کتابخانه تفاسیر
زهرة التفاسير، ج9، ص: 4789
لله تعالى فكل صوت انخفض، و كل جهارة فى القول، و الخضوع لِلرَّحْمنِ ، و هو القهار فى ذلك اليوم، و وصف بالرحمة لأنه يوم العدل، و العدل هو الرحمة، فكل يأخذ حقه، و يؤدى ما عليه، و يحاسب على ما قدمت يداه، إن خيرا فخير، و إن شرا فشر، إذا كان ذلك الخشوع خشية من الرحمن العادل فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً ، إلا صوتا خفيّا، و قالوا: إنه صوت وقع الأقدام فلا حديث و لا كلام هلعا و فزعا.
و كل إنسان مقدم على أمر أحس بخطورته، و قد اعترته هيبة اللقاء، و أحس بالحساب و لا يدرى ما الله فاعل به، فالأبرار يستقلون حسناتهم، و يعدون أخطاءهم كبائر، و الأشرار يعروهم الإحساس بآثامهم و عظم ما ارتكبوا، و يجدون عملهم محضرا، و يعانون ما أنكروه من قبل، و هو البعث و الحساب.
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109).
«إذ» فى يَوْمَئِذٍ تشير إلى يوم ينفخ فى الصور، و يكون البعث المراد يوم الحساب، يجىء كل إنسان و معه أعماله مسجلة عليه فى كتابه قد سجلت حسناته، و سجلت سيئاته، و جوارحه تنطق بما اكتسبت من آثام و تحوطه السيئات و يحاسب على ما عمل، و لا شفيع يشفع و لا فدية تدفع إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا ، و هذه الشفاعة تكريما للشافع و ليست استنزالا لعقاب، أو زيادة فى ثواب، فالله سبحانه يعلم الجزاء حق العلم و إنما هى إظهار لكرامة الكرماء عند الله العزيز الحكيم، الذى علم كل شىء فقدره تقديرا و ما قدره فى علمه واقع لا محالة، فإن كان بشفاعة شفيع وقع ما كتب على أنه استجابة لشفاعة اختص بها كريما مكرما.
فالشفاعة بالإذن، و يقال للشفيع اشفع تشفع، فهى لا تكون إلا بإذن من الله و لا تكون إلا لمن وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا ، كما قال فى آية أخرى، ... إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَرْضى (26) [النجم].
و قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا كأنه لا بد من شرطين لقبول الشفاعة و هو إذن الله تعالى، و لا يكون الإذن إلا من مرضى القول مقبول، لأنه تكريم من الله عز و جل لأجل الاستقامة، و العدالة فى القول، فلا يشفع لأثيم،
زهرة التفاسير، ج9، ص: 4790
و قلنا: إن هذا يكون تكريما للشفيع و لرحمة العباد، و هو مقدّر فى علمه المكنون، فالشفاعة لا تغير مقدورا، و لكن تنفذ المقدور، و قوله تعالى: وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا التنكير هنا لتعميم القول لا لتخصيصه، أى رضى الله سبحانه و تعالى له قولا أيّ قول، أى كان الصادق الأمين عند الله تعالى، و لا يكون ذلك إلا لرسول من المقربين المصطفين الأخيار.
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110).
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أى ما هو أمامهم و يستقبلهم، وَ ما خَلْفَهُمْ ، أى ما خلفوه و قاموا به من أعمال، هذا تعبير قرآنى يعبر عن الأمور الحاضرة و المستقبلة بأنها بين الأيدى، و كأن فى الكلام استعارة شبّه الأمور التى تقع فى الحاضر أو المستقبل بما يكون مهيأ بين أيديهم يفعلونه، و الأمور الماضية التى عملوها فى الماضى بما خلفهم؛ لأنهم تركوه فكان فى أعقابهم فالله علم أعمالهم، و ما تستحق من جزاء، و ما قدره من عقاب، و ثواب و غفران و رحمة من عنده إنه هو الغفور الرحيم الودود السميع البصير.
وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً الضمير فى بِهِ يصح أن نقول إنه يعود على ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ فالله سبحانه و تعالى يعلمه، و هم لا يحيطون بشىء من علم هذا، فالقابل مغيّب عنهم لا يعلمونه، و الحاضر لا يعلمونه علم إحاطة، بل علم الإحاطة عند الله وحده، و كذلك ما خلفهم لا يعلمونه علم إحاطة، و المراد بعلم الإحاطة علم البواعث و الغايات و النافع و الضار، و نتائج الأفعال و ثمراتها و حقائقها و كنهها و ما تسره الأنفس و ما تعلنه، و قوله تعالى: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً هو كقوله تعالى: ... وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ ... (255) [البقرة].
و يصح أن نقول: إن الضمير يعود على ذى الجلالة؛ لأن الله أعلى من أن نعرف ذاته، إلا بما يعرفنا به من صفات، و الاحتمال الأول أقرب، و به نقول، و الله أعلم.
زهرة التفاسير، ج9، ص: 4791
وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111).
عَنَتِ من عنا يعنو إذا خضع، و خشع و خنع، و منه قولهم عن الأسير أنه العانى، أى الخاضع و هذا الخنوع هل هو فى الدنيا، أم فى اليوم الآخر؟ إنه بلا شك فى اليوم الآخر؛ لأن الله سبحانه هو مالك يوم الدين، و هو مالكه، ففيه لا يكون إرادة إلا إرادة الواحد القهار، و قيل إن هذا فى الدنيا، فإن الله تعالى فى قبضته السموات و الأرض فكل الوجود خانع عان له سبحانه.
و أرى أن ذلك فى الدنيا و الآخرة: الْوُجُوهُ المراد به الذوات كلها، فالوجه يعبر به عن الذوات؛ لأن به المواجهة، و قوله تعالى: لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ، أى الذى يبقى و لا يموت أبدا، فهو الحى الباقى الذى تذل له كل الوجوه، و القيوم هو القائم على الخلق يدبرهم، و هو القائم عليهم يحصى حسناتهم و سيئاتهم، و هو الدائم الباقى ملك الناس فى الدنيا و الآخرة.
و لقد قال سبحانه: وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً .
الواو واو الحال، و الخيبة: الخسران و الفشل و العجز، فهى تشمل فى معناها كل هذه المعانى، و سجل سبحانه و تعالى الخيبة على من حمل ظلما، و عبر سبحانه و تعالى عن حمل الظلم أو كسبه بقوله تعالى: مَنْ حَمَلَ ظُلْماً إشارة إلى أنه وزر كبير ينوء به من يحمله، و إنه يحسبه هينا، و هو حمل ثقيل، و هو تنبيه لمن يظلمون مستهينين بالناس مستخفين بأنهم يحملون ثقلا ينوء به الناس أمام الله، و قد نكّر ظُلْماً للإشارة إلى أن عموم الظلم عبء كبير، و المعنى حمل ظلما أى ظلم.
و فى الحديث الصحيح: «يقول الله عز و جل: «و عزتى و جلالى لا يجاوز اليوم ظلم ظالم» «1» و عن النبى صلى اللّه عليه و سلم: «إياكم و الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» «2» و الخيبة كل الخيبة لمن لقى الله تعالى و هو به مشرك فإن الله يقول: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) [لقمان] و الظلم قلّ أو كثر خيبة كل الخيبة، لأن من ينال حقه بظلم خائب أمام الله و الناس و الحق فى ذاته، و ناقص فى إنسانيته، و الله أعلم.
(1) و عن ثوبان، عن النبى صلى الله عليه و سلم قال:" يقبل الجبّار- تبارك و تعالى- يوم القيامة فيثني رجله على الجسر، فيقول: و عزّتي و جلالي لا يجاوزني ظلم ظالم، فينصف الخلق بعضهم من بعض حتّى إنّه لينصف الشّاة الجمّاء من الشّاة العضباء بنطحة تنطحها". رواه الطبراني، و راجع مجمع الزوائد:
(81481).
(2) بهذا اللفظ: رواه الدارمي: السير- في النهي عن الظلم (2404)، و هو جزء من حديث رواه أحمد: مسند المكثرين- مسند عبد الله بن عمرو بن العاص (6542).
زهرة التفاسير، ج9، ص: 4792
الجزاء فى الآخرة و علم القرآن فى الدنيا
[سورة طه (20): الآيات 112 الى 114]
بعد أن ذكر الله سبحانه و تعالى جزاء الأشرار و حالهم عند ما يظهر لهم البعث و يرونه عيانا، و قد أنكروه من قبل و شددوا فى إنكاره حتى حسبوه غير معقول، ذكر لهم حال الذين آمنوا به و صدقوه:
وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً (112).
وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ ، أى من يقوم بالعمل الصالح فى علاقته بربه، فلا يخضع إلا له، و يقوم بالعبادة التى كلفه إياها، و ينفع الناس استجابة لأمر ربه و يحب نفعهم، و يكون كما قال النبى صلى اللّه عليه و سلم: «أن يحب الشىء لا يحبه إلا لله» «1» فيكون فى عبادة دائمة حتى فى مأكله و مشربه و ملبسه و فى بضعه إذ يفعل ذلك استجابة لله تعالى، و قال تعالى: وَ هُوَ مُؤْمِنٌ «الواو» واو الحال، أى و الحال أنه مؤمن، فالعمل الصالح لا يعطى حقه من الجزاء إلا مع الإيمان، لأن معطى الجزاء هو الله تعالى، و الإيمان هو الإيمان بالله و كيف يثاب من الله تعالى من لا يؤمن بالله تعالى، إنه حائر بائر ليس له مقصد فى عمله، و لا نية يرتجى الخير بها، و قد قال فى الذين كفروا و فعلوا بعض الأمور النافعة فى الدين: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) [آل عمران].
(1) سبق تخريجه.
زهرة التفاسير، ج9، ص: 4793
و قوله تعالى: فَلا يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً ، هذا جواب الشرط، و معناه يعطون أجرهم موفورا غير منقوص فَلا يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً الظلم النقص من العمل أو ثوابه، و الهضم معناه الكسر، و قد خاض المفسرون فى الفرق بينهما، و حيثما اجتمعا وجب ذكر الفرق؛ لأنه يجب أن يكون لكلّ معنى خاصا به مؤسسا عليه و التأسيس أولى من التأكيد.
و نقرب الفرق بينهما فنقول: إن الظلم هنا هو النقص من الأعمال التى يستحق عليها الثواب، و الزيادة من السيئات انتقاص من الأعمال الصالحة، و أما الهضم فهو ألا تعطى الأعمال حقها فتكسر، كما يكسر الطعام فى قلب الهضيم، و الله أعلم.
بعد ذلك ذكر الله تعالى القرآن الكريم فى مقام بيان الحق و الهداية فى الحياة الدنيا و كيف بقى محفوظا إلى يوم الدين.
قال تعالى:
وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) قوله تعالى: وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ، أى كهذا الإنزال الذى عاينته و نزل على قلبك قرآنا عربيا، و الإشارة لبيان شأنه، و المشبه هو ما قدره الله لك معجزة، و المشبه به هو هذا الذى تذكر به، و هنا نلاحظ ملاحظتين:
أولاهما- أنه هنا عبر ب أَنْزَلْناهُ ، و فى أكثر الآيات كان التعبير بنزلنا، و ينزل، فما الفرق و لم كان الاختيار بأنزلناه؟ و نتلمس الحكمة فنقول: إن المراد به القرآن كمعجزة فى ذاته سواء أنزل دفعة واحدة أم منجما، فكان التعبير بأنزلنا، و عندما كان ينزل لبيان الشرع و لحفظ آية آية كان التعبير بنزّلنا، و هنا بيان أنه معجزة و أنه جاء مبشرا و منذرا ينتفع به المتقون و يذكر به غيرهم ليكون لهم نذيرا.
الثانية: أنه قال قُرْآناً عَرَبِيًّا و هذه حال من أَنْزَلْناهُ و فيه وصفان أحدهما أنه قرآن و الثانى أنه عربى، و وصف قرآن يفيد أنه مقروء متلو يتعبد بتلاوته، و أن النبى صلى اللّه عليه و سلم تلقاه عن جبريل بقراءاته و تلاوته، و أنه متواتر بتلاوته و طرق قراءاته، و هو محفوظ بقراءاته و تلاوته، و أن العناية تتجه إلى قراءاته لا إلى تسطيره فهو يحفظ بتواتره جيلا بعد جيل محفوظا فى الصدور، و ليس متواترا فقط بكتابته فى السطور.
زهرة التفاسير، ج9، ص: 4794
و الوصف الثانى أنه عربى فلا يعد قرآنا ما ليس بعربى، فترجمة القرآن لا تعد قرآنا بل إنه لا يمكن ترجمته قط كما قرر العلماء، و كما هو الحق فى ذاته، و إذا كان قد روى عن أبى حنيفة أنه أجاز قراءة الفاتحة بالفارسية فذلك على أنها دعاء لا على أن الترجمة قرآن، و لذا لا تجب سجدة التلاوة بقراءة الترجمة، و مع ذلك فالرواية الصحيحة أنه رجح ذلك، و الله أعلم.
و قال تعالى فى شأن القرآن وصفا ثالثا، و هو تصريف الوعيد فيه، من ذكر القصص الذى فيه المثلاث، و ما نزل بالعصاة، و فيه ذكر يوم القيامة، و ما يكون فيه من عقاب و حساب، و فى ذكر الحق فى ذاته، و بيان كماله، و كمال من يتحلى به.
و الْوَعِيدِ هو الإنذار، و تصريف الإنذار الإتيان به بأساليب مختلفة، كما أشرنا من بيان هول يوم القيامة، أو قصص الماضين، و فيه عبرة لأولى الأبصار، و هول القيامة، و التنبيه للآيات المختلفة الدالة على قدرة الله العلى.
و قال تعالى: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ، أى صرفنا من الوعيد بطرق البيان المختلفة الصادقة ليكونوا فى حال من يرجى تقواهم و إذعانهم للحق، و تصديقهم له، و يتقون بذلك عذاب جهنم و إغضاب الله تعالى. و ينالون رضوانه و هو أعظم الثواب، أو يحدث هذا التصريف لهم ذكرا يذكرهم بعذاب العاصين، و يكون لهم نذيرا، و قد أسندت التقوى إليهم؛ لأنها أمر نفسى يتجهون إليه بعد قيام الدليل، و أما من لم يتعظ فالقرآن يحدث لهم ذكرا و إنذارا و لقد قال تعالى:
قال تعالى: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُ ، الفاء للإفصاح عن شرط مقدر تقديره: إذا كان قد أنزل القرآن و صرف من الوعيد ليتقى من يتقى و لينذر من لم يتعظ، فإن هذا يدل على علوه و كمال حكمته. (تعالى) معناها بلغ فى العلو أعلاه، و قد تعالى فى ذاته و صفاته فليس كمثله شىء، و هو منزه عن الحوادث و متصف بصفات الجلال و الكمال، و هو الملك النافذ الأمر فى خلقه، و المبدع لهذا الوجود
زهرة التفاسير، ج9، ص: 4795
الذى لا سلطان لأحد سواه، و كل سلطان لأحد فى الأرض مضطرب ينتهى إلى زوال، و محاسب عما يفعل، و مجزى على عمله، و تدبيره و فكره العملى، فالله هو الملك الحق الثابت الذى لا يكون فوقه أحد، و هو العدل الذى يقدر كل شىء حق قدره.
هذا هو الله خالق السموات و الأرض و ما بينهما، و هو الذى يملك ميزان هذا الوجود: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ... (41) [فاطر].
و لقد ذكر سبحانه نزول القرآن فقال عز من قائل: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ .
كان النبى صلى اللّه عليه و سلم يساوق الأمين جبريل فى قراءته عندما يوحى إليه بالقرآن فنهاه الله تعالى عن ذلك، و قال هذا النص السامى له تعليما عند تلقى القرآن الكريم، و قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ، أى من قبل أن ينتهى وحيه إليك و يحكم بترتيله و تلاوته، حتى ينقله إلى أمته مرتلا فيتوارثوه مرتلا، و ذلك كقوله تعالى: فى سورة القيامة: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19) [القيامة]، و قرءانه الثانية معناها تلاوته و ترتيله، كما قال تعالى: ... وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) [المزمل]، و كما قال تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) [الفرقان].