کتابخانه تفاسیر
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 396
سورة لقمان
مكية و هي أربع و ثلاثون آية و خمسمائة و ثمان و أربعون كلمة و ألفان و مائة و عشرة أحرف.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة لقمان (31): الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله عز و جل الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ هُدىً وَ رَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ يعني الذين يعملون الحسنات، ثم ذكرهم فقال الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الآية قيل: نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة و كان يتجر فيأتي الحيرة و يشتري أخبار العجم و يحدث بها قريشا و يقول إن محمدا يحدثكم بحديث عاد و ثمود و أنا أحدثكم بحديث رستم و إسفنديار و أخبار الأكاسرة فيستمعون حديثه و يتركون استماع القرآن. فأنزل اللّه هذه الآية و قيل هو شراء القينات و المغنين، و معنى الآية و من الناس من يشتري ذات لهو أو ذا لهو الحديث؛ و روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم «لا يحل تعليم المغنيات و لا بيعهن و أثمانهن حرام» و في مثل ذلك نزلت هذه الآية وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ و ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث اللّه له شيطانين أحدهما على هذا المنكب و الآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت أخرجه الترمذي و هذا لفظه عن أبي أسامة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال «لا تبيعوا القينات و لا تشتروهن و لا تعلموهن و لا خير في تجارة فيهن و ثمنهن حرام» و في مثل هذا نزلت وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الآية و عن أبي هريرة «أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم نهى عن ثمن الكلب و كسب المزمار» و قال مكحول من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها و ضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصل عليه إن اللّه تعالى يقول: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الآية و عن ابن مسعود و ابن عباس و الحسن و عكرمة و سعيد بن جبير قالوا لهو الحديث هو الغناء و الآية نزلت فيه و معنى يشتري يستبدل و يختار الغناء و المزامير و المعازف على القرآن. و قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال هو الغناء و اللّه الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات و قال إبراهيم النخعي الغناء ينبت النفاق و قيل: هو كل لهو و لعب و قيل: هو الشرك لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الإسلام و سماع القرآن بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني يفعله عن جهل و حسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أي يتخذ آيات اللّه مزحا أُولئِكَ يعني الذين هذه صفتهم لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ .
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 397
[سورة لقمان (31): الآيات 7 الى 15]
وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً أي لا يعبأ بها و لا يرفع لها رأسا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها أي يشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها و هو سامع كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً أي ثقلا و لا وقر فيهما فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا يعني وعدهم اللّه ذلك وعدا حقا و هو لا يخلف الميعاد وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قوله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ قيل إن السماء خلقت مبسوطة كصحفة مستوية و هو قول المفسرين و هي في الفضاء و الفضاء لا نهاية له و كون السماء في بعضه دون بعض ليس ذلك إلا بقدرة قادر مختار و إليه الإشارة بقوله بغير عمد تَرَوْنَها أي ليس لها شيء يمنعها الزوال من موضعها و هي ثابتة لا تزول و ليس ذلك إلا بقدرة اللّه تعالى. و في قوله ترونها و جهان: أحدهما أنه راجع إلى السموات أي ليست هي بعمد و أنتم ترونها كذلك بغير عمد. الوجه الثاني أنه راجع إلى العمد و معناه بغير عمد مرئية وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أي لئلا تتحرك بكم وَ بَثَّ فِيها أي في الأرض مِنْ كُلِّ دابَّةٍ أي يسكنون فيها وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر و هو من إنعام اللّه على عبادة و فضله فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ أي من كل صنف حسن هذا يعني الذي ذكرت مما تعاينون خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ أي آلهتكم التي تعبدونها بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قوله عز و جل وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ قيل هو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارخ و هو آزر. و قيل كان ابن أخت أيوب. و قيل كان ابن خالته. و قيل إنه عاش ألف سنة حتى أدرك داود و قيل إنه كان قاضيا في بني إسرائيل. و اتفقت العلماء على أنه كان حكيما و لم يكن نبيا إلا عكرمة فإنه قال: كان نبيا و قيل خير بين النبوة و الحكمة فاختار الحكمة. و روي أنه كان نائما نصف الليل فنودي يا لقمان هل لك أن نجعلك خليفة في الأرض فتحكم بين الناس فأجاب الصوت فقال إن خيرني ربي قبلت العافية و لم أقبل البلاء و إن عزم علي فسمعا و طاعة و إني أعلم أن اللّه إن فعل بي ذلك أعانني و عصمني فقالت الملائكة بصوت لا يراهم لم يا لقمان؟ قال إن الحاكم بأشد المنازل و أكدرها يغشاها الظلم من كل مكان إن عدل فبالحرى أن ينجو و إن أخطأ الطريق أخطأ طريق الجنة و من يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا، و من يختر الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا و لم يصب الآخرة فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه و هو يتكلم بها ثم نودي داود بعده، فقبلها و لم يشترط ما اشترط لقمان فهوى في الخطيئة غير مرة كل ذلك يعفو اللّه عنه و كان لقمان يوازر داود لحكمته و قيل كان لقمان عبدا حبشيا نجارا و قيل كان خياطا و قيل كان راعي غنم فروي أنه لقيه رجل و هو يتكلم بالحكمة فقال أ لست فلانا الراعي قال: بلى قال فبم بلغت ما بلغت؟ قال بصدق
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 398
الحديث و أداء الأمانة و ترك ما لا يعنيني، و قيل كان عبدا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين و قيل: خير السودان بلال بن رباح و مهجع مولى عمر و لقمان و النجاشي رابعهم أوتي الحكمة و العقل و الفهم و قيل العلم و العمل به و لا يسمى الرجل حكيما حتى يجمعها و قيل الحكمة المعرفة و الإصابة في الأمور و قيل: الحكمة شيء يجعله اللّه في القلب ينوره كما ينور البصر فيدرك المبصر. و قوله أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ و ذلك لأن المراد من العلم العمل به و الشكر عليه وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ أي عليه يعود نفع ذلك و كذلك كفرانه وَ مَنْ كَفَرَ عليه يعود وبال كفره فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌ أي غير محتاج إلى شكر الشاكرين حَمِيدٌ أي هو حقيق بأن يحمد و إن لم يحمده أحد.
و قوله تعالى وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ قيل اسمه أنعم و قيل أشكم وَ هُوَ يَعِظُهُ و ذلك لأن أعلى مراتب الإنسان أن يكون كاملا في نفسه مكملا لغيره فقوله وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ إشارة إلى الكمال و قوله و إذ قال لقمان لابنه و هو يعظه إشارة إلى التكميل لغيره و بدأ بالأقرب إليه و هو ابنه و بدأ في وعظه بالأهم و هو المنع من الشرك و هو قوله يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لأن التسوية بين من يستحق العبادة و بين من لا يستحقها ظلم عظيم لأنه وضع العبادة في غير موضعها. قوله عز و جل وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ قال ابن عباس شدة بعد شدة و قيل إن المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف و التعب و المشقة و ذلك لأن الحمل ضعف و الطلق ضعف و الوضع ضعف و الرضاعة ضعف وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أي فطامه في سنتين أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ لما جعل اللّه بفضله للوالدين صورة التربية الظاهرة و هو الموجد و المربي في الحقيقة جعل الشكر بينهما فقال اشكر لي و لوالديك ثم فرق فقال إلي المصير يعني أن نعمتهما مختصة بالدنيا و نعمتي عليك في الدنيا و الآخرة و قيل لما أمر بشكره و شكر الوالدين قال الجزاء علي وقت المصير إلي، قال سفيان بن عيينة في هذه الآية من صلى الصلوات الخمس فقد شكر اللّه و من دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر الوالدين وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما قال النخعي: يعني أن طاعتهما واجبة فان أفضى ذلك إلى الإشراك بي فلا تطعهما في ذلك لأن لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً أي بالمعروف و هو البر و الصلة و العشرة الجميلة وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ أي اتبع دين من أقبل إلى طاعتي و هو النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه و قيل من أناب إلي يعني أبا بكر الصديق قال ابن عباس:
و ذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان و طلحة و الزبير و سعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف و قالوا له قد صدقت هذا الرجل و آمنت به قال نعم إنه صادق فآمنوا به ثم حملهم إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم حتى أسلموا فهؤلاء لهم سابقة الإسلام أسلموا بإرشاد أبي بكر ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .
[سورة لقمان (31): الآيات 16 الى 20]
يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ و ذلك أن ابن لقمان قال لأبيه يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها اللّه؟ قال يا بني إنها أي الخطيئة إن تك مثقال حبة من خردل أي في الصغر فَتَكُنْ أي مع صغرها فِي صَخْرَةٍ قال ابن عباس: صخرة تحت الأرضين السبع و هي التي يكتب فيها أعمال الفجار و خضرة السماء منها و قيل خلق اللّه الأرض على حوت و هو النون و الحوت في الماء و الماء على ظهر صفاة
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 399
و الصفاة على ظهر ملك و قيل على ظهر ثور و هو على صخرة و هي التي ذكر لقمان ليست في الأرض و لا في السماء فلذلك قال أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ و الصخرة على متن الريح و الريح على القدرة يَأْتِ بِهَا اللَّهُ معناه اللّه عالم بها قادر على استخراجها و هو قوله إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ أي باستخراجها خَبِيرٌ أي بمكانها و معنى الآية الإحاطة بالأشياء صغيرها و كبيرها قيل إن هذه الكلمة آخر كلمة قالها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها و عظمتها فمات يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ من الأذى إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ يعني إقامة الصلاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و اصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ من الأذى إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ يعني إقامة الصلاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الصبر على الأذى من الأمور الواجبة التي أمر اللّه بها وَ لا تُصَعِّرْ و قرئ تصاعر خَدَّكَ لِلنَّاسِ قال ابن عباس لا تتكبر فتحقر الناس و تعرض عنهم بوجهك إذا كلموك و قيل هو الرجل يكون بينك و بينه محبة فيلقاك فتعرض عنه و قيل هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه تكبرا و قيل معناه لا تحتقر الفقراء فليكن الفقير و الغني عندك سواء وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي خيلاء إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ في مشيه فَخُورٍ أي على الناس وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ أي ليكن في مشيتك قصد بين الإسراع و التأني أما الإسراع فهو من الخيلاء و أما التأني فهو أن يرى في نفسه الضعف تزهدا و كلا الطرفين مذموم بل ليكن مشيك بين السكينة و الوقار وَ اغْضُضْ أي اخفض و قيل و انقص مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ أي أقبح الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ لأن أوله زفير و آخره شهيق و هما صوت أهل النار و عن الثوري في هذه الآية قال صياح كل شيء تسبيح إلا الحمار و قيل معنى الآية هو العطسة القبيحة المنكرة قال وهب: تكلم لقمان باثني عشر ألف باب من الحكمة أدخلها الناس في كلامهم و قضاياهم و من حكمته قيل: إنه كان عبدا حبشيا فدفع إليه مولاه شاة و قال له: اذبحها و ائتني بأطيب مضغتين منها فأتاه باللسان و القلب ثم دفع إليه أخرى و قال له اذبحها و ائتني بأخبث مضغتين منها فأتاه باللسان و القلب فسأله مولاه فقال ليس شيء أطيب منهما إذا طابا و لا أخبث منهما إذا خبثا و قال لقمان ليس مال كصحة و لا نعيم كطيب نفس. و قيل للقمان أي الناس شر قال الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا. قوله عز و جل أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ أي أتم و أكمل عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً قال ابن عباس النعمة الظاهرة الإسلام و القرآن و الباطنة ما ستر عليكم من الذنوب و لم يعجل عليكم بالنقمة؛ و قيل الظاهرة تسوية الأعضاء و حسن الصورة و الباطنة الاعتقاد بالقلب و قيل الظاهرة الرزق و الباطنة حسن الخلق و قيل الظاهرة تخفيف الشرائع و الباطنة الشفاعة و قيل الظاهرة ظهور الإسلام و النصر على الأعداء و الباطنة الإمداد بالملائكة و قيل الظاهرة اتباع الرسول و الباطنة محبته وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ نزلت في النضر بن الحارث و أبي بن خلف و أمية بن خلف و أشباههم كانوا يجادلون النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في اللّه و في صفاته بغير علم وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ .
[سورة لقمان (31): الآيات 21 الى 32]
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 400
وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا قال اللّه تعالى أَ وَ لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ معناه أ فيتبعونهم و إن كان الشيطان يدعوهم إِلى عَذابِ السَّعِيرِ قوله عز و جل وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ أي يخلص للّه دينه و يفوض إليه أمره وَ هُوَ مُحْسِنٌ أي في عمله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخلف عهده و لا يخاف انقطاعه و يرتقي بسببه إلى أعلى المراتب و الغايات وَ إِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ أي مصير جميع الأشياء إليه وَ مَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي لا يخفى عليه سرهم و علانيتهم. قوله تعالى نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا أي نمهلهم ليتمتعوا بنعيم الدنيا إلى انقضاء آجالهم ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ أي نلجئهم و نردهم إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ إلي النار في الآخرة وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ تقدم تفسيره. قوله تعالى وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ قال المفسرون لما نزلت بمكة وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ الآية و هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود و قالوا يا محمد بلغنا أنك تقول وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أتعنينا أم قومك فقال عليه الصلاة و السلام كلا قد عنيت قالوا أ لست تتلو فيما جاءك أنا أوتينا التوراة فيها علم كل شيء فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم هي في علم اللّه قليل و قد أتاكم اللّه بما إن علمتم به انتفعتم به قالوا كيف تزعم هذا و أنت تقول وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فكيف يجتمع علم قليل مع خير كثير فأنزل اللّه هذه الآية فعلى هذا تكون هذه الآية مدنية و قيل إن اليهود أمروا وفد قريش أن يسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و يقولوا له ذلك و هو بمكة و قيل إن المشركين قالوا إن القرآن و ما يأتي به محمد يوشك أن ينفد فينقطع فأنزل اللّه تعالى وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ أي بريت أقلاما و قيل بعدد كل شجرة قلم وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ أي يزيده و ينصب إليه مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ أي مدادا و الخلائق يكتبون به كلام اللّه ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ لأنها لا نهاية لها إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .
قوله تعالى ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ أي إلا كخلق نفس واحدة و بعثها لا يتعذر عليه شيء إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ أي لأقوالكم بَصِيرٌ بأعمالكم أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُ يعني ذلك الذي هو قادر على هذه الأشياء التي ذكرت هو الحق المستحق للعبادة وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ يعني لا يستحق العبادة وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُ يعني في صفاته له الصفات العليا و الأسماء الحسنى الْكَبِيرُ في ذاته أنه أكبر من كل كبير. قوله تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ يعني السفن و المراكب تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ يعني ذلك من نعمة اللّه عليكم لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ يعني من عجائب صنائعه إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ يعين على ما أمر اللّه شَكُورٍ لإنعامه وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ يعني كالجبال و قيل كالسحاب شبه بها الموج في كثرتها و ارتفاعها دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ معناه أن الإنسان إذا وقع في شدة ابتهل إلى اللّه بالدعاء و ترك كل من عداه و نسي جميع ما سواه فإذا نجا من تلك الشدة فمنهم من يبقى على تلك الحالة و هو المقتصد و هو قوله تعالى فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يعني عدل موف في البر بما عاهد عليه اللّه في البحر من التوحيد و الثبوت
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 401
على الإيمان و قيل نزلت في عكرمة بن أبي جهل و ذلك أنه هرب عام الفتح إلى البحر فجاءهم ريح عاصف فقال عكرمة: لئن أنجانا اللّه من هذا لأرجعن إلى محمد صلّى اللّه عليه و سلّم و لأضعن يده في يدي فسكت الريح و رجع عكرمة إلى مكة و أسلم و حسن إسلامه و منهم من لم يوف بما عاهد و هو المراد بقوله وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ يعني غدار كَفُورٍ يعني جحود لأنعمنا عليه. قوله تعالى:
[سورة لقمان (31): الآيات 33 الى 34]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ يعني خافوا ربكم وَ اخْشَوْا يعني و خافوا يَوْماً لا يَجْزِي يعني لا يقضي و لا يغني والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً قيل معنى الآية إن اللّه ذكر شخصين في غاية الشفقة و المحبة و هما الوالد و الولد فنبه بالأعلى على الأدنى و بالأدنى على الأعلى فالوالد يجزي عن ولده لكمال شفقته عليه و الولد يجزي عن والده لما له من حق التربية و غيرها فإذا كان يوم القيامة فكل إنسان يقول نفسي و لا يهتم بقريب و لا بعيد كما قال ابن عباس كل امرئ تهمه نفسه إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ قيل إنه تحقيق اليوم معناه اخشوا يوما هذا شأنه و هو كائن بوعد اللّه به و وعده حق و قيل الآية تحقيق بعدم الجزاء يعني لا يجزي والد عن ولده في ذلك اليوم و القول الأول أحسن و أظهر فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا يعني لأنها فانية وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ يعني الشيطان. قال سعيد بن جبير يعمل بالمعاصي و يتمنى المغفرة. قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن حفصة من أهل البادية أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فسأله عن الساعة و وقتها و قال إن أرضنا أجدبت فقل لي متى ينزل الغيث و تركت امرأتي حبلى فمتى تلد و لقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت فأنزل اللّه هذه الآية (ق) عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «مفاتيح الغيب خمس إن اللّه عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت إن اللّه عليم خبير» و معنى الآية إن اللّه عنده علم الساعة فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة في أي سنة أو أي شهر أو أي يوم ليلا أو نهارا وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلا أو نهارا إلا اللّه وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ أذكر أم أنثى أحمر أم أسود تام الخلقة أم ناقص وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً من خير أو شر وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ يعني ليس أحد من الناس يعلم أين مضجعه من الأرض في بر أو بحر في سهل أو جبل إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ يعني بهذه الأشياء و بغيرها خَبِيرٌ أي ببواطن الأشياء كلها ليس علمه محيطا بالظاهر فقط بل علمه محيط بالظاهر و الباطن قال ابن عباس: هذه الخمسة لا يعلمها ملك مقرب و لا نبي مصطفى فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فإنه كفر بالقرآن لأنه خالفه و اللّه تعالى أعلم بمراده و أسرار كتابه.
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج3، ص: 402
سورة السجدة
و هي مكية قال عطاء إلا ثلاث آيات من قوله أ فمن كان مؤمنا و هي تسع و عشرون آية و قيل ثلاثون آية و ثلاثمائة و ثمانون كلمة و ألف و خمسمائة و ثمانية عشر حرفا.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة السجده (32): الآيات 1 الى 5]