کتابخانه تفاسیر
زهرة التفاسير، ج8، ص: 4307
يمثلوا بالقتلى كما يمثلون، روى أنه فى غزوة أحد قتل سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، و قد ذكر الرواة فى السيرة أن المشركين مثلوا بالمسلمين يوم أحد ..
بقروا بطونهم، و قطعوا مذاكيرهم، ما تركوا أحدا إلا مثلوا به حتى حمزة عم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقد مثلوا به، فرآه مبقور البطن، فقال: «أما و الذى أحلف به لئن أظفرنى الله بهم لأمثلن بسبعين مكانك»، و لكن أمر بالنهى عن المثلة.
و موضع الصبر أيضا فى أنه إذا تمكن منهم المسلمون يعرضون عليهم الإسلام، كما يعرضونه قبل القتال، كما قال النبى صلى اللّه عليه و سلم عندما أرسل معاذ بن جبل و على بن أبى طالب إلى اليمن كل بمفرده: «لا تقاتلهم حتى تعرض عليهم الإسلام، فإن أسلموا فخذ من أغنيائهم صدقة و ردها على فقرائهم، فإن لم يسلموا فلا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم، فإن قاتلوكم فلا تقاتلوهم حتى يقتلوا منكم رجلا فإن قتلوا منكم رجلا، فقولوا لهم: أما كان خيرا من هذا أن تقولوا لا إله إلا الله».
و نرى أن الصبر كان له موضع ليس فى الجهاد بل فى تحمل أذى المشركين عسى أن يهتدوا، هذا إذا كانت الآيات الثلاث مدنية، أما إذا كانت مكية فكيف يكون مبادلة العقاب بعقاب مثله، و المسلمون لم يكن لهم قوة بل كانوا يفرون بدينهم مهاجرين أحيانا و متحملين أبلغ الأذى أحيانا و منهم من يكره و قلبه مطمئن بالإيمان، و الجواب عن ذلك أن المسلمين لم يكونوا جميعا مستضعفين، بل كان فيهم أقوياء و إن كانوا نادرين، كعمر بن الخطاب و حمزة بن عبد المطلب فإنه عندما أسلم عمر ذهب إلى البيت، و نكل بكل من كان فيه حتى إنه كان فيه رجل من المشركين كان قد آذى أبا بكر الصديق فجاء إليه عمر و صرعه، و جلس عليه و أراد أن يفقأ عينيه فاستغاث بالمشركين فما استطاعوا إلى عمر سبيلا و هو بارك عليه كما يبرك الفحل، و كان قوى الجسم مديد القامة عملاقا.
و يقول على بن أبى طالب فى هجرة عمر: كان المسلمون يهاجرون خفية إلا عمر فإنه عندما هاجر لبس لأمته و شد عنزته و نادى: شاهت هذه الوجوه، و أرغم
زهرة التفاسير، ج8، ص: 4308
اللّه هذه المغاطس، من أراد منكم أن تثكله أمه، و ييتم ولده و ترمل امرأته فليلقنى وراء هذا الوادى.
و ما أظن أنهم كانوا يستطيعون أن ينالوا من حمزة و أمثاله، و إلا ذاقوا بدل الكأس أكؤسا، و لكن الصبر كان خيرا للصابرين، و لكن ما سبب ذلك؟ السبب أمران:
الأمر الأول- أن هؤلاء الأقوياء كانوا قلة نادرة قد ادخرهم اللّه للشديدة، و لو استرسلوا لتكاثفوا عليهم و أبلغوا فى إيذائهم، و لشغلت مكة بهم عن الاستماع لدعوة النبى صلى اللّه عليه و سلم.
الأمر الثانى- أن وقت المغالبة بالقوة لم يحن بل كانت المغالبة بالمصابرة ليثير الصبر على الأذى قلوب ذوى المروءات كما كان يحدث أحيانا، و النبى صلى اللّه عليه و سلم كان أقوى فى شخصه و هيبته من كل هؤلاء، و لكنه لم يفرض هيبته ليدخل الناس فى الإسلام مختارين غير هيابين.
و قد حبب اللّه تعالى إليه الصبر فقال: وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ فأكده سبحانه أولا بالقسم، و اللام الدالة عليه، و ب (لام) القسم الواقعة فى جوابه، و بالضمير (هو)، و بالإظهار فى موضع الإضمار للدلالة على أن الصبر خير فى ذاته لمن يصبرون.
و قد أمر النبى صلى اللّه عليه و سلم فى عامة أموره و فى دعوته، و فيما يلقاه من المشركين فقال تعالى:
أمره اللّه تعالى بثلاثة أمور:
الأمر الأول- الصبر، و الصبر فى الناس ضبط النفس و فى النبى صلى اللّه عليه و سلم تحمل الأذى بصدر رحيب، و قلب مطمئن و رضا بالتكليف وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ، أى إلا بتوفيقه و عونه و هو نعم العون و نعم النصير.
زهرة التفاسير، ج8، ص: 4309
الأمر الثانى- ألا يحزن على ما يصيب المؤمنين و كفر الكافرين ... فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ... (8) [فاطر].
الأمر الثالث- ألا يضيق صدره بمكرهم فالرسالة توجب تحمل كل ما يجىء فى سبيل الدعوة، و ضبق صدره بما يمكرون بأن يظن أن لمكرهم، أثّر أى أثر فى دعوته، فاللّه غالب على أمره.
و ختم اللّه تعالى ال سورة بقوله تعالت كلماته بأنه مع المؤمنين دائما.
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128).
إن اللّه مع الذين امتلأت قلوبهم تقوى، و جعلوا بينهم و بين غضب اللّه وقاية وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ، و أكد إحسانهم بالضمير و بالجملة الاسمية، و هو معهم بالصحبة السامية و بالتأييد و بالنصر و بالعزة لهم فى الدنيا و الآخرة، و اللّه ولى المؤمنين.
***
زهرة التفاسير، ج8، ص: 4310
سورة الإسراء
تمهيد:
سورة الإسراء سورة مكية، و عدد آياتها 111 إحدى عشرة و مائة آية، و قد قيل: إنها مكية نزلت بعض آياتها بالمدينة و هى قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) و قوله تعالى: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) إلى قوله تعالى: وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) و كذلك قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88).
و قد ابتدئت ال سورة الكريمة بذكر خبر الإسراء و الإشارة إلى المعراج فى قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) و ذكر سبحانه أن أهل مكة و بيت المقدس و غيرهم هم ذرية من حملهم اللّه مع نوح.
ثم بين سبحانه أنه قضى لبنى إسرائيل أن يفسدوا فى الأرض، ففى الأولى يبعث اللّه لهم قوما أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار، ثم يجعل اللّه تعالى لأهل الإيمان من أتباع محمد صلى اللّه عليه و سلم من رد الكرّة عليهم، و أمد اللّه المؤمنين بأموال و بنين و جعلهم أكثر نفيرا، فإذا جاء وعد المرة الآخرة من فسادهم يدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة، و خاطب سبحانه المؤمنين بقوله تعالى: ... لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7) و يشير سبحانه إلى أن سبب ذلك فساد أحوال المسلمين، و أنهم إن صلحوا صلحت الأمور، فيقول عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ
زهرة التفاسير، ج8، ص: 4311
حَصِيراً (8) و يشير سبحانه إلى أن خسارة المسلمين ترجع إلى ترك القرآن، إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) و بين أحوال الإنسان فقال: وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (11).
و يذكّر اللّه سبحانه المؤمن المدرك بأنه خالق الليل و النهار ليبتغوا فضلا من ربهم، و ليعلموا عدد السنين و الحساب، و يذكر اللّه تعالى الناس بيوم الحساب، و أن كل إنسان يكون معه كتابه قد سجلت فيه حسناته و سيئاته مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى .
و يبين سبحانه أن هلاك الأمم و ضعف المسلمين أمام بنى إسرائيل فى جولتهم الأخيرة سببه الترف و التراخى: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16)، و بين اللّه سبحانه و تعالى بعد ذلك سنته فى القرون الماضية الذين أهلكهم اللّه سبحانه، و يقرر سبحانه أن مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) و نهى سبحانه عن عبادة غير اللّه مع اللّه فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا .
و يأمرنا سبحانه و تعالى أمرا: وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24)، ثم يوصى سبحانه و تعالى بالقرابة كلها، و بالتوسط فى إنفاق المال، و لا ينفقه إلا فى خير، ثم ينهى عن قتل النفس و عن الزنا، و أن قتل النفس يجعل للمولى سلطانا فى طلب الدم، ثم ينهى سبحانه عن أن يقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده، و يأمر سبحانه بالوفاء بالعهد و بالوفاء بالكيل و الميزان،
زهرة التفاسير، ج8، ص: 4312
ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا ، و أمر سبحانه أن: ألا يقف الإنسان ما لا علم له به، أو ما لا سبيل إلى العلم، إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا .
و يعلم الإنسان الأدب و اللياقة حتى لا ينفر الناس منه، وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) و إن ذلك له فى المجتمع عواقب سيئة مكروهة مقطعة لأوصال الجماعة.
و ينهى سبحانه عن أن يكون مع اللّه إله آخر، و يندد بعادات أهل الجاهلية فى كراهيتهم للبنات أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (40) و قد بين اللّه تعالى تصريفه سبحانه فى القرآن ليتذكر الناس ولكنه يزيدهم نفورا؛ لأنهم يرون فيه قوة الحق، و المبطل المعاند كلما وضحت الحجة نفر و ما اهتدى، ثم يبين سبحانه أنه لو كان معه آلهة كما يقولون لنازعوه سبحانه و تعالى فى عرشه فيفسد الكون.
ثم ذكر سبحانه تسبيح كل ما فى الوجود له، ثم بين سبحانه هداية القرآن و ضلال الناس: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) و إن الأمر الذى يشغلهم عن الحق هو كفرهم بالبعث فهم يقولون: أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ، فيرد اللّه تعالى كلام هؤلاء فيقول: قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَ يَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51).
و بين سبحانه أن هذا كله من نزغ الشيطان بينهم، و إن ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم و إن يشأ يعذبكم، و ما أرسلناك (يا محمد) عليهم وكيلا، و قد بين
زهرة التفاسير، ج8، ص: 4313
سبحانه أنه فضّل بعض النبيين على بعض، و آتى الله داود زبورا، و يبين سبحانه عجز الأوثان عن كشف الضر، و يصف المؤمنين فيقول تعالت كلماته: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57).
و يضرب اللّه تعالى الأمثال بالقرى التى فسقت عن أمر ربها، فيقول سبحانه: وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (58).
طلب المشركون آيات حسية بدل القرآن، فيقول سبحانه: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (60).
ثم يشير سبحانه إلى قصة الخلق و التكوين و يذكر تكريم آدم بالأمر بالسجود له، و موقف إبليس، و يأمره سبحانه بأن يبذل أقصى ما يملك وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (64) و بين سبحانه أن عباده المؤمنين ليس للشيطان عليهم سلطان، و كفى بربك وكيلا.
ثم بين سبحانه نعمه فى البر و البحر و كشف الضر إذ يستغيثون به، فإذا كشف الضر عنهم أعرضوا و كان الإنسان كفورا.