کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

عناية القاضى و كفاية الراضى

عناية القاضى و كفاية الراضى


صفحه قبل

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏6، ص: 51

يقال: للموؤدة بأيّ ذنب قتلت فيكون تخييلا، و يجوز أن يراد أنّ صاحب العهد كان مسؤولا

وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ‏ و لا تبخسوا فيه‏ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ‏ بالميزان السويّ، و هو رومي عرّب و لا يقدح ذلك في عربية القرآن لأنّ العجميّ إذا استعملته العرب و أجرته مجرى كلامهم في الإعراب و التعريف و التنكير و نحوها صار عربيا، و قرأ حمزة و الكسائيّ و حفص بكسر القاف هنا و في الشعراء ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا و أحسن عاقبة تفعيل من آل إذا رجع‏

وَ لا تَقْفُ‏ و لا تتبع و قرى‏ء، و لا تقف من قاف أثره إذا قفاه فتأمّله. قوله: (فيكون تخييلا) التخييل له استعمالات كما ذكره الشريف في حواشي شرح المفتاح حيث قال: إنه يطلق على التمثيل بالأمور المفروضة و على فرض المعاني الحقيقية و على قرينة الاستعارة المكنية و سيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى فالمراد بالتخييل التمثيل بالاستعارة التصريحية للأمر المفروض فإن جعل العهد مسؤولا كذلك و يصح أن يراد معناه الاصطلاحي بأن يشبه العهد بشخص تصدر عنه أمور و يجعل كونه مسؤولا عنها على التخييل قرينة لتلك المكنية و هذا مما لا خفاء فيه فلا وجه لما قيل إنّ الظاهر أن يقول فيكون تمثيلا أي يجعل العهد متمثلا على هيئة من يتوجه إليه السؤال كما تجسم الحسنات و السيئات لتوزن إذ الظاهر أنّ الواقع ليس تخييلا خاليا عن الحقيقة و كذا ما قيل إنّ مراده التخييلية المجرّدة عن المكنية لعدم ظهور وجه الشبه بين العهد و المسؤول عنه و قوله: لم نكثت بالخطاب معلوما و مجهولا، و التبكيت التوبيخ و التقريع، و هذا كما ورد في الحديث من وقوف الرحم بين يدي الرحمن و سؤالها عمن وصلها و قطعها. قوله: (و يجوز أن يراد أنّ صاحب العهد الخ) أي يقدر مضاف قبل العهد كما ذكره، و قوله: و لا تبخسوا أي و لا تنقصوا فيه، و قوله: لسويّ أي المساوي بلا نقص فيه. قوله: (و هو روميّ) أي معرب من لغة الروم لفقد مادّته في العربية و قيل: إنه عربيّ، و قيل إنه مأخوذ من القسط و فيه نظر، و قوله: و لا يقدح ذلك في عربية القرآن المذكورة في قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [سورة يوسف، الآية: 2] لأنه بعد التعريب و السماع في فصيح الكلام يصير عربيا فلا حاجة إلى إنكار تعريبه أو ادعاء التغليب كما هو مشهور.

قوله: (و أحسن عاقبة) إشارة إلى أنه هنا بمعنى العاقبة لا بمعنى التفسير لأنه يطلق عليهما، إذ هو من الأول و هو الرجوع إلى الغاية المرادة منه علما أو فعلا فالعلم كما في قوله:

(و ما يعلم تأويله إلا اللّه)، و الفعل كقول ابن تيمية:

و للنوى قبل يوم البين تأويل‏

و قوله: يوم يأتي تأويله كما حققه الراغب، من ظنّ أنه لا يكون إلا بهذا المعنى فقد و هم فاحفظه. قوله: (و لا تتبع) بالتشديد و التخفيف أصل معنى قفاه اتبع قفاه، ثم استعمل في مطلق الإتباع و صار حقيقة فيه، و قاف أثره إذا قصه و اتبعه و منه القيافة و أصل معناها ما يعلم من‏

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏6، ص: 52

و منه القافة ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏ ما لم يتعلق به علمك تقليدا، أو رجما بالغيب و احتج به من منع اتباع الظنّ و جوابه أنّ المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند سواء كان قطعا أو ظنا و استعماله بهذا المعنى شائع، و قيل: إنه مخصوص بالعقائد، و قيل:

بالرمي و شهادة الزور و يؤيده قوله عليه الصلاة و السّلام من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الأقدام و أثرها و هو أمر معروف عند العرب و قيل إن قاف مقلوب قفا، كجذب و جبذ و الصحيح خلافه، و القافة كسادة جمع قائف أو اسم جميع له بمعنى متتبع الأثر ليعلم منه شيئا، و قراءة الجمهور بسكون القاف و ضم الفاء و حذف حرف العلة الأخير و هو الواو للجازم و قرى‏ء بإثباتها في الشواذ كقوله:

من هجو زبان لم تهجو و لم تدع‏

و هو معروف في النحو، و القراءة الثانية بضم القاف و سكون الفاء كتقل على أنه أجوف مجزوم. قوله: (ما لم يتعلق به علمك تقليد الخ) تقليدا منصوب على أنه مفعول له متعلق بقوله: و لا تتبع المفسر لقوله: و لا تقف و هو قيد للمنفيّ لا للنفي فيكون نفيا للتقليد الصرف، كما كان يفعل الكفرة من قولهم إنا وجدنا آباءنا فعلوا كذا، و أمّا تقليد المجتهدين فسيأتي بيانه، و قوله: أو رجما بالغيب أو فيه للترديد في التفسير أو لتقسيم ما كان بغير علم و الرجم بالغيب استعارة للمتوهم لا من غير سند. قوله: (و احتج به من منع اتباع الظنّ) و كذا من منع العمل بالقياس من الظاهرية، و كذا العمل بالأدلة الظنية مطلقا، و قوله: و هو الاعتقاد الراجح الخ فخرج المرجوح و المتساوي الطرفين لأنه ليس العمل بالأدلة الظنية مطلقا، و قوله: هو الاعتقاد الراجح الخ فخرج المرجوع و المتساوي الطرفين لأنه ليس بعلم و لا ظنّ، و ظاهره أنّ الظنّ يسمى علما حقيقة و هو مخالف للمشهور، قال في شرح المواقف: الظنّ و التقليد لا يسمى علما لا لغة و لا شرعا و لا عرفا، فقوله: و استعماله بهذا المعنى شائع كقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [سورة الممتحنة، الآية: 10] إشارة إلى دفع ما ذكر، و قيل إنّ الشرع أجرى الظنّ و إن لم يكن علما مجرى العلم، و أمرنا بالعمل به للإجماع على وجوب العمل بالشهادة و الاجتهاد في القبلة و غير ذلك، مما لا يحصى من الأحكام الفرعية، و قوله: المستفاد من سند أي ما يسند إليه ظنه من دليل أو أمارة فيدخل فيه التقليد، لأنّ له سندا و هو حسن فإنه بالمجتهد أو سند المجتهد سند له في الحقيقة لعلمه بأنه لا يقول من غير دليل. قوله: (و قيل إنه مخصوص بالعقائد) أي ما ذكر من النهي عن اتباع ما ليس بعلم قطعي مخصوص بما ذكر فلا ينهض حجة لمن منع العمل بالظنّ مطلقا حتى في القياس و التقليد في الفروع و نحوه و المخصص له أمر خارج عن الظنّ و هو عمل الناس و الآثار الشاهدة بخلافه، و قوله: و قيل بالرمي أي القذف و الذمّ بما لم يتحققه أو الشهادة بخلاف ما يعلمه أو بما لم يعلمه، و تخصيصه بما ذكر يدفع الاستدلال به على ما مرّ أيضا، و أمّا القول بأنّ المراد به مطلق الشهادة فباطل و لا سند فيما ظنه القائل به سندا و هو ظاهر. قوله: (و يؤيده قوله عليه الصلاة

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏6، ص: 53

اللّه في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج.

و قوله الكميت:

و لا أرمي البري‏ء بغير ذنب ...

و لا أقفو الحواصن إن قفينا ...

إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ‏ أي كل هذه الأعضاء فأجراها مجرى العقلاء و السّلام‏ «1» ) أي يؤيد كون المراد به الرمي و القذف و شهادة الزور لأنهما سواء في أنهما نسبة ما لا أصل له إلى غيره فدليل أحدهما دليل للآخر، و قيل: إنه مؤيد للرمي وحده، فكان عليه أن يقدّم شهادة الزور عليه أو يؤخرها عن الدليل، و الحديث المذكور رواه الطبراني و غيره، بمعناه مع مخالفة مّا في لفظه حتى قال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ بعينه مرفوعا و لا ضير فيه، و الردغة بفتح الراء المهملة و سكون الدال المهملة و فتحها و الغين المعجمة أصلها في اللغة الوحل الشديد، و الخبال بفتح الخاء المعجمة و الباء الموحدة أصله الفساد في العقل و نحوه، و أمّا ردغة الخبال الواردة في الحديث و مثلها طينة الخبال الواردة في حديث من شرب الخمر كان حقا على اللّه أن يسقيه من طينة الخبال‏ «2» ففسرت في كتب الحديث بما يخرج من أبدان أهل النار من القيح و الدم و الصديد و نحوه، و هو تفسير مأثور و قوله: قفا بمعنى اغتاب و قذف.

قوله: (حتى يأتي بالمخرج) المخرج بفتح فسكون المعروف في معناه أنه ما يخرجه عن عهدته و لما كان هذا غاية لحبسه في النار الواقع في الآخرة و لا مخرج له ثمة عن عهدة ما صدر منه لأنّ المتبادر إثبات ما ادّعاه و نحوه أوّلوه بأنّ المراد بالمخرج ما يخرجه من حبسه في النار و هو أن يحمل عليه من ذنوب المغتاب ما يعذب به على مقداره ثم يخرج منها فالإتيان به مجاز عن تحمل ما يعذب به لأنه مسبب عما أتى به أوّلا، و قيل إنه على حدّ قوله حتى يلج الجمل في سمّ الخياط فهو كناية عن أنه لا إتيان له بدافع و لا خروج له عن عهدته لتعليقه على ما لا يكون فيفيد ما ذكر على أبلغ وجه و آكده و أمّا تفسيره بحتى يتوب فلا وجه له لما مرّ إلا أن يؤوّل حبسه بفعل ما يستوجب حبسه، و لا يخفى بعده. قوله: (و قول الكميت) بالتضمير شاعر إسلاميّ معروف و هم ثلاثة هذا أصغرهم و البيت من قصيدة له هجا بها نساء كليب، و قوله:

بغير ذنب تأكيد لكونه بريا و أقفو بمعنى أقذف كما مرّ، و الحواصن بالحاء و الصاد المهملتين بمعنى المحصنات من النساء جمع حاصنة بمعنى محصنة أي عفيفة، و إن قفينا بصيغة المجهول أي قذفهنّ غيري، و النون ضمير الإناث و الألف لاطلاق القافية إشباعا للفتحة. قوله: (فأجراها مجرى العقلاء) هذا بناء على أنّ أولئك هل يختص بالعقلاء أو يغلب فيهم كما قيل أو هي عامّة

(1) عزاه المصنف للطبراني و غيره و لكنا لم نجده في مظانه بهذا اللفظ و قال العراقي في تخريجه للبيضاوي كما ذكر المصنف: لم أجده بهذا اللفظ بعينه مرفوعا و لا ضير فيه ا ه.

(2) هو بعض حديث أخرجه مسلم 2002، و النسائي 8/ 327، و أحمد 3/ 361 و البيهقي 8/ 291- 292، و ابن حبان 5360، و البغوي 3015 و البزار 2927 كلهم من حديث جابر بن عبد اللّه و لفظه: «كل مسكر حرام إن على اللّه عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة».

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏6، ص: 54

لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها، هذا و إنّ أولاء و إن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا و هو يعم القبيلين جاء لغيرهم كقوله:

و العيش بعد أولئك الأيام ...

كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسؤولا عن نفسه يعني عما فعل به صاحبه، و يجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر لا تقف أو لصاحب السمع و البصر و قيل: مسؤولا مسند إلى عنه، كقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ و المعنى يسأل صاحبه عنه و هو خطأ لأنّ الفاعل و ما يقوم مقامه لا يتقدّم و فيه دليل على أنّ لهم و لغيرهم فعلى الأوّل تكون تلك الأعضاء منزلة العقلاء لصدور أفعالهم أو ما يشبهها منهم ففيه استعارة بقرينة الإشارة بما يشار به إلى العقلاء و هو أولئك و على غيره لا حاجة إليه و إليه أشار بقوله: هذا الخ أي الأمر هذا أو خذ هذا، و كون ها بمعنى خذ بعيد، و قوله لما بفتح اللام و تشديد الميم جوابها محذوف بقرينة ما هو مقدّم عليها مما مر هو بمعناه أو بكسر اللام التعليلية و تخفيف الميم و ما مصدرية و قوله: اسم جمع لذا أي اسم جمع لا مفرد له من لفظه و إنما له مفرد من معناه كرهط. قوله: (كقوله) أي قول الشاعر و هو جرير في قصيدته المشهورة و أوّله:

ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى‏

و قال ابن عطية الرواية: بعد أولئك الأقوام فلا شاهد فيه، و ما وقع للمصنف رحمه اللّه كالزمخشري مسطور في الكتب المعتبرة فلا يلتفت إلى ردّه و معناه أنه يخاطب صاحبه و يقوله له: اذمم كل منزل و كل حياة بعد تلك المنازل و أيامها الخالية فيها و اللوى موضع معروف.

قوله: (في ثلاثتها ضمير كل) أي في كان و عنه و مسؤولا ضمير مفرد عائد إلى كل أولئك بتأويل كل واحد منها مع أنه يجوز الإفراد و إن لم يؤوّل بذلك لأنّ كلا المضافة إلى نكرة يطابق الضمير العائد إليها المضاف إليه إفرادا و جمعا و هل هو لازم أو لا فيه كلام فإن كان المضاف إليه معرفة كما هنا جاز فيه الإفراد و غيره مراعاة للفظ أو المعنى و لذا لم يقل: كانت عنها مسؤولة لأنّ كل عبارة عما أضيف إليها و هو جمع معنى. قوله: (عن نفسه) بيان لمعنى النظم و أنّ السؤال عن نفسه لا عن غيره، و قوله عما فعل به صاحبه ما مصدرية أو موصولة بحذف العائد أي فعله به، و الباء للتعدية أو للسببية أي هل استعمله لما خلق له أم لا، و قوله و يجوز الخ معطوف بحسب المعنى على ما قبله و قوله المصدر لا تقف فيه تسمح لأنه مصدر تقف.

قوله: (أو لصاحب السمع و البصر) و هو القافي و قد جوّز هذا في ضمير كان ففيه التفات لأنّ الظاهر كنت حينئذ. قوله: (و قيل مسؤولا مسندا إلى عنه) على أنه نائب الفاعل و قائله الزمخشري و هذا ردّ عليه تبعا لأبي البقاء و غيره لأنّ القائم مقام الفاعل حكمه حكمه في أنه لا يجوز تقدّمه على عامله كأصله قال المعرب رحمه اللّه: و ليس لقائل أن يقول إنه على رأي‏

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏6، ص: 55

العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية و قرى‏ء و الفواد بقلب الهمزة واوا بعد الضمة ثم إبدالها بالفتح‏

وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي ذا مرح و هو الاختيال، و قرى‏ء مرحا و هو باعتبار الكوفيين في تجويزهم تقديم الفاعل لأنّ ابن النحاس حكى الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جارّا و مجرورا فليس هو نظير غير المغضوب عليهم إلا أن ينازع فيه، و في شرح المفتاح أنه مرتفع بمضمر يفسره الظاهر و جوّز إخلاء المفسر عن المسند إليه إذا لم يكن فعلا لالحاقه بالجوامد لعدم أصالته في العمل و هو مخالف للقياس و النقل، قال في الكشف فالوجه أنه حذف منه الجارّ فاستتر فيه الضمير و لو علل جواز تقديمه بأنّ المجرور بالحرف لا يلتبس بالمبتدأ لكان له وجه كما في التقريب، و جوز أن يكون مسؤولا مسندا إلى المصدر المدلول عليه و لكنه لا يصلح تصحيحا لكلام الكشاف. قوله: (مؤاخذ بعزمه) إذا صمم عليه بخلاف مجرّد الخاطر كما فصله في الإحياء و قد قيل عليه إنه يجوز أن يكون ما يسأل عنه الفؤاد العقائد لا الهمّ بأمر و لا حجة للمحتمل فتأمّله. قوله: (و قرى‏ء و الفواد الخ) أي قرأ بعضهم و هو الجرّاح العقيلي بفتح الفاء و ابدال الهمزة واو و توجيهها أنه أبدل الهمزة واوا لوقوعها بعد ضمة في المشهور ثم فتح الفاء تخفيفا و هي لغة فيه و لا عبرة بإنكار أبي حاتم لها.

قوله: (ذا مرح) المرح شدّة الفرح و السرور كذا فسره المعرب و فسره المصنف كغيره بالاختيال و هو افتعال من الخيلاء و هي العجب و الكبر و هو أنسب أي لا تمش مشية المعجب المتكبر و في انتصابه وجوه فقيل إنه مفعول به و قيل إنه مصدر وقع موقع الحال مبالغة فهو إما مؤوّل بمرح بكسر الراء بصفة الشبهة كما قرى‏ء به أو مقدر فيه مضاف كما هو معروف في مثله و إليه أشار المصنف رحمه اللّه. قوله: (و هو باعتبار الحكم أبلغ) يعني القراءة بالوصف هنا أبلغ من قراءة المصدر المفيد للمبالغة بجعله عين المرح كما يقال رجل عدل لأنه واقع في حيز النهي الذي هو في معنى النفي و نفي أصل الاتصاف أبلغ من نفي زيادته و مبالغته لأنه ربما يشعر ببقاء أصله في الجملة و جعله المبالغة راجعة إلى النفي دون المنفيّ بعيد هنا كما لا يخفى، هذا ما عناه المصنف رحمه اللّه و هو تعقب لما في الكشاف فإنه قال: مرحا حال أي ذا مرح و قرى‏ء مرحا و فضل الأخفش المصدر على اسم الفاعل لما فيه من التأكيد ا ه فرده بأن المصدر آكد لما مرّ لكنه في الإثبات لا في النفي و ما في حكمه، و قال الطيبي رحمه اللّه: إنّ القراءة باسم الفاعل شاذة و في كلامه تسامح لأنه قال و فضل الأخفش الخ بعد ما أوّله بذي مرح و إنما يكون المصدر أبلغ إذا ترك مجاله، و لا يرد ما ذكره لأنّ أوّل كلامه إشارة إلى دفع ما ذكره الأخفش حتى لا تفضل إحدى القراءتين على الأخرى أو هو ماش معه على تفضيل المتواترة على الشاذة أو ما ذكر أوّلا أراد به تصوير المعنى لا تقدير المضاف و لو سلم فهو مبنيّ على ظاهر التركيب فإن العدول عن التصريح يشعر به على أنّ جعله صاحب مرح أبلغ لجعله ملازما له كأنه مالك حائز له، فإن قلت مرح صفة مشبهة تدل على الثبوت و نفيه لا يقتضي نفي أصله أيضا، قلت هذه مغالطة نشأت من عدم معرفة معنى الثبوت فيها فإن المراد به أنها لا تدل على تجدد

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏6، ص: 56

الحكم أبلغ و إن كان المصدر آكد من صريح النعت‏ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ‏ لن تجعل فيها خرقا بشدّة و طأتك‏ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا بتطاولك و هو تهكم بالمختال و تعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجرّدة لا تعود بجدوى ليس في التذلل‏

كُلُّ ذلِكَ‏ إشارة إلى الخصال الخمس و العشرين المذكورة من قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ و عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أنها المكتوبة في ألواح موسى عليه السّلام‏ كانَ سَيِّئُهُ‏ يعني و حدوث لا أنها تدل على الدوام كما ذكره النحاة، ثم إنّ ما ورد على الزمخشريّ أورده بعضهم على المصنف رحمه اللّه من عنده و قد عرفت دفعه، نعم يرد عليه أنّ ما ذكره فيه تفضيل القراءة الشاذة على المتواترة و لا وجه له، فتدبر. قوله: (لن تجعل فيها خرقا) فسره به إشارة إلى أنه ليس المراد به النفوذ من جانب إلى آخر كما يتبادر منه، و قوله: بتطاولك أي بتكلفك الطول بمد قامتك كما يفعله المختال تكلفا و هذا بيانا لحاصل المعنى فلا ينافي كونه تمييزا أو مفعولا له، و قيل إنه إشارة إلى أنه منصوب على نزع الخافض و أنّ الطول بمعنى التطاول و كونه إشارة إلى أنه مفعول له لما بين اللام و الباء من الملابسة تكلف لا داعي له، و قوله: و تعليل لأن مآله إلى أن لا فائدة فيه و الجدوى بالجيم و الدال المهملة الفائدة. قوله: (إشارة إلى الخصال الخمس و العشرين الخ) و ذكره لتأويله بالمذكور و نحوه، و أولها لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [سورة الإسراء، الآية: 22] و هي النهي عن اعتقاد أنّ له شريكا، و ثانيها و ثالثها قوله: وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ‏ [سورة الإسراء، الآية: 23] إذ هي أمر بعبادة اللّه و نهي عن عبادة غيره و رابعها وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [سورة الإسراء، الآية: 23] و خامسها فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ‏ [سورة الإسراء، الآية: 23] و سادسها وَ لا تَنْهَرْهُما [سورة الإسراء، الآية: 23] و سابعها وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً [سورة الإسراء، الآية: 23] و ثامنها وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [سورة الإسراء، الآية: 24] و تاسعها وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما [سورة الإسراء، الآية: 24] و عاشرها وَ آتِ ذَا الْقُرْبى‏ حَقَّهُ‏ [سورة الإسراء، الآية: 26] و حادي عشرها وَ الْمِسْكِينَ‏ [سورة الإسراء، الآية: 26] و ثاني عشرها وَ ابْنَ السَّبِيلِ‏ [سورة الإسراء، الآية: 26] و ثالث عشرها وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً [سورة الإسراء، الآية: 26] و رابع عشرها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً [سورة الإسراء، الآية: 28] و خامس عشرها وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‏ عُنُقِكَ‏ [سورة الإسراء، الآية: 29] و سادس عشرها وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ [سورة الإسراء، الآية: 29] و سابع عشرها وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ‏ [سورة الإسراء، الآية: 31] و ثامن عشرها وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ‏ [سورة الإسراء، الآية: 31] و تاسع عشرها وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [سورة الإسراء، الآية: 33] و عشروها فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ‏ [سورة الإسراء، الآية: 33] و حادي عشريها وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ [سورة الإسراء، الآية: 34] و ثاني عشريها وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ‏ سورة الإسراء، الآية: 35] و ثالث عشريها وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ‏ [سورة الإسراء، الآية: 35] و رابع عشريها وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏ [سورة الإسراء، الآية: 36] و خامس عشريها وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً [سورة الإسراء،

عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏6، ص: 57

المنهيّ عنه فإنّ المذكورات مأمورات و مناه، و قرأ الحجازيان و البصريان سيئة على أنها خبر كان و الاسم ضمير كل و ذلك إشارة إلى ما نهى عنه خاصة و على هذا قوله: عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً بدل من سيئة أو صفة لها محمولة على المعنى فإنه بمعنى سيئا و قد قرى‏ء به، و يجوز أن ينتصب مكروها على الحال من المستكنّ في كان أو في الظرف على أنه صفة سيئة و المراد به المبغوض المقابل للمرضيّ لا ما يقابل المراد لقيام القاطع على أن الحوادث كلها واقعة بإرادته تعالى‏

صفحه بعد