کتابخانه تفاسیر
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 118
يعني منتهى الصوم إلى الليل فإذا دخل الليل حصل الفطر (ق) عن عمر بن الخطاب قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إذا أقبل الليل من هاهنا و أدبر النهار من هاهنا و غربت الشمس فقد أفطر الصائم» و هل يلزم الصائم أن يتناول عند تحقق غروب الشمس شيئا؟ فيه و جهان: أحدهما نعم يلزم ذلك لنهيه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الوصال.
و الثاني لا، لأنه قد حصل الفطر بمجرد دخول الليل سواء أكل أو لم يأكل، و تمسكت الحنفية بهذه الآية في أن الصوم النفل يجب إتمامه و قالوا: لأن قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ أمر و هو للوجوب و هو يتناول كل الصيام. أجاب أصحاب الشافعي عنه بأن هذا إنما ورد في بيان أحكام صوم الفرض فكان المراد منه صوم الفرض و يدل على إباحة الفطر من النفل ما روي عن عائشة قالت: «دخل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ذات يوم فقال هل عندكم شيء، قلنا لا قال: فإني إذا صائم ثم أتانا يوما آخر فقلت يا رسول اللّه أهدي لنا حيس. قال: أرنيه فلقد أصبحت صائما فأكل» أخرجه مسلم. الحيس هو خلط الأقط و التمر و السمن و قد يجعل عوض الأقط دقيق أو فتيت و قيل هو التمر ينزع نواه و يخلط بالسويق و الأول أعرف. قوله عز و جل: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ الاعتكاف هو الإقبال على الشيء و الملازمة له على سبيل التعظيم. و هو في الشرع عبارة عن الإقامة في المسجد على عبادة اللّه تعالى. و سبب نزول هذه الآية أن نفرا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كانوا يعتكفون في المسجد، فإذا عرض لرجل منهم حاجة إلى أهله خرج إليها و خلا بها، ثم اغتسل و رجع إلى المسجد فنهوا عن ذلك حتى يفرغوا من اعتكافهم. و اعلم أن اللّه تعالى بين أن الجماع يحرم على الصائم بالنهار و يباح له في الليل، فكان يحتمل أن يكون حكم الاعتكاف كحكم الصوم فبين اللّه تعالى في هذه الآية أن الجماع يحرم على المعتكف في النهار و الليل حتى يخرج من اعتكافه.
(فصل في حكم الاعتكاف) الاعتكاف سنة و لا يجوز في غير المسجد، و ذلك لأن المسجد يتميز عن سائر البقاع بالفضل لأنه بني لإقامة الطاعات و العبادات فيه. ثم اختلفوا فنقل عن علي أنه لا يجوز إلّا في المسجد الحرام لقوله: وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ فخصه به و قال عطاء: لا يجوز إلّا في المسجد الحرام و مسجد المدينة.
و قال حذيفة: يجوز في هذين المسجدين و مسجد بيت المقدس. و قال الزهري: لا يصح إلّا في الجامع و قال أبو حنيفة: لا يجوز إلّا في مسجد له إمام و مؤذن و قال الشافعي و مالك و أحمد يجوز في سائر المساجد لعموم قوله:
وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ إلّا أن المسجد الجامع أفضل حتى لا يحتاج إلى الخروج من معتكفه لصلاة الجمعة (ق) عن عائشة: أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللّه عز و جل ثم اعتكف أزواجه بعده (ق) عن ابن عمر: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان».
(فروع: الأول:) يجوز الاعتكاف بغير صوم و الأفضل أن يصوم معه، و قال أبو حنيفة: الصوم شرط في الاعتكاف و لا يصح إلّا به، و حجة الشافعي ما روي عن عمر: «قال يا رسول اللّه إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فأوف بنذرك» أخرجاه في الصحيحين و معلوم أنه لا يصح الصوم في الليل.
(الفرع الثاني) لا يقدر للاعتكاف زمان عند الشافعي و أقله لحظة، و لا حد لأكثره، فلو نذر اعتكاف ساعة صح نذره، و لو نذر أن يعتكف مطلقا يخرج من نذره باعتكاف ساعة. قال الشافعي: و أحب أن يعتكف يوما، و إنما قال ذلك للخروج من الخلاف فإن أقل زمن الاعتكاف عند مالك و أبي حنيفة يوم بشرط أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر و يخرج منه بعد غروب الشمس.
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 119
(الفرع الثالث) الجماع حرام في حال الاعتكاف و يفسد به و أما ما دون الجماع كالقبلة و نحوها فمكروه و لا يفسد به عند أكثر العلماء، و هو أظهر قول الشافعي و الثاني يبطل به و هو قول مالك، و قيل إن أنزل بطل اعتكافه و إن لم ينزل فلا، و هو قول أبي حنيفة، و أما الملامسة بغير شهوة فجائز، و لا يفسد به الاعتكاف لما روي عن عائشة: «أنها كانت ترجل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و هي حائض و هو معتكف في المسجد، و هي في حجرتها يناولها رأسه» زاد في رواية:
«و كان لا يدخل البيت إلّا لحاجة إذا كان معتكفا» و في رواية: «و كان لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإنسان» أخرجاه في الصحيحين. الترجيل تسريح الشعر، و قولها إلّا لحاجة حوائج الإنسان كثيرة و المراد منها هاهنا كل ما يضطر الإنسان إليه مما لا يجوز له فعله في المسجد و موضع معتكفه.
و قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يعني تلك الأحكام التي ذكرت في الصيام و الاعتكاف من تحريم الأكل و الشرب و الجماع حدود اللّه و قيل حدود اللّه فرائض اللّه. و أصل الحد في اللغة المنع، و الحد الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر و حد الشيء بالوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره و قيل معنى حدود اللّه المقادير التي قدرها و منع من مخالفتها فَلا تَقْرَبُوها أي فلا تأتوها و لا تغشوها. فإن قلت في الآية إشكالان:
أما الأول فهو أنه قال: تلك حدود اللّه و هو إشارة إلى ما تقدم من الأحكام و بعضها فيه إباحة و بعضها فيه حظر فكيف قال في الجميع فلا تقربوها؟. الإشكال الثاني هو أنه تعالى قال في هذه الآية: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها و قال في آية أخرى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها و قال في آية أخرى: وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ فكيف الجمع بين هذه الآيات؟. قلت: الجواب عن السؤالين من وجهين: أما الإشكال الأول، فجوابه أن الأحكام التي تقدمت فيما قبل، و إن كانت كثيرة إلّا أن أقربها إلى هذه الآية قوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ و ذلك يوجب تحريم الجماع في حال الاعتكاف، و قال قبلها: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ و ذلك يوجب تحريم الأكل و الشرب في النهار فلما كان الأقرب إلى هذه الآية جانب التحريم قال تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها و الجواب عن الإشكال الثاني أن من كان في طاعة اللّه تعالى و العمل بفرائضه فهو منصرف في حيزي الحق فنهي أن يتعداه فيقع في حيز الباطل ثم بولغ في ذلك فنهي أن يقرب الحد الذي هو الحاجز بين حيزي الحق و الباطل لئلا يداني الباطل فيقع فيه فهو كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم «كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه» و قيل أراد بحدوده هنا محارمه و مناهيه لقوله: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ و نحو هذا التحريم فهي حدود لا تقرب كَذلِكَ أي كما بين لكم ما أمركم به و نهاكم عنه كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ أي معالم دينه و أحكام شريعته لِلنَّاسِ مثل هذا البيان الشافي الوافي لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي لكي يتقوا ما حرم عليهم فينجوا من العذاب. قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): آية 188]
وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ نزلت في امرئ القيس بن عابس الكندي ادّعى عليه ربيعة بن عبدان الحضرمي عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في أرض فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم للحضرمي: ألك بينة قال لا قال فلك يمينه فانطلق ليحلف فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أما إن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين اللّه و هو عنه معرض فأنزل اللّه هذه الآية.
و المعنى لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل أي من غير الوجه الذي أباحه اللّه له. و أصل الباطل الشيء الذاهب.
(فصل) أما حكم الآية فأكل المال بالباطل على وجوه: الأول: أن يأكله بطريق التعدي و النهب و الغصب. الثاني:
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 120
أن يأكله بطريق اللهو كالقمار و أجرة المغني و ثمن الخمر و الملاهي و نحو ذلك. الثالث: أن يأكله بطريق الرشوة في الحكم و شهادة الزور. الرابع: الخيانة و ذلك في الوديعة و الأمانة و نحو ذلك. و إنما عبر عن أخذ المال بالأكل لأنه المقصود الأعظم، و لهذا وقع في التعارف فلان يأكل أموال الناس بمعنى يأخذها بغير حلها وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ أي و تلقوا أمور تلك الأموال التي فيها الحكومة إلى الحكام. قال ابن عباس هذا في الرجل يكون عليه المال و ليس عليه بينة فيجحد و يخاصم إلى الحكام و هو يعلم أن الحق عليه و هو آثم بمنعه و قيل: هو أن يقيم شهادة الزور عند الحاكم و هو يعلم ذلك. و قيل معناه و لا تأكلوا المال بالباطل و تنسبوه إلى الحكام، و قيل: لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم و أنت تعلم أنك ظالم فإن قضاءه لا يحل حراما و كان شريح القاضي يقول إني لأقضي لك و إني لأظنك ظالما و لكن لا يسعني إلّا أن أقضي بما يحضرني من البينة و إن قضائي لا يحل لك حراما (ق) عن أم سلمة «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال: إنما أنا بشر و إنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض» و في رواية «ألحن بحجته من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها» قوله سمع جلبة خصم يعني أصوات خصم قوله ألحن بحجته، يقال: فلان ألحن بحجته من فلان أي أقوم بها منه و أقدر عليها، من اللحن بفتح الحاء و هو الفطنة لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً أي طائفة و قطعة مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ يعني بالظلم و قال ابن عباس باليمين الكاذبة و قيل بشهادة الزور وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني أنكم على الباطل. قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): آية 189]
يَسْئَلُونَكَ أي يا محمد عَنِ الْأَهِلَّةِ نزلت في معاذ بن جبل و ثعلبة بن غنم الأنصاريين قالا يا رسول اللّه ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يمتلئ نورا، ثم لا يزال ينقص حتى يعود دقيقا كما بدا و لا يكون على حال واحدة فأنزل اللّه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ و كان هذا سؤالا منهم على وجه الفائدة عن وجه الحكمة في تبيين حال الهلال في الزيادة و النقصان و الأهلة جمع هلال و هو أول حال القمر حين يراه الناس أول ليلة من الشهر قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ جمع ميقات، و المعنى أن فعلنا ذلك لمصالح دينية و دنيوية ليعلم الناس أوقات حجهم و صومهم و إفطارهم و محل ديونهم و أجائرهم و عدد النساء و أوقات الحيض و غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالأهلة و لهذا خالف بينه و بين الشمس التي هي دائمة على حالة واحدة وَ الْحَجِ أي و للحج، و إنما أفرد الحج بالذكر و إن كان داخلا في جملة العبادات لفائدة عظيمة و هي أن العرب في الجاهلية كانت تحج بالعدد و تبدل الشهور فأبطل اللّه ذلك من فعلهم و أخبر أن الحج مقصور على الأشهر التي عينها لفرض الحج بالأهلة، و أنه لا يجوز نقل الحج عن تلك الأشهر التي عينها اللّه تعالى له كما كانت العرب تفعل بالنسيء وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها (ق) عن البراء قال: نزلت هذه الآية فينا فكانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا لم يدخلوا من قبل أبواب البيوت فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فكأنه عير بذلك فنزلت: و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من اتقى و أتوا البيوت من أبوابها، و في رواية كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها فأنزل اللّه هذه الآية و قيل كان الناس في الجاهلية و في أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم لم يدخل حائطا و لا دارا و لا فسطاطا من بابه، فإن كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل و يخرج أو يتخذ سلما يصعد منه، و إن كان من أهل الوبر دخل و خرج من خلف الخباء و لا يدخل و لا يخرج من الباب و يرون ذلك برا، و كانت الحمس و هم قريش و كنانة و خزاعة و من دان بدينهم، سموا حمسا لتشددهم في دينهم و الحماسة الشدة كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيتا البتة و لم يستظلوا بظل، ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دخل حائطا فدخل
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 121
رجل من الأنصار معه و قيل كانت الحمس لا يبالون بذلك، ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دخل ذات يوم بيتا فدخل على أثره رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن التابوت من الباب و هو محرم فأنكروا عليه فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لم دخلت من الباب و أنت محرم فقال: رأيتك دخلت فدخلت على أثرك فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إني أحمسي فقال الرجل إن كنت أحمسيا فأنا أحمسي رضيت بهديك و سمتك و دينك فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. و قال الزهري كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يجعلوا بينهم و بين السماء شيئا، و كان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعد ما خرج من بيته فيرجع و لا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت أن يحول بينه و بين السماء فيفتح الجدار من ورائه ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته ثم بلغنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أهلّ زمن الحديبية بالعمرة فدخل حجرة فدخل رجل من الأنصار من بني سلمة على أثره فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لم فعلت ذلك؟ قال: لأني رأيتك دخلت فقال عليه الصلاة و السلام: إني أحمسي فقال الأنصاري و أنا أحمسي يقول أنا على دينك فأنزل اللّه تعالى وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها يعني في حال الإحرام و غيره وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
[سورة البقرة (2): آية 190]
قوله عز و جل: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة اللّه و طلب رضوانه (ق) عن أبي موسى الأشعري قال سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الرجل يقاتل شجاعة و يقاتل حمية و يقاتل رياء أي ذلك في سبيل اللّه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا فهو في سبيل اللّه الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ كان في ابتداء الإسلام أمر اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم بالكف عن قتال المشركين ثم لما هاجر إلى المدينة أمر بقتال من قاتله منهم بهذه الآية. قال الربيع بن أنس: هذه أول آية نزلت في القتال ثم أمر اللّه بقتال المشركين كافة قاتلوا أو لم يقاتلوا بقوله تعالى: وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً .
و بقوله: اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ فصارت آية السيف ناسخة لهذه الآية و قيل إنها محكمة و معناها على هذا القول و قاتلوا في سبيل اللّه الذين أعدوا أنفسهم للقتال، فأما من لم يعدّ نفسه للقتال كالرهبان و الشيوخ و الزمنى و المكافيف و المجانين فلا تقاتلوهم لأنهم لم يقاتلوكم، و هو قوله تعالى: وَ لا تَعْتَدُوا و قال ابن عباس و لا تقتلوا النساء و الصبيان و الشيوخ و الرهبان و لا من ألقى إليكم السلام (م) عن بريدة قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى اللّه و من معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا بسم اللّه في سبيل اللّه قاتلوا من كفر باللّه اغزوا و لا تغلوا و لا تعتدوا و لا تمثلوا و لا تقتلوا وليدا. قوله: لا تَغْلُوا* الغلول الخيانة و هو ما يخفيه أحد الغزاة من الغنيمة و قوله: وَ لا تَعْتَدُوا أي و لا تنقضوا العهد و قيل في معنى الآية: لا تعتدوا أي لا تبدؤوهم بالقتال فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة بآية القتال قال ابن عباس: لما صد المشركون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عام الحديبية و صالحوه على أن يرجع من قابل فيخلوا له مكة ثلاثة أيام يطوف بالبيت، فلما تجهز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه لعمرة القضاء خافوا أن لا تفي قريش بما قالوا و يصدّوهم عن البيت و كره المسلمون قتالهم في الشهر الحرام و في الحرم، فأنزل اللّه: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ فأطلق لهم قتال الذين يقاتلونهم في الشهر الحرام و في الحرم و رفع عنهم الحرج و الجناح في ذلك و قال و لا تعتدوا بابتداء القتال إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): الآيات 191 الى 193]
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 122
وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أي حيث وجدتموهم و أدركتموهم في الحل و الحرم، و تحقيق القول فيه أن اللّه تعالى أمر بالجهاد في الآية الأولى بشرط إقدام الكفار على القتال و في هذه الآية أمرهم بالجهاد معهم سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا و استثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ أي و أخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم من دياركم وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ يعني أن شركهم باللّه أشد و أعظم من قتلكم إياهم في الحرم و الإحرام و إنما سمي الشرك باللّه فتنة لأنه فساد في الأرض يؤدي إلى الظلم. و إنما جعل أعظم من القتل لأن الشرك باللّه ذنب يستحق صاحبه الخلود في النار و ليس القتل كذلك، و الكفر يخرج صاحبه من الأمة و ليس القتل كذلك فثبت أن الفتنة أشد من القتل وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ اختلف العلماء في هذه الآية فذهب مجاهد في جماعة من العلماء إلى أنها محكمة و أنه لا يحل أن يقاتل في المسجد الحرام إلّا من قاتل فيه و هو قوله: فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ أي فقاتلوهم، و ثبت في الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «إن مكة لا تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي و إنما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت حراما إلى يوم القيامة» فثبت بهذا تحريم القتال في الحرم إلّا أن يقاتلوا فيقاتلوا و يكون دفعا لهم و ذهب قتادة إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فأمر بقتالهم في الحل و الحرم. و قيل إنها منسوخة بقوله:
وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا يعني عن القتال. و قيل عن الشرك و الكفر فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يعني لما سلف رَحِيمٌ يعني بعباده حيث لم يعاجلهم بالعقوبة وَ قاتِلُوهُمْ أي و قاتلوا المشركين حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ أي شرك و المعنى و قاتلوهم حتى يسلموا و لا يقبل من الوثني إلّا الإسلام و القتل بخلاف الكتابي و الفرق بينهما أن أهل الكتاب معهم كتب منزلة فيها شرائع و أحكام يرجعون إليها و إن كانوا قد حرفوا و بدلوا فأمهلهم اللّه تعالى بحرمة تلك الكتب من القتل و أمر بإصغارهم و أخذ الجزية منهم لينظروا في كتبهم و يتدبروها فيقفوا على الحق منها فيتبعوه كفعل مؤمني أهل الكتاب الذين عرفوا الحق فأسلموا، و أما عبدة الأصنام فلم يكن لهم كتاب يرجعون إليه و يرشدهم إلى الحق فكان إمهالهم زيادة في شركهم و كفرهم فأبى اللّه عز و جل أن يرضى منهم إلّا بالإسلام أو القتل وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ أي الطاعة و العبادة للّه وحده فلا يعبد من دونه شيء فَإِنِ انْتَهَوْا يعني عن القتال و قيل عن الشرك و الكفر فَلا عُدْوانَ أي فلا سبيل إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ قاله ابن عباس فعلى القول الأول تكون الآية منسوخة بآية السيف و على القول الآخر الآية محكمة. و قيل: معناه فلا تظلموا إلّا الظالمين، سمي جزاء الظالمين ظلما على سبيل المشاكلة، و سمي الكافر ظالما لوضعه العبادة في غير موضعها. قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): آية 194]
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ نزلت في عمرة القضاء و ذلك أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم خرج معتمرا في ذي القعدة سنة ست من الهجرة فصده المشركون عن البيت بالحديبية فصالح أهل مكة على أن ينصرف عامه ذلك و يرجع من قابل فيقضي عمرته فانصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثم رجع في ذي القعدة سنة سبع فقضى عمرته و ذلك قوله تعالى:
الشَّهْرُ الْحَرامُ يعني ذا القعدة الذي دخلتم فيه مكة و قضيتم عمرتكم بِالشَّهْرِ الْحَرامِ الذي صددتم فيه عن البيت وَ الْحُرُماتُ جمع حرمة و إنما جمعت لأنه أراد حرمة الشهر و حرمة البلد و حرمة الإحرام قِصاصٌ القصاص المساواة و المماثلة و هو أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل، و المعنى أنهم لما منعوكم عن العمرة و أضاعوا هذه الحرمات في سنة ست، فقد وفقتم حتى قضيتموها على رغمهم في سنة سبع. و قيل: هذا في القتال، و معناه: فإن بدءوكم بالقتال في الشهر الحرام فاقتلوهم فيه فإنه قصاص فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ أي بالقتال
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 123
فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ أي فقاتلوه بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ سمي الجزاء بالاعتداء على سبيل المشاكلة وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): آية 195]
وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني به الجهاد و ذلك أن اللّه تعالى لما أمر بالجهاد و الاشتغال به يحتاج إلى الانفاق فأمر به، و الإنفاق هو صرف المال في وجوه المصالح الدينية كالإنفاق في الحج و العمرة وصلة الرحم و الصدقة و في الجهاد و تجهيز الغزاة و على النفس و العيال و غير ذلك مما فيه قربة للّه تعالى لأن كل ذلك مما هو في سبيل اللّه لكن إطلاق هذه اللفظة ينصرف إلى الجهاد (خ) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «من احتبس فرسا في سبيل اللّه إيمانا و احتسابا للّه و تصديقا بوعده فإن شبعه وريه و روثه و بوله في ميزانه يوم القيامة» يعني حسنات. عن خريم بن فاتك قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من أنفق نفقة في سبيل اللّه كتب اللّه له سبعمائة ضعف» أخرجه الترمذي و النسائي وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ قيل: الباء زائدة و معناه لا تلقوا أيديكم إلى التهلكة، و المراد بالأيدي الأنفس و المعنى و لا تلقوا أنفسكم إلى التهلكة، عبر بالأيدي عن الأنفس، و قيل الباء على أصلها و في الكلام حذف تقديره: و لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة، كما يقال: أهلك فلان نفسه بيده، إذا تسبب في هلاكها و قيل التهلكة كل شيء تصير عاقبته إلى الهلاك و قيل التهلكة ما يمكن الاحتراز عنه و الهلاك ما لا يمكن الاحتراز عنه، و معنى الآية النهي عن ترك الانفاق في سبيل اللّه لأنه سبب الإهلاك قال ابن عباس: أنفق في سبيل اللّه و إن لم يكن لك إلّا سهم أو مشقص و لا يقول أحدكم لا أجد شيئا.
السهم هنا هو ما يرمى به، و المشقص سهم فيه نصل عريض و قيل كان رجال يخرجون في البعوث بغير نفقة فإمّا أن ينقطع بهم و إما أن يكونوا عالة فأمرهم اللّه تعالى بالإنفاق على أنفسهم في سبيل اللّه و من لم يكن عنده شيء ينفق عليه في الغزو فلا يخرج لئلا يلقي نفسه في التهلكة و هو أنه يهلك من الجوع و العطش و المشي. و قيل نزلت الآية في ترك الجهاد (ت) عن أبي عمران و اسمه أسلم قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا لنا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر و على أهل مصر عقبة بن عامر و على الجماعة فضالة بن عبيد فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس. سبحان اللّه يلقي بيديه إلى التهلكة فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: «أيها الناس إنكم لتؤولون هذه الآية هذا التأويل، و إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز اللّه الإسلام و كثر ناصروه فقال بعضنا لبعض سرّا دون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إن أموالنا قد ضاعت و إن اللّه قد أعز الإسلام و كثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل اللّه تعالى على نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم يرد علينا ما قلنا:
وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ فكانت التهلكة الإقامة على الأموال و إصلاحها و تركنا الغزو فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل اللّه حتى دفن بأرض الروم» و قال حديث غريب صحيح مات أبو أيوب في آخر غزوة غزاها بأرض قسطنطينية و دفن في أصل سورها فهم يتبركون بقبره و يستسقون به (م) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من مات و لم يغزو لم يحدث نفسه به مات على شعبة من النفاق» قال ابن المبارك فنرى أن ذلك كان على عهد النبي صلّى اللّه عليه و سلّم. و قيل الإلقاء إلى التهلكة هو أن يقنط من رحمة اللّه، و هو أن الرجل يصيب الذنب فيقول قد هلكت ليس لي توبة فييأس من رحمة اللّه و ينهمك على المعاصي فهو القنوط فنهى اللّه عن ذلك. و قيل في معنى الآية: أنفقوا في سبيل اللّه و لا تقولوا إنا نخاف الفقر إن أنفقنا فنهلك فنهوا أن يجعلوا أنفسهم هالكين بالإنفاق (خ) عن حذيفة قال: أنفقوا في سبيل اللّه و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال نزلت في النفقة وَ أَحْسِنُوا أي بالإنفاق على من تلزمكم مؤنته و نفقته و قيل أحسنوا في الإنفاق و لا تسرفوا و لا تقتروا، نهوا عن الإسراف و الإقتار في الإنفاق و قيل معناه: و أحسنوا في أداء فرائض اللّه تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ أي يثيبهم على إحسانهم ..
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 124
[سورة البقرة (2): آية 196]
قوله عز و جل: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ قال ابن عباس و هو أن يتمهما بمناسكهما و حدودهما و سننهما و قيل إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك و قيل هو أن تفرد لكل واحد منهما سفرا و قيل إتمامها أن تكون النفقة حلالا و تنتهي عما نهى اللّه عنه. و قيل إتمامها أن تخرج من أهلك لهما لا للتجارة و لا لحاجة. و قيل إذا شرع فيهما وجب عليه الإتمام.
(فصل) و اتفقت الأمة على وجوب الحج على من استطاع إليه سبيلا (م) عن أبي هريرة قال خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال: «أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل أفي كل عام يا رسول اللّه؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لو قلت نعم لوجب و لما استطعتم» و في وجوب العمرة قولان للشافعي أصحهما إنها واجبة و هو قول علي و ابن عمر و ابن عباس و الحسن و ابن سيرين و عطاء و طاوس و سعيد بن جبير و مجاهد و إليه ذهب أحمد بن حنبل، و القول الثاني إنها سنة و يروى ذلك عن ابن مسعود و جابر و إبراهيم و الشعبي و إليه ذهب مالك و أبو حنيفة. حجة من أوجب العمرة ما روي في حديث الضبي بن معبد أنه قال لعمر بن الخطاب إني وجدت الحج و العمرة مكتوبين عليّ و إني أهلك بهما فقال أهديت لسنة نبيك محمد صلّى اللّه عليه و سلّم أخرجه أبو داود و النسائي بأطول من هذا وجه الدليل أنه أخبر عن وجوبهما عليه و صوبه عمر و بين أنه مهتد بما رآه في وجوبهما عليه لسنة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم.
و روي عن ابن عباس أنها كقرينها في كتاب اللّه: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و عن ابن عمر قال: «الحج و العمرة فريضتان» و عنه: «ليس أحد من خلق اللّه إلّا و عليه حجة و عمرة واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلا» و عن ابن عباس قال: «العمرة واجبة كوجوب الحج» و عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «تابعوا بين الحج و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد و الذهب و الفضة و ليس لحجة مبرورة ثواب إلّا الجنة» أخرجه النسائي و الترمذي و زاد: «و ما من مؤمن يظل يومه محرما إلّا غابت الشمس بذنوبه» و قال حديث حسن صحيح. وجه الدليل أنه أمر بالمتابعة بين الحج و العمرة و الأمر للوجوب و لأنها قد نظمت مع الحج في الأمر بالإتمام فكانت واجبة كالحج، و حجة من قال بأنها سنة ما روي عن جابر قال: «سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن العمرة أ واجبة هي؟ قال: لا و أن تعتمروا خير لكم» أخرجه الترمذي. و أجيب عنه بأن هذا الحديث يرويه حجاج بن أرطأة و حجاج ليس ممن يقبل منه ما تفرد به لسوء حفظه و قلة مراعاته لما يحدث به و اجتمعت الأمة على جواز أداء الحج و العمرة على ثلاثة أنواع إفراد و تمتع و قران فصورة الإفراد أن يحج ثم بعد فراغه منه يعتمر من أدنى الحل أو يعتمر قبل أشهر الحج ثم يحج في تلك السنة. و صورة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج و يأتي بأعمالها فإذا فرغ من أعمالها أحرم بالحج من مكة في تلك السنة و إنما سمي تمتعا لأنه يستمتع بمحظورات الإحرام بعد التحلل من العمرة إلى أن يحرم بالحج. و صورة القرآن أن يحرم بالحج و العمرة معا في أشهر الحج فينويهما بقلبه و كذلك لو أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم أدخل عليها الحج قبل أن يفتتح الطواف فيصير قارنا.