کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم

الجزء الاول

كلمة سماحة الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر كلمة سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى الرئيس العام للإشراف الديني على المسجد الحرام كلمة سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء بلكنهو - الهند كلمة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف مدير جامعة الملك عبد العزيز كلمة سعادة الدكتور راشد بن راجح عميد كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية بمكة المكرمة كلمة فضيلة الشيخ عبد الله خياط خطيب المسجد الحرام كلمة فضيلة الشيخ محمد الغزالي رئيس قسم الدعوة و أصول الدين بكلية الشريعة بمكة المكرمة مقدمة فهرس الأحاديث الشريفة الجزء الأول

الجزء الثانى

فهرس موضوعات المجلد الثاني فهرس الأحاديث الشريفة المجلد الثاني

الجزء الثالث

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم


صفحه قبل

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 351

المستحق لجميع المحامد فلا ندّ له و لا شريك، و لا نظير و لا مثيل و معنى الآية: احمدوا اللّه ربكم المتفضل عليكم بصنوف الإنعام و الإكرام الذي أوجد و أنشأ و ابتدع خلق السموات و الأرض بما فيهما من أنواع البدائع و أصناف الروائع، و بما اشتملا عليه من عجائب الصنعة و بدائع الحكمة، بما يدهش العقول و الأفكار تبصرة و ذكرى لأولي الأبصار وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ أي و أنشأ الظلمات و الأنوار و خلق الليل و النهار يتعاقبان في الوجود لفائدة العوالم بما لا يدخل تحت حصر أو فكر، و جمع الظلمات لأن شعب الضلال متعددة، و مسالكه متنوعة، و أفرد النور لأن مصدره واحد هو الرحمن منوّر الأكوان قال في التسهيل: و في الآية ردّ على المجوس في عبادتهم للنار و غيرها من الأنوار، و قولهم إن الخير من النور و الشر من الظلمة، فإن المخلوق لا يكون إلها و لا فاعلا لشي‏ء من الحوادث‏ «1» ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ‏ أي ثم بعد تلك الدلائل الباهرة و البراهين القاطعة على وجود اللّه و وحدانيته يشرك الكافرون بربهم فيساوون به أصناما نحتوها بأيديهم، و أوهاما ولّدوها بخيالهم، ففي ذلك تعجيب من فعلهم و توبيخ لهم قال ابن عطية: و الآية دالة على قبح فعل الكافرين لأن المعنى أن خلقه السموات و الأرض و غيرها قد تقرر، و آياته قد سطعت، و إنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد هذا كله قد عدلوا بربهم فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك و أكرمتك و أحسنت إليك ثم تشتمني؟ أي بعد وضوح هذا كله‏ «2»

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ‏ أي خلق أباكم آدم من طين‏ ثُمَّ قَضى‏ أَجَلًا أي حكم و قدّر لكم أجلا من الزمن تموتون عند انتهائه‏ وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ‏ أي و أجل آخر مسمّى عنده لبعثكم جميعا، فالأجل الأول الموت و الثاني البعث و النشور ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ‏ أي ثم أنتم أيها الكفار تشكّون في البعث و تنكرونه بعد ظهور تلك الآيات العظيمة

وَ هُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ‏ أي هو اللّه المعظّم المعبود في السموات و الأرض، قال ابن كثير: أي يعبده و يوحده و يقر له بالألوهية من في السموات و الأرض و يدعونه رغبا و رهبا و يسمونه اللّه‏ «3» يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ‏ أي يعلم سركم و علنكم‏ وَ يَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ‏ أي من خير أو شر و سيجازيكم عليه، ثم أخبر تعالى عن عنادهم و إعراضهم فقال‏

وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ‏ أي ما يظهر لهم دليل من الأدلة أو معجزة من المعجزات أو آية من آيات القرآن‏ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ‏ أي إلّا تركوا النظر فيها و لم يلتفتوا إليها قال القرطبي: و المراد تركهم النظر في الآيات التي يجب أن يستدلوا بها على توحيد اللّه عز و جل، و المعجزات التي أقامها لنبيه صلّى اللّه عليه و سلّم التي يستدل بها على صدقه في جميع ما أتى به عن ربه‏ «4»

فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ‏ أي كذبوا بالقرآن الذي جاءهم من عند اللّه‏ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ أي سوف يحل بهم العقاب إن عاجلا أو آجلا و يظهر لهم خبر ما كانوا به يستهزئون، و هذا وعيد بالعذاب و العقاب على استهزائهم، ثم حضهم تعالى على الاعتبار بمن سبقهم من الأمم فقال‏

أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ‏ أي ألا يعتبرون بمن أهلكنا من الأمم قبلهم لتكذيبهم الأنبياء أ لم يعرفوا ذلك؟ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ‏ أي‏

(1) التسهيل 2/ 2.

(2) البحر المحيط 6/ 68.

(3) ابن كثير 1/ 568.

(4) القرطبي 6/ 390.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 352

منحناهم من أسباب السعة و العيش و التمكين في الأرض ما لم نعطكم يا أهل مكة وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً أي أنزلنا المطر غزيرا متتابعا يدرّ عليهم درّا وَ جَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ‏ أي من تحت أشجارهم و منازلهم حتى عاشوا في الخصب و الريف بين الأنهار و الثمار فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ‏ أي فكفروا و عصوا فأهلكناهم بسبب ذنوبهم، و هذا تهديد للكفار أن يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء على حال قوتهم و تمكينهم في الأرض‏ وَ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ‏ أي أحدثنا من بعد إهلاك المكذبين قوما آخرين غيرهم، قال أبو حيان: و فيه تعريض للمخاطبين بإهلاكهم إذا عصوا كما أهلك من قبلهم‏ «1»

وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ‏ أي لو نزّلنا عليك يا محمد كتابا مكتوبا على ورق كما اقترحوا فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ‏ أي فعاينوا ذلك و مسّوه باليد ليرتفع عنهم كل إشكال و يزول كل ارتياب‏ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ أي لقال الكافرون عند رؤية تلك الآية الباهرة تعنتا و عنادا ما هذا إلا سحر واضح، و الغرض أنهم لا يؤمنون و لو جاءتهم أوضح الآيات و أظهر الدلائل‏

وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ‏ أي هلّا أنزل على محمد ملك يشهد بنبوته و صدقه و لَوْ لا بمعنى هلّا للتحضيض، قال أبو السعود: أي هلّا أنزل عليه ملك بحيث نراه و يكلمنا أنه نبيّ و هذا من أباطيلهم المحقّقة و خرافاتهم الملفّقة التي يتعللون بها كلما ضاقت عليهم الحيل و عييت بهم العلل‏ «2» وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ أي لو أنزلنا الملك كما اقترحوا و عاينوه ثم كفروا لحقّ إهلاكهم‏ «3» كما جرت عادة اللّه بأن من طلب آية ثم لم يؤمن أهلكه اللّه حالا ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ‏ أي ثم لا يمهلون و لا يؤخرون، و الآية كالتعليل لعدم إجابة طلبهم، فإنهم- في ذلك الاقتراح- كالباحث عن حتفه بظلفه‏

وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا أي لو جعلنا الرسول ملكا لكان في صورة رجل لأنهم لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته‏ وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ‏ أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم و على ضعفائهم، فإنهم لو رأوا الملك في صورة إنسان قالوا هذا إنسان و ليس بملك، قال ابن عباس: لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور «4» ، ثم قال تعالى تسلية للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم:

وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ‏ أي و اللّه لقد استهزأ الكافرون من كل الأمم بأنبيائهم الذين بعثوا إليهم‏ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ أي أحاط و نزل بهؤلاء المستهزئين بالرسل عاقبة استهزائهم، و في هذا الإخبار تهديد للكفار

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏ أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين الساخرين: سافروا في الأرض فانظروا و تأملوا ماذا حلّ بالكفرة قبلكم من العقاب و أليم العذاب لتعتبروا بآثار من خلا من الأمم كيف أهلكهم اللّه و أصبحوا عبرة للمعتبرين‏

قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ أي قل يا محمد لمن الكائنات جميعا خلقا و ملكا و تصرفا؟ و السؤال لإقامة الحجة على‏

(1) البحر المحيط 4/ 77.

(2) أبو السعود 2/ 83.

(3) و قيل: المعنى لو أنزلنا ملكا لماتوا من هول رؤيته إذ لا يطيقون رؤيته و هو منقول عن ابن عباس كذا في القرطبي 6/ 293.

(4) ابن كثير 1/ 569 المختصر.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 353

الكفار فهو سؤال تبكيت‏ قُلْ لِلَّهِ‏ أي قل لهم تقريرا و تنبيها هي للّه لأن الكفار يوافقون على ذلك بالضرورة لأنه خالق الكل إما باعترافهم أو بقيام الحجة عليهم‏ كَتَبَ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي ألزم نفسه الرحمة تفضلا و إحسانا و الغرض التلطف في دعائهم إلى الإيمان و إنابتهم إلى الرحمن‏ لَيَجْمَعَنَّكُمْ‏ «1» إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ‏ أي ليحشرنكم من قبوركم مبعوثين إلى يوم القيامة الذي لا شك فيه ليجازيكم بأعمالكم‏ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ أي أضاعوها بكفرهم و أعمالهم السيئة في الدنيا فهم لا يؤمنون و لهذا لا يقام لهم وزن في الآخرة و ليس لهم نصيب فيها سوى الجحيم و العذاب الأليم‏

وَ لَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ أي للّه عز و جل ما حلّ و استقر في الليل و النهار الجميع عباده و خلقه و تحت قهره و تصرفه، و المراد عموم ملكه تعالى لكل شي‏ء وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏ أي السميع لأقوال العباد العليم بأحوالهم‏

قُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا الاستفهام للتوبيخ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين أغير اللّه أتخذ معبودا؟ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ أي خالقهما و مبدعهما على غير مثال سابق‏ وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لا يُطْعَمُ‏ أي هو جل و علا يرزق و لا يرزق، قال ابن كثير: أي هو الرازق لخلقه من غير احتياج إليهم‏ «2» قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ‏ أي قل لهم يا محمد إن ربي أمرني أن أكون أول من أسلم للّه من هذه الأمة وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ أي و قيل لي: لا تكوننّ من المشركين، قال الزمخشري و معناه: أمرت بالإسلام و نهيت عن الشرك‏ «3»

قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏ أي قل لهم أيضا إنني أخاف إن عبدت غير ربي عذاب يوم عظيم هو يوم القيامة

مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ‏ أي من يصرف عنه العذاب فقد رحمه اللّه‏ وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ‏ أي النجاة الظاهرة

وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ أي إن تنزل بك يا محمد شدة من فقر أو مرض فلا رافع و لا صارف له إلا هو و لا يملك كشفه سواه‏ وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ أي و إن يصبك بخير من صحة و نعمة فلا رادّ له لأنه وحده القادر على إيصال الخير و الضر قال في التسهيل: و الآية برهان على الوحدانية لانفراد اللّه تعالى بالضر و الخير و كذلك ما بعد هذا من الأوصاف براهين ورد على المشركين‏ «4»

وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ قال ابن كثير: أي هو الذي خضعت له الرقاب و ذلّت له الجبابرة و عنت له الوجوه و قهر كل شي‏ء و هو الحكيم في جميع أفعاله الخبير بمواضع الأشياء «5» .

البلاغة: 1- الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ الصيغة تفيد القصر أي لا يستحق الحمد و الثناء إلا اللّه رب العالمين.

2- جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ فيه من المحسنات البديعية الطباق.

(1) قال أبو السعود: هذا جواب قسم و الجملة استئناف مسوق للوعيد على إشراكهم و إغفالهم النظر أي و اللّه ليجمعنكم في القبور ... إلخ.

(2) مختصر ابن كثير 1/ 570.

(3) الكشاف 2/ 7.

(4) التسهيل 2/ 4.

(5) ابن كثير 1/ 571.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 354

3- ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ‏ فيه استبعاد أن يعدلوا به غيره بعد وضوح آيات قدرته و وضع الرب‏ رَبِّهِمْ* موضع الضمير لزيادة التشنيع و التقبيح.

4- سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ‏ بينهما طباق.

5- مِنْ قَرْنٍ‏ أي أهل قرن فهو مجاز مرسل.

6- وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً أي المطر عبّر عنه بالسماء لأنه ينزل من السماء فهو مجاز أيضا.

7- اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ‏ تنكير رسل للتفخيم و التكثير.

8- السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏ من صيغ المبالغة.

فائدة: في القرآن العظيم خمس سور ابتدأت ب الْحَمْدُ لِلَّهِ* و هو سورة الفاتحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ [الفاتحة: 2] و الأنعام‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ [الأنعام: 1] و سورة الكهف‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ‏ [الكهف: 1] و سورة سبأ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ [سبأ: 1] و سورة فاطر الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [فاطر: 1].

قال اللّه تعالى:

[سورة الأنعام (6): الآيات 19 الى 35]

قُلْ أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى‏ قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنَّنِي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)

انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ وَ إِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ (26) وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (28)

وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ وُقِفُوا عَلى‏ رَبِّهِمْ قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى‏ وَ رَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى‏ ما فَرَّطْنا فِيها وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى‏ ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)

وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى‏ ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَ لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى‏ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (35)

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 355

المناسبة: لما أفاض جلّ ذكره في إقامة الدلائل و البراهين على قدرته و وحدانيته من أول السورة الكريمة ذكر هنا شهادته تعالى على صدق نبوة محمد عليه السّلام ثم ذكر موقف الجاحدين للقرآن المكذبين للوحي، و حسرتهم الشديدة يوم القيامة.

اللغة: لِأُنْذِرَكُمْ‏ الإنذار: إخبار فيه تخويف‏ فِتْنَتُهُمْ‏ الفتنة الاختبار أَكِنَّةً جمع كنان و هو الغطاء وَقْراً ثقلا يقال و قرت أذنه إذا ثقلت أو صمّت‏ أَساطِيرُ خرافات و أباطيل جمع أسطورة، قال الجوهري: الأساطير: الأباطيل و التّرهات‏ «1» يَنْأَوْنَ‏ يبعدون يقال نأى عنه إذا ابتعد بَغْتَةً فجأة يقال: بغته إذا فجأه‏ فَرَّطْنا فرّط: قصّر مع القدرة على ترك التقصير قال أبو عبيد:

فرّط: ضيّع‏ أَوْزارَهُمْ‏ ذنوبهم جمع وزر يَزِرُونَ‏ يحملون‏ لَهْوٌ اللهو: صرف النفس عن الجدّ إلى الهزل، و كل ما شغلك فقد ألهاك.

سبب النّزول: أ- روي أن رؤساء مكة قالوا يا محمد: ما نرى أحدا يصدقك بما تقول من أمر الرسالة، و لقد سألنا عنك اليهود و النصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر و لا صفة فأرنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم؟ فأنزل اللّه‏ قُلْ أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ .. «2» الآية.

ب- عن ابن عباس أن «أبا سفيان» و «الوليد بن المغيرة» و «النضر بن الحارث» جلسوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو يقرأ القرآن فقالوا للنضر: ما يقول محمد؟ فقال أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية فأنزل اللّه‏ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ .. «3» الآية.

ج- روي أن «الأخنس بن شريق» التقى ب «أبي جهل بن هشام» فقال له: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس عندنا أحد غيرنا فقال أبو جهل: و اللّه إن محمدا لصادق و ما كذب قط، و لكن إذا ذهب «بنو قصيّ» باللواء، و السقاية، و الحجابة، و النبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فأنزل اللّه‏ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ .. «4» الآية.

التفسير:

قُلْ أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً أي قل لهم يا محمد أي شي‏ء أعظم شهادة حتى يشهد لي بأني صادق في دعوى النبوة؟ قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ‏ أي أجبهم أنت و قل لهم: اللّه يشهد لي بالرسالة و النبوة و كفى بشهادة اللّه لي شهادة قال ابن عباس: قال اللّه لنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم قل لهم أي شي‏ء أكبر شهادة فإن أجابوك و إلّا فقل لهم اللّه شهيد بيني و بينكم‏ «5» وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ‏

(1) مجمع البيان 4/ 286.

(2) أسباب النزول ص 122.

(3) القرطبي 6/ 414.

(4) التفسير الكبير 12/ 205.

(5) البحر 4/ 90.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 356

بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ‏ أي و أوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به يا أهل مكة و أنذر كل من بلغه القرآن من العرب و العجم إلى يوم القيامة قال ابن جزيّ: و المقصود بالآية الاستشهاد باللّه- الذي هو أكبر شهادة- على صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و شهادة اللّه بهذا هي علمه بصحة نبوة سيدنا محمد صلّى اللّه عليه و سلّم و إظهار معجزته الدالة على صدقه‏ «1» أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى‏ استفهام توبيخ أي أئنكم أيها المشركون لتقرون بوجود آلهة مع اللّه؟ فكيف تشهدون أن مع اللّه آلهة أخرى بعد وضوح الأدلة و قيام الحجة على وحدانية اللّه؟ قُلْ لا أَشْهَدُ أي قل لهم لا أشهد بذلك‏ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ أي قل يا محمد إنما أشهد بأن اللّه واحد أحد، فرد صمد وَ إِنَّنِي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ‏ أي و أنا بري‏ء من هذه الأصنام، ثم ذكر تعالى أن الكفار بين جاهل و معاند فقال‏

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ‏ يعني اليهود و النصارى الذين عرفوا و عاندوا يعرفون النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بحليته و نعته على ما هو مذكور في التوراة و الإنجيل كما يعرف الواحد منهم ولده لا يشك في ذلك أصلا، قال الزمخشري:

و هذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب و بصحة نبوته‏ «2» الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ أي أولئك هم الخاسرون لأنهم لم يؤمنوا بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم بعد وضوح الآيات‏

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ‏ الاستفهام إنكاري و معناه النفي أي لا أحد أظلم ممن اختلق على اللّه الكذب أو كذّب بالقرآن و المعجزات الباهرة و سمّاها سحرا، قال أبو السعود: و كلمة أَوْ للإيذان بأن كلّا من الافتراء و التكذيب وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم، فكيف و هم قد جمعوا بينهما فأثبتوا ما نفاه اللّه و نفوا ما أثبته! قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون‏ «3» إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ‏ أي لا يفلح المفتري و لا المكذّب و فيه إشارة إلى أن مدّعي الرسالة لو كان كاذبا لكان مفتريا على اللّه فلا يكون محلا لظهور المعجزات‏

وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أي اذكر يوم نحشرهم جميعا للحساب و نقول لهم على رؤوس الأشهاد أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ‏ أي أين آلهتكم التي جعلتموها شركاء للّه؟ قال البيضاوي: و المراد من الاستفهام التوبيخ و تَزْعُمُونَ‏ أي تزعمونهم آلهة و شركاء مع اللّه فحذف المفعولان و لعله يحال بينهم و بين آلهتهم حينئذ ليفقدوها في الساعة التي علقوا بها الرجاء فيها «4» قال ابن عباس: كل زعم في القرآن فهو كذب‏ «5»

ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ‏ أي لم يكن جوابهم حين اختبروا بهذا السؤال و رأوا الحقائق‏ إِلَّا أَنْ قالُوا وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ‏ أي أقسموا كاذبين بقولهم و اللّه يا ربنا ما كنا مشركين، قال القرطبي: تبرؤوا من الشرك و انتفوا منه لما رأوا من تجاوزه و مغفرته للمؤمنين، قال ابن عباس: يغفر اللّه لأهل الإخلاص ذنوبهم فإذا رأى المشركون ذلك قالوا تعالوا نقول: إنّا كنا أهل ذنوب و لم نكن مشركين، فيختم على أفواههم و تنطق أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون (6)

انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏ أي انظر يا محمد كيف كذبوا على أنفسهم بنفي الإشراك عنها أمام علّام الغيوب، و هذا للتعجيب من‏

(1) التسهيل 2/ 5.

(2) الكشاف 2/ 9.

(3) أبو السعود 2/ 88.

(4) البيضاوي ص 169.

(5) القرطبي 6/ 401.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 357

كذبهم الصريح‏ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏ أي تلاشى و بطل ما كانوا يظنونه من شفاعة آلهتهم و غاب عنهم ما كانوا يفترونه على اللّه من الشركاء، ثم وصف تعالى حال المشركين حين استماع القرآن فقال‏

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ‏ أي و من هؤلاء المشركين من يصغي إليك يا محمد حين تتلو القرآن‏ وَ جَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ‏ أي جعلنا على قلوبهم أغطية لئلا يفقهوا القرآن‏ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً أي ثقلا و صمما يمنع من السمع قال ابن جزي: و المعنى أن اللّه حال بينهم و بين فهم القرآن إذا استمعوه و عبّر بالأكنّة و الوقر مبالغة «1» وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها أي مهما رأوا من الآيات و الحجج و البيّنات لا يؤمنوا بها لفرط العناد حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏ أي بلغوا من التكذيب و المكابرة إلى أنهم إذا جاؤوك مجادلين يقولون عن القرآن ما هذا إلا خرافات و أباطيل الأولين‏

وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ‏ أي هؤلاء المشركون المكذبون ينهون الناس عن القرآن و عن اتباع محمد عليه السّلام و يبعدون هم عنه‏ وَ إِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ‏ أي و ما يهلكون بهذا الصنيع إلا أنفسهم و ما يشعرون بذلك، قال ابن كثير:

فهم قد جمعوا بين الفعلين القبيحين لا ينتفعون و لا يدعون أحدا ينتفع و لا يعود وباله إلا عليهم و ما يشعرون‏ «2»

وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ أي لو ترى يا محمد هؤلاء المشركين إذ عرضوا على النار لرأيت أمرا عظيما تشيب لهوله الرؤوس، قال البيضاوي: و جواب‏ لَوْ محذوف تقديره لرأيت أمرا شنيعا «3» و إنما حذف ليكون أبلغ ما يقدره السامع‏ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا أي تمنّوا الرجوع إلى الدنيا ليعملوا عملا صالحا و لا يكذبوا بآيات اللّه‏ وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ أي إذا رجعنا إلى الدنيا نصدّق و نؤمن باللّه إيمانا صادقا فتمنوا العودة ليصلحوا العمل و يتداركوا الزلل قال تعالى ردّا لذلك التمني‏

بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ‏ أي ظهر لهم يوم القيامة ما كانوا يخفون في الدنيا من عيوبهم و قبائحهم فتمنوا ذلك‏ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ‏ أي لو ردّوا- على سبيل الفرض لأنه لا رجعة إلى الدنيا بعد الموت- لعادوا إلى الكفر و الضلال و إنهم لكاذبون في وعدهم بالإيمان‏

وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ‏ أي قال أولئك الكفار الفجار ما هي إلا هذه الحياة الدنيا و لا بعث و لا نشور

وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ وُقِفُوا عَلى‏ رَبِّهِمْ‏ أي لو ترى حالهم إذ حبسوا للحساب أمام رب الأرباب كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده للعقاب، و جواب‏ لَوْ محذوف للتهويل من فظاعة الموقف‏ قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِ‏ أي أ ليس هذا المعاد بحق؟ و الهمزة للتقريع على التكذيب‏ قالُوا بَلى‏ وَ رَبِّنا أي قالوا بلى و اللّه إنه لحق‏ قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ‏ أي ذوقوا العذاب بسبب كفركم في الدنيا و تكذيبكم رسل اللّه، ثم أخبر تعالى عن هؤلاء الكفار فقال‏

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ‏ أي لقد خسر هؤلاء المكذبون بالبعث‏ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أي حتى إذا جاءتهم القيامة فجأة من غير أن يعرفوا وقتها، قال القرطبي: سميت القيامة بالساعة لسرعة الحساب فيها «4» قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى‏ ما فَرَّطْنا فِيها أي قالوا يا ندامتنا على‏

(1) التسهيل 2/ 6.

(2) ابن كثير 1/ 573.

(3) البيضاوي ص 169.

صفحه بعد