کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم

الجزء الاول

كلمة سماحة الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر كلمة سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى الرئيس العام للإشراف الديني على المسجد الحرام كلمة سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء بلكنهو - الهند كلمة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف مدير جامعة الملك عبد العزيز كلمة سعادة الدكتور راشد بن راجح عميد كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية بمكة المكرمة كلمة فضيلة الشيخ عبد الله خياط خطيب المسجد الحرام كلمة فضيلة الشيخ محمد الغزالي رئيس قسم الدعوة و أصول الدين بكلية الشريعة بمكة المكرمة مقدمة فهرس الأحاديث الشريفة الجزء الأول

الجزء الثانى

فهرس موضوعات المجلد الثاني فهرس الأحاديث الشريفة المجلد الثاني

الجزء الثالث

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم


صفحه قبل

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 19

يشاركه فيه غيره، قال القرطبي: هذا الاسم (الله) أكبر أسمائه سبحانه و أجمعها، و هو اسم للموجود الحق، الجامع لصفات الإلهية، المنعوت بنعوت الربوبية، المنفرد بالوجود الحقيقي لا إله إلا هو سبحانه‏ رَبِ‏ الربّ: مشتق من التربية و هي إصلاح شؤون الغير و رعاية أمره قال الهروي: «يقال لمن قام بإصلاح شي‏ء و إتمامه: قد ربّه و منه الربانيون لقيامهم بالكتب» «1» و الربّ يطلق على عدة معان و هي «المالك، و المصلح، و المعبود، و السيد المطاع» الْعالَمِينَ‏ العالم: اسم جنس لا واحد له من لفظه كالرهط، و هو يشمل: الإنس و الجن و الملائكة و الشياطين كذا قال الفراء، و هو مشتق من العلامة لأن العالم علامة على وجود الخالق جل و علا الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ صفتان مشتقتان من الرحمة، و قد روعي في كل من‏ الرَّحْمنِ‏ و الرَّحِيمِ‏ معنى لم يراع في الآخر فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة لأن «فعلان» صيغة مبالغة في كثرة الشي‏ء و عظمته و لا يلزم منه الدوام كغضبان و سكران، و الرحيم بمعنى دائم الرحمة لأن صيغة فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم و ظريف فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائم الإحسان‏ «2» .

قال الخطابي: الرحمن ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم و مصالحهم و عمّت المؤمن و الكافر، و الرحيم خاص بالمؤمن كما قال تعالى: وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب: 43] الدِّينِ‏ الجزاء و منه الحديث «كما تدين تدان» أي كما تفعل تجزى‏ نَعْبُدُ قال الزمخشري:

العبادة أقصى غاية الخضوع و التذلل و لذلك لم تستعمل إلا في الخضوع للّه تعالى لأنه مولي أعظم النعم فكان حقيقا بأقصى الخضوع‏ «3» الصِّراطَ الطريق و أصله بالسين من الاستراط بمعنى الابتلاع كأن الطريق يبتلع السالك قال الشاعر:

شحنّا أرضهم بالخيل حتى‏

تركناهم أذلّ من الصّراط

الْمُسْتَقِيمَ‏ الذي لا عوج فيه و لا انحراف‏ آمِّينَ‏ أي استجب دعاءنا و هي ليست من القرآن الكريم إجماعا.

التفسير: علمنا الباري جلّ و علا كيف ينبغي أن نحمده و نقدسه و نثني عليه بما هو أهله فقال‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ أي قولوا يا عبادي إذا أردتم شكري و ثنائي الحمد للّه، اشكروني على إحساني و جميلي إليكم، فأنا اللّه ذو العظمة و المجد و السؤدد، المتفرد بالخلق و الإيجاد، رب الإنس و الجن و الملائكة، و رب السموات و الأرضين، فالثناء و الشكر للّه رب العالمين دون ما يعبد من دونه‏

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ أي الذي وسعت رحمته كل شي‏ء، و عمّ فضله جميع الأنام، بما أنعم على عباده من الخلق و الرزق و الهداية إلى سعادة الدارين، فهو الرب الجليل عظيم الرحمة دائم الإحسان‏

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ أي هو سبحانه المالك للجزاء و الحساب، المتصرف في يوم الدين تصرّف المالك في ملكه‏ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏ [الانفطار: 19]

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ أي نخصّك يا اللّه بالعبادة، و نخصك بطلب الإعانة، فلا نعبد أحدا سواك، لك وحدك نذلّ و نخضع و نستكين و نخشع، و إيّاك ربنا نستعين على طاعتك و مرضاتك، فإنك المستحق لكل إجلال و تعظيم،

(1) القرطبي 1/ 133.

(2) كشف المعاني تفسير ابن جماعة.

(3) الكشاف 1/ 11.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 20

و لا يملك القدرة على عوننا أحد سواك‏

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ أي دلنا و أرشدنا يا رب إلى طريقك الحق و دينك المستقيم، و ثبتنا على الإسلام الذي بعثت به أنبياءك و رسلك، و أرسلت به خاتم المرسلين، و اجعلنا ممن سلك طريق المقربين‏

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ أي طريق من تفضّلت عليهم بالجود و الإنعام، من النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين، و حسن أولئك رفيقا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ أي لا تجعلنا يا اللّه من زمرة أعدائك الحائدين عن الصراط المستقيم، السالكين غير المنهج القويم، من اليهود المغضوب عليهم أو النصارى الضالين، الذين ضلوا عن شريعتك القدسية، فاستحقوا الغضب و اللعنة الأبدية. اللهم آمين.

البلاغة: الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ 1- الجملة خبرية لفظا إنشائية معنى أي قولوا «الحمد للّه» و هي مفيدة لقصر الحمد عليه تعالى كقولهم: الكرم في العرب. 2- إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب و لو جرى الكلام على الأصل لقال: إيّاه نعبد، و تقديم المفعول يفيد القصر أي لا نعبد سواك كما في قوله‏ وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ‏ 3- قال في البحر المحيط: و في هذه السورة الكريمة من أنواع الفصاحة و البلاغة أنواع:

الأول: حسن الافتتاح و براعة المطلع.

الثاني: المبالغة في الثناء لإفادة «أل» الاستغراق.

الثالث: تلوين الخطاب إذ صيغته الخبر و معناه الأمر، أي قولوا الحمد للّه.

الرابع: الاختصاص في قوله‏ لِلَّهِ‏ .

الخامس: الحذف كحذف صراط من قوله‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ تقديره غير صراط المغضوب عليهم و غير صراط الضالين.

السادس: التقديم و التأخير في‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ .

السابع: التصريح بعد الإبهام‏ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ ثم فسره بقوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ .

الثامن: الالتفات في‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ .

التاسع: طلب الشي‏ء و المراد به دوامه و استمراره في‏ اهْدِنَا الصِّراطَ أي ثبتنا عليه.

العاشر: السجع المتوازي في قوله: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ ، الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ و قوله:

نَسْتَعِينُ‏ .. الضَّالِّينَ‏ «1» .

الفوائد: الأولى: الفرق بين‏ الله‏ و (الإله) أن الأول اسم علم للذات المقدسة ذات الباري‏

(1) البحر المحيط لأبي حيان 1/ 31.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 21

جل و علا و معناه المعبود بحق و الثاني معناه المعبود بحقّ أو باطل فهو اسم يطلق على اللّه تعالى و على غيره.

الثانية: وردت الصيغة بلفظ الجمع «نعبد و نستعين» و لم يقل «إياك أعبد و إياك أستعين» بصيغة المفرد و ذلك للاعتراف بقصور العبد عن الوقوف في باب ملك الملوك فكأنه يقول: أنا يا رب العبد الحقير الذليل، لا يليق بي أن أقف هذا الموقف في مناجاتك بمفردي، بل أنضم إلى سلك المؤمنين الموحّدين فتقبل دعائي في زمرتهم فنحن جميعا نعبدك و نستعين بك.

الثالثة: نسب النعمة إلى اللّه عز و جل‏ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ و لم ينسب إليه الإضلال و الغضب فلم يقل: غضبت عليهم أو الذين أضللتهم و ذلك لتعليم العباد الأدب مع اللّه تعالى، فالشر لا ينسب إلى اللّه تعالى أدبا و إن كان منه تقديرا «الخير كلّه بيديك و الشّرّ لا ينسب إليك».

***

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 22

خاتمة في بيان الأسرار القدسية في فاتحة الكتاب العزيز

يقول شهيد الإسلام الشيخ حسن البنا في رسالته القيمة «مقدمة في التفسير» ما نصه: «لا شك أن من تدبّر الفاتحة الكريمة رأى من غزارة المعاني و جمالها، و روعة التناسب و جلاله ما يأخذ بلبه، و يضي‏ء جوانب قلبه، فهو يبتدى‏ء ذاكرا تاليا متيمنا باسم اللّه، الموصوف بالرحمة التي تظهر آثار رحمته متجددة في كل شي‏ء، فإذا استشعر هذا المعنى و وقر في نفسه انطلق لسانه بحمد هذا الإله‏ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و ذكّره الحمد بعظيم نعمه و كريم فضله، و جميل آلائه البادية في تربيته للعوالم جميعا، فأجال بصيرته في هذا المحيط الذي لا ساحل له، ثمّ تذكر من جديد أن هذه النعم الجزيلة و التربية الجليلة، ليست من رغبة و لا رهبة، و لكنها عن تفضل و رحمة، فنطق لسانه مرة ثانية ب الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و من كمال هذا الإله العظيم أن يقرن الرحمن ب «العدل» و يذكّر بالحساب بعد الفضل فهو مع رحمته السابغة المتجددة سيدين عباده و يحاسب خلقه يوم الدين‏ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏ [الانفطار: 19] فتربيته لخلقه قائمة على الترغيب بالرحمة، و الترهيب بالعدالة و الحساب‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ و إذا كان الأمر كذلك فقد أصبح العبد مكلفا بتحري الخير، و البحث عن وسائل النجاة، و هو في هذا أشد ما يكون حاجة إلى من يهديه سواء السبيل، و يرشده إلى الصراط المستقيم، و ليس أولى به في ذلك من خالقه و مولاه فليلجأ إليه و ليعتمد عليه و ليخاطبه بقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ و ليسأله الهداية من فضله إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم بمعرفة الحق و اتباعه، غير المغضوب عليهم بالسلب بعد العطاء، و النكوص بعد الاهتداء، و غير الضالين التائهين، الذي يضلون عن الحق أو يريدون الوصول إليه فلا يوفقون للعثور عليه، آمين. و لا جرم أن «آمين» براعة مقطع في غاية الجمال و الحسن، و أي شي‏ء أولى بهذه البراعة من فاتحة الكتاب، و التوجه إلى اللّه بالدعاء؟ فهل رأيت تناسقا أدق، أو ارتباطا أوثق، مما تراه بين معاني هذه الآية الكريمة؟ و تذكر و أنت تهيم في أودية هذا الجمال ما يرويه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن ربه في الحديث القدسي «قسمت الصّلاة بيني و بين عبدي نصفين و لعبدي ما سأل ...» الحديث و أدم هذا التدبير و الإنعام، و اجتهد أن تقرأ في الصلاة و غيرها على مكث و تمهّل، و خشوع و تذلّل، و أن تقف على رؤوس الآيات، و تعطي التلاوة حقها من التجويد أو النغمات، من غير تكلف و لا تطريب، و اشتغال بالألفاظ عن المعاني، فإن ذلك يعين على الفهم، و يثير ما غاض من شآبيب الدمع، و ما نفع القلب شي‏ء أفضل من تلاوة في تدبر و خشوع» «1» .

«انتهى تفسير سورة الفاتحة»

(1) مقدمة في التفسير ص 59.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 23

(2) سورة البقرة مدنية

مدنية بلا خلاف و هي من أوائل ما نزل، و آياتها مائتان و ثمانون و سبع آيات‏

بين يدي السورة

سورة البقرة من أطول سور القرآن على الإطلاق، و هي من السور المدنية التي تعنى بجانب التشريع، شأنها كشأن سائر السور المدنية، التي تعالج النظم و القوانين التشريعية التي يحتاج إليها المسلمون في حياتهم الاجتماعية.

اشتملت هذه السورة الكريمة على معظم الأحكام التشريعية: في العقائد، و العبادات، و المعاملات، و الأخلاق، و في أمور الزواج، و الطلاق، و العدة، و غيرها من الأحكام الشرعية.

و قد تناولت الآيات في البدء الحديث عن صفات المؤمنين، و الكافرين، و المنافقين، فوضّحت حقيقة الإيمان، و حقيقة الكفر و النفاق، للمقارنة بين أهل السعادة و أهل الشقاء.

ثم تحدثت عن بدء الخليقة فذكرت قصة أبي البشر «آدم» عليه السّلام، و ما جرى عند تكوينه من الأحداث و المفاجآت العجيبة التي تدل على تكريم اللّه جل و علا للنوع البشري.

ثم تناولت السورة الحديث بالإسهاب عن أهل الكتاب، و بوجه خاص بني إسرائيل «اليهود» لأنهم كانوا مجاورين للمسلمين في المدينة المنورة، فنبهت المؤمنين إلى خبثهم و مكرهم، و ما تنطوي عليه نفوسهم الشريرة من اللؤم و الغدر و الخيانة، و نقض العهود و المواثيق، إلى غير ما هنالك من القبائح و الجرائم التي ارتكبها هؤلاء المفسدون، مما يوضح عظيم خطرهم، و كبير ضررهم، و قد تناول الحديث عنهم ما يزيد على الثلث من السورة الكريمة، بدءا من قوله تعالى:

يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ‏ [البقرة: 4]. إلى قوله تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ‏ [البقرة: 124].

* و أما بقية السورة الكريمة فقد تناولت جانب التشريع، لأن المسلمين كانوا في بداية تكوين «الدولة الإسلامية» و هم في أمسّ الحاجة إلى المنهاج الرباني، و التشريع السماوي، الذي يسيرون عليه في حياتهم سواء في العبادات أو المعاملات، و لذا فإن جماع السورة يتناول الجانب التشريعي، و هو باختصار كما يلي:

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 24

«أحكام الصوم مفصلة بعض التفصيل، أحكام الحج و العمرة، أحكام الجهاد في سبيل اللّه، شؤون الأسرة و ما يتعلق بها من الزواج، و الطلاق، و الرضاع، و العدة، تحريم نكاح المشركات، و التحذير من معاشرة النساء في حالة الحيض إلى غير ما هنالك من أحكام تتعلق بالأسرة، لأنها النواة الأولى للمجتمع الأكبر».

* ثم تحدثت السورة الكريمة عن «جريمة الربا» التي تهدّد كيان المجتمع و تقوّض بنيانه، و حملت حملة عنيفة شديدة على المرابين، بإعلان الحرب السافرة من اللّه و رسوله على كل من يتعامل بالربا أو يقدم عليه‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ‏ (279) [البقرة: 278- 279].

* و أعقبت آيات الربا بالتحذير من ذلك اليوم الرهيب، الذي يجازى فيه الإنسان على عمله إن خيرا فخير، و إن شرّا فشرّ وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ‏ (281) [البقرة: 281] و هو آخر ما نزل من القرآن الكريم، و آخر وحي تنزّل من السماء إلى الأرض، و بنزول هذه الآية انقطع الوحي، و انتقل الرسول صلى اللّه عليه و سلم إلى جوار ربه، بعد أن أدى الرسالة و بلّغ الأمانة.

* و ختمت السورة الكريمة بتوجيه المؤمنين إلى التوبة و الإنابة، و التضرع إلى اللّه جلّ و علا برفع الأغلال و الآصار، و طلب النصرة على الكفار، و الدعاء لما فيه سعادة الدارين‏ رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ‏ [البقرة: 286] و هكذا بدأت السورة بأوصاف المؤمنين، و ختمت بدعاء المؤمنين ليتناسق البدء مع الختام، و يلتئم شمل السورة أفضل التئام!!.

التسمية: سميت السورة الكريمة «سورة البقرة» إحياء لذكرى تلك المعجزة الباهرة، التي ظهرت في زمن موسى الكليم، حيث قتل شخص من بني إسرائيل و لم يعرفوا قاتله، فعرضوا الأمر على موسى لعله يعرف القاتل، فأوحى اللّه تعالى إليه أن يأمرهم بذبح بقرة، و أن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن اللّه و يخبرهم عن القاتل، و تكون برهانا على قدرة اللّه جل و علا في إحياء الخلق بعد الموت، و ستأتي القصة مفصلة في موضعها إن شاء اللّه.

فضلها: عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إنّ الشّيطان ينفر من البيت الّذي تقرأ فيه سورة البقرة» أخرجه مسلم و الترمذي. و قال صلّى اللّه عليه و سلم: «اقرؤوا سورة البقرة، فإنّ أخذها بركة، و تركها حسرة، و لا يستطيعها البطلة» يعني السحرة. رواه مسلم في صححيه. لنوائبه‏ «1» الْمُتَّقِينَ* أصل التقوى مأخوذ من اتقاء المكروه بما تجعله حاجزا بينك و بينه قال النابغة:

سقط النّصيف و لم ترد إسقاطه‏

فتناولته و اتّقتنا باليد

(1) الكشاف 1/. 27

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 25

فالمتقي هو الذي يقي نفسه مما يضرها، و هو الذي يتقي عذاب اللّه بطاعته، و جماع التقوى أن يمتثل العبد الأوامر و يجتنب النواهي‏ الغيب‏ ما غاب عن الحواس، و كل شي‏ء مستور فهو غيب كالجنة و النار، و الحشر و النشر، قال الراغب: الغيب ما لا يقع تحت الحواس‏ «1» الْمُفْلِحُونَ‏ الفلاح:

الفوز و النجاح قال أبو عبيدة: كلّ من أصاب شيئا من الخير فهو مفلح‏ «2» و قال البيضاوي: المفلح: الفائز بالمطلوب كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر «3» ، و أصل الفلح في اللغة: الشّق و القطع و منه قولهم «إنّ الحديد بالحديث يفلح» أي يشقّ، و لذلك سمي الفلاح لأنه يشق الأرض بالحراثة كَفَرُوا الكفر لغة:

ستر النعمة و لهذا يسمى الكافر كافرا لأنه يجحد النعمة و يسترها، و منه قيل للزارع و لليل كافر قال تعالى‏ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ‏ [الحديد: 20] أي أعجب الزّرّاع، و سمي الليل كافرا لأنه يغطي كل شي‏ء بسواده‏ أَنْذَرْتَهُمْ‏ الإنذار: الإعلام مع التخويف فإن خلا من التخويف فهو إعلام و إخبار لا إنذار خَتَمَ‏ الختم: التغطية على الشي‏ء و الطبع عليه حتى لا يدخله شي‏ء، و منه ختم الكتاب. غِشاوَةٌ الغشاوة:

الغطاء من غشّاه إذا غطاه، و منه الغاشية و هي القيامة لأنها تغشى الناس بأهوالها.

قال اللّه تعالى:

[سورة البقرة (2): الآيات 1 الى 5]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)

أُولئِكَ عَلى‏ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

التفسير:

ابتدأت السورة الكريمة بذكر أوصاف المتقين، و ابتداء السورة بالحروف المقطعة

الم‏ و تصديرها بهذه الحروف الهجائية يجذب أنظار المعرضين عن هذا القرآن، إذ يطرق أسماعهم لأول وهلة ألفاظ غير مألوفة في تخاطبهم، فينتبهوا إلى ما يلقى إليهم من آيات بينات، و في هذه الحروف و أمثالها تنبيه على «إعجاز القرآن» فإن هذا الكتاب منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم، فإذا عجزوا عن الإتيان بمثله، فذلك أعظم برهان على إعجاز القرآن. بقول العلامة ابن كثير رحمه اللّه: إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور بيانا لإعجاز القرآن، و أن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، و هو قول جمع من المحققين، و قد قرره الزمخشري في تفسيره الكشاف و نصره أتم نصر، و إليه ذهب الإمام «ابن تيمية» ثم قال: و لهذا كلّ سورة افتتحت بالحروف، فلا بدّ أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، و بيان إعجازه و عظمته مثل‏ الم‏، ذلِكَ الْكِتابُ‏ المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ [الأعراف: 1- 2] الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ‏ (2) [لقمان: 1- 2] حم (1) وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ

(1 و 2) مفردات القرآن للراغب.

(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة/ 29.

صفحه بعد