کتابخانه تفاسیر
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 6
أقول: الرّزق يشمل كلّ ما به قوام الوجود و الكمال اللّائق به.
قال : «الرّحيم بنا في ديننا و دنيانا و آخرتنا، خفّف علينا الدّين و جعله سهلا، و هو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه»
«1» . و
في رواية : «الرّحيم بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعاته، و بعباده الكافرين في الرّفق في دعائهم إلى موافقته»
«2» .
قال : «قال اللّه: قولوا: الحمد للّه على ما أنعم به علينا»
«3» . رَبِّ الْعالَمِينَ .
قال : «يعني: مالك الجماعات من كلّ مخلوق، و خالقهم، و سائق رزقهم إليهم من حيث يعلمون و من حيث لا يعلمون، يقلّب الحيوانات في قدرته، و يغذوها من رزقه، و يحوطها «4» بكنفه، و يدبّر كلّا منها بمصلحته، و يمسك الجمادات بقدرته ما اتّصل منها عن التّهافت «5» ، و المتهافت عن التّلاصق، و السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، و الأرض أن تنخسف إلّا بأمره»
«6» .
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ . لعلّ تكريرهما للتّنبيه بهما في جملة الصّفات المذكورة على استحقاقه الحمد.
قال : «يعني: القادر على إقامته و القاضي فيه بالحقّ.
و الدّين: الحساب»
«7» .
قال : «قال اللّه تعالى: قولوا يا أيّها الخلق المنعم عليهم: إيّاك- أيّها المنعم علينا- نطيع، مخلصين، موحّدين مع التّذلّل و الخشوع، بلا رياء و لا سمعة»
«8» .
(1) التّوحيد: 232، الباب: 31، الحديث: 5، عن عليّ بن الحسين، عن أمير المؤمنين عليهم السّلام.
(2) تفسير الإمام عليه السّلام: 34
(3) المصدر: 30
(4) الحياطة: الحفاظة. مجمع البحرين 4: 243 (حوط)
(5) التّهافت: التّساقط قطعة قطعة. الصّحاح 1: 271 (هفت)
(6) تفسير الإمام عليه السّلام. 30؛ و عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1: 282- 283، الباب: 28، الحديث: 30
(7) المصدر: 38
(8) المصدر: 39
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 7
و
في رواية : «لا نريد منك غيرك»
«1» .
أقول: إنّما انتقل العبد من الغيبة إلى الخطاب؛ لأنّه كان بتمجيده للّه سبحانه يتقرّب إليه متدرّجا، إلى أن بلغ في القرب مقاما كأنّ العلم صار له عيانا، و الخبر شهودا، و الغيبة حضورا.
قال : «على طاعتك و عبادتك، و على دفع شرور أعدائك»
«2» .
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ .
قال : «يعني: أدم لنا «3» توفيقك الّذي أطعناك به في ماضي أيّامنا، حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا»
«4» . و
في رواية : «يعني: أرشدنا للزوم الطّريق المؤدّي إلى محبّتك، و المبلّغ إلى جنّتك، و المانع من أن نتّبع أهواءنا فنعطب «5» ، و أن نأخذ بآرائنا فنهلك»
«6» . و
في أخرى : «الصّراط المستقيم في الدّنيا ما قصر عن الغلوّ، و ارتفع عن التّقصير، و استقام؛ و في الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنّة»
«7» .
و
في أخرى : «هي الطّريق إلى معرفة اللّه، و هما صراطان: صراط في الدّنيا و صراط في الآخرة، فأمّا الصّراط في الدّنيا فهو الإمام المفترض الطّاعة؛ من عرفه في الدّنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصّراط الّذي هو جسر جهنّم في الآخرة، و من لم يعرفه في الدّنيا زلّت قدمه على الصّراط في الآخرة فتردّى «8» في نار جهنّم»
«9» . و
ورد : «الصّراط أدقّ من الشّعر
(1) تفسير القرآن الكريم، للسّيّد مصطفى الخميني 1: 419، نقلا من تفسير الإمام عليه السّلام. و لم نجده فيما كان بأيدينا من تفسير الإمام عليه السّلام و نقله في الصّافي 1: 72 بلفظة: و في رواية عاميّة عن الصّادق عليه السّلام.
(2) تفسير الإمام عليه السّلام: 41
(3) لمّا كان العبد محتاجا إلى الهداية في جميع أموره آنا فآنا و لحظة فلحظة، فإدامة الهداية هي هداية أخرى بعد الهداية الأولى؛ فتفسير الهداية بإدامتها ليس خروجا عن ظاهر اللّفظ. «منه في الصّافي 1: 72».
(4) معاني الأخبار: 33، الحديث: 4، عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام.
(5) العطب: الهلاك. الصّحاح 1: 184 (عطب)
(6) تفسير الإمام عليه السّلام: 44
(7) معاني الأخبار: 33، الحديث: 4، عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام.
(8) أي: سقط في جهنّم. مجمع البحرين 1: 181 (ردا)
(9) معاني الأخبار: 32، الحديث: 1، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 8
و أحدّ من السّيف. فمنهم من يمرّ عليه مثل البرق، و منهم من يمرّ عليه مثل عدو الفرس، و منهم من يمرّ عليه ماشيا، و منهم من يمرّ عليه حبوا «1» ، و منهم من يمرّ عليه متعلّقا، فتأخذ النّار منه شيئا و تترك شيئا»
«2» . و
في رواية : «إنّه مظلم، يسعى النّاس عليه على قدر أنوارهم»
«3» .
أقول: مآل الكلّ واحد؛ لأنّ الصّراط المستقيم ما إذا سلكه العبد أوصله إلى الجنّة، و هو ما يشتمل عليه الشّرع، كما قال اللّه تعالى: «وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» «4» .
و هو صراط التّوحيد و المعرفة، و التّوسّط بين الأضداد في الأخلاق، و التزام صوالح الأعمال.
و بالجملة: صورة الهدى الّذي أنشأه المؤمن لنفسه ما دام في دار الدّنيا مقتديا فيه بهدى إمامه، ينتقل فيه من معرفة إلى معرفة أخرى فوقها، و من خلق محمود إلى أحمد، و من عمل صالح إلى أصلح، حتّى يلتحق بأهل الجنّة. و هو أدقّ من الشّعر و أحدّ من السّيف في المعنى، مظلم لا يهتدي إليه إلّا من جعل اللّه له نورا يمشي به في النّاس، يسعى النّاس عليها على قدر أنوارهم في المعرفة. و
ورد : «إنّ الصّورة الإنسانيّة هي الطّريق المستقيم إلى كلّ خير، و الجسر الممدود بين الجنّة و النّار»
«5» .
و يتبيّن من هذا كلّه أنّ الصّراط و المارّ عليه شيء واحد، في كلّ خطوة يضع قدمه على رأسه؛ أعني يعمل على مقتضى نور معرفته الّتي هي بمنزلة رأسه؛ بل و يضع رأسه على قدمه؛ أي: يبني معرفته على نتيجة عمله الّذي كان بناؤه على المعرفة السّابقة، حتّى يقطع المنازل و يصل إلى الجنّة؛ و إلى اللّه المصير.
(1) حبا الصّبيّ حبوا: إذا مشى على أربع. مجمع البحرين 1: 94 (حبا)
(2) القمّي 1: 29، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
(3) الصّافي 1: 73؛ و نوادر الأخبار: 346، الباب: 91، في الصّراط.
(4) الشّورى (42): 52
(5) الصّافي 1: 73، عن الصّادق عليه السّلام.
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 9
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
قال : «أي قولوا: صراط الّذين أنعمت عليهم بالتّوفيق لدينك و طاعتك لا بالمال و الصّحّة؛ فإنّهم قد يكونون كفّارا أو فسّاقا. قال: و هم الّذين قال اللّه تعالى: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً»
«1» .
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
قال : «هم اليهود الذين قال اللّه فيهم: «مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ»
«2» .
قال : «هم النّصارى الّذين قال اللّه فيهم: «قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً» . ثمّ قال: كلّ من كفر باللّه فهو مغضوب عليه و ضالّ عن سبيل اللّه»
«3» .
و
في رواية : « الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ : النّصّاب؛ و الضّالّين: أهل الشّكوك الّذين لا يعرفون الإمام»
«4» .
أقول: و يدخل في صراط المنعم عليهم: كلّ وسط و استقامة في العقائد و الأخلاق و الأعمال، و هم: « الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » «5» ؛ و في صراط المغضوب عليهم: كلّ تفريط و تقصير، و لا سيّما إذا كان عن علم كما فعلت اليهود بموسى و عيسى و نبيّنا صلوات اللّه عليهم؛ و في صراط الضّالّين: كلّ إفراط و غلوّ، و لا سيّما إذا كان عن جهل، كما فعلت النّصارى بعيسى عليه السّلام؛ و ذلك لأنّ الغضب يلزمه البعد و الطّرد، و المقصّر هو المدبر المعرض فهو البعيد المطرود، و الضّلال هو الغيبة عن المقصود، و المفرط هو المقبل المجاوز، فهو الّذي غاب عنه المطلوب.
(1) تفسير الإمام عليه السّلام: 47- 48، و الآية في النّساء (4): 69
(2) المصدر: 50. و الآية في المائدة (5): 60
(3) المصدر: 50. و الآية في المائدة (5): 77
(4) القمّي 1: 29: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
(5) فصّلت (41): 30؛ و الأحقاف (46): 13
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 11
سورة البقرة
[مدنيّة، و هي مائتان و ستّ و ثمانون آية] «1» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ . قد مرّ تفسيرها.
الم .
قال : «هو حرف من حروف اسم اللّه الأعظم، المقطّع في القرآن، الّذي يؤلّفه النّبيّ أو الإمام عليهما السّلام، فإذا دعا به أجيب»
«2» . و
في رواية: «و إذا عدّ أخبر بما يغيب» «3» .
أقول: فهو سرّ بين اللّه و بين الحبيب، لم يقصد به إفهام غيره و غير الرّاسخين في العلم من ذرّيّته. و فيه الأعاجيب؛ و التّخاطب بالحروف المفردة سنّة الأحباب في سنن المحابّ.
قال : «يعني القرآن الّذي افتتح ب «الم»، هو « ذلِكَ الْكِتابُ» الّذي أخبرت به موسى و من بعده من الأنبياء، و هم أخبروا بني إسرائيل أنّي سأنزله عليك يا محمّد»
«4» . لا رَيْبَ فِيهِ
قال : «لا شكّ فيه لظهوره عندهم»
« «5»» . هُدىً لِلْمُتَّقِينَ
قال :
(1) ما بين المعقوفتين من «ب».
(2) معاني الأخبار: 23، الحديث: 2، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
(3) لم نعثر على نصّه في الرّوايات، راجع: مجمع البيان 1- 2: 33؛ و التبيان 1: 47
(4 و 5) تفسير الإمام عليه السّلام: 62
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 12
«الّذين يتّقون الموبقات، و يتّقون تسليط السّفه «1» على أنفسهم، حتّى إذا علموا ما يجب عليهم علمه، عملوا بما يوجب لهم رضا ربّهم، فإنّهم يهتدون به و ينتفعون بما فيه»
«2» .
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
قال : «بما غاب عن حواسّهم من توحيد اللّه، و نبوّة الأنبياء، و قيام القائم، و الرّجعة، و البعث، و الحساب، و الجنّة، و النّار، و سائر الأمور الّتي يلزمهم الإيمان بها ممّا لا يعرف بالمشاهدة، و إنّما يعرف بدلائل نصبها اللّه عزّ و جلّ عليه»
«3» . وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
قال : «بإتمام ركوعها و سجودها، و حفظ مواقيتها و حدودها، و صيانتها ممّا يفسدها أو ينقصها»
« «4»» . وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ
قال : «من الأموال و الأبدان و القوى و الجاه و العلم»
«5» . يُنْفِقُونَ : يتصدّقون.
«يحتملون الكلّ «6» ، و يؤدّون الحقوق لأهاليها، و يقرضون، و يسعفون «7» الحاجات، و يأخذون بأيدي الضّعفاء، يقودون الضّرائر «8» و ينجونهم من المهالك، و يحملون المتاع عنهم، و يحملون الرّاجلين على دوابّهم، و يؤثرون من هو أفضل منهم في الإيمان على أنفسهم بالمال و النّفس، و يساوون من كان في درجتهم فيه بهما، و يعلّمون العلم من كان أهله، و يروون فضائل أهل البيت عليهم السّلام لمحبّيهم و لمن يرجون هدايته». كذا ورد «9» .
وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن و الشّريعة وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
قال :
(1) السّفه: ضدّ الحلم. مجمع البحرين 6: 347 (سفه)
(2) معاني الأخبار: 25، الحديث: 4، عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام.
(3 و 4) تفسير الإمام عليه السّلام: 67 و 73
(5) المصدر: 75
(6) الكلّ- بفتح الكاف- الثقل و العيال. الصّحاح 5: 1811؛ و مجمع البحرين 5: 464 (كلل)
(7) الإسعاف: الإعانة و قضاء الحاجة. مجمع البحرين 5: 70 (سعف)
(8) الضّرائر: المحاويج (المحتاجون). الصّحاح 2: 720 (ضرر)