کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

عناية القاضى و كفاية الراضى

عناية القاضى و كفاية الراضى


صفحه قبل

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏1، ص: 223

ضارب، و قرئ غير الضالين، و الضلال العدول عن الطريق السويّ عمدا أو خطأ، و له عرض عريض و التفاوت ما بين أدناه و أقصاه كثير، و قيل المغضوب عليهم اليهود لقوله (فإن قلت) إذا كان تأويل المضاف بحرف مختلف في صدارته مجوّزا لتقديم ما في حيزه عليه، فلم امتنع أنا زيدا مثل ضارب مع أنّ مثل بمعنى الكاف، و إن كانت العلل النحوية لا يلزم إطرادها (قلت) هذا وارد بغير شبهة، و في حواشي ابن الصائغ أنّ أبا الفتح بن جني أجازه أيضا لأنّ معنى مثل ضارب أشبه ضاربا أو كضارب، و منعه ابن السراج على تقدير عمل المضاف إليه، و أجازه على تقدير عمل ما يدل عليه، و به أخذ أكثر المتأخرين و ابن مالك، و ذكر الجرجاني في نظم القرآن أنّ فائدة دخول لا في، و لا الضالين نفي توهم عطف الضالين على الذين، و قراءة غير الضالين نسبها السجاوندي إلى عمر و عليّ و أبي بكر رضي اللّه عنهم، و هي تؤيد كون لا و غير بمعنى لتعاقبهما و لذا أوردها المصنّف رحمه اللّه هنا، و في القاموس و أمّا قراءة غير الضالين فمحمولة على أنّ ذلك على وجه التفسير، و فيه نظر ظاهر. قوله:

(و الضلال العدول إلخ) هذا كلام الراغب بعينه، و السويّ و المستوي بمعنى المستقيم، و المراد المسلوك الموصل و فسره بعضهم بفقدان الطريق السويّ سواء وجده أو لا و هو قريب مما ذكره المصنّف. و قوله: (و له عرض عريض) ذكر الأدباء كالمرزوقي و صاحب الموازنة أنّ العرض على ضربين في المجسمات و في غيرها، و في الثاني يراد اتساع الشي‏ء و امتداد وقته، و أكثر ما يستعمل فيه العرض دون الطول كنعمة عريضة، و جنة عرضها السموات و الأرض فذو دعاء عريض، و ربما جمعوا بينهما فقالوا عشنا زمانا طويلا عريضا، و الدهر العريض الطويل فيراد الكمال و الاتساع قال كثير:

بطاحيّ له نسب مصفى‏

و أخلاف لها عرض و طول‏

فهذا على التشبيه بالمجسمات و القصد إلى السعة، و قد عيب على أبي تمام قوله:

بيوم كطول الدهر في عرض مثله‏

و وجدي من هذا و هذاك أطول‏

و قيل جعل للزمان عرضا مع أنه لا حاجة إليه إذ كان بذكر الطول قد استوفى المعنى، و هذا من قائله ظلم لأنه سلك مثل طريقه كثير من التشبيه بالمجسمة، و هذا كما قال في الأخلاق: لها عرض و طول و كذا في الزمان له كذا في عرض مثله و لا فصل.

(و اعلم) أنّ في هذه العبارة منزعا بديعا لم ينبهوا عليه، و هو كما أشار إليه في الأساس أنّ حقيقة الضلال في الطريق المحسوس المسلوك لفقده، حتى لا يصل لقصده ثم استعير لفقد العلم و العمل الموصل للسعادة، و شاع ذلك حتى صار حقيقة في عرف اللغة و الشرع فقوله العدول إلخ إن أريد به ظاهره فهو بيان لمعناه الأصلي، و إن أريد ما يطلق عليه الطريق القويم، و الصراط المستقيم فهو بيان لمعناه الثاني المراد في النظم و عرض عريض صالح لهما كما مرّ، و إن كان ما بعده ظاهرا في الثاني و يقابله الهداية، و لما كان ما مرّ من تنويع مراتبها يقتضي تنوع‏

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏1، ص: 224

تعالى فيهم‏ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ‏ [سورة المائدة، الآية: 60] و الضالين النصارى لقوله تعالى: قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً [سورة المائدة، الآية: 77] و قد روى مرفوعا، ما هنا أيضا أشار إلى أنه لا ينضبط، و لا يعتنى به مع أنه قد يهتدي له من التقابل، و في قوله عرض عريض مبالغة ليل أليل حيث أثبت للعرض عرضا و ما في قوله ما بين زائدة، و أدنى الضلال أقله إثما كالزلات و أقصاه أعظمه، و هو الكفر قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏ [سورة لقمان، الآية: 13]. قوله: (و قيل المغضوب إلخ) قيل هذا ضعيف لأنّ منكري الصانع و المشركين أخبث دينا من اليهود و النصارى، فكان الاحتراز عن دينهم أولى.

(و أقول) الغضب و الضلال، وردا جميعا في القرآن لجميع الكفار على العموم حيث قال:

وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ‏ [سورة النساء، الآية: 671] و قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً [سورة النساء، الآية: 167] و لليهود و النصارى جميعا على الخصوص حيث قال في حق اليهود من لعنه اللّه و غضب عليه إلخ. و في حق النصارى‏ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا [سورة المائدة، الآية: 77] كما في التيسير فالاستشهاد بهاتين الآيتين على أنّ المراد بالمغضوب عليهم اليهود و بالضالين النصارى ليس بسديد انتهى.

و قد قيل: على ما ذكره أوّلا أن ابن أبي حاتم رحمه اللّه قال: لا أعلم خلافا بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود و الضالين بالنصارى‏ «1» كما صححه ابن حبان و الحاكم و حسّنه الترمذي، و أخرجه جم غفير من المحدّثين كما قاله في الدرّ المنثور فهذا لا يصدر إلّا ممن لا إطلاع له على أقوال المفسرين و المحدّثين أعاذنا اللّه من الجراءة على تفسير كتابه، و قد يقال أيضا: من لا ملة له لا اعتداد به و هؤلاء أشدّ في الكفر و العناد و أعظم في الخبث و الفساد، و لذا ضربت عليهم الذلة، و خص النصارى بالضلال لفرط جهلهم في التثليث و لكونهم أقرب من اليهود للإسلام و صفوا بالضلال لأنّ الضالّ قد يهتدي. قوله: (لقوله تعالى فيهم‏ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ‏ [سورة المائدة، الآية: 60] فيهم ليس من لفظ التلاوة بل من كلام المصنّف رحمه اللّه و معناه في حقهم و شأنهم و هكذا صحح في النسخ كما قاله بعض الفضلاء، و وقع في بعضها منهم بدل فيهم و هو تحريف من الناسخ، فلذا اعترض عليه بأنّ الآية في سورة المائدة و ليس فيها منهم، فهو غلط في التلاوة و الاستشهاد بالآيتين بناء على أنه ورد عن السلف تفسيرهما بذلك لما مرّ، فلا وجه للاعتراض على المصنّف رحمه اللّه بأنّ الغضب و الضلال مما وصف به الكفرة مطلقا في مواضع كثيرة من القرآن كما في بعض الحواشي. و قوله: (و قيل إلخ) وقع في بعض النسخ بدون واو عاطفة، على أنها جملة مستأنفة لنقل بعض الأقاويل، و في بعضها بها عطفا على ما علم من السياق من الإطلاق لوقوعه في‏

(1) انظر الحديث الآتي.

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏1، ص: 225

و يتجه أن يقال المغضوب عليهم العصاة، و الضالين الجاهلون باللّه لأنّ المنعم عليه من وفق للجمع بين معرفة الحق لذاته و الخير للعمل به، فكان المقابل له من اختلّ إحدى قوتيه العاقلة و العاملة و المخل بالعمل فاسق مغضوب عليه لقوله تعالى في القاتل عمدا:

وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ‏ [سورة النساء، الآية: 93] و المخل بالعلم جاهل ضالّ لقوله تعالى:

فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ‏ [سورة يونس، الآية: 32] و قرئ و لا الضألين بالهمز على لغة مقابلة من أنعم عليه بالنعمة المطلقة، و هي نعمة الإيمان كما مرّ و في بدائع ابن القيم ليس المراد بهذا التفسير التخصيص، فإنّ اليهود ضالون و النصارى مغضوبون، و إنما ذكر كل طائفة بأشهر صفاتها، و أخصها و فيه نظر. قوله: (و قد روي مرفوعا إلخ) أخرجه أحمد في مسنده و حسنه ابن حبان في صحيحه عن عديّ بن حاتم و أخرجه ابن مردوية عن أبي ذرّ رضي اللّه عنهما بلفظ سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن قول اللّه غير المغضوب عليهم قال: «هم اليهود و لا الضالين قال النصارى» «1» و أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما و ابن مسعود رضي اللّه عنه و قال ابن أبي حاتم: لا أعلم فيه خلافا عن المفسرين، فهذه حكاية إجماع منهم فكيف يعدل عنه بالرأي. قوله: (و يتجه إلخ) أي يسنح، و يظهر ظهورا موجها و قيل معناه أنه لو فسر بهذا كان كلاما موجها، و إن خالف ما عليه الجمهور ففيه إيماء إلى أنه ليس أولى كما قاله الإمام رحمه اللّه، فإنه اختاره في تفسيره فالمنعم عليه العالم العامل و أراد بالحق العقائد الثابتة في نفس الأمر المطابقة للواقع، و عبر عنها بذلك لأنها مقصودة لذاتها و التصديق بها لا للعمل كالفروع الشرعية، و تسمية هذه خيرا ظاهر، و في ترك التعبير عنها بالحق إشعار بأنها خير، و إن أخطأ المجتهد فيها إذ يثاب على العمل بها، و لم يذكر الشرّ للاجتناب عنه كما في قوله تعالى: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ [سورة البلد، الآية: 10] أي طريقي الخير و الشر لدخوله في الخير بهذا الاعتبار و استلزام معرفته و قيل المراد بالحق ذاته تعالى و صفاته و الذي عناه المصنّف رحمه اللّه ما مرّ، و هو الموافق للآية الآتية و قوله لذاته متعلّق بالمعرفة، و المراد من كون المخل بالعمل مغضوبا عليه أنه مستحق لذلك عدلا، فلا ينافي العفو تفضلا و كرما، فسقط ما توهم من أنّ الغضب الانتقام أو إرادته، و إرادة اللّه لا تتخلف عن المراد، فيلزمه القطع بتعذيب المؤمن العاصي، و هو مخالف لما عليه أهل الحق. قوله: (و المخل بالعمل إلخ) في نسخة بالعقل و التقابل في الأولى أظهر. و قوله: (و قرئ و لا الضالين) أي بهمزة مفتوحة مبدلة من الألف اللينة و هذه قراءة أيوب السختياني كما قاله ابن جني، و هي شاذة و هي لغة فاشية، و لا يلزم أن يكون بعد الألف ساكن، فإنه سمع في غيره كقوله:

و خندف هامة هذا العألم‏

(1) أخرجه الترمذي 2954 و ابن حبان 6246 و أحمد 4/ 378- 379 و الطبري 194 من حديث عدي بن حاتم.

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏1، ص: 226

من جدّ في الهرب من التقاء الساكنين (آمين) اسم الفعل الذي هو استجب، بهمز العالم و قالوا في قراءة ابن ذكوان: منسأته بهمزة ساكنة أنّ أصلها ألف فقلبت بهمزة ساكنة. و قوله: (من جدّ) أي اجتهد و بالغ، و الهرب من التقاء الساكنين لأنّ التقاءهما إذا كان أولهما حرف لين و الثاني مدغما مغتفر و من ترك الجائز فقد بالغ في الترك، و الهرب مجاز عن الترك هنا، و في التعبير به لطف لا يخفى.

(فائدة و تكميل) و قد مرّ قول ابن جني رحمه اللّه أنه أسند النعمة إليه في قوله تعالى‏ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ تقربا و انحرف عن ذلك عند ذكر الغضب إلى الغيبة تأدّبا و قال الشارح المحقق: هو كلام حسن و معنى الغيبة ترك الخطاب، فكأنه فسره مع ظهوره إيماء إلى أنه افتنان لا التفات و في المثل السائر و على نحو من الالتفات جاء قوله: صِراطَ الَّذِينَ‏ إلخ فصرح بالخطاب لما ذكر النعمة، ثم قال غير المغضوب عليهم، و لم يقل الذين غضبت عليهم، لأنّ الأوّل موضع التقرّب إلى اللّه بذكر نعمته، فلما صار إلى ذكر الغضب زوى عنه لفظه تحننا و لطفا، فانظر إلى هذا الموضع، و تناسب هذه المعاني الشريفة التي الأقدام لا تكاد تطؤها و الأفهام مع قربها صافحة عنها، و هذه السورة قد انتقل في أوّلها من الغيبة إلى الخطاب لتعظيم شأن المخاطب، ثم انتقل في آخرها من الخطاب إلى الغيبة لتلك العلة بعينها، و هي تعظيم شأن المخاطب أيضا لأن مخاطبة الرب تعالى بإسناد النعمة إليه تعظيم لشأنه، و كذلك ترك مخاطبته بإسناد الغضب إليه تعظيم لخطابه، فينبغي أن يكون صاحب هذا الفنّ من الفصاحة و البلاغة عالما بوضع أنواعه في مواضعها ا ه و في عروس الأفراح ذكر التنوخي في الأقصى القريب، و ابن الأثير في كنز البلاغة، و ابن الغلس في طرق الفصاحة نوعا غريبا من الالتفات، و هو بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله كقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ‏ إلخ و فيه نظر. و لا نظر فيه عندي بل إمّا على رأي الأدباء و المتقدّمين في استعمال الالتفات بمعنى الافتنان، فلا غبار عليه و أمّا على المتعارف فلك أن تقول على طريق السكاكي الذي لا يشترط تعدد التعبير بل مخالفة مقتضى الظاهر أنّ المخاطب إذا ترك خطابه، و بنى ما أسند إليه للمفعول، و المحذوف كالغائب، فلا مانع من أن يسمى التفاتا، فكما يجري في الانتقال من مقدّر إلى محقق يجري في عكسه و هو معنى بديع ينبغي التنبه له. قوله: (لقوله تعالى إلخ) قيل عليه إنّ الاستشهاد بما ذكر لا يتم، فإنّ الغضب في المخل بالاعتقاد أيضا على أنه لا يقتضي كون كل من أخل بالعمل مغضوبا عليه، و يدفعه ما قيل من أنّ مقابلة الضالين بالمغضوب عليهم تقتضي أن يراد بالضالين غير ما أريد بالمغضوب عليهم، و لما ورد الغضب في حق للفاسق، و الضلال في حق المخل بالاعتقاد ناسب أن يراد بالأوّل العصاة و بالثاني الجاهلون باللّه تعالى، و ليس مبنيا على عدم ورود الضلال في حق الفاسق فتأمّل. قوله: (اسم الفعل إلخ) عدل عن قوله في الكشاف آمين اسم صوت لأنه غير ظاهر حتى أوّله شراحه بأنه تجوّز لقرب أسماء الأفعال من أسماء الأصوات، و لذا أوردهما النحاة في فصل واحد، أو لأنه اصطلح على أنّ الأسماء التي لا

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏1، ص: 227

و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن معناه فقال «افعل» بنى على يعرف وجه وضعها يعبر عنها بالأصوات و أسماء الأفعال مفروغ عنها في كتب النحو و مذهب البصريين أنها أسماء لتنوينها و وجود بعض علامات الأسماء فيها، و قال الكوفيون: أفعال نظرا لمعناها. و قيل: إنها خارجة عن أقسام الكلمة الثلاثة و تسمى عند هؤلاء خالفة و على الأوّل الجمهور، و هل هي اسم لمعنى الفعل، أو للفظه قولان، و لا محل لها من الإعراب و قيل:

محلها النصب على المصدرية و قيل: في محل رفع على الابتداء، و لا خبر لها لسدّ معمولها مسده و حكمها حكم أفعالها في التعدّي و اللزوم غالبا و لا علامة للمضمر المرتفع بها قيل:

و خرج بقيد الغلبة آمين فإنه بمعنى استجب المتعدّي و لم يسمع له مفعول (أقول) قال النحاة:

إنه كفعله غالبا و من غير الغالب آمين وايه بمعنى زد، فإنه لم يسمع له مفعول و قيل لما لم يقع إلّا بعد دعاء متقدّم، و كذا بعد حديث أريد به زيادته استغنى عن ذكر مفعوله، فهو إمّا معدّى، أو منزل منزلة اللازم و سينه ليست للطلب، و إنما هي مؤكدة و معناه أجب و قال العصام إنه ليس متعدّيا، و إنما وضع لحدث متعدّ و هو استجابة الدعاء كالادلاج لسير الليل، و لا يقال أدلج الليل إذا سار ليلا، فمعناه استجب دعائي و المفعول داخل في معناه، و هو معنى قول ابن مالك رحمه اللّه إنه لازم في معنى المتعدّي. و قوله: (الذي هو استجب) توضيح لما أراده من أنه اسم مسماه ألفاظ الأفعال، و إن قيل إنه تكلف لأنّ قائل آمين لا يخطر بباله لفظ استجب و لأنه لم يعهد فيما وضع للألفاظ الدالة على معانيها. و قيل: إنها موضوعة للمصادر السادة مسدّ أفعالها وردوه بوجوه مفصلة في شرح الكشاف و الخلاف بين الفاضلين و الانتصار لكل من الجانبين معروف مشهور، و قيل: إنه أعجميّ معرب همين لأنّ فاعيل كقابيل ليس من أوزان العرب وردّ بأنه يكون وزنا لا نظير له و نظائره كثيرة و لذا قيل: إنه في الأصل مقصور وزنه فعيل فأشبع، و من الغريب ما قيل أنه اسم اللّه، و تأويله بأنّ الضمير المستتر فيه لما كان راجعا على اللّه قيل:

إنه من أسمائه أغرب منه. قوله: (و عن ابن عبّاس‏ «1» إلخ) قال الزيلعيّ رحمه اللّه في تخريج أحاديث الكشاف: إنه واه جدّا، و أخرجه الثعلبي عن أبي صالح عنه، و هو مع مخالفته للمشهور لا يصح في كل مقام نحو لا تعذبنا و ليس فيه تأييد لأنه اسم للفظ كما قيل، و لذا قيل إنّ المصنّف رحمه اللّه جعل تفسيره باستجب أصلا لعدم الثقة بهذه الرواية مع مخالفتها لتفسيره المشهور، و ما قيل: من أنّ ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما يدل على أنّ النهي لطلب الكف، لا لطلب عدم الفعل، و إلّا لكان آمين في مثل لا تهلكنا بمعنى لا تفعل مردود بأن افعل فيه طلب لتعلق الإرادة بما هو المطلوب سواء كان فعلا أو تركا لا إيجاد لأثرها، كما يوهمه ظاهر اللفظ و قيل كلمة آمين مثلا ليست موضوعة للفظ استجب وحده بل لما هو أعمّ منه،

(1) حديث ابن عباس ذكره الزمخشري في الكشاف 1/ 17 و قال ابن حجر في تخريجه: أخرجه الثعلبي من رواية أبي صالح عنه بإسناد واه ا ه.

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏1، ص: 228

الفتح كأين لالتقاء الساكنين و جاء مدّ ألفه و قصرها قال:

* و يرحم اللّه عبدا قال آمينا *

و قال:

* آمين فزاد اللّه ما بيننا بعدا *

و من مرادفه أو لكل واحد منهما على الوضع العام للموضوع له الخاص، على أنّ كلام ابن عباس رضي اللّه عنهما يدلّ على أنه ليس موضوعا لمجرّد استجب، و لا لأعمّ منه، و من مرادفه فقط، و لا لكل واحد منهما بل للأعمّ منهما و من لفظ افعل أو لكل منهما، و أما جعل افعل وحده موضوعا له، فبعيد و هو تعسف و تكلف فتدبر. قوله: (بني على الفتح) لخفته و ثقل الكسر مع الياء و لم يصرح به لظهوره مما نظره به، و ما قيل: من أنّ علته إنما تقتضي البناء على الحركة، فاختيار الفتح للخفة فيما يكثر استعماله أضعف من علة نحويّ فأين هو من قوله كأين و اختلف في مدّه، و قصره أيهما الأصل فذهب إلى كل طائفة و أمّا تشديد ميمه فذكر الواحديّ رحمه اللّه أنه لغة فيه و قيل: إنه جمع آمّ بمعنى قاصد منصوب باجعلنا، و نحوه مقدّرا و قيل إنه خطأ و لحن إلّا أنه لا تفسد به الصلاة و به يفتي كما قاله شيخنا المقدسي رحمه اللّه، و لا وجه للفساد، فإنه ليس من القرآن بل دعاء و معناه صحيح. قوله: (و يرحم اللّه إلخ) هذا من شعر رواه الأدباء لصاحب الحماسة البصرية لمجنون عامر، و هو قيس بن معاذ المعروف بالملوح و شعره و ديوانه مشهور، و فيه من فنون الفنون ما يقول راويه وراثيه أساحر هو أم مجنون، فمنه ما قيل إنه حجّ مع أبيه فقال له تعلق بأستار الكعبة وادع اللّه أن يريحك من حب ليلى فقال:

اللهمّ زدني من حبها، فضربه فبكى، و أنشد يقول:

يا رب إنك ذو منّ و مغفرة

بيت بعافية ليلى المحبينا

الذاكرين الهوى و الناس قد رقدوا

و الساهرين على الأيدي مكبينا

باتت رقودا و سار الركب مدّلجا

و ما الأوانس في فكر كسارينا

كأنّ ريقتها مسك على ضرب‏

شيبت بأصهب من بيع الشآمينا

يا ربّ لا تسلبني حبها أبدا

و يرحم اللّه عبدا قال آمينا

و هذا شاهد على المدّ، و قد بسطنا الكلام فيه في الروض النضير في شرح شواهد التفسير. قوله: (أمين فزاد اللّه إلخ) قال في شرح الفصيح: هو من شعر قائله جبير بن الأضبط، و كان سأل الأسديّ جماله فحرمه، و الأسدي اسمه فطحل بفتح الفاء، و سكون الطاء المهملة، و فتح الحاء المهملة، و اللام كجعفر، و روى بضمهما و المعنى تباعد لأن سألته، و ما زائدة أو موصولة، و أمين مقدّم من تأخير للاهتمام بالإجابة، أو هو تأمين على دعاء مقدّر لعلمه من فحواه و تقديره أبعده اللّه عني فلا حاجة لما قيل: إنّ حقه التأخير عن قوله فزاد اللّه إلخ و إن هذا لضرورة الوزن، و قال ابن درستويه في شرح الفصيح: القصر ليس بمعروف و إنما قصره الشاعر

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏1، ص: 229

و ليس من القرآن وفاقا، لكن يسنّ ختم السورة به لقوله عليه الصلاة و السلام: علمني جبريل آمين عند فراغي من قراءة الفاتحة و قال: إنه كالختم على الكتاب و في معناه قول للضرورة، و قد قيل: تلجئ الضرورات في الأمور إلى سلوك ما لا يليق بالأدب و قيل الرواية فيه المدّ أيضا و ما هنا محرّف و هو هكذا:

تباعد مني فطحل و ابن أمه‏

فآمين زاد اللّه ما بيننا بعدا

و يروى سألته، و لقيته بدل قوله دعوته. قوله: (و ليس من القرآن) أي بالإجماع، و ما نقل في بعض الكتب لا ينبغي نقله كما في التيسير أنها من السورة عند ابن مجاهد و لعدم اعتداد المصنّف رحمه اللّه به قال: وفاقا فلا حاجة لما قيل: إنه محمول على إجماع من بعد عصر مجاهد، و لذا سنّ الفصل بينه و بين السورة، و لم يكتب في الإمام، و لا في غيره من المصاحف أصلا. قوله: (لقوله عليه الصلاة و السلام «علمني جبريل‏ «1» » إلخ) هو تعليل لكونه سنة، و يجوز أن يكون تعليلا أيضا لكونه ليس من القرآن لقوله عند فراغي من قراءة الفاتحة، فإنه صريح في أنه ليس منها، و إن كان الأول هو الظاهر، و قد روى ابن شيبة في مصنفه، و البيهقيّ في الدلائل عن أيي ميسرة أنّ جبريل عليه السلام أقرأ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فاتحة الكتاب، فلما قال:

و لا الضالين قال له: قل آمين فقاله‏ «2» . و روى أبو داود في سننه عن أبي زهير النميري أحد الصحابة أنه قال: آمين مثل الطابع على الصحيفة أخبركم عن ذلك خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ذات ليلة، فأتينا على رجل قد ألحّ في المسئلة فقال عليه الصلاة و السلام:

«أوجب إن ختم» فقال رجل من القوم: بأيّ شي‏ء يختم؟ فقال: «بآمين» «3» و في نواهد الأبكار أنه عرف بهذا أنّ المصنّف رحمه اللّه أورد حديثين لا حديثا واحدا، و أنّ الضمير في قوله و قال للنبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لا لجبريل عليه السلام كما يتوهم، و في الكشاف لقنني بدل قوله علّمني و هما بمعنى، و قوله كالختم وجه الشبه فيه أنه لا يعتد بالدعاء بدونه كما أنّ الكتاب لا يعتد به إذا لم يختم لا ما قيل من أنّ معناه أنه يوجب الاعتداد بالدعاء، كما أنّ ختم القاضي على الكتاب يوجب الاعتداد به لأنه أمر حادث و ما للقاضي و كتابه هنا، و في أكثر الحواشي أنّ معناه أنه يمنعه عن الخيبة و عدم القبول أو يمنعه عن أن يضيع ما فيه لأنّ غير المختوم يطلع الناس على أسراره فيضيع، و لك أن تقول إنّ المراد أنه علامة الإجابة كما تعارفه الناس و هو معنى ما ورد في الأثر أنّ الدراهم خواتيم اللّه في أرضه. قوله: (و في معناه قول عليّ إلخ) جعله‏

(1) ذكره الزمخشري في الكشاف 1/ 18 و قال ابن حجر في تخريجه: لم أجده هكذا.

(2) ذكره ابن حجر في تخريج الكشاف 1/ 18 و نسبه لابن أبي شيبة في الدعاء عن أبي ميسرة مرسلا.

(3) أخرجه أبو داود 938 و الطبراني في الدعاء 218 من حديث أبي زهير النّميري.

صفحه بعد