کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

عرائس البيان فى حقائق القرآن

الجزء الثاني

سورة التوبة

تفسير الآية 1 تفسير الآية 2 تفسير الآية 3 تفسير الآية 8 تفسير الآية 13 تفسير الآية 16 تفسير الآية 18 تفسير الآية 21 تفسير الآية 25 تفسير الآية 26 تفسير الآية 27 تفسير الآية 28 تفسير الآية 31 تفسير الآية 32 تفسير الآية 33 تفسير الآية 34 تفسير الآية 36 تفسير الآية 37 تفسير الآية 38 تفسير الآية 40 تفسير الآية 41 تفسير الآية 43 تفسير الآية 44 تفسير الآية 46 تفسير الآية 48 تفسير الآية 51 تفسير الآية 54 تفسير الآية 55 تفسير الآية 59 تفسير الآية 60 تفسير الآية 66 تفسير الآية 67 تفسير الآية 71 تفسير الآية 72 تفسير الآية 73 تفسير الآية 74 تفسير الآية 76 تفسير الآية 77 تفسير الآية 78 تفسير الآية 82 تفسير الآية 88 تفسير الآية 98 تفسير الآية 91 تفسير الآية 92 تفسير الآية 93 تفسير الآية 98 تفسير الآية 99 تفسير الآية 100 تفسير الآية 102 تفسير الآية 103 تفسير الآية 104 تفسير الآية 105 تفسير الآية 108 تفسير الآية 109 تفسير الآية 111 تفسير الآية 112 تفسير الآية 115 تفسير الآية 116 تفسير الآية 117 تفسير الآية 118 تفسير الآية 119 تفسير الآية 122 تفسير الآية 123 تفسير الآية 124 تفسير الآية 125 تفسير الآية 126 تفسير الآية 128 تفسير الآية 129

سورة يوسف عليه السلام

تفسير الآية 1 تفسير الآية 3 تفسير الآية 4 تفسير الآية 5 تفسير الآية 6 تفسير الآية 7 تفسير الآية 8 تفسير الآية 12 تفسير الآية 13 تفسير الآية 14 تفسير الآية 15 تفسير الآية 16 تفسير الآية 18 تفسير الآية 19 تفسير الآية 20 تفسير الآية 21 تفسير الآية 22 تفسير الآية 23 تفسير الآية 24 تفسير الآية 25 تفسير الآية 28 - 26 تفسير الآية 30 تفسير الآية 31 تفسير الآية تفسير الآية 33 تفسير الآية 36 تفسير الآية 38 تفسير الآية 39 تفسير الآية 40 تفسير الآية 42 تفسير الآية 46 تفسير الآية 52 - 51 - 50 تفسير الآية 54 تفسير الآية 55 تفسير الآية 56 تفسير الآية 58 تفسير الآية 60 تفسير الآية 64 تفسير الآية 65 تفسير الآية 66 تفسير الآية 67 تفسير الآية 68 تفسير الآية 69 تفسير الآية 70 تفسير الآية 76 تفسير الآية 77 تفسير الآية 79 تفسير الآية 81 تفسير الآية 83 تفسير الآية 84 تفسير الآية 85 تفسير الآية 86 تفسير الآية 87 تفسير الآية 88 تفسير الآية 89 تفسير الآية 90 تفسير الآية 91 تفسير الآية 92 تفسير الآية 93 تفسير الآية 94 تفسير الآية 95 تفسير الآية 96 تفسير الآية 97 تفسير الآية 98 تفسير الآية 99 تفسير الآية 100 تفسير الآية 101 تفسير الآية 102 تفسير الآية 105 تفسير الآية 106 تفسير الآية 108 تفسير الآية 110 تفسير الآية 111
فهرس المحتويات

الجزء الثالث

سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد صلى الله عليه و سلم سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الانشراح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس فهرس المحتويات

عرائس البيان فى حقائق القرآن


صفحه قبل

عرائس البيان فى حقائق القرآن، ج‏1، ص: 18

و مسرة لأهل القربات.

و الرَّحْمنِ‏ : مطيّة السالكين، تسير بهم إلى معدن العناية، و الرَّحِيمِ‏ : حبل الحق للمجذوبين تجذبهم به إلى حجال الوصلة.

باسمه‏ الرَّحْمنِ‏ أمنهم من العقاب، و باسمه‏ الرَّحِيمِ‏ أتاهم من نفائس الثواب؛ الأول: مفتاح المكاشفة، و الآخر: مرقاة المشاهدة.

باسمه‏ الرَّحْمنِ‏ : فتح لهم الغيوب، و باسمه‏ الرَّحِيمِ‏ : غفر لهم الذنوب.

و قال ابن عطاء: في اسمه‏ الرَّحِيمِ‏ مودة و محبة.

و عن جعفر بن محمد في قوله: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ إنه قال: هو واقع على المريدين و المرادين؛ فاسم‏ الرَّحْمنِ‏ : للمرادين؛ لاستغراقهم في أنوار الحقائق، و الرَّحِيمِ‏ :

للمريدين؛ لبقائهم مع أنفسهم، و اشتغالهم بالظاهر.

[سورة الفاتحة (1): الآيات 2 الى 4]

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)

قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ «1» شكر نفسه للعباد؛ لأنه علم عجزهم عن شكره، و أيضا: أدّب الخلق بتقدم حمده امتنانه عليهم على حمدهم نفسه.

و لسان الحمد ثلاثة: لسان الإنسانيّ، و لسان الروحانيّ، و لسان الربانيّ، أما «اللسان الإنسانيّ»: فهو للعوام، و شكره بالتحدث بإنعام اللّه و إكرامه، مع تصديق القلب بأداء الشكر.

(1) لم يقل تعالى: الحمد لرب العالمين اللّه؛ لكون الربوبية تلو الألوهية دون العكس؛ فإن الألوهية كالسلطنة، و الربوبية كالوزارة، فالسلطان مظهر الاسم اللّه؛ لكمال جمعيته، و الوزير مظهر الاسم الرب؛ لكونه في مقام التربية للعالمين؛ كالروح و العقل، فإن القوى و الأعضاء إنما تقومان بهما، و بهما كمال ترتبيهما، فكما أن تعيّن الروح قبل تعيّن ما دونه؛ فكذا تعيّن الألوهية، و نظير ذلك الشمس مع القمر، فإن الشمس أقدم في الوجود؛ كتقدّم الأب على الابن.

و الحاصل: إن الألوهية باطن الربوبية، فالأولى مظهر الاسم الباطن، و الثانية مظهر الاسم الظاهر، و كذا الحق باطن الخلق، و الشمس باطن القمر، و الأب باطن الابن، و الروح باطن الجسم، فالظاهر مرآة الباطن في كل ذلك؛ و إنما جعلوا الرب الاسم الأعظم أيضا، و في مرتبة الجلال من حيث جمعيته؛ لأن الألوهية و الربوبية لا تختصان بألوهية بعض دون بعض، و بربوبية بعض دون بعض، و باسم دون اسم، و بلطف دون قهر و بالعكس، فللسلطان الجمال و الجلال، و للوزير التربية بكل من اللطف و القهر، فجمعية السلطان إنما تظهر في المراتب التي دون السلطنة فاعرف ذلك.

عرائس البيان فى حقائق القرآن، ج‏1، ص: 19

و أما «اللسان الروحانيّ»: فهو للخواص، و هو ذكر القلب لطائف اصطناع الحق في تربية الأحوال، و تزكية الأفعال.

و أما «اللسان الربانيّ»: فهو للعارفين، و هو حركة السرّ، يصدق شكر الحق جلّ جلاله بعد إدراك لطائف المعارف، و غرائب الكواشف بنعت المشاهدة و الغيبة في قربه، و اجتناء ثمرة الأنس، و خوض الروح في بحر القدس، و ذوق الأسرار مع مباينة الأنوار.

و الحامدون في حمدهم للّه، بتفاوت لسانهم في مقاماتهم و مقاصدهم، و أهل الإرادة حمدوه بما نالوا من صفاء المعاملات، مقرونا بنور القرب، و أهل المحبة حمدوه بما نالوا من أنوار المكاشفات، مقرونة بنور صرف الصفات، و أهل المعرفة حمدوه بما نالوا من جمال المشاهدات، ممزوجا بعلم الربوبية، و أهل التوحيد حمدوه بما نالوا من سناء خصائص الصفات، و جلال قدم الذات، مشوبا بنعت البقاء، و أهل شهود الأزل بنعت الأنس حمدوه بما لاح في قلوبهم من نور القدس، و قدس القدس، و بما أودع اللّه أرواحهم من أسرار علوم القدم، و ما أفرد مواطن أسرارهم من غصن الأبصار في تعرض الحدثان عند حقائقها، و ما خصها بكشف الكشاف، فحمدهم بالبسط و الرجاء و الانبساط شطح، و حمده في الاصطلام و المحو خرس.

كما قال عليه السلام: «لا أحصي ثناء عليك» «1» في قبضه عن تحصيل شكر رؤية القدم، فلسان التحميد لأهل التفرقة، و لسان الحمد في رؤية المحمود صفات أهل الجمع.

و قيل: الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ : ما قضى و قدّر بإدراك، على ما هدى و حفظ، و على ما أرشدوا، و على ما اختاروا.

و قال أبو الوزير الركبي في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ : عن اللّه، قال: لو عرّفت ذلك عبدي، لما شكرت غيري.

و قال أبو بكر بن أبي طاهر: ما خلق اللّه شيئا من خلقه؛ إلا و ألهمه الحمد، ثم جعل فاتحة كتابه، و فرضها عليهم في صلاته.

و قال ابن عطاء: «الحمد للّه» معناها الشكر للّه إذا كان منه الامتنان على تعليمنا إيّاه حتى حمدنا.

و قيل: معنى «الحمد للّه» أي: أنت المحمود جميع صفاتك و أفعالك.

و قيل: «الحمد للّه» أي: لا جامد للّه إلا اللّه.

و ذكر عن جعفر الصادق في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ ، قال: من حمده، فقال: من حمد

(1) رواه مسلم (1/ 352).

عرائس البيان فى حقائق القرآن، ج‏1، ص: 20

بصفاته كما وصف نفسه فقد حمده؛ لأن الحمد حاء، و ميم، و دال؛ «فالحاء» من الوحدانية، و «الميم» من الملك، و «الدال» من الديمومية، فمن عرفه بالوحدانية و الديمومية و الملك؛ فقد عرفه.

و قال رجل بين يدي الجنيد: «الحمد للّه»، فقال له: أتممها كما قال اللّه، قل: رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ، فقال له الرجل: و من العالمون حتى يذكروا مع الحق؟! فقال: قله يا أخي، فإن الحادث إذا قارن بالقديم لا يبقى له أثر.

قوله تعالى: رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ؛ لأنه أظهر نفسه عليهم حتى نالوا من بركاتهم ما هداهم إلى معرفته، فربّاهم بها على قدر مذاقهم، فربّى المريدين بشعشعة أنواره، و لوائح أسراره، و ربّى المحبين بحلاوة مناجاته، و لذة خطابه، و ربّى المشتاقين بحسن وصاله، و ربّى العاشقين بكشف جماله، و ربّى العارفين بمشاهدة بقائه، و دوام أنسه، و حقائق انبساطه، و ربّى الموحدين برؤية الوحدانية و الأنانية في عين الجمع، و جمع الجمع.

و قيل: رَبِّ الْعالَمِينَ‏ أي: منطقهم بحمده.

و ذكر عن ابن عطاء: رَبِّ الْعالَمِينَ‏ أي: مربي أنفس العارفين بنور التوفيق، و قلوب المؤمنين بالصبر و الإخلاص، و قلوب المريدين بالصدق و الوفاء، و قلوب العارفين بالفكرة و العبرة.

و قال محمد بن عليّ الترمذي: علم اللّه تواتر نعمه على عباده، و غفلتهم عن القيام بشكره، فأوجب عليهم في العبادة التي تكرر عليهم في اليوم و الليلة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ، فيكون ذلك قياما لشكره، و ألا يغفلوا عنه، فأبوا ذلك.

و قال بعضهم: ذكر بِسْمِ اللَّهِ‏ ، ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ : أعلم أن منه المبتدأ، و إليه المنتهى.

و قال الحارث المحاسبي: إنّ اللّه بدأ بحمد نفسه، فأوجب للمؤمنين تقديم‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ في أول كل كتاب، و كل خطبة، و كل قول حسن، و هو أحسن ما ابتدأ به المبتدئ، و افتتح مقالته.

و قال بعضهم: من قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ؛ فقد قام بحق العبودية، و شكر النعمة.

و قال بعضهم: ظهر فضل آدم على الكلّ، بقوله حين عطس: الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ .

و قال الأستاذ: مربّي الأشباح بوجود النعم، و مربّي الأرواح بشهود الكرم.

عرائس البيان فى حقائق القرآن، ج‏1، ص: 21

و قوله تعالى: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ : «بالرحمن»: سبقت رحمته غضبه، و «بالرحيم»:

حجب كرمه سخطه، و الرَّحْمنِ‏ : اسم القدم، و «الرحيم»: اسم البقاء، و الرَّحْمنِ‏ الرَّحْمنِ‏ : اسم الحقيقة، و الرَّحِيمِ‏ : اسم الصفة.

و قيل: الرَّحْمنِ‏ بالإشراف على أسرار أوليائه، و التجلّي لأرواح أنبيائه.

و قيل: الرَّحْمنِ‏ : خاص الاسم خاص الفعل، و الرَّحِيمِ‏ : عام الاسم عام الفعل.

و قيل: الرَّحْمنِ‏ بالنعمة، و الرَّحِيمِ‏ بالعصمة.

و قيل: الرَّحْمنِ‏ بالتجلّي، و الرَّحِيمِ‏ بالتدلّي.

و قيل: الرَّحْمنِ‏ بكشف الأنوار، و الرَّحِيمِ‏ بحفظ ودائع الأسرار.

و قيل: الرَّحْمنِ‏ بذاته‏ «1» ، و الرَّحِيمِ‏ بنعوته و صفاته.

و قال سهل: بنسيم روح اللّه اخترع من ملكه ما شاء رحمة؛ لأنه رحمن رحيم.

و قال الواسطي: الرحمانية تشوق الروح شوقا، و الإلهية تذوق الحق ذوقا.

و قال إبراهيم الخواص: من عرفه بأنه الرحمن الرحيم، لزمه معرفته له بالرحمة، الثقة به في حياته و مماته، و العطف بالرحمة على الخلائق أجمع في الدنيا بالعوافي و الأرزاق، و في الآخرة بالمغفرة و الرحمة و الغفران.

قال جعفر الصادق: الرَّحْمنِ‏ : العاطف على خلقه لسابق المقدور عليهم المراقب لهم، و الرَّحِيمِ‏ : المتعطّف لهم في أمر المعاش و العوافي.

و قال الجنيد في قوله: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ : الرحمة على وجهين: رحمة لطفه، و رحمة عطفه، فإشارة باسمه الرحمن إلى لطفه، و إشارة باسمه الرحيم إلى عطفه.

و قال الأستاذ: الرَّحْمنِ‏ : خاص الاسم، عام المعنى، و الرَّحِيمِ‏ : عام الاسم، خاص المعنى‏ «2» .

(1) الرَّحْمنِ‏ في الظاهر، فيعمّ رحمته الكافر، و الأعضاء و الآفاق، فإن كل ذلك داخل تحت حيطة الاسم الظاهر.

(2) الرَّحِيمِ‏ في الباطن، فيعمّ رحمته المؤمن و القوى و الأنفس، كما يعمّهم الرحمة الرحمانية، فللكافر ظاهر دون باطن؛ لأن لا آخرة له، فإن العاقبة للمتقين، و للمؤمن ظاهر و باطن جميعا فالظاهر مع الباطن أقوى من الظاهر بلا باطن؛ لأن الظاهر بلا باطن محصور كالدنيا؛ لانتهائها دون الظاهر مع الباطن؛ كالآخرة لعدم نهايتها، و إنما أدخلنا الآخرة في الباطن؛ لأنها قلب الدنيا؛ و القلب باطن بالنسبة إلى‏

عرائس البيان فى حقائق القرآن، ج‏1، ص: 22

فالرحمن: بما روّح، و الرَّحِيمِ‏ بما لوّح، فالترويح للمباد، و التلويح بالأنوار.

و الرَّحْمنِ‏ بكشف تجلّيه، و الرَّحِيمِ‏ بلطف تولّيه.

و الرَّحْمنِ‏ بما أولى من الإيمان، و الرَّحِيمِ‏ بما أسرى من العرفان.

و الرَّحْمنِ‏ بما أعطى من العرفان، و الرَّحِيمِ‏ بما تولّى من الغفران.

و الرَّحِيمِ‏ بما منّ به من الرضوان، و الرَّحْمنِ‏ بما يكرم به من الرضوان.

و الرَّحِيمِ‏ بما يكرّم به من الرؤية و العيان، فالرحمن بما يوفّق، و الرَّحِيمِ‏ بما يحقّق، فالتوفيق للمعاملات، و التحقيق للمواصلات، فالمعاملات للقاصدين و المواصلات للواجدين.

و الرَّحْمنِ‏ بما يصنع لهم، و الرحيم بما يدفع عنهم، و الصنع يجمع العناية، و الدّفع بحسن الرعاية، إلى هاهنا كلام الأستاذ.

أمّا من اختراعي أن: اسم‏ الرَّحْمنِ‏ : محل طلوع أنوار العناية، و «الرَّحِيمِ» : محل إشراق شمس الكفاية، فبالعناية يهدى أهل العرفان إلى مشاهدة القدم، و بالكفاية تحفظ حقائق إيمانهم أبدا لوجه بقاء الديموميّة، فبالرحمن تأيّدهم، و بالرحيم ترقيهم و تحفظهم، فالأول: للعناية، و الآخر: للكفاية، تغمّدهم بنور الأزلية بين الصفتين؛ حتى يصيروا بالرحمن مشتاقين، و بالرحيم والهين.

و قال حميد: هل يكون من الرحمن لأهل الإيمان، إلا الأمن و الأمان، و الروّية و العيان.

و قال سهل: الرَّحْمنِ‏ : على عباده بالمغفرة و الرضوان، و «الرَّحِيمِ» : عليهم بالعوافي و الأرزاق.

قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ : في اسم المالك رجاء المقبلين، و تخويف المهلكين، يجازي مقاساة ألم فراق العاشقين بمشاهدته، و نفائس كرامته، و يجازي عموم المحبّين بكشف جماله و جلاله، و يجازي المعاملة الصادقين، بإدخالهم في جنانه، و إسكانهم في جواره.

و قال ابن عطاء: يجازى يوم الحساب كل صنف بمقصودهم و همّتهم، و يجازي العارفين‏

القلب، فكما ينتهي حكم الدنيا، و يظهر الآخرة على صورتها؛ فيكون الدنيا باطنة، و الآخرة ظاهر؛ فكذا يظهر القلب في الآخرة على صورة القالب، فيكون القالب باطنا، و القلب ظاهرا، و به يصحّ رؤية اللّه تعالى كما يصحّ ذلك في الدنيا بالبصيرة، فانظر إلى هذا، و كن على بصيرة من الأمر، فإن الأمر ليس كما يزعمه المنكرون من المعتزلة و غيرهم، و اللّه رقيب شهيد.

عرائس البيان فى حقائق القرآن، ج‏1، ص: 23

بالقرب منه، و النظر إلى وجهه الكريم، و يجازي أرباب المعاملات بالحسنات.

و قيل: مالك يوم الكشف و الأشهاد؛ ليجازي كل نفس بما تسعى.

و قال الأستاذ: مالك نفوس العابدين، فصرّفها في خدمته، و مالك قلوب العارفين، فشرّفها، و مالك نفوس القاصدين، فيتّمها، و مالك قلوب الواجدين، فهيّمها، و مالك أشباح من عبده، فلاطفها بنواله و أفضاله، و مالك أرواح من أحبّه، فكاشفها بنعت جلاله و وصف جماله، و مالك زمام أرباب التوحيد، فصرّفهم حيث شاء كما شاء، و وفّقهم حيث شاء كما شاء على ما يشاء كما شاء لم تكلهم إليهم لحظة، و لا ملكهم من أمرهم سيئة، و لا خطرة أفناهم له عنهم‏ «1» .

[سورة الفاتحة (1): الآيات 5 الى 6]

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)

قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ أي: بمعونتك نعبدك، لا بحولنا و قوّتنا، و إيّاك نستعين بتمام عبوديتك، و دوام سترك علينا حتى نرى فضلك، و لا ننظر إلى أعمالنا.

إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي: إيّاك نعبد لا برؤية المعاملات، و طلب المكافآت، و وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ أي: نستعينك بمزيد العنايات، بنعت العصمة عن القطيعة.

و أيضا: إيّاك نعبد بالمراقبة، و إيّاك نستعين بكشف المشاهدة.

و أيضا: إيّاك نعبد بعلم اليقين، و إيّاك نستعين بحق اليقين.

و أيضا: و إيّاك نعبد بالغيبة، و إيّاك نستعين بالرؤية.

و قيل: إيّاك نعبد بقطع العلائق و الأغراض، و إيّاك نستعين على ثبات هذا الحال بك و لا بنا.

و قيل: إيّاك نعبد بالعلم، و إيّاك نستعين بالمعرفة.

و قيل: إيّاك نعبد بأمرك، و إيّاك نستعين علينا بفضلك.

قال سهل: إيّاك نعبد بهدايتك، و إيّاك نستعين بكلاءتك على عبادك.

قال الأنطاكي: إنما يعبد اللّه على أربع: على الرغبة، و الرهبة، و الحياء، و المحبّة فأفضلها

(1) و فيه إشارة إلى أن الدنيا و الآخرة ملك للّه تعالى ليس لغيره في ذلك الملك يد إلا بطريق الخلافة و العارية، فإن الدين المجازاة، و هو جارية في الدّارين، فهو تعالى مالك يوم الدنيا، و يوم الآخرة، و مالك المجازاة فيهما، فظهر إن قيامة العارفين دائمة؛ لكونهم مع اللّه تعالى في كل نفس من الأنفاس، و محاسبون أنفسهم في كل لحظة من لحظات، فهم مملوكون للّه تعالى؛ لأنهم أحرار عمّا سواه تعالى، و قائمون لربهم بالخدمة في كل حين.

عرائس البيان فى حقائق القرآن، ج‏1، ص: 24

المحبة التي تليها الحياء، ثم الرهبة، ثم الرغبة.

و قال الأستاذ: العبادة بستان القاصدين، و مستروح المريدين، و مرتع الأنس للمحبّين، و مرتع البهجة للعارفين، بها قوة أعينهم، و فيها مسرّة قلوبهم، و منها راحة أبدانهم‏ «1» .

قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ أي: اهدنا مرادك منا؛ لأن الطريق المستقيم ما أراد الحق من الخلق، من الصدق و الإخلاص في عبوديته.

و أيضا أرشدنا إلى ما أنت عليه.

و أيضا اهدنا إنابتك حتى نتّصف بصفاتك.

و أيضا اهدنا إلى معرفتك، حتى نستريح من معاملتنا بنسيم أنسك، و حقائق حسنك.

و قيل: معنى اهدنا أي: مل بقلوبنا إليك، و أقم بهمّنا بين يديك، و كن دليلنا منك إليك حتى لا تقطع عمّا لك بك.

و قيل أي: أرشدنا طريق المعرفة؛ حتى نستقيم معك بخدمتك.

و قيل أي: أرنا طريق الشكر فنفرح، و نطرب بقربك.

و قيل: اهدنا بفناء أوصاف الطريق إلى أوصافك التي لم تزل و لا تزال.

و قيل: اهدنا هدى العيان بعد البيان؛ لنستقيم لك على حسب إرادتك.

و قيل: اهدنا هدى من يكون منك مبدأه؛ حتى يكون إليك منتهاه.

و قيل: اهدنا الصراط المستقيم على الصراط بالغيوبة؛ لئلا يكون مربوطا بالصراط.

قال الجنيد: إن القوم لّما سألوا الهداية عن الحيرة التي وردت عليهم عن إشهاد صفاته الأزلية، فسألوا الهداية إلى أوصاف العبودية؛ كيلا يستغرقوا في رؤية صفات الأزلية.

قال بعضهم: إليك قصدنا، فقوّمنا.

و قيل: اهدنا بالقوة و التمكين.

و قال الحسين أي: اهدنا طريق المحبّة لك، و السعي إليك.

قال الشبلي: اهدنا صراط الأولياء و الأصفياء.

و قال بعضهم: أرشدنا الذي لا اعوجاج فيه، و هو الإسلام.

و قيل: أرشدنا في الدنيا إلى الطاعات، و بلّغنا في الآخرة الدرجات.

صفحه بعد