کتابخانه تفاسیر
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 323
جَمَعُوا لَكُمْ إلى قوله وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ قالها إبراهيم حين ألقي في النار و قالها محمد صلّى اللّه عليه و سلّم حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم. قوله تعالى: فَانْقَلَبُوا أي فانصرفوا و رجعوا بعد خروجهم و المعنى و خرجوا فانقلبوا فحذف الخروج لأن الانقلاب يدل عليه بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي بعافية لم يلقوا عدوا وَ فَضْلٍ أي تجارة و ربح و هو ما أصابوا في سوق بدر من الربح و قيل النعمة منافع الدنيا و الفضل ثواب الآخرة لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ أي لم يصيبهم أذى و لا مكروه من قتل و جراح وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ يعني في طاعة اللّه و طاعة رسوله و قيل إنهم قالوا هل يكون هذا غزوا فأعطاهم اللّه ثواب الغزو و رضي عنهم بمجرد خروجهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ يعني أنه تعالى تفضل عليهم بالتوفيق لما فعلوا و قيل تفضل عليهم بإلقاء الرعب في قلوب المشركين حتى رجعوا قوله عز و جل:
[سورة آلعمران (3): الآيات 175 الى 178]
إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ يعني إنما ذلكم المخوف و المثبط هو الشيطان يخوف بالوسوسة بأن ألقى ذلك في أفواههم ليرهبوا المؤمنين و يخوفوهم و يجبنوهم قوله أولياءه يعني الشيطان يخوفكم يا معشر المؤمنين بأوليائه. و قيل معناه أولياءه في صدوركم لتخافوهم و قيل معناه يخوف أولياءه المنافقين ليقعدوا عن قتال المشركين و أولياء الشيطان هم الكفار و المنافقون الذين يطيعونه و يؤثرون أمره و أولياء اللّه هم المؤمنون الذين لا يخافون الشيطان إذا خوفهم و لا يطيعونه إذا أمرهم فَلا تَخافُوهُمْ يعني فلا تخافوا أولياء الشيطان و لا تقعدوا عن قتلهم و لا تجبنوا عنهم وَ خافُونِ أي فجاهدوا في سبيلي مع رسولي فإني وليكم و ناصركم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي مصدقين بوعدي إني متكفل لكم بالنصر و الظفر. قوله تعالى: وَ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ قيل هم كفار قريش و قيل هم المنافقون و رؤساء اليهود و قيل هم قوم ارتدوا عن الإسلام و المعنى و لا يحزنك يا محمد من يسارع في الكفر و يجمع الجموع لمحاربتك فإن هذا المقصود لا يحصل له و قيل مسارعتهم في الكفر و مظاهرتهم الكفار على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و المعنى يسارعون في نصرة الكفر فلا يحزنك فعلهم فإنك منصور عليهم إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يعني بمسارعتهم في الكفر إنما يضرون أنفسهم بذلك و قيل معناه لن يضروا أولياء اللّه شيئا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ يعني لا يجعل لهم نصيبا في ثواب الآخرة فلذلك خذلهم حتى سارعوا في الكفر. و في الآية دليل على أن الخير و الشرّ بإرادة اللّه تعالى و فيه رد على القدرية و المعتزلة وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يعني في الآخرة إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ يعني المنافقين آمنوا ثم كفروا و المعنى أنهم استبدلوا الكفر بالإيمان فكأنهم أعطوا الإيمان و أخذوا الكفر كما يفعل المشتري من إعطاء شيء و أخذ غيره بدلا عنه لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يعني باستبدالهم الكفر بالإيمان و إنما ضروا أنفسهم بذلك وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني في الآخرة.
قوله عز و جل: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا قرئ تحسبن بالتاء و الياء فمن قرأ بالتاء فمعناه و لا تحسبن يا محمد إملاءنا للكفار خير لأنفسهم و من قرأ بالياء قال: معناه و لا يحسبن الكفار إملاءنا لهم خيرا نزلت في مشركي مكة و قيل نزلت في يهود بني قريظة و النضير أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ الإملاء الإمهال و التأخير و أصله من الملوءة و هي المدة من الزمان و المعنى و لا يظنن الذين كفروا إن إمهالنا إياهم بطول العمر و الإنساء في الأجل
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 324
خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ثم قال تعالى: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إثما يعني إنما نمهلهم و نؤخر في آجالهم ليزدادوا إثما وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ يعني في الآخرة روى البغوي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أيّ الناس خير؟ قال: من طال عمره و حسن عمله قيل فأيّ الناس شرّ؟ قال: من طال عمره و ساء عمله و روى ابن جرير الطبري بسنده عن الأسود قال: قال عبد اللّه: ما من نفس برة و لا فاجرة إلّا و الموت خير لها. و قرأ: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً و قرأ نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ و قال ابن الأنباري قال جماعة من أهل العلم أنزل اللّه عز و جل هذه الآية في قوم يعاندون الحق سبق في علمه أنهم لا يؤمنون فقال إنما نملي لهم ليزدادوا إثما بمعاندتهم الحق و خلافهم الرسول و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا رأيت اللّه يعطي على المعاصي فإن ذلك استدراج من اللّه لخلقه ثم تلا هذه الآية و قال الزجاج هؤلاء قوم أعلم اللّه نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم أنهم لا يؤمنون أبدا و أن نفاقهم يزيدهم كفرا و إثما و هذه الآية حجة ظاهرة على القدرية حيث أخبر اللّه تعالى أنه يطيل أعمار قوم و يمهلهم ليزدادوا كفرا و إثما و غيا. قوله تعالى:
[سورة آلعمران (3): آية 179]
ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية فقال الكلبي قالت قريش يا محمد تزعم أن من خالفك فهو في النار و اللّه عليه غضبان و إن من أطاعك و تبعك على دينك فهو في الجنة و اللّه عنه راض فأخبرنا بمن يؤمن بك و من لا يؤمن بك فأنزل اللّه تعالى هذه الآية و قال السدي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «عرضت على أمتي في صورها في الطين كما عرضت على آدم و أعلمت من يؤمن بي و من يكفر بي» فبلغ ذلك المنافقين فقالوا استهزاء زعم محمدا أنه يعلم من يؤمن به و من يكفر ممن لم يخلق بعد و نحن معه و ما يعرفنا فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقام على المنبر فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام طعنوا في علمي لا تسألوني عن شيء فيما بينكم و بين الساعة إلّا نبأتكم به فقام عبد اللّه بن حذافة السهمي فقال من أبي يا رسول اللّه فقال حذافة فقام عمر فقال يا رسول اللّه رضينا باللّه ربا و بالإسلام دينا و بالقرآن إماما و بك نبيّا فاعف عنا عفا اللّه عنك فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فهل أنتم منتهون فهل أنتم منتهون ثم نزل عن المنبر فأنزل اللّه هذه الآية. و قيل إن المؤمنين سألوا أن يعطوا آية يفرقون بها بين المؤمن و الكافر فنزلت هذه الآية و قيل إن قوما من المنافقين ادعوا أن إيمانهم كإيمان المؤمنين فأظهر اللّه نفاقهم يوم أحد و أنزل هذه الآية و اختلفوا في معنى الآية و حكمها فقال ابن عباس و أكثر المفسرين الخطاب للكفار و المنافقين و المعنى ما كان ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه يا معشر الكفار و المنافقين من الكفر و النفاق حتى يميز الخبيث من الطيب و قيل الخطاب للمؤمنين و المعنى ما كان اللّه ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق و التباس بعضهم ببعض حتى يميز الخبيث من الطيب يعني المنافق من المؤمن الخالص فيميز اللّه المؤمنين من المنافقين يوم أحد فأظهر المنافقون النفاق و تخلفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و قيل: إنما حصل التمييز يوم أحد بإلقاء الجميع في الخوف و القتل و الهزيمة فمن كان مؤمنا ثبت على إيمانه و تصديقه و لم يتزلزل و من كان منافقا ظهر نفاقه و كفره و قيل في معنى الآية حتى يميز المؤمن من الكافر بالجهاد و الهجرة. و قيل في معنى الآية ما كان اللّه ليذر المؤمنين في أصلاب الرجال المشركين و أرحام النساء المشركات. و المعنى ما كان اللّه ليدع أولادكم الذين جرى لهم الحكم بالإيمان على ما أنتم عليه من الشرك حتى يميز الخبيث من الطيب يعني يفرق بينكم و بين من في أصلابكم و أرحام نسائكم من المؤمنين فيحكم لأهل الإيمان بالجنة و لأهل الشرك و الكفر و النفاق بالنار وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ الخطاب في قوله ليطلعكم لكفار قريش الذين قالوا يا محمد أخبرنا عمن يؤمن بك و من لا
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 325
يؤمن و المعنى و ما كان اللّه ليبين لكم أيها الكفار المؤمن من الكافر فيقول فلان مؤمن و فلان كافر أو منافق لأنه لا يعلم الغيب أحد غيره و إن سنة اللّه جارية أنه لا يطلع على غيبة أحاد الناس فلا سبيل إلى معرفة المؤمن من الكافر و المنافق إلّا بالامتحان بالآفات و المصائب فيتميز المؤمن المخلص بثباته على إيمانه و يتزلزل المنافق عن المحن و البلايا. و قيل في معنى الآية و ما كان اللّه ليطلع محمدا على الغيب فيخبركم بالمؤمن من الكافر وَ لكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ يعني و لكن اللّه يصطفى و يختار من رسله من يشاء فيطلعه على ما يشاء من غيبه فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ يعني أنه لما قالت الدلائل على صحة نبوة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم فلم يبق إلّا الإيمان باللّه و رسوله محمد صلّى اللّه عليه و سلّم و إنما قال و رسله على الجمع و لم يقل و رسوله على التوحيد لقوله و لكن اللّه يجتبي من رسله من يشاء و لأنه إذا أقر بجميع الرسل كان مقرا بأحدهم و هذه صفة المؤمنين لأنهم آمنوا بجميع الرسل وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا يعني و أن تصدقوا اجتبيته برسالتي و أطلعته على ما أشاء من غيبي و أعلمته بالمنافق منكم و المؤمن المخلص و تتقوا ربكم فيما أمركم به و نهاكم عنه فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ يعني فلكم بأيمانكم و اتقائكم ثواب جزيل و هو الجنة. قوله عز و جل:
[سورة آلعمران (3): آية 180]
وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ يعني و لا يحسبن الذين يبخلون البخل خيرا لهم بَلْ هُوَ يعني البخل شَرٌّ لَهُمْ و البخل هو إمساك المقتنيات عما لا يستحق حبسها عنه و البخيل هو الذي يكثر منه البخل و الآية دالة على ذم البخل عن عبد اللّه بن عمر قال: خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال: إياكم و الشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح. أمرهم بالبخل فبخلوا و أمرهم بالفجور ففجروا أخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل و سوء الخلق أخرجه الترمذي و قال حديث حسن غريب و اختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآية فقال عبد اللّه بن مسعود و أبو هريرة و ابن عباس في رواية أبي صالح عنه و الشعبي و مجاهد نزلت هذه الآية في الذين يبخلون أن يؤدوا زكاة أموالهم و وجه هذا القول أن أكثر العلماء ذهبوا إلى أن البخل عبارة عن منع الواجب و أن من منع التطوع لا يكون بخيلا و يدل عليه الوعيد الشديد في سياق الآية. و هو قوله تعالى سيطوقون ما بخلوا به و هذا لا يكون إلّا في ترك الواجب لا في التطوع و قال ابن عباس في رواية عطية عنه و ابن جريج عن مجاهد أنها نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم و نبوته و هذا القول هو اختيار الزجاج و وجه هذا القول أن البخل عبارة عن منع الخير و النفع و يدخل فيه العلم كما يقال بخل فلان بعلمه و صحح الطبري القول الأول و اختاره و قوله سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق فإن حملنا معنى الآية على منع الزكاة و البخل بها فقد قال ابن مسعود و ابن عباس يجعل ما منعه من الزكاة حية تطوق في عنقه يوم القيامة تنهشه من فرقه إلى قدمه و يدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من آتاه اللّه مالا فلم يود زكاته مثل له يوم القيام شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم أخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللّه» الآية أخرجه البخاري قوله زبيبتان قيل هما النكتتان السوداوان فوق عيني الحية و قيل هما نقطتان يكتنفان فاها و قيل هما زبيبتان في شدقيها و قد جاء في الحديث تفسير لهزمتيه بأنهما شدقاه و قيل إنهما مضغتان في أصل الحنك و قيل هما منحني اللحيين أسفل من الأذنين و كله متقارب. (ق) عن أبي ذر قال: انتهيت إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و هو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال: هم الأخسرون و رب الكعبة قال:
فجئت حتى جلست فلم أتقار أن قمت فقلت يا رسول اللّه فداك أبي و أمي من هم؟ قال هم الأكثرون أموالا إلّا من
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 326
قال هكذا و هكذا و هكذا من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و قيل ما هم ما من صاحب إبل و لا بقر و لا غنم لا يؤدي زكاتها إلّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت و أسمنه تنطحه بقرونها و تطؤه بأظلافها كلما نفذت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي بين الناس لفظ مسلم و فرقه البخاري، بمعناه في موضعين. و قيل في معنى الآية أنه يجعل في أعناقهم أطواق من النار و قيل يكلفون يوم القيامة أن يأتوا بما بخلوا به من أموالهم في الدنيا و إن حملنا تفسير البخل على البخل بالعلم و كتمانه فقد قال ابن عباس في قوله سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة أي يحملون وزره و إثمه فيكون على طريق التمثيل كما يقال قلدتك هذا الأمر و جعلته في عنقك و قيل يجعل في رقابهم طوق من نار و يدل عليه ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من سئل علما يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار أخرجه الترمذي و في رواية أبي داود من سئل عن علم فكتمه ألجمه اللّه بلجام من نار يوم القيامة قيل في معنى الحديث إنهم لما سألوا عن العلم فكتموه و لم ينطقوا به بألسنتهم و لم يخرجوه من أفواههم عوضوا عن ذلك بلجام من نار في أفواههم عقوبة لهم و اللّه أعلم.
قوله تعالى: وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يعني أنه سبحانه و تعالى الباقي الدائم بعد فناء خلقه و زوال أملاكهم فيموتون و تبقى أملاكهم فيرثها سبحانه و المقصود من الآية أنه يبطل ملك جميع المالكين و يبقى الملك للّه تعالى و قيل في معنى الآية و له ما فيهما مما يتوارثه أهلهما من مال و علم و غير ذلك ذلك فما لهؤلاء البخلاء يبخلون عليه بملكه و لا ينفقونه في سبيله وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ قرئ يعملون الياء على الغيبة على طريقة الالتفات و هي أبلغ في الوعيد و المعنى و اللّه بما يعملون يعني البخلاء من منعهم الحقوق خبير فيجازيهم عليه و قرئ بالتاء على خطاب الحاضرين قوله عز و جل:
[سورة آلعمران (3): الآيات 181 الى 182]
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ قال الحسن و قتادة لما نزلت هذه الآية من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا قالت اليهود إن اللّه فقير يستقرض منا و نحن أغنياء و ذكر الحسن أن القائل هذه المقالة هو حيي بن أخطب و قال عكرمة و السدي و مقاتل و محمد بن إسحاق كتب النبي صلّى اللّه عليه و سلّم مع أبي بكر الصديق إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام و إلى إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و أن يقرضوا اللّه قرضا حسنا فدخل أبو بكر ذات يوم بيت مدراسهم فوجد ناسا كثيرا قد اجتمعوا على فنحاص بن عازوراء و كان من علمائهم و معه حبر آخر يقال له أسبيع فقال أبو بكر لفنحاص: اتق اللّه و أسلم فو اللّه إنك لتعلم أن محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قد جاءكم بالحق من عند اللّه تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة فآمن و صدق و أقرض اللّه قرضا حسنا يدخلك الجنة و يضاعف لك الثواب. فقال فنحاص: يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرض أموالنا و ما يستقرض إلّا الفقير من الغني فإن كان ما تقول حقا فإن اللّه إذا فقير و نحن أغنياء فغضب أبو بكر و ضرب وجه فنحاص ضربة شديدة و قال و الذي نفسي بيده لو لا العهد الذي بيننا و بينكم لضربت عنقك يا عدو اللّه فذهب فنحاص إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و قال:
يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لأبي بكر ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول اللّه إن هذا عدو اللّه قال قولا عظيما زعم أن اللّه فقير و أنهم أغنياء فغضبت للّه و ضربت وجهه فجحد ذلك فنحاص فأنزل اللّه تصديقا لأبي بكر و تكذيبا لفنحاص وردا عليهم: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ و هذه المقالة و إن كانت قد صدرت من واحد من اليهود لكنهم يرضون بمقالته هذه فنسبت إلى جميعهم و لا يخلوا أن يكونوا قالوا هذه المقالة عن اعتقاد لذلك القول أو قالوها استهزاء و أيهما كان فهذه المقالة عظيمة القبح لا تصدر عن عاقل و إنما صدرت عن كافر متمرد في كفره و ضلاله سَنَكْتُبُ ما قالُوا يعني قولهم إن اللّه فقير و نحن
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 327
أغنياء لأن ذلك كذب و افتراء و المعنى سنحفظ عليهم ما قالوا و قيل: سنثبت ذلك القول في صحائف أعمالهم التي تكتبها الحفظة عليهم حتى يوافوا بها يوم القيامة فهو وعيد و تهديد لهم وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ قيل معناه سنكتب ما قال هؤلاء اليهود و نكتب ما فعله أسلافهم فنجازي كلا الفريقين بما هو أهله و إنما نسب قتل الأنبياء إلى اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و إنما فعله أسلافهم و أوائلهم لأنهم رضوا بفعلهم فنسب إليهم. و قيل في معنى الآية سنكتب على هؤلاء ما قالوا بأنفسهم و نكتب عليهم أيضا رضاهم بقتل آبائهم الأنبياء و الفائدة في ضم قتلهم الأنبياء إلى ما وصفوا اللّه تعالى بالفقر الإعلام بذلك أنهما أخوان في العظم و إن هذا القول منهم ليس بأول ما ارتكبوه من العظائم و أنهم أصلاء في الكفر و الجهل و الضلال و لهم في ذلك سوابق، و أن من قتل الأنبياء لا يبعد منه الاجتراء على مثل هذا القول العظيم الفحش و القبح وَ نَقُولُ يعني لهؤلاء الذين قالوا هذه المقالة ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ أي ننتقم منهم بأن نقول لهم يوم القيامة ذوقوا عذاب الحريق كما أذقتم المسلمين الغصص في الدنيا ذلِكَ أي ذلك العذاب المحرق جزاء فعلكم حيث وصفتم اللّه بالفقر و أقدمتم على قتل الأنبياء بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ إنما ذكر الأيدي على سبيل المجاز لأن الفاعل هو الإنسان لا اليد إلّا أن اليد لما كانت آلة الفعل حسن إسناد الفعل إليها و لأن أكثر الأعمال يكون باليد فجعل كل عمل كالواقع بالأيدي على سبيل التغليب وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فيعذب بغير ذنب بل هو سبحانه و تعالى عادل و من العدل أن يعاقب المسيء و يثبت المحسن. قوله عز و جل:
[سورة آلعمران (3): الآيات 183 الى 185]
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا قال الكلبي نزلت في كعب بن الأشرف و مالك بن صيفي و وهب بن يهوذا و زيد بن تابوت و فنحاص بن عازوراء و حيي بن أخطب من اليهود أتوا النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقالوا يا محمد تزعم أن اللّه بعثك إلينا رسولا و أنزل عليك كتابا و إن اللّه عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه جاء من عند اللّه حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك فأنزل اللّه تعالى الَّذِينَ قالُوا يعني قد سمع اللّه قول الذين إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا يعني أمرنا و أوصانا في كتبه أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ يعني فيكون ذلك دليلا على صدقه. و ذكر الواحدي عن السدي أنه قال إن اللّه تعالى أمر بني إسرائيل في التوراة من جاءكم يزعم أنه رسول اللّه فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار. حتى يأتيكم المسيح و محمد فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان. زاد غير الواحدي عنه قال: و كانت هذه العادة باقية فيهم إلى مبعث المسيح عليه السلام ثم ارتفعت و زالت و قيل إن ادعاء هذا الشرط كذب على التوراة و هو من كذب اليهود و تحريفهم و يدل على ذلك أن المقصود في الدلالة على صدق النبي هو ظهور المعجزة الخارقة للعادة فأي معجزة أتى بها النبي قبلت منه و كانت دليلا على صدقه. و قد أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بالمعجزات الباهرات الدالة على صدقه فوجب على كافة الخلق اتباعه و تصديقه و القربان كل ما يتقرب به العبد إلى اللّه عز و جل من أعمال البر من نسك و صدقة و ذبح و كل عمل صالح، و يدل على ذلك قوله صلّى اللّه عليه و سلّم الصوم جنة و الصلاة قربان يعني أنها مما يتقرب بها إلى اللّه عز و جل. و كانت القرابين و الغنائم لا تحل لبني إسرائيل و كانوا إذا قربوا قربانا أو غنموا غنيمة جمعوا ذلك و جاءت نار بيضاء من
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 328
السماء لا دخان لها و لها دوي حفيف فتأكل ذلك القربان أو الغنمية و تحرقه فيكون ذلك دليلا و علامه على القبول و إذا لم يقبل بقي على حاله و لم تنزل نار. و قال عطاء كانت بنو إسرائيل يذبحون للّه فيأخذون الثروب و أطايب اللحم فيضعونها في وسط بيت و السقف مكشوف فيقوم نبيهم عليه السلام في البيت و يناجي ربه عز و جل و بنو إسرائيل خارجون حول البيت فتنزل نار بيضاء لها دوي و حفيف و لا دخان لها فتأكل ذلك القربان ثم قال اللّه عز و جل مجيبا عن هذه الشبهة التي ذكرها هؤلاء اليهود و إقامة للحجة عليهم قُلْ يعني قل يا محمد لهؤلاء اليهود قَدْ جاءَكُمْ يا معشر اليهود رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي يعني مثل زكريا و يحيى و عيسى عليهم السّلام بِالْبَيِّناتِ يعني بالدلات الواضحات الدالة على صدقهم وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ يعني ما طلبوا من القربان فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ عني فلم قتلتم الأنبياء الذين أوتوا بنا طلبتم منهم مثل زكريا و يحيى و سائر من قتلوا من الأنبياء و أراد بذلك فعل أسلافهم و إنما خاطب بذلك اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لأنهم كانوا راضين بفعل أسلافهم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني في دعواكم و معناه تكذيبهم إياك يا محمد مع علمهم بصدقك كقتل آبائهم الأنبياء مع إتيانهم بالقربان ثم قال تعالى مسليا لنبيه صلّى اللّه عليه و سلّم فَإِنْ كَذَّبُوكَ يعني هؤلاء اليهود فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ يعني مثل نوح و هود و صالح و إبراهيم و غيرهم من الرسل جاؤُ بِالْبَيِّناتِ يعني بالدلالات الواضحات و المعجزات الباهرات وَ الزُّبُرِ أي الكتب واحدها زبور و كل كتاب فيه حكمة فهو زبور و أصله من الزبر و هو الزجر و سمي الكتاب الذي فيه الحكمة زبورا لأنه يزبر عن الباطل و يدعو إلى الحق وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ أي الواضح المضيء و إنما عطف الكتاب المنير على الزبر لشرفه و فضله و قيل أراد بالزبر الصحف و بالكتاب المنير التوراة و الإنجيل.
قوله عز و جل: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ يعني أن كل نفس مخلوقة ذائقة الموت و لا بد لها منه. قيل لما نزل قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ يا رسول اللّه إنما نزلت في بني آدم فأين ذكر الموت للجن و الأنعام و الوحوش و الطير؟ فنزلت هذه الآية و قيل لما خلق اللّه آدم عليه السلام اشتكت الأرض إلى ربها عز و جل مما أخذ منها فوعدها أن يرد فيها ما أخذ منها فما أحد يموت إلّا و يدفن في التربة التي خلق منها. فإن قلت الحور و الولدان نفوس مخلوقة في الجنة لا تذوق الموت فما حكم لفظ كل في قوله كل نفس ذائقة الموت؟ قلت لفظة كل لا تقتضي الشمول و الإحاطة بدليل قوله تعالى و أوتيت من كل شيء و لم تؤت ملك سليمان فتكون الآية من العام المخصوص و يحتمل أن يكون المراد بهم المكلفين بدليل سياق الآية و هو قوله تعالى: وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يعني توفون جزاء أعمالكم يَوْمَ الْقِيامَةِ إن كان خيرا فخير و إن كان شرا فشر فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ يعني فمن نجا و أبعد من النار و أدخل الجنة فقد ظفر بالنجاة و نجا من الخوف وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ يعني أن العيش في هذه الدار الفانية يغر الإنسان بما يمنيه من طول البقاء و سينقطع عن قريب فوصفت بأنها متاع الغرور لأنها تغر ببذل المحبوب. و تخيل للإنسان أنه يدوم و ليس بدائم و المتاع كل ما استمتع به الإنسان من مال و غيره و قيل المتاع كالفارس و القدر و القصعة و نحوها و الغرور ما يغر الإنسان مما لا يدوم و قيل الغرور الباطل. و معنى الآية أن منفعة الإنسان بالدنيا كمنفعته بهذه الأشياء التي يستمتع بها ثم تزول عن قريب. و قيل متاع متروك يوشك أن يضمحل و يزول فخذوا من هذا المتاع و اعملوا فيه بطاعة اللّه ما استطعتم. قال سعيد بن جبير هي متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة فأما من اشتغل بطلب الآخرة فهي له متاع و بلاغ إلى ما هو خير منها (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال اللّه عز و جل: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر» و اقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين.
زاد الترمذي: «و في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها» و اقرءوا إن شئتم: «و ظل ممدود و لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها» و اقرءوا إن شئتم: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ . قوله عز و جل:
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج1، ص: 329
[سورة آلعمران (3): آية 186]
لَتُبْلَوُنَ اللام لام القسم تقديره و اللّه لتبلون أي لتختبرن فتوقع عليكم المحن ليعلم المؤمن من غيره و الاختبار طلب المعرفة ليعرف الجيد من الرديء و ذلك في وصف اللّه محال لأن اللّه تعالى عالم بحقائق الأشياء كلها قبل أن يخلقها فعلى هذا يكون معنى الاختبار في وصف اللّه تعالى أنه يعامل العبد معاملة المختبر فِي أَمْوالِكُمْ يعني بالابتلاء في الأموال بالنقصان منها و قيل بأداء ما فرض فيها من الحقوق وَ أَنْفُسِكُمْ يعني بالمصائب و الأمراض و القتل و فقد الأقارب و العشائر خوطب بهذه الآية المسلمون ليوطنوا أنفسهم على احتمال الأذى و ما سيلقون من الشدائد و المصائب ليصبروا على ذلك حتى إذ لقوها لقوها و هم مستعدون بالصبر لها لا يرهقهم ما يرهق غيرهم ممن تصيبه الشدة بغتة فينكرها و يشمئز منها وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً قال عكرمة نزلت في أبي بكر الصديق و فنحاص بن عازوراء و ذلك أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بعث أبا بكر إلى فنحاص سيد بني قينقاع يستمده و كتب إليه معه كتابا و قال لأبي بكر: لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع فجاء أبو بكر و هو متوشح بالسيف إلى فنحاص و أعطاه الكتاب فلما قرأه قال فنحاص قد احتاج ربك حتى نمده فهم أبو بكر أن يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع فنزلت الآية و قال الزهري نزلت هذه الآية في النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و كعب بن الأشرف اليهودي و ذلك أنه كان يهجو النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و يسب المسلمين و يحرض المشركين على قتالهم في شعره. (ق) عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى اللّه و رسوله قال محمد بن مسلمة أ تحب أن أقتله قال نعم قال ائذن لي فالأقل قال فأتاه فقال له و ذكر ما بينهم و قال إن هذا الرجل قد أراد الصدقة و قد عنانا فلما سمعه قال و أيضا و اللّه لتملنه قال إنا قد ابتعناه و نكره الآن أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره قال: و قد أردت أن تسلفني سلفا قال فما ترهنني أ ترهنني نساءكم؟
قال أنت أجمل العرب أ نرهنك نساءنا قال له ترهنون أولادكم قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في و سقين من تمر و لكن نرهنك اللأمة يعني السلاح قال: نعم. و واعده أن يأتيه بالحارث و أبي عيسى بن جبر و عباد بن بشر قال فجاؤا فدعوه ليلا إليهم قالت امرأته إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم قال إنما هو محمد و رضيعي أبو نائلة أن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم قال فلما نزل نزل و هو متوشح فقالوا: نجد منك ريح الطيب قال: نعم تحتي فلانة أعطر نساء العرب قال فتأذن لي أن أشم منه قال نعم فتناول فشم ثم قال: أ تأذن لي أن أعود فاستمكن من رأسه ثم قال دونكم فقتلوه.