کتابخانه تفاسیر
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج4، ص: 234
سورة الواقعة
(مكية و هي سبع و تسعون آية و ثلاثمائة و ثمان و سبعون كلمة و ألف و سبعمائة و ثلاثة أحرف) روى البغوي بسنده عن أبي ظبية عن عبد اللّه بن مسعود قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول «من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا».
و كان أبو ظبية لا يدعها أبدا، و أخرجه ابن الأثير في كتابه جامع الأصول لم يعزه، و اللّه تعالى أعلم.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة الواقعة (56): الآيات 1 الى 8]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله عز و جل: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ يعني إذا قامت القيامة و قيل إذا نزلت صيحة القيامة و هي النفخة الأخيرة و قيل الواقعة اسم للقيامة كالآزفة، لَيْسَ لِوَقْعَتِها يعني لمجيئها كاذِبَةٌ يعني ليس لها كذب و المعنى أنها تقع حقا و صدقا و قيل معناه ليس لوقعتها قصة كاذبة أي كل ما أخبر اللّه عنها و قص من خبرها قصة صادقة غير كاذبة و قيل معناه ليس لوقعتها نفس كاذبة أي إن كل من يخبر عن وقوعها صادق غير كاذب لم تكذب نفس أخبرت عن وقوعها، خافِضَةٌ رافِعَةٌ أي تخفض أقواما إلى النار و ترفع أقواما إلى الجنة و قال ابن عباس تخفض أقواما كانوا في الدنيا مرتفعين و ترفع أقواما كانوا في الدنيا مستضعفين و قيل تخفض أقواما بالمعصية و ترفع أقواما بالطاعة، إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا أي إذا حركت و زلزلت زلزالا و ذلك أن اللّه عز و جل إذا أوحى إليها اضطربت فرقا و خوفا قال المفسرون ترج كما يرج الصبي في المهد حتى ينهدم كل بناء عليها و ينكسر كل ما فيها من جبال و غيرها و هو قوله تعالى: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا أي فتتت حتى صارت كالدقيق المبسوس و هو المبلول و قيل صارت كثيبا مهبلا بعد أن كانت شامخة و قيل معناه قلعت من أصلها و سيرت على وجه الأرض حتى ذهب بها فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا أي غبارا متفرقا كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل الكوة و هو الهباء، وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً أي أصنافا ثَلاثَةً ثم فسر الأزواج فقال تعالى: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ يعني أصحاب اليمين.
و الميمنة ناحية اليمين و هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة و قال ابن عباس هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه و قال اللّه تعالى: «هؤلاء إلى الجنة و لا أبالي» و قيل هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم و قيل هم الذين كانوا ميامين أي مباركين على أنفسهم و كانت أعمالهم صالحة في طاعة اللّه و هم التابعون بإحسان ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ تعجيب من حالهم في السعادة. و المعنى أي شيء هم.
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج4، ص: 235
[سورة الواقعة (56): الآيات 9 الى 16]
وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ يعني أصحاب الشمال و هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار و قال ابن عباس هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية و قال اللّه تعالى لهم: «هؤلاء إلى النار و لا أبالي» و قيل هم الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم و قيل هم المشائيم على أنفسهم و كانت أعمالهم في المعاصي لأن العرب تسمي اليد اليسرى الشؤمى، وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ قال ابن عباس هم السابقون إلى الهجرة السابقون في الآخرة إلى الجنة و قيل هم السابقون إلى الإسلام و قيل هم الذين صلوا إلى القبلتين من المهاجرين و الأنصار و قيل هم السابقون إلى الصلوات الخمس و قيل إلى الجهاد و قيل هم المسارعون إلى التوبة و إلى ما دعا اللّه إليه من أعمال البر و الخير و قيل هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة.
فإن قلت لم أخر ذكر السابقين و كانوا أولى بالتقديم عن أصحاب اليمين.
قلت فيه لطيفة و ذلك أن اللّه تعالى ذكر في أول السورة من الأمور الهائلة عند قيام الساعة تخويفا لعباده فإما محسن فيزداد رغبة في الثواب و إما مسيء فيرجع عن إساءته خوفا من العقاب فلذلك قدم أصحاب اليمين ليسمعوا و يرغبوا ثم ذكر أصحاب الشمال ليرهبوا ثم ذكر السابقين و هم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر ليجتهد أصحاب اليمين في القرب من جهنم ثم أثنى على السابقين فقال تعالى: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ يعني من اللّه في جواره و في ظل عرشه و دار كرامته و هو قوله: فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ قوله تعالى: ثُلَّةٌ أي جماعة غير محصورة العدد، مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني من الأمم الماضية من لدن آدم إلى زمن نبينا وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ يعني من هذه الأمة و ذلك لأن الذين عاينوا جميع الأنبياء و صدقوهم من الأمم الماضية أكثر ممن عاين النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و آمن به و قيل إن الأولين هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و قيل من الآخرين أي ممن جاء بعدهم من الصحابة، عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ أي منسوجة من الذهب و الجوهر و قيل موضونة يعني مصفوفة مُتَّكِئِينَ عَلَيْها أي على السرر مُتَقابِلِينَ يعني لا ينظر بعضهم في قفا بعض وصفوا بحسن العشرة في المجالسة و قيل لأنهم صاروا أرواحا نورانية صافية ليس لهم أدبار و ظهور.
[سورة الواقعة (56): الآيات 17 الى 23]
وَ حُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ أي للخدمة وِلْدانٌ أي غلمان مُخَلَّدُونَ لا يموتون و لا يهرمون و لا يتغيرون و لا ينتقلون من حالة إلى حالة و قيل مخلدون مفرطون و الخلد القرط و هو الحلقة تعلق في الأذن و اختلفوا في هؤلاء الولدان فقيل هم أولاد المؤمنين الذين ماتوا أطفالا و فيه ضعف لأن اللّه أخبر أنه يلحقهم بآبائهم و لأن من المؤمنين من لا ولد له فلو خدمه ولد غيره كان منقصة بأبي الخادم و قيل هم صغار الكفار الذين ماتوا قبل التكليف و هذا القول أقرب من الأول لأنه قد اختلف في أولاد المشركين على ثلاثة مذاهب فقال الأكثرون هم في النار تبعا لآبائهم و توقف فيهم طائفة و المذهب الثالث و هو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة و لكل مذهب دليل ليس هذا موضعه، و قيل هم أطفال ماتوا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها و لا سيئات فيعاقبوا عليها و من قال بهذه الأقوال يعلل بأن الجنة ليس فيها ولادة و القول الصحيح الذي لا معدل عنه إن شاء اللّه إنهم ولدان خلقوا في الجنة لخدمة أهل الجنة كالحور و إن لم يولدوا و لم يحصلوا عن ولادة أطلق عليهم اسم الولدان لأن العرب تسمي الغلام وليدا ما لم يحتلم و الأمة وليدة و إن أسنت، بِأَكْوابٍ جمع كوب و هي الأقداح المستديرة الأفواه لا آذان لها و لا عرا وَ أَبارِيقَ جمع إبريق و هي ذوات الخراطيم و العرا سميت أباريق
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج4، ص: 236
لبريق لونها من الصفاء و قيل لأنها يرى باطنها كما يرى ظاهرها، وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ أي من خمرة جارية لا يُصَدَّعُونَ عَنْها أي لا تصدع رؤوسهم من شربها و عنها كناية عن الكأس و قيل لا يتفرقون عنها وَ لا يُنْزِفُونَ أي لا يغلب على عقولهم و لا يسكرون منها و قرئ بكسر الزاي و معناه لا ينفد شرابهم، وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ أي يأخذون خيارها وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ قال ابن عباس يخطر على قلبه لحم الطير فيطير ممثلا بين يديه على ما اشتهى و قيل إنه يقع على صحفة الرجل فيأكل منه ما يشتهي ثم يطير.
فإن قلت هل في تخصيص الفاكهة بالتخير و اللحم بالاشتهاء بلاغة؟.
قلت نعم و كيف لا و في كل حرف من حروف القرآن بلاغة و فصاحة و الذي يظهر فيه أن اللحم و الفاكهة إذا حضرا عند الجائع تميل نفسه إلى اللحم و إذا حضرا عند الشبعان تميل نفسه إلى الفاكهة فالجائع مشته و الشبعان غير مشته بل هو مختار و أهل الجنة إنما يأكلون لا من جوع بل للتفكه فميلهم إلى الفاكهة أكثر فيتخيرنها و لهذا ذكرت في مواضع كثيرة من القرآن بخلاف اللحم و إذا اشتهاه حضر بين يديه على ما يشتهيه فتميل نفسه إليه أدنى ميل و لهذا قدم الفاكهة على اللحم و اللّه أعلم، وَ حُورٌ عِينٌ أي و يطوف عليهم حور عين و قيل لهم حور عين و جاء في تفسير حور أي بيض عين أي ضخام العيون كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ أي المخزون في الصدف المصون الذي لم تمسه الأيدي و لم تقع عليه الشمس و الهواء فيكون في نهاية الصفاء روي «أنه سطع نور في الجنة فقيل ما هذا؟ قيل ضوء ثغر حوراء ضحكت» و روي «أن الحوراء إذا مشت يسمع تقديس الخلاخل من ساقيها و تمجيد الأسورة من ساعديها و إن عقد الياقوت يضحك من نحرها و في رجليها نعلان من ذهب شراكها من لؤلؤ يصران بالتسبيح».
[سورة الواقعة (56): الآيات 24 الى 31]
وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ (31)
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي فعلنا ذلك بهم جزاء بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعتنا لا يَسْمَعُونَ فِيها أي في الجنة، لَغْواً قيل اللغو ما يرغب عنه من الكلام و يستحق أن يلغى و قيل هو القبيح من القول و المعنى ليس فيها لغو فيسمع وَ لا تَأْثِيماً قيل معناه أن بعضهم لا يقول لبعض أثمت لأنهم لا يتكلمون بما فيه إثم كما يتكلم به أهل الدنيا و قيل معناه لا يأتون تأثيما أي ما هو سبب التأثيم من قول أو فعل قبيح إِلَّا قِيلًا معناه لكن يقولون قيلا أو يسمعون قيلا سَلاماً سَلاماً يعني يسلم بعضهم على بعض و قيل تسلم الملائكة عليهم أو يرسل الرب بالسلام إليهم و قيل معناه أن قولهم يسلم في اللغو.
ثم ذكر أصحاب اليمين و عجب من شأنهم فقال تعالى: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ لما بين حال السابقين شرع في بيان حال أصحاب اليمين فقال تعالى: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ أي لا شوك فيه كأنه خضد شوكه أي قطع و نزع منه و هذا قول ابن عباس و قيل هو الموقر حملا قيل ثمرها أعظم من القلال و هو النبق قيل لما نظر المسلمون إلى وج و هو واد مخصب بالطائف فأعجبهم سدره فقالوا ليت لنا مثل هذا فأنزل اللّه هذه الآية وَ طَلْحٍ قيل هو الموز عند أكثر المفسرين و قيل هو شجر له ظل بارد طيب و قيل هو شجر أم غيلان له شوك و نور طيب الرائحة فخوطبوا و وعدوا بمثل ما يحبون و يعرفون إلا أن فضله على شجر الدنيا كفضل الجنة على الدنيا مَنْضُودٍ أي متراكم قد نضد بالحمل من أوله إلى آخره ليست له سوق بارزة بل من عروقه إلى أغصانه ثمر و ليس شيء من ثمر الجنة في غلاف كثمر الدنيا مثل الباقلاء و الجوز و نحوهما بل كلها مأكول و مشروب و مشموم و منظور إليه، وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ أي دائم لا تنسخه الشمس كظل أهل الدنيا و ذلك لأن الجنة ظل كلها لا
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج4، ص: 237
شمس فيها. (ق) عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة و اقرءوا إن شئتم و ظل ممدود» و عن ابن عباس في قوله و ظل ممدود قال شجرة في الجنة على ساق يخرج إليها أهل الجنة فيتحدثون في أصلها فيشتهي بعضهم لهو الدنيا فيرسل اللّه عز و جل ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ أي مصبوب يجري دائما في غير أخدود و لا ينقطع.
[سورة الواقعة (56): الآيات 32 الى 36]
وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ قال ابن عباس لا تنقطع إذا جنيت و لا تمتنع من أحد إذا أراد أخذها و قيل لا مقطوعة بالأزمان و لا ممنوعة بالأثمان كما تنقطع ثمار الدنيا في الشتاء و لا يوصل إليها إلا بالثمن و قيل لا يحظر عليها كما يحظر على بساتين الدنيا و جاء في الحديث «ما قطعت ثمرة من ثمار الجنة إلا أبدل اللّه عز و جل مكانها ضعفين» وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قال علي مرفوعة على الأسرة و قيل بعضها فوق بعض فهي مرفوعة عالية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «في قوله: و فرش مرفوعة قال ارتفاعها كما بين السماء و الأرض و مسيرة ما بينهما خمسمائة عام» أخرجه الترمذي و قال حديث حسن غريب قال الترمذي قال بعض أهل العلم معنى هذا الحديث ارتفاعها كما بين السماء و الأرض يقول ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات و الدرجات ما بين كل درجتين بين السماء و الأرض و قيل أراد بالفرش النساء و العرب تسمي المرأة فراشا و لباسا على الاستعارة فعلى هذا القول يكون معنى مرفوعة أي رفعن بالفضل و الجمال على نساء الدنيا و يدل على هذا التأويل قوله في عقبه، إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً أي خلقناهن خلقا جديدا قال ابن عباس يعني الآدميات العجائز الشمط يقول خلقناهن بعد الكبر و الهرم خلقا آخر، فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً يعني عذارى. عن أنس رضي اللّه تعالى عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم «إن أنشأناهن إنشاء قال إن من المنشآت اللاتي كن في الدنيا عجائز عمشا رمصا» أخرجه الترمذي و قال حديث غريب و ضعف بعض رواته و روى البغوي بسنده عن الحسن قال «أتت عجوز النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقالت يا رسول اللّه ادع اللّه أن يدخلني الجنة فقال يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز قال فولت تبكي قال أخبروها أنها لا تدخلها و هي عجوز إن اللّه تعالى قال إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً هذا حديث مرسل و روي بإسناد الثعلبي عن أنس بن مالك عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في قوله إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً قال عجائزكن في الدنيا عمشا رمصا فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً و قال المسيب بن شريك هن عجائز الدنيا أنشأهن اللّه بقدرته خلقا جديدا كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا و قيل إنهن فضلن على الحور العين بصلاتهن في الدنيا و قيل هن الحور العين أنشأهن اللّه لم تقع عليهن ولادة فجعلناهن أبكارا عذارى و ليس هناك وجع.
[سورة الواقعة (56): الآيات 37 الى 40]
عُرُباً جمع عروب و هي المتحببة إلى زوجها قاله ابن عباس في رواية عنه و عنه أنها الملقة و قيل الغنجة و عن أسامة بن زيد عن أبيه عربا قال حسان الكلام أَتْراباً يعني أمثالا في الخلق و قيل مستويات في السن على سن واحد بنات ثلاث و ثلاثين، عن معاذ بن جبل عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال «يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين أبناء ثلاثين أو قال ثلاث و ثلاثين سنة» أخرجه الترمذي و قال حديث حسن غريب لِأَصْحابِ الْيَمِينِ يعني أنشأهن لأصحاب اليمين و قيل هذا الذي ذكرنا لأصحاب اليمين ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني من المؤمنين الذين هم قبل هذه الأمة وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ يعني من مؤمني هذه الأمة يدل عليه ما روى البغوي بإسناد الثعلبي عن عروة بن رويم قال «لما أنزل اللّه عز و جل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثلة من الأولين و قليل من الآخرين بكى عمر فقال يا نبي اللّه آمنا برسول اللّه و صدقناه و من ينجو منا قليل فأنزل اللّه عز و جل و ثلة من الأولين و ثلة من الآخرين فدعا
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج4، ص: 238
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عمر فقال قد أنزل اللّه تعالى فيما قلت فقال رضينا عن ربنا و تصديق نبينا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من آدم إلينا ثلة و منا إلى يوم القيامة ثلة و لا يستتمها الأسودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا اللّه»، (ق) عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم «عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي و معه الرهيط و النبي و معه الرجل و الرجلان و النبي و ليس معه أحد إذ رفع إلى سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى و قومه و لكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك و معهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب و لا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض القوم في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب و لا عذاب قال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و قال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام و لم يشركوا باللّه و ذكروا أشياء فخرج عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال هم الذين لا يرقون و لا يسترقون و لا يتطيرون و على ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم فقال أنت منهم فقام رجل آخر فقال يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة» الرهيط تصغير رهط و هم دون العشرة و قيل إلى الأربعين. (ق) عن عبد اللّه بن مسعود قال «كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في قبة نحوا من أربعين فقال أ ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا نعم قال أ ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا نعم قال و الذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة و ذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة مسلمة و ما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر» و عن بريدة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال «أهل الجنة عشرون و مائة صف ثمانون منها من هذه الأمة و أربعون من سائر الأمم» أخرجه الترمذي و قال حديث حسن و ذهب جماعة إلى أن الثلثين جميعا من هذه الأمة و هو قول أبي العالية و مجاهد و عطاء بن أبي رباح و الضحاك قالوا ثلة من الأولين من سابقي هذه الأمة و ثلة من الآخرين من هذه الأمة أيضا في آخر الزمان يدل على ذلك ما روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس في هذه الآية ثلة من الأولين و ثلة من الآخرين قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم «هما جميعا من أمتي» و هذا القول هو اختيار الزجاج قال معناه جماعة ممن تبع النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و آمن به و عاينه و جماعة ممن آمن به و كان بعده و لم يعاينه.
فإن قلت كيف قال في الآية الأولى و قليل من الآخرين و قال في هذه الآية و ثلة من الآخرين؟.
قلت: الآية الأولى في السابقين الأولين و قليل ممن يلحق بهم من الآخرين و هذه الآية في أصحاب اليمين و هم كثيرون من الأولين و الآخرين و حكي عن بعضهم أن هذه ناسخة للأولى و استدل بحديث عروة بن رويم و نحوه و القول بالنسخ لا يصح لأن الكلام في الآيتين خبر و الخبر لا يدخله النسخ. قوله تعالى:
[سورة الواقعة (56): الآيات 41 الى 56]
هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)
وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ قد تقدم أنه بمعنى التعجب من حالتهم و هم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم ثم بين منقلبهم و ما أعد لهم من العذاب فقال تعالى: فِي سَمُومٍ أي في حر النار و قيل في ريح شديد الحرارة وَ حَمِيمٍ أي ماء حار يغلي، وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ يعني في ظل من دخان شديد السواد قيل إن النار
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج4، ص: 239
سواد و أهلها سود و كل شيء فيها أسود و قيل اليحموم اسم من أسماء النار لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ يعني لا بارد المنزل و لا كريم المنظر و ذلك لأن فائدة الظل ترجع إلى أمرين أحدهما دفع الحر و الثاني حسن المنظر و كون الإنسان فيه مكرما و ظل أهل النار بخلاف هذا لأنهم في ظل من دخان أسود حار، ثم بين بما استحقوا ذلك فقال تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ يعني في الدنيا، مُتْرَفِينَ يعني منعمين وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ يعني على الذنب الكبير و هو الشرك و قيل الحنث العظيم اليمين الغموس و ذلك أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون و كذبوا في ذلك يدل عليه سياق الآية و هو قوله تعالى: وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ فرد اللّه تعالى عليهم بقوله قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ يعني الآباء و الأبناء، لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ يعني أنهم يجمعون و يحشرون ليوم الحساب ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ يعني عن الهدى الْمُكَذِّبُونَ أي بالبعث و الخطاب لكفار مكة و قيل إنه عام مع كل ضال مكذب، لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ تقدم تفسيره فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ يعني الإبل العطاش قيل إن الهيام داء يصيب الإبل فلا تروى معه و لا تزال تشرب حتى تهلك و قيل الهيم الأرض ذات الرمل التي لا تروى بالماء قيل يلقى على أهل النار العطش فيشربون من الحميم شرب الهيم فلا يروون هذا نُزُلُهُمْ يعني ما ذكر من الزقوم و الحميم أي رزقهم و غذاؤهم و ما أعد لهم يَوْمَ الدِّينِ يعني يوم يجازون بأعمالهم ثم احتج عليهم في البعث بقوله تعالى:
[سورة الواقعة (56): الآيات 57 الى 65]
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ يعني و لم تكونوا شيئا و أنتم تعلمون ذلك فَلَوْ لا أي فهلا تُصَدِّقُونَ يعني بالبعث بعد الموت.
قوله عز و جل: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ يعني ما تصبون في الأرحام من النطف أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أي أنتم تخلقون ما تمنون بشرا أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ أي إنه خلق النطفة و صورها و أحياها فلم لا تصدقون بأنه واحد قادر على أن يعيدكم كما أنشأكم احتج عليهم في البعث بالقدرة على ابتداء الخلق، نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ يعني الآجال فمنكم من يبلغ الكبر و الهرم و منكم من يموت صبيا و شابا و غير ذلك من الآجال القريبة و البعيدة و قيل معناه إنه جعل أهل السماء و أهل الأرض فيه سواء شريفهم و وضيعهم فعلى هذا القول يكون معنى قدرنا قضينا، وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يعني لا يفوتني شيء أريده و لا يمتنع مني أحد و قيل معناه و ما نحن بمغلوبين عاجزين عن إهلاككم و إبدالكم بأمثالكم و هو قوله تعالى: عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ أي نأتي بخلق مثلكم بدلا منكم في أسرع حين وَ نُنْشِئَكُمْ أي نخلقكم فِي ما لا تَعْلَمُونَ أي من الصور و المعنى نغير حليتكم إلى ما هو أسمح منها من أي خلق شئنا و قيل نبدل صفاتكم فنجعلكم قردة و خنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم أي إن أردنا أن نفعل ذلك بكم ما فاتنا، و قال سعيد بن المسيب فيما لا تعلمون في حواصل طيور سود كأنها الخطاطيف تكون ببرهوت و هو واد باليمن و هذه الأقوال كلها تدل على المسخ و على أنه لو شاء أن يبدلهم بأمثالهم من بني آدم قدر و لو شاء أن يمسخهم في غير صورهم قدر، و قال بعض أهل المعاني هذا يدل على النشأة الثانية يكونها اللّه تعالى في وقت لا يعلمه العباد و لا يعلمون كيفيته كما علموا الإنشاء الأول من جهة التناسل و يكون التقدير على هذا و ما نحن
لباب التأويل فى معانى التنزيل، ج4، ص: 240
بمسبوقين على أن ننشئكم في وقت لا تعلمونه يعني وقت البعث و القيامة، و فيه فائدة و هو التحريض على العمل الصالح لأن التبديل و الإنشاء هو الموت و البعث و إذا كان ذلك واقعا في الأزمان و لا يعلمه أحد فينبغي أن لا يتكل الإنسان على طول المدة و لا يغفل عن إعداد العدة وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى أي الخلقة الأولى و لم تكونوا شيئا و فيه تقرير للنشأة الثانية يوم القيامة فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ أي بأني قادر على إعادتكم كما قدرت على إبدائكم أول مرة.
قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ لما ذكر اللّه تعالى ابتداء الخلق و ما فيه من دلائل الوحدانية ذكر بعده الرزق لأن به البقاء و ذكر أمورا ثلاثة المأكول و المشروب و ما به إصلاح المأكول و المشروب و رتبه ترتيبا حسنا فذكر المأكول أولا لأنه هو الغذاء و أتبعه المشروب لأن به الاستمراء ثم النار التي بها الإصلاح و ذكر من أنواع المأكول الحب لأنه هو الأصل و من المشروب الماء لأنه أيضا هو الأصل و ذكر من المصلحات النار لأن بها إصلاح أكثر الأغذية، فقوله أ فرأيتم ما تحرثون أي ما تثيرون من الأرض و تلقون فيه البذر أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أي تنبتونه و تنشئونه حتى يشتد و يقوم على سوقه أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ معناه أ أنتم فعلتم ذلك أم اللّه و لا شك في أن إيجاد أحب في السنبل ليس بفعل أحد غير اللّه تعالى و إن كان إلقاء البذر من فعل الناس، لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ يعني ما تحرثونه و تلقون فيه من البذر، حُطاماً أي تبنا لا قمح فيه و قيل هشيما لا ينتفع به في مطعم و لا غيره و قيل هو جواب لمعاند يقول نحن نحرثه و هو بنفسه يصير زرعا لا بفعلنا و لا بفعل غيرنا فرد اللّه عليّ هذا المعاند بقوله لو نشاء لجعلناه حطاما فهل تقدرون أنتم على حفظه أو هو يدفع عن نفسه بنفسه تلك الآفات التي تصيبه و لا يشك أحد في أن دفع الآفات ليس إلا بإذن اللّه و حفظه، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ أي تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم و قيل تندمون على نفقاتكم و قيل تندمون على ما سلف منكم من المعاصي التي أوجبت تلك العقوبة و قيل تتلاومون و قيل تحزنون و قيل هو تلهف على ما فات.
[سورة الواقعة (56): الآيات 66 الى 73]