کتابخانه تفاسیر
زهرة التفاسير، ج3، ص: 1299
بين سبحانه و تعالى فى الآيات السابقة شدة تعصب بعض الذين أوتوا الكتاب، و أنهم غلّقوا بهذا التعصب باب النور فلم تشرق قلوبهم بهداية الإيمان، ثم بين سبحانه أن صرح النبوة واحد، و أن كل نبى متمم لما جاء به سابقه مصدق له، و مبشر بالنبى الذى يجئ بعده، و أن ذلك عهد اللّه و ميثاقه، و فى هذه الآية يشير إلى وحدة الرسالة الإلهية، و أن محمدا صلى اللّه عليه و سلم مؤمن بكل رسول جاء من قبله، و أن ذلك الإيمان جزء من رسالته عليه الصلاة و السلام؛ و لذلك أمره ربه بقوله تعالى:
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ و هذا أمر من اللّه لنبيه بأن يبين لهم ارتباط شرائع اللّه، و أنها سلسلة متصلة، كل حلقة منها آخذة بالحلقة الأخرى، لتنته معها إلى نهاية واحدة، و هى الإخلاص، و قد ابتدأ سبحانه بذكر الإيمان باللّه، فقال: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ و الإيمان باللّه هو جماع الشرائع كلها، إذ الإيمان باللّه يقتضى الإيمان بوجوده واحدا منفردا بالعبودية، و منفردا بالتكوين و الإنشاء، و يقتضى الإخلاص لذاته العلية فيطيعه فيما يأمره به، و ينته عما ينهاه عنه، و تصديق رسله، و عدم الاستكبار على أحد منهم، و ذلك هو الإيمان حقا و صدقا، و الإسلام الذى هو دين النبيين أجمعين، و إذا كان الإيمان باللّه يقتضى تصديق كل ما جاءت به رسل اللّه- ذكر سبحانه بعد ذلك الإيمان بما أنزل على النبيين، و هو عطف للمسبب على السبب و للنتيجة على المقدمة، لبيان شرف النتيجة فى ذاتها، و أنها غرض مقصود لذاته، و ليس فقط تابعا لغيره؛ و ذلك لأن ما أنزل على الرسل فيه لبّ الشريعة السماوية المشتركة فى كل الأديان التى ذكرها اللّه سبحانه بقوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ... (13) [الشورى].
و إن الأنبياء الذين ذكرتهم الآية هم الأنبياء الذين يدعى اليهود و النصارى أنهم يتبعونهم، و فيهم إسماعيل أبو العرب، و فى ذكرهم بيان أن اليهود و النصارى قد خرجوا عن دينهم بكفرهم بالنبى صلى اللّه عليه و سلم.
زهرة التفاسير، ج3، ص: 1300
و الأسباط هم أولاد يعقوب الاثنا عشر، و المراد بما أنزل على الأسباط هو ما أنزل على ذريتهم كالذى أنزل على داود و سليمان و غيرهما من الأنبياء الذين جاءوا من سلالة هؤلاء الأسباط، فكان المعنى: آمنا بما أنزل على إبراهيم و ولديه إسماعيل و إسحاق و حفيده يعقوب، ثم من جاء بعد ذلك من ذرية الأسباط الذين هم أولاد يعقوب، فأنبياء بنى إسرائيل لا يخرجون عن ذلك، ثم خص اثنين من أنبياء بنى إسرائيل بالذكر، و هما موسى و عيسى، فقال: وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ.
و هنا قد يسأل سائل ما الذى أوتيه موسى و عيسى و النبيون، أهو شىء آخر غير ما أنزل عليهم: و نجيب عن ذلك السؤال بأن ما ذكر بأنه أنزل على النبى صلى اللّه عليه و سلم و إبراهيم و إسماعيل و إسحق، هو الجزء الذى لا تختلف فيه الديانات السماوية قط، و هو لبها و خلاصتها، و أساسه التوحيد المطلق، و الإيمان بفضائل الأخلاق، و غيرها مما لا يقبل النسخ و التغيير، و أما الذى أوتيه موسى و عيسى و النبيون من ربهم فهو ما اختص به كل نبى من أحكام توافق زمنهم، و يصح أن نقول جوابا آخر و هو أن ما أوتيه موسى و عيسى و النبيون هو معجزاتهم التى أقاموا بها الدليل على رسالة ربهم، و يصح أن يكون الجواب شاملا للأمرين معا.
و قد أورد الزمخشرى، سؤالا و أجاب عنه هو و غيره، و هو أنه فى سورة البقرة، قد قال اللّه تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ ... (136) [البقرة] فلماذا عبر هنا بقوله تعالى: أُنْزِلَ إِلَيْنا و هنالك أُنْزِلَ إِلَيْنا و قد قال الزمخشرى فى السؤال و فى الجواب ما نصه: «فإن قلت لم عدّى ل «أنزل» فى هذه الآية بحرف الاستعلاء، و فيما تقدم من مثلها بحرف الانتهاء «1» . قلت لوجود المعنيين جميعا؛ لأن الوحى ينزل من فوق، و ينته إلى الرسل، فجاء تارة بأحد المعنيين، و أخرى بالأخرى، و من قال إنما قيل «علينا» لقوله: «قل»، و «إلينا» لقوله: «قولوا» تفرقة بين الرسول و المؤمنين؛ لأن الرسول
(1) حرف الاستعلاء (على)، و حرف الانتهاء (إلى).
زهرة التفاسير، ج3، ص: 1301
يأتيه الوحى على طريق الاستعلاء، و يأتيهم على طريق الانتهاء- فقد تعسف، ألا ترى إلى قوله: بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... (4) [البقرة]، و أَنْزَلْنا إِلَيْكَ، و إلى قوله تعالى: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا ... (72) [آل عمران].
و إنا نميل إلى ما اعتبره الزمخشرى تعسفا؛ لأن الخطاب فى الأول من اللّه لنبيه، و الوحى ينزل عليه، فكان من مقتضى الحقيقة أن يعبر بعلى، و الثانى خطاب للمؤمنين، و الوحى لا ينزل عليهم، و لكن ينته فى نزوله إليهم، و كون اللّه تعالى عبر فى مقام النزول على النبى ب «إلى»، و حكى عن اليهود أنهم قالوا فى مقام النزول إلى المؤمنين بعلى، فلأسباب واضحة فى مقامها لا يخل بالتعليل فى هذا المقام.
لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ هذه ثمرة الإيمان باللّه وحده لا شريك له، و الإيمان بكل رسله، و بكل ما أنزل على رسله، فالنبى و المؤمنون معه إذ يؤمنون بكل ما جاء به الرسل لا يفرقون بين أحد منهم، فلا يؤمنون بواحد و يكفرون بآخرين، و لا يؤمنون بجماعة و يفردون بالكفر واحدا، بل هم فى الإيمان سواء، و إذا كان بينهم تفاضل فى أشخاصهم، فأصل الإيمان برسالتهم واجب لا تفرقة فيه؛ و لكن التفضيل يكون بأمور أخرى وراء أصل التصديق و الإيمان؛ و لذا قال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ ... (253) [البقرة].
ثم بين سبحانه الوصف الكامل لأهل الإيمان، و هو الإذعان لذات اللّه و لذات الحق، فيطلبون الحق مذعنين له مؤمنين به خاضعين، و لذا قال سبحانه:
وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أى و نحن لله سبحانه و تعالى مذعنون مخلصون، لا نذعن إلا له، فلا نفكر فى الأمور تحت تأثير عرض من أعراض الدنيا، أو عصبية جنسية أو دينية، أو حب رياسة و سلطان، بل نطلب الأمر من الأمور و قد أخلصنا فى طلبه، و خلصنا أنفسنا من شوائب الدنيا و أعراضها، فالإخلاص للّه و الإذعان له فيه الخلاص و الاستقامة نحو الحق.
زهرة التفاسير، ج3، ص: 1302
و قد بين سبحانه و تعالى أن الإخلاص للّه سبحانه و الإذعان المطلق هو لب الأديان كلها و روحها، و هو دين اللّه الحق، و لذا قال سبحانه:
وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ الإسلام هنا هو الإسلام فى قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ... (19) [آل عمران] فهو الإيمان باللّه تعالى وحده، و إذعان العقل و النفس و القلب للّه سبحانه و تعالى، فهو التوحيد، و الانقياد، و الإذعان، و الإخلاص لذات اللّه، بحيث يحب الشىء لا يحبه إلا للّه. و كأن المعنى: من يطلب غير الإخلاص دينا للّه تعالى فلن يقبل منه؛ لأن عدم الإخلاص للّه تعالى إشراك للهوى و مآرب الدنيا فى الاتجاه إليه سبحانه، و ذلك نوع من الشرك الخفى، و لذا أكد سبحانه و تعالى ذلك بقوله: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ أى أنه ليس من شأنه أن يقبل غير الإخلاص إذ إن اللّه سبحانه و تعالى لا يقبل من عباده إلا ما كان خالصا له مجردا من كل هوى من أهواء الدنيا، و من كان عنده ذلك الإخلاص الحق هو الذى قال سبحانه و تعالى فى مثله: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) [فصلت].
و إن اللّه تعالى إذا كان لا يقبل ذلك النوع من التدين، و هو الذى خلا من الإخلاص، فإن صاحبه يكون يوم القيامة من الخاسرين، و لذا قال سبحانه: وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ أى أن الخسران يوم القيامة يكون شأنه، إذ خسر رضوانه تعالى، و خسر النعيم المقيم، و خسر رحمة اللّه، فألقى به فى الجحيم.
اللهم هب لنا الإخلاص، و أنر به بصائرنا، و امنحنا قبولك و رضاك يا أرحم الراحمين.
زهرة التفاسير، ج3، ص: 1303
[سورة آلعمران (3): الآيات 86 الى 89]
إن للّه سبحانه و تعالى سننا محكمة فى خلقه، و كما أن الكون يجرى على قوانين ثابتة لا تقبل التخلف إلا إذا أراد اللّه سبحانه و تعالى، كذلك هناك سنن فى النفوس لا تقبل التخلف إلا أن يشاء ربك، و من سننه تعالى فى النفوس أنه لا يهدى إلا من طلب الحق مخلصا فى طلبه، لا يرين على بصيرته هوى يظلمها، و لا يعوق طريق الهداية عرض أو عصبية، و إذا كان اللّه يهدى الضال عن جهالة، فإنه لا يهدى من يضل عن بينة؛ لأنه أركس نفسه فى الشر، و سد ينابيع الخير فى قلبه، و سد مطالع النور فلا تصل إليه؛ تلك سنة اللّه فى خلقه و لن تجد لسنة اللّه تبديلا. و إن أولئك اليهود أضلهم اللّه على علم، فهم آمنوا باللّه تعالى ثم كفروا به، ثم شهدوا بأن الرسول حق و جاءتهم البينات المثبتة المنيرة، ثم بعد ذلك كفروا به، لقد كانوا يعلنون بين المشركين أنه سيجىء رسول يحطم الأصنام، و يستبشرون بمقدمه، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به.
و لذا قال سبحانه و تعالى فى شأنهم و شأن من يماثلهم بعد أن قص الكثير من قصصهم:
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ هذا استفهام للنفى و استبعاد الإيمان مع الحال التى عليها هؤلاء، فالمعنى أن هؤلاء مع حالهم التى هم عليها، و هى استيلاء الهوى على
زهرة التفاسير، ج3، ص: 1304
قلوبهم، و سيطرة الغرض على نفوسهم، و طمس العصبية لإدراكهم- لا يمكن أن يتحقق منهم إيمان و إخلاص صادق فلا يهديهم اللّه، فالنفى الذى اشتمل عليه الاستفهام هو النفى مع هذه الحال؛ و لذا كانت صيغة الاستفهام بلفظ كيف التى يستفهم بها عن الحال، و يكون النفى فيها أيضا مقيدا بهذه الحال التى هم عليها.
و حالهم التى أوجبت هذا النفى مكونة من عناصر أربعة: إيمان فى الابتداء، و شهادة بأن الرسول حق، و كون البينات قد جاءتهم موضحة لهذا الحق، ثم بعد ذلك يكفرون، فلو كان حالهم حال ضلال عن غير علم لأنار اللّه أبصارهم، و لو كانوا مخلصين جهلوا الحقيقة و طلبوها لكانت هداية اللّه لهم ثابتة، و لكنهم غير ذلك، فهم قد كانوا مؤمنين، و يشهدون بالحق، و ذلك عن بينة و عن أدلة يقينية ملزمة، و مع ذلك استولى عليهم التعصب بالباطل، فكان العمى الذى أرادوه، فلا هداية إلى الحق من بعد، و ذلك لأن اللّه تعالى يهدى إلى الحق من أخلص و طلبه، فإن الإخلاص يقذف فى القلب بالنور فيكون الإشراق الروحى، و تكون الهداية الربانية، أما من قصد إلى الباطل، و لم يخلص و عكرت بصيرته بالهوى، فإنه يكون محروما من هداية اللّه، حتى يغير من حاله بأن يتوب عن غيه، و يخلص و ينيب.
و الآية عامة لا ريب فى ذلك، فهى تبين من يحرمه اللّه من هدايته، و هو الذى لا يذعن للحق إلا إذا كان متفقا مع غرضه، و هو من الذين قال اللّه تعالى فيهم وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) [النور].
و لكن المفسرين يذكرون لهذه الآية سببا للنزول، فيروى النسائى عن ابن عباس أنه قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتد ثم ندم، فأرسل إلى قومه يطلب إليهم أن يسألوا الرسول صلى اللّه عليه و سلم: هل من توبة؟ فنزلت الآية «1» . و روى عن
(1) رواه النسائي: تحريم الدم- توبة المرتد (4000)، و أحمد: مسند بني هاشم (2108).
زهرة التفاسير، ج3، ص: 1305
مجاهد أنه جاء الحارث بن سويد فأسلم عند النبى صلى اللّه عليه و سلم ثم كفر فرجع إلى قومه نادما، فأنزل اللّه: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ فحملها إليه رجل من قومه، فقال الحارث: (إنك و اللّه ما علمت لصدوق، و إن رسول اللّه لأصدق منك، و إن اللّه لأصدق الثلاثة) ثم رجع و أسلم «1» ، و روى عن الحسن البصرى أنه قال: إنهم أهل الكتاب من اليهود و النصارى الذين رأوا نعت النبى صلى اللّه عليه و سلم فى كتابهم و شهدوا أنه حق، فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك و أنكروه و كفروا بعد إقرارهم.
و إن هذا هو الذى أميل إليه، فقد قال تعالى فى شأن اليهود: وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) [البقرة]. و إن قصص القرآن فيه بيان تعصب اليهود، و معاملتهم للمسلمين، و تلقيهم لهداية القرآن، و تواصيهم بالنفاق و الكفر.
على أنه مهما يكن سبب النزول فإن الآية تقرر حقيقة ثابتة، و هى أن النفس التى تشهد بالحق و تؤمن به ثم تكفر للهوى و العصبية لا يرجى لها هداية إلا أن تزيل منها درن الغرض، و تنخلع عن العصبية الجامحة بالتوبة النصوح.
و فى النص السامى بعض مباحث:
أولها: ما حقيقة الهداية الإلهية فى هذا المقام؟ و إنا نقول فى الإجابة غير متعرضين لما بين المعتزلة و الأشاعرة من خلاف: إن الهداية هنا هى الهداية المطلوبة فى قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) [الفاتحة] و المذكورة فى قوله تعالى: وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) [الضحى] و هى بيان الطريق الحق، و الإرشاد إلى سبيل المعرفة الحقيقية؛ و إن من يكون على هذه الحال، و هى الإيمان، و الشهادة بالحق و مجىء البينات السابقة- لا يحتاج إلى بيان فوق ما جاء إليه، بل يحتاج إلى عقاب صارم يجعله عبرة لكل من يكون على مثل حاله.