کتابخانه تفاسیر
مجاز القرآن، ج1، ص: 23
يا مالك يوم الدين، لأنه يخاطب شاهدا، ألا تراه يقول: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» (4) فهذه حجة لمن نصب، و من جره قال: هما كلامان.
«الدِّينِ» (2) الحساب و الجزاء، يقال فى المثل: «كما تدين تدان»، «1» و قال ابن نفيل
و اعلم و أيقن أنّ ملكك زائل
و اعلم بأنّ كما تدين تدان «2»
و مجاز من جرّ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» أنه حدث عن مخاطبة غائب، ثم رجع فخاطب شاهدا فقال: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا» (5)، قال عنترة بن شدّاد العبسىّ:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت
عسرا علىّ طلا بك ابنة مخرم «3»
(1) «كما ... تدان»: هذا المثل فى الكامل 185، الجمهرة 2/ 306، جمهرة الأمثال 2/ 154، الميداني 2/ 273، اللسان، التاج (دين)، الفرائد 2/ 122.
(2) ابن نفيل: هو يزيد بن الصعق الكلابي، و اسم الصعق: عمرو بن خويلد ابن نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. و قال أبو عبيدة (النقائض 759): و إنما سمى الصعق لقدومه بالموسم، فهبت الريح فألقت فى فيه التراب فلعنها فرمى بصاعقة فمات. انظر ترجمته فى معجم المرزباني 494.
- و البيت فى الكامل 185، و الطبري 1/ 51، و الجمهرة 2/ 306، و اللسان، و التاج (دين).
(3) هذا البيت من معلقته و هو فى ديوانه فى الستة 45 و شرح العشر 91.
مجاز القرآن، ج1، ص: 24
و قال أبو كبير الهذلىّ:
يا لهف نفسى كان جدّة خالد
و بياض وجهك للتّراب الأعفر «1»
و مجاز «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» : إذا بدىء بكناية المفعول قبل الفعل جاز الكلام، فإن بدأت بالفعل لم يجز، كقولك: نعبد إياك، قال العجّاج:
إيّاك أدعو فتقّبل ملقى «2»
و لو بدأت بالفعل لم يجز كقولك: أدعو إيّاك، محال، فإن زدت الكناية فى آخر الفعل جاز الكلام: أدعوك إياك.
«الصِّراطَ» (5): الطريق، المنهاج الواضح، قال:
فصدّ عن نهج الصّراط القاصد «3»
و قال جرير:
أمير المؤمنين على صراط
إذا اعوجّ الموارد مستقيم «4»
(1) من كلمة فى ديوانه 19 بيتا 2/ 101 (القاهرة)- و الطبري 1/ 51.
(2) ديوانه 40، الجمهرة 3/ 163، و اللسان، التاج (ملق)
(3) الشطر فى الطبري 1/ 56 و القرطبي 1/ 128.
(4) ديوانه 507- و الطبري 1/ 56 و الجمهرة 2/ 330 و اللسان (سرط) و القرطبي 1/ 128.
مجاز القرآن، ج1، ص: 25
و الموارد: الطرق، ما وردت عليه من ماء، و كذلك القرىّ و قال:
وطئنا أرضهم بالخيل حتى
تركناهم أذلّ من الصراط «1»
«غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ» (7) مجازها: غير المغضوب عليهم و الضالين، و «لا» من حروف «2» الزوائد لتتميم الكلام، و المعنى إلقاؤها، و قال العجاج:
فى بئر لا حور سرى و ما شعر «3»
(1) نسب الطبري هذا البيت إلى أبى ذؤيب، و القرطبي (1/ 128) إلى عامر بن الطفيل، و السيوطي (الإتقان 1/ 155) إلى عبيد بن الأبرص و لم أجده فى دواوينهم.
(2) «و لا من حروف ... إلخ» قال الطبري 1/ 61: كان بعض أهل البصرة يزعم أن «لا» مع الضالين أدخلت تتميما للكلام، و المعنى إلغاؤها؛ و يستشهد على قيله ببيت العجاج ... و يتأول معنى: «فى بئر لا حور سرى» أي فى بئر هلكة و إن «لا» بمعنى الإلغاء و الصلة، و يعتل أيضا لذلك بقول أبى النجم .. يعنى الطبري بهذا القول أبا عبيدة؛ و يروى تفسير هذه الآية كلها مع ما استشهد به و يرد القول عليه و يصوب أقوال بعض النحويين الكوفيين. و سترى كثيرا أنه يروى قول أبى عبيدة، أو يرد عليه و لا يصرح باسمه، يقول مثلا: «قال بعض أهل البصرة»، «و بعض أهل الغريب من أهل البصرة»، «و بعض أهل العلم بالعربية» و لا يسميه إلا فى مواضع يسيرة جدا، و سترى الطبري كثيرا ما يتطاول عليه، و ينسبه إلى الجهل بتأويل أهل التأويل أو ما يشبه ذلك، و هو أحيانا يضرب فى حديد بارد و ينفخ فى غير ضرم.
(3) ديوانه 16- و الطبري 1/ 61 و الجمهرة 2/ 146 و اللسان و التاج (صور) و الخزانة 2/ 95.
مجاز القرآن، ج1، ص: 26
أي فى بئر خور أي هلكة، و قال أبو النجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا
لمّا رأين الشّمط القفندرا «1»
القفندر: القبيح الفاحش، أي فما ألوم البيض أن يسخرن، و قال:
و يلحيننى فى اللهو ألّا أحبّه
و للّهو داع دائب غير غافل «2»
و المعنى: و يلحيننى فى اللهو أن أحبه. و فى القرآن آية أخرى: «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ» (7/ 11) مجازها: ما منعك أن تسجد. «وَ لَا الضَّالِّينَ» : «لا» تأكيد لأنه نفى، فأدخلت «لا» لتوكيد النفي، تقول: جئت بلا خير «3» و لا بركة، و ليس عندك نفع و لا دفع.
(1) أبو النجم: اسمه الفضل بن قدامة بن عبد اللّه، عجلى من بنى عجل بن لجيم، أخباره فى الأغانى 9/ 73، و له ترجمة فى الخزانة 1/ 49.- و البيت فى الكتاب 2/ 32 و الطبري 1/ 61 و الجمهرة 3/ 334 و الزجاج 1/ 107 ب و القرطبي 2/ 182 و الصحاح و اللسان و التاج (قفندر) و الخزانة 1/ 48.
(2) هذا البيت للأحوص و هو فى الكامل مع آخر قبله 49 و القرطبي 1/ 62 و نقله أبو على الفارسي فى الحجة (م) 1/ 110 من إنشاد أبى عبيدة.
(3) «و المعنى ... خير»: قال الطبري 1/ 62: كان بعض أهل البصرة (يريد أبا عبيدة) يزعم أن «لا» مع الضالين أدخلت تتميما للكلام، و المعنى إلغاؤها و يستشهد على قيله ذلك ببيت العجاج ... و حكى عن قائل هذه المقالة أنه كان يتأول غير» التي مع «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» أنها بمعنى «سوى» فكان معنى الكلام عنده:
«اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم الذين هم سوى المغضوب عليهم» انتهى. تفسير أبى عبيدة «غير» ب «سوى» حكى عنه فى اللسان (غير) أيضا و لكنه لم يرد فى النسخ التي فى أيدينا؛ و قد رد هذا التفسير على قائله فى معانى القرآن للفراء (2 آ) دون التصريح باسمه.
مجاز القرآن، ج1، ص: 27
[قال أبو خراش:
فإنك لو أبصرت مصرع خالد
بجنب السّتار بين أظلم فالحزم «1»
إذا لرأيت النّاب غير رزيّة
و لا البكر لاضطمّت يداك على غنم ]
(1) أبو خراش: هو خويلد بن مرة، يكنى أبا خراش من بنى قرد، له ترجمة فى الشعراء 418 و الإصابة 1/ 444 و الخزانة 1/ 212.- و البيت فى ديوان الهذليين 2/ 154 و الخزانة 2/ 317.
مجاز القرآن، ج1، ص: 28
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سورة البقرة (2)
«الم» (1) سكّنت الألف و اللام و الميم، لأنه هجاء، و لا يدخل فى حروف الهجاء إعراب، قال أبو النّجم العجلىّ:
أقبلت من عند زياد كالخرف
أجر رجلىّ بخط مختلف «1»
كأنما تكتّبان لام الف
فجزمه لانه هجاء، و معنى «الم»: افتتاح، مبتدأ كلام، شعار للسورة.
«ذلِكَ الْكِتابُ» (2) معناه: هذا القرآن؛ و قد تخاطب العرب الشاهد فتظهر له مخاطبة الغائب.
قال خفاف بن ندبة السلمىّ، و هى أمه، كانت سوداء، حبشية. و كان من غربان العرب فى الجاهلية:
فان تك خيلى قد أصيب صميمها
فعمدا على عين تيمّمت مالكا «2»
(1) الأشطر فى المخصص 13/ 4 و الشنتمرى 2/ 35 و شواهد المغني 267 و الخزانة 1/ 49 مع اختلاف الرواية.
(2) خفاف: هو خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد بن رياح، و هو أحد فرسان قيس و شعراءها المذكورين، مخضرم، نشأ فى الجاهلية و أدرك الإسلام و شهد فتح مكة، و كان معه لواء بنى سليم و اللواء الآخر مع العباس بن مرداس و شهد حنينا و الطائف و ثبت على إسلامه فى الردة و بقي إلى زمن عمر بن الخطاب، له ترجمة فى الشعراء 196 و المؤتلف 108 و الأغانى 16/ 134 و الخزانة 2/ 472، و أما ندبة:
فهى أمه كان سباها الحارث بن الشريد حين أغار على بنى الحارث بن كعب فوهبها لابنه عمير فولدت له خفافا، و كانت امرأة سوداء.- و البيتان فى المراجع السابقة، و الكامل 569، و الطبري 1/ 74 و البيت الثاني فى الزجاج 1/ 31 ا، و القرطبي 1/ 136، و اللسان، و التاج (صمم).
مجاز القرآن، ج1، ص: 29
أقول له و الرّمح يأطر متنه
تأمّل خفافا إنّني أنا ذلكا
يعنى مالك بن حمّاد الشمخىّ، و صميم خيله: معاوية أخو خنساء، قتله دريد و هاشم ابنا حرمله المريّان. «1»
«لا رَيْبَ فِيهِ» (2) لا شكّ فيه، و أنشدنى أبو عمرو الهذلىّ لساعدة بن جؤيّة الهذلىّ:
فقالوا تركنا الحىّ قد حصروا به
فلا ريب أن قد كان ثمّ لحيم «2»
أي قتيل، يقال: فلان قد لحم، أي قتل، و حصروا به: أي أطافوا به، لا ريب:
لا شكّ.
«هُدىً لِلْمُتَّقِينَ» (2) أي بيانا للمتقين.
«الْمُفْلِحُونَ» (5): كل من أصاب شيئا من الخير فهو مفلح، و مصدره الفلاح و هو البقاء، و كل خير، قال لبيد بن ربيعة:
(1) «يعنى ... المريان»: الخبر فى الأغانى 16/ 134- 141.