کتابخانه تفاسیر
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 174
جمع من العلماء قال محمد بن سيرين إن رجلا سأل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى فقال حافظ على الصلوات كلها تصبها و سئل الربيع ابن خيثم عن الصلاة فقال للسائل الوسطى واحدة منهن فحافظ على الكل تكن محافظا على الوسطى ثم قال أ رأيت لو علمتها بعينها أ كنت محافظا عليها و مضيعا سائرهن فقال السائل لا فقال الربيع إنك أن حافظت عليهن فقد حافظت على الوسطى. و الصحيح من هذه الأقوال كلها قولان قول من قال إنها الصبح و قول من قال إنها العصر و أصح الأقوال كلها أنها العصر للأحاديث الصحيحة الواردة فيها و اللّه تعالى أعلم.
و قوله تعالى: وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ أي طائعين فهو عبارة عن إكمال الطاعة و إتمامها و الاحتراز عن إيقاع الخلل في أركانها و سننها قيل لكل أهل دين صلاة يقومون فيها عاصين فقوموا أنتم للّه في صلاتكم طائعين، و قيل القنوت هو الدعاء و الذكر بدليل: «أمن هو قانت» و لما أمر بالمحافظة على الصلوات وجب أن يحمل هذا القنوت على ما فيها من الذكر و الدعاء فمعنى الآية و قوموا للّه داعين ذاكرين و قيل إنما خص القنوت بصلاة الصبح و الوتر لهذا المعنى، و قيل: القنوت هو السكوت عما لا يجوز التكلم به في الصلاة، و يدل على ذلك ما روي عن زيد بن أرقم قال: «كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه و هو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فأمرنا بالسكوت و نهينا عن الكلام» أخرجاه في الصحيحين، و قيل: القنوت هو طول القيام في الصلاة و يدل عليه ما روي عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «أفضل الصلاة طول القنوت» أخرجه مسلم و من القنوت أيضا طول الركوع و السجود و غض البصر و الهدوء في الصلاة و خفض الجناح و الخشوع فيها و كان العلماء إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشيء من أمور الدنيا إلّا ناسيا قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): آية 239]
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أي رجالة أَوْ رُكْباناً يعني على الدواب جمع راكب و المعنى إن لم يمكنكم أن تصلوا قانتين موفين حقوق الصلاة من إتمام الركوع و السجود و الخضوع و الخشوع لخوف عدو أو غيره فصلوا مشاة على أرجلكم أو ركبانا على دوابكم مستقبلي القبلة و غير مستقبليها و هذا في حال المقاتلة و المسايفة في وقت الحرب. و صلاة الخوف قسمان: أحدهما أن يكون في حال القتال و هو المراد بهذه الآية، و قسم في غير حال القتال و هو المذكور في سورة النساء في قوله تعالى: وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ و سيأتي الكلام عليها إن شاء اللّه تعالى في موضعه، فإذا التحم القتال و لم يكن تركه لأحد فمذهب الشافعي أنهم يصلون ركبانا على الدواب و مشاة على الأرجل إلى القبلة و إلى غير القبلة يؤمنون بالركوع و السجود و يكون السجود أخفض من الركوع و يحترزون عن الصياح فإنه لا حاجة إليه، و قال أبو حنيفة: لا يصلي الماشي بل يؤخر الصلاة و يقضيها لأن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أخر الصلاة يوم الخندق فصلى الظهر و العصر و المغرب بعد ما غربت الشمس فيجب علينا الاقتداء به في ذلك و احتج الشافعي لمذهبه بهذه الآية. و أجيب عن تأخير النبي صلّى اللّه عليه و سلّم الصلاة يوم الخندق بأنه لم يكن نزل حكم صلاة الخوف و إنما نزل بعد فلما نزلت صلاة الخوف لم يؤخر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بعد ذلك صلاة قط، أما الخوف الحاصل لا في القتال بل بسبب آخر كالهارب من العدو أو قصده سبع هائج أو غشيه سيل يخاف على نفسه الهلاك لو صلى صلاة أمن فله أن يصلي صلاة شدة الخوف بالإيماء في حال العدو لأن قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ مطلق يتناول الكل. فإن قلت: قوله تعالى: فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً يدل على أن المراد منه خوف العدو حال القتال. قلت هو كذلك إلّا أنه هناك ثابت لدفع الضرر، و هذا المعنى موجود هنا فوجب أن يكون الحكم كذلك هاهنا و روي عن ابن عباس قال: «فرض اللّه الصلاة على لسان نبيكم صلّى اللّه عليه و سلّم في الحضر أربعا و في السفر ركعتين و في الخوف ركعة» أخرجه مسلم، و قد عمل بظاهر هذا جماعة من السلف منهم الحسن البصري و عطاء و طاوس
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 175
و مجاهد و قتادة و الضحاك و إبراهيم و إسحاق بن راهويه قالوا: يصلي في حال شدة الخوف ركعة و قال الشافعي و مالك و جمهور العلماء صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات قال كان الخوف في الحضر وجب عليه أن يصلي أربع ركعات و إن كان في السفر صلّى ركعتين و لا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال و تأولوا حديث ابن عباس هذا على أن المراد به ركعة مع الإمام و ركعة أخرى يأتي بها منفردا كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صفة صلاة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه في صلاة الخوف و هذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأحاديث. و قوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ يعني من خوفكم فَاذْكُرُوا اللَّهَ أي فصلوا للّه الصلوات الخمس تامة بأركانها و سننها كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فيه إشارة إلى إنعام اللّه تعالى علينا بالعلم و لو لا هدايته و تعليمه إيانا لم نعلم شيئا و لم نصل إلى معرفة شيء فله الحمد على ذلك. قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): آية 240]
وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ يعني يا معشر الرجال وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يعني زوجات وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ قرئ بالنصب على معنى فليوصوا وصية و بالرفع على معنى كتب عليهم وصية مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ أي متعوهن متاعا و قيل جعل اللّه لهن ذلك متاعا و المتاع نفقة سنة لطعامها و كسوتها و ما تحتاج إليه غَيْرَ إِخْراجٍ أي غير مخرجات من بيوتهن نزلت هذه الآية في رجل من أهل الطائف يقال له حكيم بن الحارث هاجر إلى المدينة و معه أبواه و امرأته و له أولاد فمات فرفع ذلك إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فأنزل اللّه هذه الآية فأعطى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أبويه و أولاده ميراثه و لم يعط امرأته شيئا و أمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولا و كان الحكم في ابتداء الإسلام أنه إذا مات الرجل اعتدت زوجته حولا و كان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحول و كانت نفقتها و سكناها واجبتين في مال زوجها تلك السنة و ليس لها من الميراث شيء، و لكنها تكون مخيرة فإن شاءت اعتدت في بيت زوجها و لها النفقة و السكنى، و إن شاءت خرجت قبل تمام الحول و ليس لها نفقة و لا سكنى، و كان يجب على الرجل أن يوصي بذلك فدلت هذه الآية على مجموع أمرين: أحدهما أن لها النفقة و السكنى من مال زوجها سنة و الثاني أن عليها عدة سنة ثم إن اللّه تعالى نسخ هذين الحكمين، أما الوصية بالنفقة و السكنى فنسخ بآية الميراث فجعل لها الربع أو الثمن عوضا عن النفقة و السكنى و نسخ عدة الحول بأربعة أشهر و عشرا. فإن قلت كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة؟ قلت: قد تكون الآية المتقدمة متقدمة في التلاوة متأخرة في التنزيل كقوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مع قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ . و قوله تعالى: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ يعني يا معشر أولياء الميت فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ يعني التزين للنكاح و لرفع الحرج عن الورثة و جهان: أحدهما أنه لا جناح عليكم في قطع النفقة عنهن إذا خرجن قبل انقضاء الحول.
و الوجه الثاني لا جناح عليكم في ترك منعهن من الخروج لأن مقامها في بيت زوجها حولا غير واجب عليها خيرها اللّه تعالى بين أن تقيم في بيت زوجها حولا و لها النفقة و السكنى و بين أن تخرج و لا نفقة لها و لا سكنى ثم نسخ اللّه ذلك بأربعة أشهر و عشرا وَ اللَّهُ عَزِيزٌ أي غالب قوي في انتقامه ممن خالف أمره و نهيه و تعدى حدوده حَكِيمٌ يعني فيما شرع من الشرائع و بين من الأحكام. قوله عز و جل:
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 176
[سورة البقرة (2): الآيات 241 الى 243]
وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ إنما أعاد اللّه تعالى ذكر المتعة هنا لزيادة معنى و هو أن في تلك الآية بيان حكم غير الممسوسة و في هذه الآية بيان حكم جميع المطلقات في المتعة و قيل لأنه لما نزل قوله تعالى:
وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ إلى قوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ قال رجل من المسلمين إن فعلت أحسنت و إن لم أرد لم أفعل فأنزل اللّه تعالى: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ فجعل المتعة لهن بلام التمليك و قال تعالى:
حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ يعني المؤمنين الذين يتقون الشرك و قد تقدم أحكام المتعة. و قوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ يعني يبين لكم ما يلزم و يلزم أزواجكم أيها المؤمنون و كما عرفتكم أحكامي و الحق الذي يجب لبعضكم على بعض في هذه الآيات كذلك أبين لكم سائر أحكامي في آياتي التي أنزلتها على محمد صلّى اللّه عليه و سلّم في هذا الكتاب لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي لكي تعقلوا ما بينت لكم من الفرائض و الأحكام و ما فيه صلاحكم و صلاح دينكم ا ه. قوله عز و جل: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ قال أكثر المفسرين: كانت قرية يقال لها داوردان وقع بها الطاعون فخرجت طائفة منها و بقيت طائفة فسلم الذين خرجوا و هلك أكثر من بقي بالقرية فلما ارتفع الطاعون رجع الذين خرجوا سالمين فقال الذين بقوا كان أصحابنا أحزم منا رأيا لو صنعا كما صنعوا لبقينا كما بقوا و لئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن إلى أرض لا و باء فيها فرجع الطاعون من قابل فهرب عامة أهلها فخرجوا حتى نزلوا واديا أفيح فلما نزلوا المكان الذين يبتغون فيه النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي و ملك آخر من أعلاه أن موتوا فماتوا جميعا. (ق) عن عمر أنه خرج إلى الشام فلما جاء سرغ بلغه أن الوباء قد وقع بها فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه و إذا وقع بأرض و أنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه» فحمد اللّه عمر ثم انصرف و قيل إنما فروا من الجهاد و ذلك أن ملكا من ملوك بني إسرائيل أمرهم أن يخرجوا إلى قتال عدوهم فعسكروا ثم جبنوا و كرهوا الموت فاعتلوا و قالوا لملكهم إن الأرض التي تأتيها بها و باء فلا تخرج حتى ينقطع منها الوباء فأرسل اللّه عليهم الموت فخرجوا فرارا منه فلما رأى الملك ذلك قال: اللهم رب يعقوب و إله موسى قد ترى معصية عبادك فأرهم آية في أنفسهم حتى يعلموا أنهم لا يستطيعون الفرار منك، فلما خرجوا قال لهم موتوا عقوبة لهم فماتوا و ماتت دوابهم كموت رجل واحد فما أتى عليهم ثمانية أيام حتى انتفخوا و أروحت أجسادهم فخرج الناس إليهم فعجزوا عن دفنهم فحظروا حظيرة دون السباع فذلك قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ أي ألم تعلم يا محمد بإعلامي إياك و هو من رؤية القلب قال أهل المعاني هو تعجيب له يقول هل رأيت مثل هؤلاء كما تقول ألم تر إلى صنيع فلان و كل ما في القرآن من قوله ألم تر و لم يعاينه النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فهذا معناه. قوله تعالى: وَ هُمْ أُلُوفٌ قيل هو من العدد و اختلفوا في مبلغ عددهم فقيل ثلاثة آلاف و قيل عشرة آلاف و قيل بضع و ثلاثون ألفا و قيل أربعون ألفا و قيل سبعون ألفا و أصح الأقوال قول من قال إنهم كانوا زيادة على عشرة آلاف لأن اللّه تعالى قال: وَ هُمْ أُلُوفٌ و الألوف جمع الكثير و جمع القليل آلاف و قيل معنى و هم ألوف مؤتلفون جمع ألف و الأول أصح قالوا فمر عليهم مدة فبليت أجسادهم و عريت عظامهم فمر عليهم حزقيل بن بوذى هو ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى. و ذلك أن القيم بأمر بني إسرائيل بعد موسى كان يوشع بن نون ثم كان من بعده كالب بن يوقنا ثم قام من بعده حزقيل. و كان يقال له ابن العجوز لأن أمه كانت عجوزا فسألت اللّه تعالى الولد بعد ما كبرت و عقمت فوهب اللّه لها حزقيل و يقال له ذو الكفل سمي به لأن تكفل سبعين نبيا و أنجاهم من القتل فلما مر حزقيل على هؤلاء الموتى وقف عليهم و جعل يفكر فيهم فأوحى اللّه تعالى إليه أ تريد أن أريك قال نعم يا رب فأحياهم اللّه تعالى و قيل دعا ربه حزقيل أن يحيهم فأحياهم اللّه تعالى و قيل إنهم كانوا قومه أحياهم اللّه تعالى بعد ثمانية أيام و ذلك أنه لما أصابهم ذلك خرج في طلبهم فوجدهم موتى فبكى و قال يا رب كنت في قوم يعبدونك و يذكرونك فبقيت وحيدا لا قوم لي فأوحى اللّه إليه إني قد جعلت حياتهم إليك فقال حزقيل أحيوا
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 177
بإذن اللّه فعاشوا، و قيل إنهم قالوا حين أحيوا سبحانك ربنا و بحمدك لا إله إلّا أنت ثم رجعوا إلى قومهم و عاشوا دهرا طويلا و سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبا إلّا عاد دنسا مثل الكفن حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم. قال ابن عباس: و إنها لتوجد اليوم تلك الريح في ذلك السبط من اليهود: قال قتادة: مقتهم اللّه على فرارهم من الموت فأماتهم عقوبة لهم ثم بعثهم اللّه ليستوفوا بقية آجالهم و لو جاءت آجالهم لما بعثوا. فإن قلت كيف أميت هؤلاء مرتين في الدنيا و قد قال اللّه تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى قلت إن موتهم كان عقوبة لهم كما قال قتادة و قيل إن موتهم و إحياءهم كان معجزة من معجزات ذلك النبي و معجزات الأنبياء خوارق للعادات، و نوادر فلا يقاس عليها فيكون قوله إلّا الموتة الأولى عاما مخصوصا بمعجزات الأنبياء أي إلّا الموتة الأولى التي ليست من معجزات الأنبياء و لا من خوارق العادات و في هذه الآية احتجاج على اليهود و معجزة عظيمة لنبينا صلّى اللّه عليه و سلّم حيث أخبرهم بأمر لم يشاهدوه و هم يعلمون صحة ذلك و فيه احتجاج على منكري البعث أيضا إذ قد أخبر اللّه تعالى و هو الصادق في خبره أنه أماتهم ثم أحياهم في الدنيا فهو تعالى قادر على أن يحييهم يوم القيامة، و قوله تعالى: حَذَرَ الْمَوْتِ أي مخافة الطاعون و كان قد نزل بهم و قيل إنهم أمروا بالجهاد ففروا منه حذر الموت فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا يحتمل أنهم ماتوا عند قوله تعالى مُوتُوا و يحتمل أن يكون ذلك أمر تحويل فهو كقوله: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ* ثُمَّ أَحْياهُمْ يعني بعد موتهم إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ يعني أن اللّه تعالى تفضل على أولئك الذين أماتهم باحيائهم لأنهم ماتوا على معصيته فتفضل عليهم بإعادتهم إلى الدنيا ليتوبوا و قيل هو على العموم فهو تعالى متفضل على كافة الخلق في الدنيا و يخص المؤمنين بفضله يوم القيامة وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ يعني أن أكثر من أنعم اللّه عليه لا يشكره أما الكافر فإنه لم يشكره أصلا و أما المؤمنون فلم يبلغوا غاية شكره. قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): الآيات 244 الى 245]
وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قيل هو خطاب للذين أحيوا أحياهم اللّه ثم أمرهم بالجهاد فعلى هذا القول فيه إضمار تقديره و قيل لهم قاتلوا في سبيل اللّه و قيل هو خطاب لأمة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم و معناه لا تهربوا من الموت كما هرب هؤلاء فلم ينفعهم ذلك ففيه تحريض للمؤمنين على الجهاد وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يعني لما يقوله المتعلل عن القتال عَلِيمٌ بما يضمره. قوله عز و جل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً القرض اسم لكل ما يعطيه الإنسان ليجازى عليه فسمى اللّه تعالى عمل المؤمنين له قرضا على رجاء ما وعدهم به من الثواب لأنهم يعلمون لطلب الثواب، و قيل: القرض من ما أسلفت من عمل صالح أو شيء قال أمية بن أبي الصلت:
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا
أو سيئا أو مدينا كالذي دانا
و أصل القرض في اللغة القطع سمي به لأن المقرض يقطع من ماله شيئا فيعطيه ليرجع إليه مثله و معنى الآية من ذا الذي يقدم لنفسه إلى اللّه ما يرجو ثوابه عنده و هذا تلطف من اللّه تعالى في استدعاء عباده إلى أعمال البر و الطاعة و قيل في الآية اختصار تقديره من ذا الذي يقرض عباد اللّه و المحتاجين من خلقه فهو كقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ أي يؤذون عباد اللّه، و كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «يقول اللّه تبارك و تعالى يوم القيامة يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال: يا رب كيف أطعمك و أنت رب العالمين؟
قال: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟» الحديث، و اختلفوا في المراد بهذا القرض، فقيل هو الإنفاق في سبيل اللّه، و قيل هو الصدقة الواجبة قيل صدقة التطوع لأن اللّه تعالى سماه قرضا و القرض لا يكون إلّا تبرعا و لما روى الطبري بسنده عن ابن مسعود قال: لما نزلت: مَنْ ذَا الَّذِي
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 178
يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً قال أبو الدحداح و إن اللّه يريد منا القرض؟ قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم نعم يا أبا الدحداح قال: ناولني يدك فناوله يده قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي حائطا فيه ستمائة نخلة ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط و أم الدحداح فيه في عيالها فناداها يا أم الدحداح قالت لبيك قال اخرجي من الحائط فإني قد أقرضته لربي، زاد غيره فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: كم من عذق رداح لأبي الدحداح و قيل في معنى يقرض اللّه أي ينفق في طاعته فيدخل فيه الواجب و التطوع و هو الأقرب حسنا يعني محتسبا طيبة به نفسه. و قيل: هو الإنفاق من المال الحلال في وجوه البر و قيل هو أن لا يمن بالقرض و لا يؤذي و قيل هو الخالص للّه تعالى و لا يكون فيه رياء و لا سمعة فَيُضاعِفَهُ لَهُ يعني ثواب ما أنفق أَضْعافاً كَثِيرَةً قيل هو يضاعفه إلى سبعمائة ضعف، و قال السدي هذا التضعيف لا يعلمه إلّا اللّه تعالى و هذا هو الأصح و إنما أبهم اللّه ذلك لأن ذكر المبهم في باب الترغيب أقوى من ذكر المحدود وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ قيل يقبض بإمساك الرزق و التقتير على من يشاء و يبسط بمعنى يوسع على من يشاء و قيل يقبض بقبول الصدقة و يبسط بالخلف و الثواب و قيل إنه تعالى لما أمرهم بالصدقة و حثهم على الإنفاق أخبر أنه لا يمكنهم ذلك إلّا بتوفيقه و إرادته و إعانته و المعنى و اللّه يقبض بعض القلوب حتى لا تقدر على الإنفاق في الطاعة و عمل الخير و يبسط بعض القلوب حتى تقدر على فعل الطاعات و الإنفاق في البر. كما روي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء» ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك» أخرجه مسلم. و هذا الحديث من أحاديث الصفات التي يجب الإيمان بها و السكوت عنها و إمرارها كما جاءت من غير تكييف و لا تشبيه و لا إثبات جارحة، هذا مذهب أهل السنة و سلف هذه الأمة وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يعني في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم. قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): آية 246]
أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ الملأ أشراف القوم و وجوههم و أصله الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه كالقوم و الرهط مِنْ بَعْدِ مُوسى أي من بعد موت موسى أي من بعد زمنه منه إِذْ قالُوا يعني أولئك الملأ لِنَبِيٍّ لَهُمُ اختلفوا في ذلك النبي فقيل هو يوشع بن نون بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب و قيل هو شمعون بن صفية بن علقمة من ولد لاوي بن يعقوب و إنما سمي شمعون لأن أمه دعت اللّه أن يرزقها غلاما فاستجاب اللّه لها فولدت غلاما فسمته شمعون و معناه سمع اللّه دعائي و تبدل السين بالعبرانية شينا و قال أكثر المفسرين هو أشمويل بن يال و قيل: هو ابن هلفائي. قيل إنه من ولد هارون و معرفة حقيقة ذلك النبي بعينه ليست مرادة من القصة إنما المراد منها الترغيب في الجهاد و ذلك حاصل.
(ذكر الإشارة إلى القصة) كان سبب مسألة أولئك الملأ لذلك النبي أنه لما مات موسى عليه السلام خلف من بعده في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم أمر اللّه تعالى. ويحكم بالتوراة حتى قبضه اللّه تعالى. ثم خلف من بعده كالب بن يوقنا كذلك، ثم حزقيل كذلك، حتى قبضه اللّه تعالى فعظمت الأحداث بعده في بني إسرائيل و نسوا عهد اللّه حتى عبدوا الأصنام فبعث اللّه إليهم إلياس نبيا فدعاهم إلى اللّه تعالى، و كانت الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 179
يبعثون إليهم ليجددوا ما نسوا من التوراة و يأمروهم بالعمل بأحكامها. ثم خلف من بعد إلياس اليسع فكان فيهم ما شاء اللّه تعالى ثم قبضه اللّه تعالى. ثم خلف من بعده خلوف و عظمت فيهم الخطايا و ظهر لهم عدو يقال له البلثاثا و هم قوم جالوت و كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر و فلسطين و هم العمالقة فظهروا على بني إسرائيل و غلبوا على كثير من أرضهم و سبوا كثيرا من ذراريهم و أسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة و أربعين غلاما، فضربوا عليهم الجزية و أخذوا توراتهم و لقي بنو إسرائيل منهم بلاء و شدة و لم يكن لهم نبي يدبر أمرهم و كان سبط النبوة قد هلكوا كلهم إلا امرأة حبلى فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها و جعلت المرأة تدعو اللّه أن يرزقها غلاما فولدت غلاما فسمته أشمويل و معناه بالعربية إسماعيل. تقول: سمع اللّه دعائي فلما كبر الغلام أسلمته لتعليم التوراة في بيت المقدس و كفله شيخ من علمائهم و تبناه فلما بلغ الغلام أتاه جبريل عليه السلام و هو نائم إلى جانب الشيخ و كان الشيخ لا يأمن عليه أحدا فدعاه جبريل بلحن الشيخ يا أشمويل! فقام الغلام فزعا إلى الشيخ و قال: يا أبتاه رأيتك تدعوني فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام فقال يا بني ارجع فنم فنام ثم دعاه الثانية فقال الغلام: دعوتني فقال: نم فإن دعوتك فلا تجبني فلما كانت الثالثة ظهر له: جبريل عليه السلام و قال له اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك فإن اللّه قد بعثك فيهم نبيا فلما أتاهم كذبوه و قالوا له استعجلت بالنبوة و لم تنلك و قالوا له إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه آية على نبوتك و إنما كان قوام أمر بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك و طاعة الملوك أنبياءهم و كان الملك هو الذي يسير بالجموع و النبي هو الذي يقيم له أمره و يشير عليه و يرشده و يأتيه بالخبر من ربه. قال وهب فبعث اللّه أشمويل نبيا فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال ثم كان من أمر جالوت و العمالقة ما كان فذلك قوله تعالى: إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جزم على جواب الأمر فلما قالوا له ذلك قالَ يعني قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم هَلْ عَسَيْتُمْ هذا استفهام شك يقول لعلكم إِنْ كُتِبَ أي فرض عَلَيْكُمُ الْقِتالُ يعني مع ذلك الملك أَلَّا تُقاتِلُوا يعني لا تفوا بما قلتم و تجنبوا عن القتال معه قالُوا وَ ما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . فإن قلت ما وجه دخول أن و العرب لا تقول ما لك أن لا تفعل كذا و لكن تقول ما لك لا تفعل كذا. قلت دخول أن و حذفها لغتان صحيحتان فالإثبات كقوله: ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ و الحذف كقوله ما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ و قيل معناه: و ما لنا في أن لا نقاتل بحذف حرف الجر و قيل أن هنا زائدة و معناه و ما لنا لا نقاتل في سبيل اللّه وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَ أَبْنائِنا أي أخرج من غلب عليهم من ديارهم فظاهر الكلام العموم و باطنه الخصوص لأن الذين قالوا لنبيهم ابعث لنا ملكا كانوا في ديارهم و أبنائهم و إنما أخرج من أسر منهم و معنى الآية أنهم قالوا لنبيهم إنا إنما كنا تركنا الجهاد لأنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يظهر علينا عدونا فأما إذا بلغ ذلك منا فنطيع ربنا في جهاد عدونا و نمنع نساءنا و أولادنا قال اللّه تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ في الكلام حذف و تقديره فسأل اللّه ذلك النبي فبعث لهم ملكا و كتب عليهم القتال فلما كتب عليهم القتال تَوَلَّوْا أي أعرضوا عن الجهاد و ضيعوا أمر اللّه إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ يعني لم يتولوا عن الجهاد هم الذين عبروا النهر مع طالوت و اقتصروا على الغرفة على ما سيأتي في قصتهم إن شاء اللّه تعالى وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ يعني هو عالم بمن ظلم نفسه حين خالف أمر ربه و لم يف بما قال. قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): آية 247]
وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً و ذلك أن أشمويل سأل اللّه عز و جل أن يبعث لهم
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 180
ملكا فأتى بعصا و قرن فيه دهن القدس، و قيل له إن صاحبكم الذي يكون ملكا يكون طوله طول هذه العصا و انظر إلى القرن الذي فيه الدهن فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن في القرن فهو ملك بني إسرائيل فادهن رأسه بالدهن و ملكه عليهم و اسم طالوت بالعبرانية ساول بن قيس من سبط بنيامين بن يعقوب. و إنما سمي طالوت لطوله و كان أطول من جميع الناس برأسه و منكبيه و كان طالوت رجلا دباغا يدبغ الأديم قاله وهب و قيل كان سقاء يستقي الماء على حمار فضلّ حماره فخرج يطلبه. و قال وهب: ضلت حمر لأبي طالوت فأرسله أبوه و معه غلام في طلبها فمر على بيت أشمويل النبي فقال الغلام لطالوت لو دخلنا على هذا النبي فسألناه عن أمر الحمر ليرشدنا أو ليدعو لنا فدخلا عليه فبينما هما عنده يذكران له حاجتهما إذ نش الدهن في القرن فقام أشمويل فقاس طالوت بالعصا فكانت على طوله فقال لطالوت قرب رأسك فقربه إليه فدهنه بدهن القدس. و قال له: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني اللّه تعالى أن أملكك عليهم فقال طالوت أو ما علمت أن سبطي من أدنى أسباط بني إسرائيل قال: بلى قال فبأي آية قال بآية أنك ترجع و قد وجد أبوك حمره فكان كذلك ثم قال لبني إسرائيل إن اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا و قيل إنه جلس عنده و قال يا أيها الناس إن اللّه ملك طالوت فأتت عظماء بني إسرائيل إلى نبيهم أشمويل و قالوا له: ما شأن طالوت تملك علينا و ليس هو من بيت النبوة و لا المملكة و قد عرفت أن النبوة في سبط لاوي بن يعقوب و المملكة في سبط يهوذا بن يعقوب فقال لهم نبيهم أشمويل إن اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا أي من أين يكون له الملك و كيف يستحقه وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ إنما قالوا ذلك لأنه كان في بني إسرائيل سبطان سبط نبوة و سبط مملكة فسبط النبوة سبط لاوي بن يعقوب و منه كان موسى و هارون عليهما السلام و سبط المملكة سبط يهوذا بن يعقوب و منه كان داود و سليمان عليهما السلام و لم يكن طالوت من أحدهما. و إنما كان من سبط بنيامين بن يعقوب فلهذا السبب أنكروا كونه ملكا لهم و زعموا أنهم أحق بالملك منه ثم أكدوا ذلك بقولهم وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ يعني أنه فقير و الملك يحتاج إلى المال قالَ يعني أشمويل النبي إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ أي اختاره عليكم و خصه بالملك و في هذه الآية دليل على بطلان قول من زعم من الشيعة أن الإمامة موروثة و ذلك لأن بني إسرائيل أنكروا أن يكون ملكهم من لا يكون من بيت المملكة فرد اللّه عليهم و أعلمهم أن هذا شرط فاسد و المستحق للملك من خصه اللّه به وَ زادَهُ بَسْطَةً أي فضيلة وسعة فِي الْعِلْمِ و ذلك أنه كان من أعلم بني إسرائيل و قيل إنه أوحى إليه حين أوتي الملك و قيل هو العلم في الحرب وَ الْجِسْمِ يعني بالطول و ذلك لأنه كان أطول من الناس برأسه و منكبيه و قيل بالجمال و كان طالوت من أجمل بني إسرائيل و قيل المراد به القوة لأن العلم بالحروب و القوة على الأعداء مما فيه حفظ المملكة وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ يعني أن اللّه تعالى لا اعتراض عليه لأحد في فعله فيخص بملكه من يشاء من عباده وَ اللَّهُ واسِعٌ يعني أن اللّه تعالى واسع الفضل و الرزق و الرحمة وسعت رحمته كل شيء و وسع فضله و رزقه كل خلقه و المعنى أنكم طعنتم في طالوت بكونه فقيرا و اللّه واسع الفضل و الرزق فإذا فوض إليه الملك فتح عليه أبواب الرزق و المال من فضله وسعته و قيل الواسع ذو السعة و هو الذي يعطي عن غنى عَلِيمٌ يعني أنه تعالى مع قدرته على إغناء الفقير عالم بما يحتاج إليه في تدبير نفسه و ملكه و العليم هو العالم بما يكون و بما كان. قوله عز و جل:
[سورة البقرة (2): آية 248]