کتابخانه تفاسیر
لطائف الاشارات
الجزء الأول
السورة التي تذكر فيها البقرة
السورة التي يذكر فيها آل عمران
السورة التي يذكر فيها النساء
السورة التي تذكر فيها المائدة
السورة التي تذكر فيها الأنعام
السورة التي يذكر فيها الأعراف
السورة التي تذكر فيها الأنفال
الجزء الثاني
السورة التي تذكر فيها التوبة
سورة يونس عليه السلام
السورة التي يذكر فيها هود عليه السلام
السورة التي يذكر فيها يوسف عليه السلام
السورة التي يذكر فيها«الرعد»
السورة التي يذكر فيها إبراهيم عليه السلام
السورة التي يذكر فيها الحجر
السورة التي يذكر فيها النحل
السورة التي يذكر فيها بنو إسرائيل
السورة التي يذكر فيها الكهف
سورة مريم عليها السلام
سورة طه
السورة التي يذكر فيها الأنبياء
السورة التي يذكر فيها«الحج»
السورة التي يذكر فيها المؤمنون
السورة التي يذكر فيها النور
سورة الفرقان
الجزء الثالث
السورة التي يذكر فيها الشعراء
السورة التي يذكر فيها النمل
سورة القصص
السورة التي يذكر فيها العنكبوت
السورة التي يذكر فيها الروم
السورة التي يذكر فيها لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
سورة المؤمن
سورة فصلت
سورة الشورى
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
سورة محمد«صلى الله عليه و سلم»
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق
سورة الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
سورة الحشر
سورة التغابن
لطائف الاشارات، ج1، ص: 42
فى ابتداء هذا الكتاب فى شهور سنة أربع و ثلاثين و أربعمائة «1» ، و على اللّه إتمامه إن شاء اللّه تعالى عز و جلّ.
سورة فاتحة الكتاب
هذه السورة بدا (ية) الكتاب، و مفاتحة الأحباب بالخطاب و الكتاب منه أجلّ النّعمى، و أكرم الحسنى إذ هى (...) «2» و ابتداء و فى معناه قيل.
أفديك بل أيام دهرى كلها
تفدين أياما (.....)
سقيا لمعهدك الذي لو لم يكن
ما كان قلبى للصبابة معهدا «3»
و لقد كان صلّى اللّه عليه و سلّم غير مرتقب لهذا الشأن، و ما كان هذا الحديث منه على بال، و حينما نزل عليه جبريل صلوات اللّه عليه و سلامه أخذ فى الفرار، و آثر التباعد لهذا الأمر آوى (...) قائلا: دثرونى دثرونى، زمّلونى زمّلونى، و كان يتحنّث فى حراء، و يخلو هنالك (....) فجأة، و صادفته القصة بغتة كما قيل:
أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبى فارغا فتمكّنا «4»
و كان صلوات اللّه عليه و سلم رضى بأن يقال له أجير خديجة و لكن (الحق سبحانه و تعالى أراده لأن) «5» يكون سيد الأولين و الآخرين حيث قال. «يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ» ، (رفعه إلى) أشرف المنازل و إن لم يسم إليه بطرف التأميل سنّة منه تعالى و تقدّس (...) إلا عند من تقاصرت الأوهام عن استحقاقه، و لذلك ما قصّوا العجب من شأنه (...) يتيم أبى طالب
(1) اعتمدنا في استكمال رقمى الآحاد و العشرات من السنة على (تذكرة النوادر) حيث سقطا فى ص.
و بهذا يبطل قول صاحب كشف الظنون (المجلد الثاني ص 1551) بأن القشيري ألف اللطائف قبل عام 410، و يبدو أن الأمر قد التبس على حاجى خليفة فظن تاريخ تأليف «التيسير فى التفسير» هو تاريخ تأليف «اللطائف».
(2) ما بين الأقواس المفرغة ساقط فى ص و من حسن الحظ أن السقوط الكثير على هذا النحو لا يتكرر بعد الورقتين الأولى و الثانية من (ص).
(3) اعتمدنا فى تكملة البيت على هذا النحو على وروده فى (م) كاملا عند تفسير سورة الحديد.
(4) الشطر الثاني من البيت ناقص فى (ص) و مكمل فى (م) عند تفسير آية: علم القرآن من سورة الرحمن.
(5) زيادة أضفناها ليستقيم المعنى.
لطائف الاشارات، ج1، ص: 43
من بين البرية، و لقد كان صلوات اللّه عليه و سلم فى سابق (علمه) سبحانه و تعالى مقدّما على الكافة من أشكاله و أضرابه، و فى معناه قيل:
هذا (...) أطمار
و كان فى فقر من السيار
آثر عندى (بالإكبار )
من أخى (و من) جارى
و صاحب الدرهم (و الدينار )
فإن صاحب الأمر مع الإكثار «1»
و لقد كان صلى اللّه عليه و سلم قبل النبوة حميد الشأن، (محمود) الذكر، ممدوح الاسم، أمينا لكل واحد. و كانوا يسمونه محمدا الأمين، و لكن (الكافرين) (...) حالته، بدّلوا اسمه، و حرّفوا وصفه، و هجّنوا ذكره، فواحد كان يقول ساحر و آخر يقول (...) و ثالث يقول كاذب، و رابع يقول شاعر:
أشاعوا لنا فى الحي أشنع قصة
و كانوا لنا سلما فصاروا لنا حربا
و هكذا صفة المحبّ، لا ينفك عن الملام و لكن كما قيل
أجد الملامة فى هواك لذيذة
حبا لذكرك فليلمنى اللّوم «2»
و ماذا عليه من قبيح قالة (من) يقول، (و الحق سبحانه يقول): «وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ» أي استمع إلى ما يقال فيك بحسن الثناء علينا.
[فصل] و تسمى هذه السورة أيضا أمّ الكتاب، و أم الشيء أصله، و إمام كل شىء مقدّمه. و هذه السورة لما تشتمل عليه من الأمر بالعبودية، و الثناء على اللّه بجمال الربوبية، ثم «3» كمالها من الفضائل- لا تصح الفرائض إلا بها. و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم مخبرا عنه سبحانه و تعالى: «قسمت الصلاة بينى و بين عبدى نصفين» يعنى قراءة هذه السورة، فصارت أمّ الكتاب، و أصلا لما تنبنى عليه من لطائف الكرامات و بدائع التقريب و الإيجاب.
(1) أضاع البياض الذي فى المصورة كثيرا من ألفاظ هذه الأبيات فحاولنا إضافة بعض الألفاظ.
و إن كان وزن الشعر ما زال غير سليم.
(2) وردت خطأ فى (ص): فليسلمنى اللؤم.
(3) لا نستبعد أن تكون فى الأصل (تمّ) كمالها ...
لطائف الاشارات، ج1، ص: 44
قوله جل ذكره:
[سورة الفاتحة (1): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
الباء فى «بسم اللّه» حرف التضمين؛ أي باللّه ظهرت الحادثات، و به وجدت المخلوقات، فما من حادث مخلوق، و حاصل منسوق، من عين و أثر و غبر، و غير من حجر و مدر، و نجم و شجر، و رسم و طلل، و حكم و علل- إلا بالحق وجوده، و الحق ملكه، و من الحق بدؤه، و إلى الحق عوده، فبه وجد من وحّد، و به جحد من ألحد «1» ، و به عرف من اعترف، و به تخلّف من اقترف.
و قال «بسم اللّه» و لم يقل باللّه على وجه التبرك بذكر اسمه عند قوم، و للفرق بين هذا و بين القسم عند الآخرين، و لأن الاسم هو المسمى عند العلماء، و لاستصفاء القلوب من العلائق و لاستخلاص الأسرار عن العوائق عند أهل العرفان، ليكون ورود قوله «اللّه» على قلب منقّى و سر مصفّى. و قوم عند ذكر هذه الآية يتذكرون من الباء (بره) «2» بأوليائه و من السين سره مع أصفيائه و من الميم منته على أهل ولايته، فيعلمون أنهم ببره عرفوا سرّه، و بمنته عليهم حفظوا أمره، و به سبحانه و تعالى عرفوا قدره. و قوم عند سماع بسم اللّه تذكروا بالباء براءة اللّه سبحانه و تعالى من كل سوء، و بالسين «3» سلامته سبحانه عن كل عيب، و بالميم مجده سبحانه بعز وصفه، و آخرون يذكرون عند الباء بهاءه، و عند السين سناءه، و عند الميم ملكه، فلما أعاد اللّه سبحانه و تعالى هذه الآية أعنى بسم اللّه الرحمن الرحيم فى كل سورة و ثبت أنها منها أردنا أن نذكر فى كل سورة من إشارات هذه الآية «4» كلمات غير مكررة «5» ، و إشارات غير معادة، فلذلك نستقصى القول هاهنا و به الثقة.
(1) وردت فى ص (اللحد).
(2) سقطت فى ص و أثبتناها لأن ما بعدها يدل عليها.
(3) وردت فى ص (بالسنين).
(4) من هنا ندرك أن القشيري يعتبر البسملة قرآنا خلافا لمن يعدونها من قبيل الاستفتاح و التبرك، فتبدأ بها القراءة كما يفعل فى سائر الأفعال (أنظر المغني للقاضى عبد الجبار ج 11 ط وزارة الثقافة سلسلة تراثنا ص 161).
(5) من هنا و مما نعلم من مذهب القشيري نراه لا يعتقد فى فكرة التكرار فى القرآن لأن التكرار أليق بالمخلوقين و لأسباب أخرى لا محل لها هنا.
لطائف الاشارات، ج1، ص: 45
قوله جل ذكره:
[سورة الفاتحة (1): آية 2]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
حقيقة الحمد الثناء على المحمود، بذكر نعوته الجليلة و أفعاله الجميلة، و اللام هاهنا للجنس، و مقتضاها الاستغراق؛ فجميع المحامد للّه سبحانه إمّا وصفا و إمّا خلقا، فله الحمد لظهور سلطانه، و له الشكر لوفور إحسانه. و الحمد للّه لاستحقاقه لجلاله و جماله، و الشكر للّه لجزيل نواله و عزيز أفضاله، فحمده سبحانه له هو من صفات كماله و حوله، و حمد الخلق له على إنعامه و طوله، و جلاله و جماله استحقاقه لصفات العلو، و استيجابه لنعوت العز و السمو، فله الوجود (قدرة) «1» القديم، و له الجود الكريم، و له الثبوت الأحدى، و الكون الصمدى، و البقاء الأزلى، و البهاء الأبدى، و الثناء الديمومى، و له السمع و البصر، و القضاء و القدر، و الكلام و القول، و العزة و الطول، و الرحمة و الجود، و العين و الوجه و الجمال، و القدرة و الجلال، و هو الواحد المتعال، كبرياؤه رداؤه، و علاؤه سناؤه، و مجده عزه، و كونه ذاته، و أزله أبده، و قدمه سرمده، و حقه يقينه، و ثبوته عينه، و دوامه بقاؤه، و قدره قضاؤه، و جلاله جماله، و نهيه أمره، و غضبه رحمته، و إرادته مشيئته، و هو الملك بجبروته، و الأحد فى ملكوته. تبارك اللّه سبحانه!! فسبحانه ما أعظم شأنه! [فصل] علم الحق سبحانه و تعالى شدة إرادة أوليائه بحمده و ثنائه، و عجزهم عن القيام بحق مدحه على مقتضى عزه و سنائه فأخبرهم أنه حمد نفسه بما افتتح به خطابه بقوله: «الحمد للّه» فانتعشوا بعد الذّلة، و عاشوا بعد الخمود، و استقلت أسرارهم بكمال التعزز حيث سمعوا ثناء الحق عن الحق بخطاب الحق، فنطقوا ببيان الرمز على قضية الأشكال. و قالوا:
و لوجهها من وجهها قمر
و لعينها من عينها كحل
هذا خطيب الأولين و الآخرين، سيد الفصحاء، و إمام البلغاء، لمّا سمع حمده لنفسه، و مدحه سبحانه لحقّه، علم النبي أن تقاصر اللسان أليق به فى هذه الحالة فقال: «لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».
داوود لو سمعت أذناه قالتها
لما ترنّم بالألحان داوود
غنت سعاد بصوتها فتخاذلت
ألحان داوود من الخجل
(1) هذه كلمة زائدة يمكن الاستغناء عنها، و يرجح ذلك نظم الأسلوب و سياق المعنى، أو ربما كانت (قدمه).
لطائف الاشارات، ج1، ص: 46
[فصل] و تتفاوت طبقات الحامدين لتباينهم فى أحوالهم؛ فطائفة حمدوه على ما نالوا من إنعامه و إكرامه من نوعى صفة نفعه و دفعه، و إزاحته و إتاحته، و ما عقلوا عنه من إحسانه بهم أكثره ما عرفوا من أفضاله معهم قال جل ذكره: «و إن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها»، و طائفة حمدوه على ما لاح لقلوبهم من عجائب لطائفه، و أودع سرائرهم من مكنونات بره، و كاشف أسرارهم به من خفى غيبه، و أفرد أرواحهم به من بواده مواجده. و قوم حمدوه عند شهود ما كاشفهم به من صفات القدم، و لم يردوا من ملاحظة العز و الكرم إلى تصفح أقسام النعم، و تأمل خصائص القسم، و (فرق بين) «1» من يمدحه بعز جلاله و بين من يشكره على وجود أفضاله، كما قال قائلهم:
و ما الفقر عن أرض العشيرة ساقنا
و لكننا جئنا بلقياك نسعد
و قوم حمدوه مستهلكين عنهم فيما استنطقوا من عبارات تحميده، بما اصطلم أسرارهم من حقائق توحيده، فهم به منه يعبّرون، و منه إليه يشيرون، يجرى عليهم أحكام التصريف، و ظواهرهم «2» بنعت التفرقة مرعية، و أسرارهم مأخوذة بحكم جمع «3» الجمع، كما قالوا:
بيان بيان الحق أنت بيانه
و كل معانى الغيب أنت لسانه
قوله جل ذكره: رَبِّ الْعالَمِينَ الرب هو السيد، و العالمون جميع المخلوقات، و اختصاص هذا الجمع بلفظ العالمين لاشتماله على العقلاء و الجمادات فهو مالك الأعيان و منشيها، و موجد الرسوم و الديار بما فيها.
و يدل اسم الرب أيضا على تربية الخلق، فهو مرب نفوس العابدين بالتأييد و مرب قلوب الطالبين بالتسديد، و مرب أرواح العارفين بالتوحيد، و هو مرب الأشباح بوجود النّعم، و مرب الأرواح بشهود الكرم.
و يدل اسم الرب أيضا على إصلاحه لأمور عباده من ربيت العديم أربه؛ فهو مصلح أمور الزاهدين بجميل رعايته، و مصلح أمور العابدين بحسن كفايته، و مصلح أمور الواجدين
(1) وردت (وفر ...) ثم بعدها بياض فأكملناها على هذا النحو ليتم المعنى.
(2) وردت (و ظاهرهم) و لكن السياق يقتضى ما أثبتناه.
(3) وردت (جميع الجمع) و لكن الاصطلاح الصوفي هو جمع الجمع و هو درجة فوق الجمع و جمع الجمع هو الاستهلاك بالكلية و فناء الإحساس بما سوى اللّه (رسالة القشيري ط سنة 1959 ص 39).
لطائف الاشارات، ج1، ص: 47
بقديم عنايته، أصلح أمور قوم فاستغنوا بعطائه، و أصلح أمور آخرين فاشتاقوا للقائه، و ثالث أصلح أمورهم فاستقاموا للقائه، قال قائلهم:
مادام عزّك مسعودا طوالعه
فلا أبالى أعاش الناس أم فقدوا
قوله جلّ ذكره:
[سورة الفاتحة (1): آية 3]
اسمان مشتقان من الرحمة، و الرحمة صفة أزلية و هى إرادة النعمة و هما اسمان موضوعان للمبالغة و لا فضل بينهما عند أهل التحقيق.
و قيل الرحمن أشد مبالغة و أتم فى الإفادة، و غير الحق سبحانه لا يسمى بالرحمن على الإطلاق، و الرحيم ينعت به غيره، و برحمته عرف العبد أنه الرحمن، و لو لا رحمته لما عرف أحد أنه الرحمن، و إذا كانت الرحمة إرادة النعمة، أو نفس النعمة كما هى (عند قوم فالنعم فى أنفسها مختلفة، و مراتبها متفاوتة فنعمة هى) «1» نعمة الأشباح و الظواهر، و نعمة هى نعمة الأرواح و الأسرار.
و على طريقة من فرّق بينهما فالرحمن خاص الاسم عام المعنى، و الرحيم عام الاسم خاص المعنى؛ فلأنه الرحمن رزق الجميع ما فيه راحة ظواهرهم، و لأنه الرحيم وفق المؤمنين لما به حياة سرائرهم، فالرحمن بما روّح، و الرحيم بما لوّح؛ فالترويح بالمبارّ، و التلويح بالأنوار:
و الرحمن بكشف تجلّيه و الرحيم بلطف تولّيه، و الرحمن بما أولى من الإيمان و الرحيم بما أسدى «2» من العرفان، و الرحمن بما أعطى من العرفان و الرحيم بما تولّى من الغفران، بل الرحمن بما ينعم به من الغفران و الرحيم بما يمنّ به من الرضوان، بل الرحمن بما يكتم به و الرحيم بما ينعم به من الرؤية و العيان، بل الرحمن بما يوفق، و الرحيم بما تحقق، و التوفيق للمعاملات، و التحقيق للمواصلات، فالمعاملات للقاصدين، و المواصلات للواجدين، و الرحمن بما يصنع لهم و الرحيم بما يدفع عنهم؛ فالصنع بجميل الرعاية و الدفع بحسن العناية.
قوله جل ذكره:
[سورة الفاتحة (1): آية 4]
المالك من له الملك، و ملك الحق سبحانه و تعالى قدرته على الإبداع، فالملك مبالغة من المالك و هو سبحانه الملك المالك، و له الملك. و كما لا إله إلا هو فلا قادر على الإبداع إلا هو، فهو بإلهيته متوحد، و بملكه متفرد، ملك نفوس العابدين فصرفها فى خدمته، و ملك قلوب العارفين فشرّفها بمعرفته، و ملك نفوس القاصدين
(1) تكملة فى الهامش استدرك بها الناسخ فأثبتناها فى موضعها.
(2) وردت (أسرى) و الأصح (أسدى).
لطائف الاشارات، ج1، ص: 48
فتيّمها، و ملك قلوب الواجدين فهيّمها. ملك أشباح من عبده فلاطفها بنواله و أفضاله، و ملك أرواح من أحبهم (....) «1» فكاشفها بنعت جلاله، و وصف جماله. ملك زمام أرباب التوحيد فصرفهم حيث شاء على ما شاء و وفّقهم حيث شاء على ما شاء كما شاء، و لم يكلهم إليهم لحظة، و لا ملّكهم من أمرهم سنّة و لا خطرة، و كان لهم عنهم، و أفناؤهم له منهم «2» .
[فصل] ملك قلوب العابدين إحسانه فطمعوا فى عطائه، و ملك قلوب الموحدين سلطانه فقنعوا ببقائه. عرّف أرباب التوحيد أنه مالكهم فسقط عنهم اختيارهم، علموا أن العبد لا ملك له، و من لا ملك له لا حكم له، و من لا حكم له لا اختيار له، فلا لهم عن طاعته إعراض و لا على حكمه اعتراض، و لا فى اختياره معارضة، و لا لمخالفته تعرّض، «و يوم الدين».
يوم الجزاء و النشر، و يوم الحساب و الحشر- الحق سبحانه و تعالى يجزى كلّا بما يريد، فمن بين مقبول يوم الحشر بفضله سبحانه و تعالى لا بفعلهم، و من بين مردود بحكمه سبحانه و تعالى لا بجرمهم. فأمّا الأعداء فيحاسبهم ثم يعذبهم و أمّا الأولياء فيعاتبهم ثم يقربهم:
قوم إذا ظفروا بنا
جادوا بعتق رقابنا
قوله جل ذكره:
[سورة الفاتحة (1): آية 5]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
معناه نعبدك و نستعين بك. و الابتداء بذكر المعبود أتمّ من الابتداء بذكر صفته- التي هى عبادته و استعانته، و هذه الصيغة أجزل فى اللفظ، و أعذب فى السمع. و العبادة الإتيان بغاية ما فى (بابها) «3» من الخضوع، و يكون ذلك بموافقة الأمر، و الوقوف حيثما وقف الشرع.
و الاستعانة طلب الإعانة من الحق.
و العبادة تشير إلى بذل الجهد و المنّة، و الاستعانة تخبر عن استجلاب الطول و المنّة، فبالعبادة يظهر شرف العبد، و بالاستعانة يحصل اللطف للعبد. فى العبادة وجود شرفه، و بالاستعانة أمان تلفه. و العبادة ظاهرها تذلل، و حقيقتها تعزّز و تحمّل:
و إذا تذللت الرقاب تقربا
منّا إليك، فعزّها فى ذلّها
(1) مشتبهة فى ص، و ربما كانت (و أحبوه).
(2) (له) هنا معناها لأجله اى أنه أفناهم من أنفسهم لأجله ليبقوا به، و كان الأسلم أن تكون العبارة:
و أفناؤهم منهم له و لكن حرص المصنّف على مراعاة الانسجام بين عنهم و منهم.