کتابخانه تفاسیر
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 136
تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ أي جزاؤك و جزاء أتباعك جَزاءً مَوْفُوراً أي مكملا. قوله سبحانه و تعالى وَ اسْتَفْزِزْ أي استخف و استزل و استعجل و أزعج مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ أي من ذرية آدم بِصَوْتِكَ قال ابن عباس: معناه بدعائك إلى معصية اللّه و كل داع إلى معصية اللّه فهو من جند إبليس. و قيل: أراد بصوتك الغناء و المزامير و اللهو و اللعب وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ أي أجمع عليهم مكايدك و حبائلك، و احثثهم على الإغواء. و قيل: معناه استعن عليهم بركبان جندك و مشاتهم. يقال: إن له خيلا و رجلا من الجن و الإنس فكل من قاتل أو مشى في معصية اللّه، فهو من جند إبليس. و قيل: المراد منه ضرب المثل كما تقول للرجل المجد في الأمر جئتنا بخيلك و رجلك وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ أما المشاركة في الأموال فكل مال أصيب من حرام أو أنفق في حرام، و قيل هو الربا، و قيل: هو ما كانوا يذبحونه لآلهتهم و يحرمونه كالبحيرة و السائبة و الوصيلة و الحام. و أما المشاركة في الأولاد فروي عن ابن عباس أنها الموءودة، و قيل: أولاد الزنا. و عن ابن عباس أيضا هي تسميتهم أولادهم بعبد العزى، و عبد الحارث و عبد شمس و نحوه، و قيل: هو أن يرغبوا أولادهم في الأديان الباطلة الكاذبة، كاليهودية و النصرانية و المجوسية و نحوها. و قيل: إن الشيطان يقعد على ذكر الرجل وقت الجماع فإذا لم يقل بسم اللّه أصاب معه امرأته و أنزل في فرجها كما ينزل الرجل. و روي في بعض الأخبار أن فيكم مغربين قال: و ما المغربون قال: الذين شارك فيهم الجن. و عن ابن عباس أنه سأله رجل فقال: إن امرأتي استيقظت و في فرجها شعلة نار قال: ذلك من وطء الجن وَ عِدْهُمْ أي منهم الجميل في طاعتك، و قيل: قل لهم لا جنة و لا نار و لا بعث، و ذلك أن الشيطان إذا دعا إلى المعصية فلا بد أن يقرر أولا أنه لا مضرة في فعلها البتة، و ذلك لا يمكن إلا إذا قال له لا معاد و لا جنة و لا نار و لا حياة بعد هذه الحياة، فيقرر عند المدعو أنه لا مضرة في هذه المعاصي و إذا فرغ من هذا النوع قرر عنده أن هذا الفعل يفيد أنواعا من اللذة و السرور و لا حياة للإنسان في الدنيا إلا به، فهذا طريق الدعوة إلى المعصية ثم ينفره عن فعل الطاعات و هو أنه يقرر عنده أن لا جنة و لا نار و لا عقاب فلا فائدة فيها. و قيل معنى عدهم أي شفاعة الأصنام عند اللّه و إيثار العاجل على الأجل. فإن قلت: كيف ذكر اللّه هذه الأشياء بصيغة الأمر، و اللّه سبحانه و تعالى يقول: إن اللّه لا يأمر بالفحشاء؟ قلت: هذا على طريق التهديد كقوله تعالى: اعملوا ما شئتم. و كقول القائل اجتهد جهدك فسترى ما ينزل بك. و قوله سبحانه و تعالى وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً أي يزين الباطل بما يظن أنه حق و اعلم أن اللّه سبحانه و تعالى لما قال:
وعدهم، أردفه بما هو زاجر عن قبول وعده بقوله: و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا و السبب فيه أنه إنما يدعو إلى قضاء الشهوة و طلب الرياسة و نحو ذلك، و لا يدعو إلى معرفة اللّه تعالى، و لا إلى عبادته و تلك الأشياء التي يدعو إليها خيالية لا حقيقة لها و لا تحصل إلا بعد متاعب و مشاق عظيمة، و إذا حصلت كانت سريعة الذهاب و الانقضاء و ينغصها الموت و الهرم و غير ذلك، و إذا كانت هذه الأشياء بهذه الصفة كانت الرغبة فيها غرورا.
[سورة الإسراء (17): الآيات 65 الى 69]
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ يعني بعبادة الأنبياء و أهل الفضل و الصلاح لأنه لا يقدر على إغوائهم
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 137
وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا أي حافظا. و المعنى: أنه سبحانه و تعالى لما أمكن إبليس أن يأتي بما يقدر عليه من الوسوسة كان ذلك سببا لحصول الخوف في قلب الإنسان، قال تعالى وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا أي فاللّه سبحانه و تعالى أقدر منه و أرحم بعباده فهو يدفع عنهم كيد الشيطان و وساوسه، و يعصمهم من إغوائه و إضلاله. و في بعض الآثار أن إبليس لما خرج إلى الأرض قال: يا رب أخرجتني من الجنة لأجل آدم فسلطني عليه و على ذريته قال: أنت مسلط. قال: لا أستطيعه إلا بك فزدني. قال: استفزز من استطعت منهم الآية. فقال آدم: يا رب سلطت إبليس علي و على ذريتي و إني لا أستطيعه إلا بك قال: لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه قال رب زدني قال الحسنة بعشر أمثالها و السيئة بمثلها قال رب زدني قال: التوبة معروضة ما دام الروح في الجسد قال رب زدني فقال يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه الآية. و في الخبر قال إبليس: يا رب بعثت أنبياء و أنزلت كتبا فما قراءتي؟ قال: الشعر. قال: فما كتابتي؟ قال: الوشم، قال: و من رسلي؟ قال الكهنة.
قال: أي شيء مطعمي؟ قال ما لم يذكر عليه اسمي قال فما شرابي قال كل مسكر قال: و أين مسكني؟ قال الحمامات- قال- و أين مجلسي؟ قال في الأسواق قال: و ما حبائلي قال: النساء قال: و ما أذاني؟ قال المزمار.
قوله رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي أي يسوق و يجري لَكُمُ الْفُلْكَ أي السفن فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي لتطلبوا من رزقه بالأرباح في التجارة و غيرها إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً أي حيث يسر لكم هذه المنافع، و المصالح و سهلها عليكم وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ أي الشدة و خوف الغرق في البحر ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ أي ذهب عن أوهامكم و خواطركم كل من تدعون في حوادثكم من الأصنام و غيرها إِلَّا إِيَّاهُ أي إلا اللّه وحده فإنكم لا تذكرون سواه و لا يخطر ببالكم غيره لأنه القادر على إعانتكم و نجاتكم فَلَمَّا نَجَّاكُمْ أي أجاب دعاءكم و أنجاكم من هول البحر و شدته و أخرجكم إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ أي عن الإيمان و الإخلاص و الطاعة، و كفرتم النعمة و هو قوله تعالى وَ كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً أي جحودا أَ فَأَمِنْتُمْ أي بعد إنجائكم أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أي تغوره. و المعنى: أن الجهات كلها له، و في قدرته برا كان أو بحرا بل إن كان الغرق في البحر ففي جانب البر ما هو مثله و هو الخسف لأنه يغيب تحت الثرى كما أن الغرق يغيب تحت الماء أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً أي نمطر عليكم حجارة من السماء، كما أمطرناها على قوم لوط ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا أي مانعا و ناصرا أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ أي في البحر تارَةً أي مرة أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ قال ابن عباس: أي عاصفا و هي الريح الشديدة. و قيل: الريح التي تقصف كل شيء من شجر و غيره فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ أي بكفرانكم النعمة و إعراضكم حين أنجيناكم ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً التبيع المطالب.
و المعنى: أنا نفعل ما نفعل بكم ثم لا تجدون لكم أحدا يطالبنا بما فعلنا انتصارا لكم و دركا للثأر من جهتنا.
و قيل: معناه من يتبعنا بالإنكار علينا. قوله تعالى:
[سورة الإسراء (17): الآيات 70 الى 71]
وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ قال ابن عباس: هو أنهم يأكلون بالأيدي و غير الآدمي يأكل بفيه من الأرض و قال أيضا بالعقل و قيل بالنطق و التمييز و الخط و الفهم، و قيل باعتدال القامة و امتدادها و قيل بحسن الصورة و قيل:
الرجال باللحى و النساء بالذوائب. و قيل: بتسليطهم على جميع ما في الأرض و تسخيره لهم و قيل: بحسن تدبيرهم أمر المعاش و المعاد. و قيل بأن منهم خير أمة أخرجت للناس وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ أي على الإبل
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 138
و الخيل و الحمير وَ الْبَحْرِ أي و حملناهم في البحر على السفن، و هذا من مؤكدات التكريم لأن اللّه تعالى سخر لهم هذه الأشياء لينتفعوا بها، و يستعينوا بها على مصالحهم وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعني لذيذ المطاعم و المشارب و قيل الزبد و التمر و الحلواء، و جعل رزق غيرهم مما لا يخفى، و قيل: إن جميع الأغذية إما نباتية و إما حيوانية و لا يتغذى الإنسان إلا بأطيب القسمين بعد الطبخ الكامل و النضج التام و لا يحصل هذا لغير الإنسان وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا و اعلم أن اللّه تعالى قال في أول الآية: و لقد كرمنا بني آدم و في آخرها و فضلناهم، و لا بد من الفرق بين التكريم و التفضيل و الإلزام التكرار و الأقرب أن يقال: إن اللّه تعالى كرم الإنسان على سائر الحيوان بأمور خلقية ذاتية طبيعية، مثل العقل و النطق و الخط و حسن الصورة، ثم إنه سبحانه و تعالى عرفه بواسطة ذلك العقل و الفهم اكتساب العقائد الصحيحة و الأخلاق الفاضلة، فالأول هو التكريم و الثاني هو التفضيل. ثم قال سبحانه و تعالى: على كثير ممن خلقنا تفضيلا. ظاهر الآية يدل على أنه فضل بني آدم على كثير ممن خلق لا على الكل فقال: قوم فضلوا على جميع الخلق إلا على الملائكة و هذا مذهب المعتزلة. و قال الكلبي: فضلوا على الخلائق كلهم إلا على طائفة من الملائكة مثل جبريل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل و أشباههم. و قيل: فضلوا على جميع الخلائق و على الملائكة كلهم. فإن قلت: كيف تصنع بكثير؟ قلت: يوضع الأكثر موضع الكل كقوله تعالى يُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ أراد كلهم و في الحديث عن جابر يرفعه قال:
«لما خلق اللّه آدم و ذريته قالت الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون و يشربون و ينكحون فاجعل لهم الدنيا، و لنا الآخرة فقال: لا أجعل من خلقته بيدي و نفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان» و قيل بالتفضيل و هو الأولى و الراجح أن خواص بني آدم و هم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة، و عوام الملائكة أفضل من عوام البشر من بني آدم، و هذا التفضيل إنما هو بين الملائكة و المؤمنين من بني آدم لأن الكفار لا حرمة لهم قال اللّه سبحانه و تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال:
المؤمن أكرم على اللّه تعالى من الملائكة الذين عنده. قوله عز و جل يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ أي بنبيهم و قيل بكتابهم الذي أنزل عليهم، و قيل بكتاب أعمالهم و عن ابن عباس: بإمام زمانهم الذي دعاهم في الدنيا إما إلى هدى و إما إلى ضلالة و ذلك أن كل قوم يجتمعون إلى رئيسهم في الخير و الشر. و قيل: بمعبودهم و قيل بإمامهم جمع أم يعني بأمهاتهم و الحكمة فيه رعاية حق عيسى عليه السلام و إظهار شرف الحسن و الحسين رضي اللّه تعالى عنهما، و أن لا يفتضح أولاد الزنا فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ فإن قلت: لم خص أصحاب اليمين بقراءة كتابهم، مع أن أصحاب الشمال يقرءونه أيضا. قلت: الفرق أن أصحاب الشمال إذا طالعوا كتابهم، وجدوه مشتملا على مشكلات عظيمة فيستولي عليهم الخجل و الدهشة فلا يقدرون على إقامة حروفه فتكون قراءتهم كلا قراءة، و أصحاب اليمين إذا طالعوا كتابهم وجدوه مشتملا على الحسنات و الطاعات فيقرؤونه أحسن قراءة و أبينها وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي و لا ينقصون من ثواب أعمالهم أدنى شيء.
[سورة الإسراء (17): الآيات 72 الى 76]
وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى المراد عمى القلب و البصيرة لا عمى البصر. و المعنى: و من كان في هذه الدنيا أعمى، أي عن هذه النعم التي قد عدها في هذه الآيات المتقدمة فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أي التي لم تعاين و لم تر
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 139
أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا قاله ابن عباس: و قيل معناه و من كان في هذه الدنيا أعمى القلب عن رؤية قدرة اللّه و آياته و رؤية الحق فهو في الآخرة أعمى أي أشد عمى و أضل سبيلا، أي أخطأ طريقا. و قيل: معناه و من كان في الدنيا كافرا ضالا، فهو في الآخرة أعمى لأنه في الدنيا تقبل توبته، و في الآخرة لا تقبل توبته. قوله سبحانه و تعالى وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قيل في سبب نزولها أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم كان يستلم الحجر الأسود، فمنعته قريش و قالوا: لا ندعك حتى تلم بآلهتنا و تمسها فحدث نفسه ما علي أن أفعل ذلك، و اللّه يعلم إني لها كاره بعد أن يدعوني أستلم الحجر. و قيل طلبوا منه أن يذكر آلهتهم حتى يسلموا، و يتبعوه فحدث نفسه فأنزل اللّه هذه الآية. و قال ابن عباس: قد وفد ثقيف على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقالوا: نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال. قال: و ما هن؟ قالوا: لا نحبي في الصلاة أي لا ننحني و لا نكسر أصنامنا بأيدينا و أن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: لا خير في دين لا ركوع فيه و لا سجود، و أما أن لا تكسروا أصنامكم بأيديكم، فذاك لكم و أما الطاغية يعني اللات و العزى فإني غير ممتعكم بها قالوا: يا رسول اللّه إنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرها فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل اللّه أمرني بذلك فسكت النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك فأنزل اللّه تعالى و إن كادوا- أي هموا- ليفتنونك- أي ليصرفونك- عن الذي أوحينا إليك لِتَفْتَرِيَ أي لتختلق و تبتعث عَلَيْنا غَيْرَهُ ما لم تقله وَ إِذاً أي لو فعلت ما دعوك إليه لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي والوك و وافوك و صافوك وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ أي على الحق بعصمتنا إياك لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ أي تميل إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا أي قربت من الفعل. فإن قلت كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم معصوما فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه.
قلت: كان ذلك خاطر قلب و لم يكن عزما و قد عفا اللّه تعالى عن حديث النفس و كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يقول بعد ذلك «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» و الجواب الصحيح هو أن اللّه سبحانه و تعالى قال و لو لا أن ثبتناك و قد ثبته اللّه فلم يركن إليهم إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ أي لو فعلت لأذقناك عذاب الحياة و ضعف عذاب الممات يعني ضعفنا لك العذاب في الدنيا و الآخرة ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً أي ناصرا يمنعك من عذابنا. قوله سبحانه و تعالى وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها قيل: هذه الآية مدنية و ذلك أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لما قدم المدينة كره اليهود مقامه بالمدينة، و ذلك حسدا فأتوه فقالوا: يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض أنبياء، و إن أرض الأنبياء الشام، و هي الأرض المقدسة و كان بها إبراهيم و الأنبياء عليهم السلام، فإن كنت نبيا مثلهم فأت الشام، و إنما يمنعك من الخروج إليها مخافة الروم، و إن اللّه سيمنعك من الروم إن كنت رسوله فعسكر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم على ثلاثة أميال من المدينة و في رواية إلى ذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه، فيخرج فأنزل اللّه هذه الآية فالأرض هنا أرض المدينة، و قيل الأرض أرض مكة و الآية مكية و المعنى: همّ المشركون أن يخرجوه منها فكفهم اللّه عنه حتى أمره بالخروج للهجرة فخرج بنفسه و هذا أليق بالآية لأن ما قبلها خبر عن أهل مكة و السورة مكية. و قيل: همّ المشركون كلهم و أرادوا أن يستفزوه من أرض العرب باجتماعهم و تظاهرهم عليه فمنع اللّه رسوله و لم ينالوا منه ما أملوه و الاستفزاز الإزعاج وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا أي لا يبقون بعد إخراجك إلا زمانا قليلا حتى يهلكوا. قوله سبحانه و تعالى:
[سورة الإسراء (17): الآيات 77 الى 79]
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا يعني أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم فسنة اللّه أن
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 140
يهلكهم و أن لا يعذبهم مادام نبيهم بينهم فإذا خرج من بين أظهرهم عذبهم وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا أي تبديلا.
قوله سبحانه و تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ روي عن ابن مسعود أنه قال الدلوك الغروب و هو قول النخعي و مقاتل و الضحاك و السدي. قال ابن عباس و ابن عمر و جابر: هو زوال الشمس. و هو قول عطاء و قتادة و مجاهد و الحسن و أكثر التابعين. و معنى اللفظ: يجمعهما، لأن أصل الدلوك الميل و الشمس: تميل إذا زالت و إذا غربت و الحمل على الزوال أولى القولين: لكثرة القائلين به و إذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر و العصر إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ أي ظهور ظلمته و قال ابن عباس: بدو الليل و هذا يتناول المغرب و العشاء وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ يعني صلاة الفجر سمى الصلاة قرآنا لأنها لا تجوز إلا بالقرآن إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً أي يشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار (خ). عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول تفضل صلاة الجمع صلاة أحدكم وحده بخمس و عشرين جزءا و تجتمع ملائكة الليل و ملائكة النهار في صلاة الفجر ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم إن قرآن الفجر كان مشهودا. قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره: هذا دليل قاطع قوي على أن التغليس أفضل من التنوير لأن الإنسان، إذا شرع فيها من أول الصبح ففي ذلك الوقت الظلمة باقية فتكون ملائكة الليل حاضرين، ثم إذا امتدت الصلاة بسبب ترتيل القرآن و تكثيرها زالت الظلمة و ظهر الضوء، و حضرت ملائكة النهار أما إذا ابتدأ بهذه الصلاة في وقت الإسفار فهناك لم يبق أحد من ملائكة الليل، فلا يحصل المعنى المذكور في الآية فثبت أن قوله تعالى إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً دليل على أن الصلاة في أول وقتها أفضل. قوله سبحانه و تعالى وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ أي قم بعد نومك، و التهجد لا يكون إلا بعد القيام من النوم. و المراد من الآية قيام الليل للصلاة، و كانت صلاة الليل فريضة على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و على الأمة في الابتداء لقوله تعالى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخا في حق الأمة بالصلوات الخمس، و بقي قيام الليل على الاستحباب بدليل قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ و بقي الوجوب ثابتا في حق النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بدليل قوله تعالى نافِلَةً لَكَ أي زيادة لك يريد فريضة زائدة على سائر الفرائض التي فرضها اللّه عليك روي عن عائشة أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «ثلاث هن عليّ فريضة و هن سنة لكم الوتر و السواك و قيام الليل» و قيل: إن الوجوب صار منسوخا في حقه كما في حق الأمة: فصار قيام الليل نافلة لأن اللّه سبحانه و تعالى قال: نافلة لك و لم يقل عليك. فإن قلت: ما معنى التخصيص إذا كان زيادة في حق المسلمين كما في حقه صلّى اللّه عليه و سلّم؟ قلت: فائدة التخصيص أن النوافل كفارات لذنوب العباد و النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر فكانت له نافلة و زيادة في رفع الدرجات.
فصل
في الأحاديث الواردة في قيام الليل (ق) عن المغيرة بن شعبة قال: «قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتى انتفخت قدماه فقيل له أ تتكلف هذا و قد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا» (م) عن زيد بن خالد الجهني: قال لأرمقن صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فتوسدت عتبته أو فسطاطه فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلّى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة لفظ أبي داود (ق)، «عن أبي سلمة عبد الرحمن أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان و لا في غيره على أكثر من إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن و طولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن و طولهن ثم يصلي ثلاثا، قالت عائشة: فقلت يا رسول اللّه أ تنام قبل أن توتر فقال يا عائشة: إنّ عيني تنامان و لا ينام قلبي» (ق) عنها قالت «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يصلي فيما بين أن يفرغ من
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 141
صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشر ركعة يسلم بين كل ركعتين و يوتر بواحدة، و يسجد سجدتين قدر ما يسجد، و يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، و تبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة» (خ) عنها قالت: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين» عن عوف بن مالك الأشجعي قال: «قمت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف و سأل و لا يمر بآية عذاب، إلا وقف و تعوذ ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه. سبحان ذي الجبروت و الملكوت و الكبرياء و العظمة، ثم سجد بقدر قيامه ثم قال في سجوده مثل ذلك ثم قام فقرأ بآل عمران ثم قرأ سورة النساء» أخرجه أبو داود النسائي. «عن عائشة قالت: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بآية من القرآن ليلة» أخرجه الترمذي (ق) عن الأسود قال: «سألت عائشة كيف كانت صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من الليل قالت كان ينام أوله و يقوم آخره فيصلي ثم يرجع إلى فراشه، فإذا أذن المؤذن وثب، فإن كانت به حاجة اغتسل و إلا توضأ و خرج» عن أنس قال: «ما كنا نشاء أن نرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الليل مصليا إلا رأيناه و لا نشاء أن نراه نائما إلا رأيناه» أخرجه النسائي. زاد في رواية غيره قال: «و كان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر منه شيئا و يفطر حتى نقول لا يصوم منه شيئا». و قوله عز و جل: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً أجمع المفسرون على أن عسى من اللّه واجب و ذلك لأن لفظة عسى تفيد الإطماع و من أطمع إنسانا في شيء ثم أحرمه كان ذلك عارا عليه و اللّه أكرم من أن يطمع أحدا ثم لا يعطيه ما أطمعه فيه. و المقام المحمود هو مقام الشفاعة لأنه يحمده فيه الأولون و الآخرون (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إن لكل نبي دعوة مستجابة و إني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، فهي نائلة منكم إن شاء اللّه من مات لا يشرك باللّه شيئا» (م) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ فمن صلى عليّ صلاة صلى اللّه عليه بها عشرا ثم سلوا اللّه لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تبتغى إلا لعبد من عباد اللّه و أرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة» (م) عن جابر بن عبد اللّه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة و الفضيلة و ابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» (ق) عن أنس أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «يجمع اللّه الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك و في رواية فيلهمون لذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا، فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو البشر خلقك اللّه بيده، و أسكنك جنته و أسجد لك ملائكته و علمك أسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول: لست هناكم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها، و لكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه اللّه إلى أهل الأرض فيأتون نوحا فيقول لست هناكم فيذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي ربه منها و لكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه اللّه خليلا فيأتون إبراهيم، فيقول: لست هناكم و يذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها، و لكن ائتوا موسى الذي كلمه اللّه، و أعطاه التوراة قال فيأتون موسى فيقول لست هناكم و يذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها، و لكن ائتوا عيسى روح اللّه و كلمته فيأتون عيسى روح اللّه و كلمته فيقول: لست هناكم و لكن ائتوا محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم عبدا قد غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر. قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: فيأتوني فأستأذن على ربي تعالى فيؤذن لي فإذا أنا رأيته، وقعت ساجدا فيدعني ما شاء فيقال: يا محمد ارفع رأسك قل تسمع سل تعطه اشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرجهم من النار، و أدخلهم الجنة
ثم أعود فأقع ساجدا فيدعني ما شاء اللّه أن يدعني، ثم يقال لي: ارفع يا محمد رأسك قل تسمع، سل تعطه اشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرجهم من النار، و أدخلهم الجنة قال فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي من وجب عليه الخلود» و في رواية للبخاري ثم تلا هذه الآية عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا، قال و هذا المقام المحمود
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 142
الذي وعده نبيكم صلّى اللّه عليه و سلّم زاد في رواية «فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يخرج من النار من قال لا إله إلا اللّه، و كان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا اللّه، و كان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا اللّه و كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة» قال يزيد بن زريع في حديث شعبة ذرة و في رواية من إيمان مكان خير، و في حديث معبد بن هلال العنزي عن أنس في حديث الشفاعة، و ذكر نحوه و فيه فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فانطلق فافعل قال فلما خرجنا من عند أنس، مررنا بالحسن فسلمنا عليه فحدثناه بالحديث إلى هذا الموضع فقال: هيا، فقلنا: لم يزدنا على هذا فقال لقد حدثني، و هو يومئذ جميع منذ عشرين سنة كما حدثكم، ثم قال:
ثم أعود في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخرّ له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك، و قل يسمع لك و سل تعط و اشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا اللّه قال: ليس ذاك لك أو قال ليس ذاك إليك و لكن و عزتي و كبريائي و عظمتي و جبريائي، لأخرجن منها من قال لا إله إلا اللّه. قوله: و هو يومئذ جميع أي مجتمع الذهن و الرأي. عن أبي سعيد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر و بيدي لواء الحمد، و لا فخر و ما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي و أنا أول من تنشق عنه الأرض، و لا فخر قال فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم فيقولون أنت أبونا اشفع لنا إلى ربك فيقول: إني أذنبت ذنبا عظيما فأهبطت به إلى الأرض و لكن ائتوا نوحا فيأتون نوحا فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا و لكن اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقول: إني كذبت ثلاث كذبات ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين اللّه و لكن ائتوا موسى فيأتون موسى فيقول قد قتلت نفسا و لكن ائتوا عيسى فيأتون عيسى فيقول: إني عبدت من دون اللّه و لكن ائتوا محمدا فيأتوني فأنطلق معهم» قال: ابن جدعان: قال أنس فكأني أنظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال فآخذ بحلقة باب فأقعقعها، فيقال من هذا؟ فيقال: محمد فيفتحون لي و يقولون مرحبا فأخرج ساجدا فيلهمني اللّه من الثناء و الحمد فيقال لي ارفع رأسك و سل تعطه، و اشفع تشفع و قل يسمع لقولك و هو المقام المحمود الذي قال اللّه سبحانه و تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. قال سفيان: ليس عن أنس غير هذه الكلمة فآخذ بحلقة باب الجنة فاقعقعها فيقال: من هذا فيقال محمد فيفتحون لي و يرحبون فيقولون: مرحبا فأخر ساجدا فيلهمني اللّه من الثناء و الحمد» أخرجه الترمذي. قوله: ما حل المماحلة: المخاصمة و المجادلة. و المعنى: أنه عليه الصلاة و السلام خاصم و جادل عن دين اللّه بتلك الألفاظ التي صدرت منه. قوله: فاقعقعها أي أحركها حركة شديدة و القعقعة حكاية أصوات الترس و غيره مما له صوت. عن أنس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم «أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، و أنا خطيبهم إذا وفدوا و أنا مبشرهم إذا أيسوا و لواء الحمد يومئذ بيدي، و أنا أكرم ولد آدم على ربي و لا فخر» أخرجه الترمذي زاد في رواية غير الترمذي: و أنا مستشفعهم إذا حبسوا الكرامة، و المفاتيح يومئذ بيدي يطوف علي خدم كأنهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور» (م) عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة و أول من تنشق عنه الأرض، و أول شافع و أول مشفع» زاد الترمذي، قال: «أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى حلة من حلل الجنة ثم أقوم عن يمين العرش فليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري. عنه عبد اللّه بن عمر رضي اللّه تعالى عنه قال: إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك، استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد عليه أفضل الصلاة و السلام، فيشفع ليقضي بين الخلائق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه اللّه مقاما محمودا يحمده فيه أهل الجمع كلهم (م) عن يزيد بن صهيب قال:
كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ثم نخرج على الناس قال: