کتابخانه تفاسیر
سواطع الالهام فى تفسير القرآن، المقدمة، ص: 48
عباس: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «حبّ عليّ يأكل الذنوب، كما تأكل النار الحطب» «1» .
كما ذكر محب الدين الطبري بإسناده عن الاسلمي أنه قال، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من أحبّ عليا فقد أحبّني، و من أبغض عليا فقد أبغضني، و من أذى عليا فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى اللّه عزّ و جلّ» «2» .
و هناك العديد من الروايات و الأحاديث النبوية الموثّقة تؤكد لنا على حبّ علي عليه السلام و التمسّك به، فأي ضير إذا في الإسراف بحبّ علي، و التفاني فيه ما دام ذلك يحبّه اللّه و رسوله، و هل هذا يسمّى إسراف في حبّ من يحبّه اللّه و رسوله؟! 2- ان الذهبي ادعى أن إسراف المغالين في حبّ علي عليه السلام أدّى إلى اختلاقهم عليه ما هو بريء منه، و ذلك إما ترويجا لمذهبهم و تدعيما له، أو لظنهم الفاسد أن الإغراق في نسبة الأقوال العلمية إليه يعلي من قدره، و يرفع من شأنه العلمي.
كان على الذهبي أن يرينا بعض الروايات المختلقة التي يقصد بها تدعيم مذهب اتباع مدرسة أهل البيت، و هل أن المذهب الذي يتّبع أقوال الإمام علي و أولاده الأئمة الأحد عشر- عليهم أفضل الصلاة و السلام- يحتاج الى دعم و ترويج، في حين كل المذاهب الإسلامية ترجع إليه، كما يفصّله ابن أبي الحديد- و هو في صدد ذكر مكانته العلمية- فيقول:
«إن أشرف العلوم هو العلم الإلهي، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، و معلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف العلوم. و من كلامه عليه السلام اقتبس، و عنه نقل، و اليه انتهى، و منه ابتدأ ...».
و من العلوم علم الفقه، و هو عليه السلام أصله و أساسه، و كل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه، و مستفيد من فقهه، أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف و محمد و غيرهما، فأخذوا عن أبي حنيفة، و أما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن، فيرجع
(1) ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق: 4/ 162، و المتقي الهندي- كنز العمال: 11/ 621.
(2) محب الدين الطبري- ذخائر العقبى: 65.
سواطع الالهام فى تفسير القرآن، المقدمة، ص: 49
فقهه أيضا الى أبي حنيفة، و أبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد (الصادق) عليه السلام، و قرأ جعفر على أبيه عليه السلام، و ينتهي الأمر الى علي عليه السلام.
و أما مالك بن أنس، فقرأ على ربيعة الرأي، و قرأ ربيعة على عكرمة، و قرأ عكرمة على عبد اللّه بن عباس، و قرأ ابن عباس على عليّ بن أبي طالب.
و إن شئت فرددت إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك كان لك ذلك. فهؤلاء الفقهاء الأربعة.
و أما فقه الشيعة، فرجوعه إليه ظاهر (فإن مصدره هو الأئمة الاثنا عشر علي و أولاده، يأخذ الإمام علمه من أبيه الإمام، واحدا تلو الآخر، حتى ينتهي الى الإمام علي عليه السلام).
و أيضا، فإن فقهاء الصحابة كانوا عمر بن الخطاب، و عبد اللّه بن عباس، و كلاهما أخذ عن علي عليه السلام.
أما ابن عباس فظاهر، فقد قال ابن أبي الحديد: «و قد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته لعلي، و انقطاعه إليه، و أنه تلميذه و خرّيجه» «1» .
و أما عمر فقد عرف الكل رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه و على غيره من الصحابة، و قوله غير مرة: «لو لا عليّ لهلك عمر»، و قوله: «لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن»، و قوله: «لا يفنين أحد في المسجد و علي حاضر»، فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه «2» .
ثانيا: و يرى الذهبي أن الشيعة إنما اختلقوا على إمامهم ما هو بريء منه:
أ- إما ترويجا لمذهبهم و تدعيما له ...
ما هي الحاجة التي تدعوا الشيعة لانتحال أقوال على إمامهم لدعم مذهبهم؟
(1) ابن ابي الحديد- شرح نهج البلاغة: 1/ 19 طبع القاهرة- دار احياء الكتب العربية- البابي الحلبي/ ط ثانية 1965 منشورات مكتبة آية اللّه السيد المرعشي- قم- إيران.
(2) ابن أبي الحديد- المصدر المتقدم: 1/ 19.
سواطع الالهام فى تفسير القرآن، المقدمة، ص: 50
فكلام علي عليه السلام- كما يقولون-: «دون كلام الخالق، و فوق كلام المخلوق» «1» .
إن مذهب الإمامية- و هو الاعتقاد بخط إمامة علي و أولاده الأحد عشر عليهم السّلام- لا اعتقد بحاجة الى تدعيم جهة أو أحد، فهو مذهب قائم بذاته له جذوره الأساسية المنتهية الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منذ تأريخ الإسلام الأول، و الباحث الموضوعى يستطيع أن يستنتج من التأريخ الإسلامي امتداد هذا المذهب الى عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله «2» .
ب- و أما لظنهم الفاسد أن الإغراق في نسبة الأقوال العلمية إليه يعلى من قدره، و يرفع من شأنه العلمي ... «3» الظاهر أن الكاتب أخذ يسطر الكلمات دون تمحيص، فالشيعة لا تلقي الكلمات على عواهنها، فلما ذا لا ترفع شهادات النبي صلّى اللّه عليه و آله في حق علي من شأنه العلمي؟ فحين يقول صلّى اللّه عليه و آله: «انا مدينة العلم و علي بابها»، و في رواية ابن عباس: «أنا مدينة العلم و علي بابها، و من أراد العلم فليأت الباب»- و قد مرت الإشارة الى مصدر الروايتين و أمثالهما- فلا شك أنها ترفع من شأن علي العلمي.
ثالثا: و يظن الذهبي أنما نسب الى علي عليه السلام من قوله: «و لو شئت أن أوقر سبعين بعيرا من تفسير أم القرى (سورة الفاتحة) لفعلت» لا أصل له، اللهم إلّا في أوهام الشيعة الذين يغالون في حبّه، و يتجاوزون الحدّ في مدحه «4» .
و لنا مع هذا القول:
1- إن قول الإمام علي عليه السلام بشأن تفسير فاتحة الكتاب نقله السيوطي بإسناده عن ابن أبي جمرة، المحدّث المالكي «5» و لم ينقله الشيعة، و الناقل هذا صاحب
(1) ابن أبي الحديد- شرح نهج البلاغة: 1/ 19.
(2) محمد الحسين آل كاشف الغطاء- أصل الشيعة و أصولها: 43 طبع بيروت- مؤسسة الاعلمي للمطبوعات/ ط- الرابعة 1982 م.
(3) د. الذهبي- التفسير و المفسرون.
(4) د. الذهبي- التفسير و المفسرون.
(5) عبد اللّه بن سعد بن سعيد بن ابي جمرة، ابو محمد من العلماء المحدثين، مالكي، أصله من الأندلس، و وفاته بمصر عام 695 ه. من كتبه «جمع النهاية» مطبوع، اختصر به صحيح البخاري، و يعرف بمختصر ابن أبي جمرة. و له كتابان أيضا في الحديث. راجع ترجمته في الزركلي- الاعلام: 4/ 89 طبع بيروت- دار العلم للملايين 1986 الطبعة السابعة.
سواطع الالهام فى تفسير القرآن، المقدمة، ص: 51
مختصر صحاح البخاري.
و على هذا فإن ادعائه أنه من أوهام الشيعة باطل و تجني عليهم، فإن لفيفا من علماء السنة يؤمنون بهذا القول الصادر من الإمام، و لا يرون فيه غرابة إلا الذين في قلوبهم مرض.
2- إن السيوطي يحاول أن يبدد ما علق بأذهان هؤلاء المستغربين من قول الإمام علي عليه السلام بشأن تفسير سورة الفاتحة فقال:
«و بيان ذلك: أنه إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يحتاج تبيين معنى الحمد، و ما يتعلّق به الاسم الجليل الذي هو اللّه، و ما يليق به من التنزيه. ثم يحتاج إلى بيان العالم و كيفيته على جميع أنواعه و أعداده، و هي ألف عالم، أربعمائة في البر، و ستمائة في البحر. فيحتاج الى بيان ذلك كله. فإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يحتاج الى بيان الاسمين الجليلين، و ما يليق بهما من الجلال، و ما معناهما، ثم يحتاج الى بيان جميع الأسماء و الصفات، ثم يحتاج الى بيان الحكمة في اختصاص هذا الموضع بهذين الاسمين دون غيرهما. فإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يحتاج الى بيان ذلك اليوم و ما فيه من المواطن و الأهوال، و كيفية مستقرة، فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يحتاج الى بيان المعبود من جلالته و العبادة و كيفيتها و أدائها على جميع أنواعها، و العابد في صفته، و الاستعانة و أدائها و كيفيتها.
فإذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الى آخر السورة يحتاج الى بيان الهداية ما هي؟ و الصراط المستقيم و أضداده، و تبيين المغضوب عليهم، و الضالين، و صفاتهم، و ما يتعلّق بهذا النوع، و تبيين المرضي عنهم و صفاتهم و طريقتهم. فعلى هذه الوجوه يكون ما قاله علي عليه السلام من هذا القبيل» «1» .
(1) السيوطي- الإتقان في علوم القرآن: 2/ 186.
سواطع الالهام فى تفسير القرآن، المقدمة، ص: 52
رابعا: و ينتهي الكاتب بالقول:
«و الحق أن كثرة الوضع على عليّ رضى اللّه عنه أفسدت الكثير من علمه، و من أجل ذلك لم يعتمد أصحاب الصحيح فيما يروونه عنه إلا على ما كان من طريق الإثبات» «1» .
و موقفنا من هذا الادعاء:
1- لقد هال الكاتب أن يروى عن الإمام على عليه السلام- ربيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الذي نشأ في بيت النبوة، و لازم ابن عمه محمد صلّى اللّه عليه و آله من يوم كان عمره ست سنوات «2» الى أن انتقل الى رحاب اللّه، كما تؤكد الأخبار الصحيحة- بعض الأحاديث و استكثر عليه ذلك، في حين لم يستغرب من بعض الصحابة الذين لازموا رسول اللّه لسنوات معدودة، و ربما وصلت بالبعض لثلاث سنوات أو أقل، و رويت عنه آلاف الأحاديث مما اضطر الخليفة عمر بن الخطاب أن يضربه بالدرة
(1) د. الذهبي- التفسير و المفسرون: 1/ 90.
(2) ذكر ابن هشام في (السيرة النبوية: 1/ 245- 246 طبع القاهرة مطبعة البابي الحلبي الطبعة الثانية 1955) كيفية انتقال علي بن أبي طالب الى بيت محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:
«و كان مما أنعم اللّه على عليّ بن أبي طالب أنه كان في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قبل الإسلام قال ابن إسحاق: و حدّثني عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر ابي الحجاج. قال: كان من نعمة اللّه على علي بن أبي طالب، و ما صنع اللّه له، و اراده به من الخير، أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، و كان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم للعباس عمه. و كان من أيسر بني هاشم، يا عباس: إن أخاك أبا طالب كثير العيال، و قد أصاب الناس ما ترى من هذه الازمة، فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه عياله، آخذ من بنيه رجلا، و تأخذ أنت رجلا فنكلهما عنه، فقال العباس: نعم. فانطلقا حتى آتيا أبا طالب، فقالا له: إنا نريد ان نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عليا، فضمه اليه، و أخذ العباس جعفرا فضمه اليه، فلم يزل عليّ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتى بعثه اللّه تبارك و تعالى نبيا، فاتبعه علي، و آمن به و صدّقه، و لم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم».
و لزيادة الاطلاع راجع ابن ابي الحديد- شرح نهج البلاغة: 1/ 15.
سواطع الالهام فى تفسير القرآن، المقدمة، ص: 53
لكثرة وضعه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «1» .
2- ان ادعائه قلة ما ورد عن الإمام علي في علم التفسير، توهّم محض، لأن المتيقّن أن عبد اللّه بن عباس- حبر الامة- هو تلميذ الإمام علي، و يعترف بمكانته العلمية حين طلب منه أن يبين نسبة علمه لعلم ابن عمه علي فقال: «كنسبة قطرة من المطر الى البحر المحيط» «2» ، و من المؤكد أنه أخذ علم التفسير من علي عليه السّلام، أكّد ذلك ابن أبي الحديد بقوله:
«و من العلوم (التي عرف الإمام علي بها) علم تفسير القرآن، و عنه أخذ، و منه فرّع، و إذا رجعت الى كتب التفسير علمت صحة ذلك، لأن أكثره عنه، و عن عبد اللّه بن عباس، و قد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له و انقطاعه إليه، و أنه تلميذه و خريجه» «3» .
و إن الكاتب نفسه يثني على ابن عباس، و على مكانته العلمية لعوامل عديدة، منها: دعاء النبي صلّى اللّه عليه و آله له، بقوله: «اللهم علّمه الكتاب و الحكمة»، و لأنه نشأ في بيت النبوة.
و هذان الأمران متوفران في علي: فأما الدعاء له، فقد جاء في كثير من أقواله صلّى اللّه عليه و آله «4» .
و إذا كان جلّ الصحابة و التابعين يرون هذا الشأن العلمي لعلي عليه السلام، سواء في التفسير أو غيره من العلوم التي أشار إليها الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله في قوله: «أنا مدينة العلم و علي بابها، و من أراد العلم فليأت الباب»، فما قيمة الآخرين الذين ينكرون على الإمام علي ذلك، و يرونه كثيرا عليه، علما أن مكانة علي لا يزعزعها حاقد أو مهزوز.
(1) شمس الدين الذهبي- سير أعلام النبلاء 2/ 433 و 438 و 429 و 430 و 424 و 435 طبع القاهرة دار المعارف 1957.
(2) ابن ابي الحديد- شرح نهج البلاغة: 1/ 19.
(3) ابن ابي الحديد- شرح نهج البلاغة: 1/ 19.