّار، و إنّما ذكروا بالصفتين
(1، 2) المائدة: 60 و 77.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 34
لاختلاف الفائدتين.
و يتّجه أن يقال: المغضوب عليهم العصاة، و الضالّون الجاهلون باللّه تعالى، لأنّ المنعم عليهم من وفّق للجمع بين معرفة الحقّ لذاته و الخير للعمل به، فكان المقابل له من اختلّ إحدى قوّتيه العاقلة و العاملة، و المخلّ بالعمل فاسق مغضوب عليه، لقوله تعالى في القاتل عمدا: وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ «1» ، و المخلّ بالعلم جاهل ضالّ، لقوله تعالى: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ «2» .
و اعلم أنّ الغضب عبارة عن ثوران النفس لإرادة الانتقام، فإذا أسند إلى اللّه تعالى أريد به المنتهى و الغاية على ما مرّ «3» . فمعنى غضب اللّه: إرادة الانتقام منهم و إنزال العقاب بهم، و أن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده.
و محلّ «عليهم» الاولى نصب على المفعوليّة. و محلّ «عليهم» الثانية رفع على الفاعليّة، و «لا» مزيدة لتأكيد ما في «غير» من معنى النفي، فكأنّه قال: لا المغضوب عليهم و لا الضّالين، و لذلك جاز: أنا زيدا غير ضارب، كما جاز: أنا زيدا لا ضارب، و إن امتنع: أنا زيدا مثل ضارب. و أصل الضلال الهلاك، و منه: وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ «4» أي: أهلكها. و الضلال في الدين هو الذهاب عن الحقّ.
و أعجب بضلالة أهل الخلاف أنّهم يقولون: «آمين» في آخر الفاتحة مع أنّهم لم يثبتوه في المصاحف، و يتركون البسملة في أوّلها و أوائل سائر سور القرآن مع أنّهم يثبتونها في مفاتيح جميع السور! و ماذا إلّا الضلال بعد الحقّ، فهم خارجون عن الصراط المستقيم، داخلون في غضب اللّه، و آيسون عن رحمة الرحمن الرحيم، مستوجبون السخط و العذاب الأليم، كاليهود و النصارى و سائر أهل الجحيم.
(1) النساء: 93.
(2) يونس: 32.
(3) في ص: 24.
(4) محمّد: 8.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 35
(2) سورة البقرة
[سورة البقرة (2): الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مدنيّة إلّا آية، و هي قوله تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ «1» الآية، فإنّها نزلت بمنى في حجّة الوداع. و هي عند الكوفيّين مائتان و ستّ و ثمانون آية.
أبيّ، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من قرأ سورة البقرة فصلوات اللّه عليه و رحمته، و اعطي من الأجر كالمرابط في سبيل اللّه سنة لا تسكن روعته. قال: يا أبيّ، مر المسلمين أن يتعلّموا سورة البقرة، فإنّ تعلّمها بركة، و تركها حسرة، و لا يستطيعها البطلة. قلت: يا رسول اللّه، ما البطلة؟ قال: السحرة.
و
قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من قرأ البقرة و آل عمران جاء يوم القيامة تظلّانه على رأسه مثل الغمامتين أو مثل الغيابتين.
و
روى سهل بن سعد قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إنّ لكلّ شيء سناما و سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته نهارا لم يدخل في بيته شيطان ثلاثة أيّام، و من قرأها في بيته ليلا لم يدخل في بيته شيطان ثلاث ليال.
(1) البقرة: 281.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 36
و
سئل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أيّ سور القرآن أفضل؟ قال: البقرة؛ قيل: و أيّ آي البقرة أفضل؟ قال: آية الكرسي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم اختلف في هذه الحروف المقطّعة المفتتح بها السور،
فورد عن أئمّتنا عليهم السّلام أنّها من المتشابهات الّتي استأثر اللّه بعلمها و لا يعلم تأويلها غيره.
و
روت العامّة عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: إنّ لكلّ كتاب صفوة و صفوة هذا الكتاب حروف التهجّي.
عن الشعبي: أنّ للّه في كلّ كتاب سرّا، و سرّه في القرآن حروف التهجّي في أوائل السور.
و قال الأكثرون في ذلك وجوها:
منها: أنّها أسماء للسور يعرف كلّ سورة بما افتتحت به.
و منها: أقسام أقسم اللّه تعالى بها، لكونها مباني كتبه، و معاني أسمائه و صفاته، و اصول كلام الأمم كلّها.
و منها: مفاتيح أسماء اللّه عزّ و جلّ و صفاته، لقول ابن عبّاس في «الم»: معناه: أنا اللّه أعلم، و المر معناه: أنا اللّه أعلم و أرى، و المص معناه: أنا اللّه أعلم و أفصل. و الكاف من كهيعص من كافي، و الهاء من هادي، و الياء من حكيم، و العين من عليم، و الصاد من صادق.
و منها: أنّ كلّ حرف منها يدلّ على مدّة قوم و آجال آخرين بحساب الجمل، كما قاله أبو العالية متمسّكا بما
روي أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمّا أتاه اليهود تلا عليهم «الم» البقرة فحسبوه و قالوا: كيف ندخل في دين مدّته إحدى و سبعون سنة؟! فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فقالوا: فهل غيره؟ فقال: المص و الر و المر. فقالوا: خلطت علينا فلا ندري بأيّها نأخذ،