کتابخانه تفاسیر
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 8
و أحدّ من السّيف. فمنهم من يمرّ عليه مثل البرق، و منهم من يمرّ عليه مثل عدو الفرس، و منهم من يمرّ عليه ماشيا، و منهم من يمرّ عليه حبوا «1» ، و منهم من يمرّ عليه متعلّقا، فتأخذ النّار منه شيئا و تترك شيئا»
«2» . و
في رواية : «إنّه مظلم، يسعى النّاس عليه على قدر أنوارهم»
«3» .
أقول: مآل الكلّ واحد؛ لأنّ الصّراط المستقيم ما إذا سلكه العبد أوصله إلى الجنّة، و هو ما يشتمل عليه الشّرع، كما قال اللّه تعالى: «وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» «4» .
و هو صراط التّوحيد و المعرفة، و التّوسّط بين الأضداد في الأخلاق، و التزام صوالح الأعمال.
و بالجملة: صورة الهدى الّذي أنشأه المؤمن لنفسه ما دام في دار الدّنيا مقتديا فيه بهدى إمامه، ينتقل فيه من معرفة إلى معرفة أخرى فوقها، و من خلق محمود إلى أحمد، و من عمل صالح إلى أصلح، حتّى يلتحق بأهل الجنّة. و هو أدقّ من الشّعر و أحدّ من السّيف في المعنى، مظلم لا يهتدي إليه إلّا من جعل اللّه له نورا يمشي به في النّاس، يسعى النّاس عليها على قدر أنوارهم في المعرفة. و
ورد : «إنّ الصّورة الإنسانيّة هي الطّريق المستقيم إلى كلّ خير، و الجسر الممدود بين الجنّة و النّار»
«5» .
و يتبيّن من هذا كلّه أنّ الصّراط و المارّ عليه شيء واحد، في كلّ خطوة يضع قدمه على رأسه؛ أعني يعمل على مقتضى نور معرفته الّتي هي بمنزلة رأسه؛ بل و يضع رأسه على قدمه؛ أي: يبني معرفته على نتيجة عمله الّذي كان بناؤه على المعرفة السّابقة، حتّى يقطع المنازل و يصل إلى الجنّة؛ و إلى اللّه المصير.
(1) حبا الصّبيّ حبوا: إذا مشى على أربع. مجمع البحرين 1: 94 (حبا)
(2) القمّي 1: 29، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
(3) الصّافي 1: 73؛ و نوادر الأخبار: 346، الباب: 91، في الصّراط.
(4) الشّورى (42): 52
(5) الصّافي 1: 73، عن الصّادق عليه السّلام.
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 9
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
قال : «أي قولوا: صراط الّذين أنعمت عليهم بالتّوفيق لدينك و طاعتك لا بالمال و الصّحّة؛ فإنّهم قد يكونون كفّارا أو فسّاقا. قال: و هم الّذين قال اللّه تعالى: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً»
«1» .
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
قال : «هم اليهود الذين قال اللّه فيهم: «مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ»
«2» .
قال : «هم النّصارى الّذين قال اللّه فيهم: «قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً» . ثمّ قال: كلّ من كفر باللّه فهو مغضوب عليه و ضالّ عن سبيل اللّه»
«3» .
و
في رواية : « الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ : النّصّاب؛ و الضّالّين: أهل الشّكوك الّذين لا يعرفون الإمام»
«4» .
أقول: و يدخل في صراط المنعم عليهم: كلّ وسط و استقامة في العقائد و الأخلاق و الأعمال، و هم: « الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » «5» ؛ و في صراط المغضوب عليهم: كلّ تفريط و تقصير، و لا سيّما إذا كان عن علم كما فعلت اليهود بموسى و عيسى و نبيّنا صلوات اللّه عليهم؛ و في صراط الضّالّين: كلّ إفراط و غلوّ، و لا سيّما إذا كان عن جهل، كما فعلت النّصارى بعيسى عليه السّلام؛ و ذلك لأنّ الغضب يلزمه البعد و الطّرد، و المقصّر هو المدبر المعرض فهو البعيد المطرود، و الضّلال هو الغيبة عن المقصود، و المفرط هو المقبل المجاوز، فهو الّذي غاب عنه المطلوب.
(1) تفسير الإمام عليه السّلام: 47- 48، و الآية في النّساء (4): 69
(2) المصدر: 50. و الآية في المائدة (5): 60
(3) المصدر: 50. و الآية في المائدة (5): 77
(4) القمّي 1: 29: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
(5) فصّلت (41): 30؛ و الأحقاف (46): 13
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 11
سورة البقرة
[مدنيّة، و هي مائتان و ستّ و ثمانون آية] «1» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ . قد مرّ تفسيرها.
الم .
قال : «هو حرف من حروف اسم اللّه الأعظم، المقطّع في القرآن، الّذي يؤلّفه النّبيّ أو الإمام عليهما السّلام، فإذا دعا به أجيب»
«2» . و
في رواية: «و إذا عدّ أخبر بما يغيب» «3» .
أقول: فهو سرّ بين اللّه و بين الحبيب، لم يقصد به إفهام غيره و غير الرّاسخين في العلم من ذرّيّته. و فيه الأعاجيب؛ و التّخاطب بالحروف المفردة سنّة الأحباب في سنن المحابّ.
قال : «يعني القرآن الّذي افتتح ب «الم»، هو « ذلِكَ الْكِتابُ» الّذي أخبرت به موسى و من بعده من الأنبياء، و هم أخبروا بني إسرائيل أنّي سأنزله عليك يا محمّد»
«4» . لا رَيْبَ فِيهِ
قال : «لا شكّ فيه لظهوره عندهم»
« «5»» . هُدىً لِلْمُتَّقِينَ
قال :
(1) ما بين المعقوفتين من «ب».
(2) معاني الأخبار: 23، الحديث: 2، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
(3) لم نعثر على نصّه في الرّوايات، راجع: مجمع البيان 1- 2: 33؛ و التبيان 1: 47
(4 و 5) تفسير الإمام عليه السّلام: 62
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 12
«الّذين يتّقون الموبقات، و يتّقون تسليط السّفه «1» على أنفسهم، حتّى إذا علموا ما يجب عليهم علمه، عملوا بما يوجب لهم رضا ربّهم، فإنّهم يهتدون به و ينتفعون بما فيه»
«2» .
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
قال : «بما غاب عن حواسّهم من توحيد اللّه، و نبوّة الأنبياء، و قيام القائم، و الرّجعة، و البعث، و الحساب، و الجنّة، و النّار، و سائر الأمور الّتي يلزمهم الإيمان بها ممّا لا يعرف بالمشاهدة، و إنّما يعرف بدلائل نصبها اللّه عزّ و جلّ عليه»
«3» . وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
قال : «بإتمام ركوعها و سجودها، و حفظ مواقيتها و حدودها، و صيانتها ممّا يفسدها أو ينقصها»
« «4»» . وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ
قال : «من الأموال و الأبدان و القوى و الجاه و العلم»
«5» . يُنْفِقُونَ : يتصدّقون.
«يحتملون الكلّ «6» ، و يؤدّون الحقوق لأهاليها، و يقرضون، و يسعفون «7» الحاجات، و يأخذون بأيدي الضّعفاء، يقودون الضّرائر «8» و ينجونهم من المهالك، و يحملون المتاع عنهم، و يحملون الرّاجلين على دوابّهم، و يؤثرون من هو أفضل منهم في الإيمان على أنفسهم بالمال و النّفس، و يساوون من كان في درجتهم فيه بهما، و يعلّمون العلم من كان أهله، و يروون فضائل أهل البيت عليهم السّلام لمحبّيهم و لمن يرجون هدايته». كذا ورد «9» .
وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القرآن و الشّريعة وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
قال :
(1) السّفه: ضدّ الحلم. مجمع البحرين 6: 347 (سفه)
(2) معاني الأخبار: 25، الحديث: 4، عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام.
(3 و 4) تفسير الإمام عليه السّلام: 67 و 73
(5) المصدر: 75
(6) الكلّ- بفتح الكاف- الثقل و العيال. الصّحاح 5: 1811؛ و مجمع البحرين 5: 464 (كلل)
(7) الإسعاف: الإعانة و قضاء الحاجة. مجمع البحرين 5: 70 (سعف)
(8) الضّرائر: المحاويج (المحتاجون). الصّحاح 2: 720 (ضرر)
(9) تفسير الإمام عليه السّلام: 75
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 13
«من التّوراة و الإنجيل و الزّبور و صحف إبراهيم و سائر كتب اللّه المنزّلة»
«1» . وَ بِالْآخِرَةِ
قال : «الدّار الّتي بعد هذه الدّار الّتي فيها جزاء الأعمال الصّالحة بأفضل ممّا عملوه، و عقاب الأعمال السّيّئة بمثل ما كسبوه»
« «2»» . هُمْ يُوقِنُونَ
قال : «لا يشكّون»
« «3»» .
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ قال: «على بيان و صواب و علم بما أمرهم به» «4» .
وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
قال : «النّاجون ممّا منه يوجلون، الفائزون بما يؤمّلون»
« «5»» .
قال : «باللّه و بما آمن به هؤلاء المؤمنون»
«6» . سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ
قال : «خوّفتهم»
« «7»» . أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ .
قال : «أخبر عن علمه فيهم»
« «8»» .
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ .
قال : «و سمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته و أوليائه إذا نظر إليها بأنّهم الّذين لا يؤمنون»
«9» .
«عقوبة على كفرهم»
«10» .
وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ : غطاء.
قال : «و ذلك أنّهم لمّا أعرضوا عن النّظر فيما كلّفوه و قصّروا فيما أريد منهم، جهلوا ما لزمهم الإيمان به، فصاروا كمن على عينيه غطاء، لا يبصر ما أمامه؛ فإنّ اللّه عزّ و جلّ يتعالى عن العبث و الفساد، و مطالبة العباد بما قد منعهم بالقهر منه»
«11» . وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ
قال : «يعني في الآخرة العذاب المعدّ للكافرين، و في الدّنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه، بما ينزّل به من عذاب الاستصلاح لينّبهه على طاعته، أو من عذاب الاصطلام ليصيّره إلى عدله و حكمته»
« «12»» .
(1، 2 و 3) تفسير الإمام عليه السّلام: 88
(4 و 5) المصدر: 90
(6، 7 و 8) المصدر: 91
(9) المصدر: 98
(10) عيون أخبار الرّضا عليه السّلام 1: 123، الباب: 11؛ الحديث: 16
(11 و 12) تفسير الإمام عليه السّلام: 98
الأصفى فى تفسيرالقرآن، ج1، ص: 14
أقول: الاصطلام- بالمهملتين- الاستئصال.
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ . «نزلت في المنافقين و النّاصبين العداوة لآل الرّسول، من الّذين زادوا على الكفر الموجب للختم. و الغشاوة: النّفاق».
كذا ورد «1» . وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ .
يُخادِعُونَ اللَّهَ : «يعاملون اللّه معاملة المخادع». كذا ورد «2» . و
في رواية :
«يخادعون رسول اللّه بإبدائهم له خلاف ما في جوانحهم»
«3» .
أقول: وجه التّوفيق أنّ مخادعة الرّسول مخادعة اللّه، كما قال عزّ و جلّ: «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ» «4» . و قال: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ» «5» . و قال:
« وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى » «6» .
وَ الَّذِينَ آمَنُوا : و يخادعون الّذين آمنوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
قال :
«ما يضرّون بتلك الخديعة إلّا أنفسهم؛ لأنّ اللّه غنيّ عنهم و عن نصرتهم، و لو لا إمهاله لهم لما قدروا على شيء من فجورهم و طغيانهم»
«7» . وَ ما يَشْعُرُونَ
قال : «أنّ الأمر كذلك، و أنّ اللّه يطلع نبيّه على نفاقهم»
« «8»» .
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ : نفاق و شكّ تغلي على النّبيّ و آله، حقدا و حسدا و غيظا
(1) راجع: تفسير الإمام عليه السّلام: 111- 113
(2) و يدلّ عليه ما رواه العيّاشي عن الصّادق عليه السّلام: «أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سئل: فيما النّجاة غدا؟ قال: إنّما النّجاة أن لا تخادعوا اللّه فيخدعكم؛ فإنّ من يخادع اللّه يخدعه و يخلع منه الإيمان و نفسه يخدع لو يشعر. قيل له: و كيف يخادع اللّه؟ قال: يعمل ما أمره اللّه عزّ و جلّ ثمّ يريد به غيره؛ فاتّقوا اللّه و الرّيا، فإنّه شرك باللّه». «عنه في الصّافي 1: 82- 81». و الحديث مذكور في تفسير العيّاشي 1: 283 مع اختلاف يسير.
(3) تفسير الإمام عليه السّلام: 114، و فيه «بأيمانهم».
(4) الفتح (48): 10
(5) النّساء (4): 80
(6) الأنفال (8): 17