کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

مجمع البيان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

(2) سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون و مائتان(286)

نزول فضلها تفسيرها

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

(3) سورة آل عمران مدنية و آياتها مائتان(200)

توضيح فضلها

الجزء الثالث

(4) سورة النساء مدنية و آياتها ست و سبعون و مائة(176)

توضيح عدد آيها خلافها آيتان فضلها تفسيرها

(5) سورة المائدة مدنية و آياتها عشرون و مائة(120)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

الجزء الرابع

(6) سورة الأنعام مكية و آياتها خمس و ستون و مائة(165)

توضيح عدد آيها فضلها تفسيرها

(7) سورة الأعراف مكية و آياتها ست و مائتان(206)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(8) سورة الأنفال مدنية و آياتها خمس و سبعون(75)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

الجزء الخامس

(9) سورة التوبة مدنية و آياتها تسع و عشرون و مائة(129)

توضيح عدد آيها اختلافها أسماؤها عشرة فضلها علة ترك التسمية - في أولها قراءة و كتابة تفسيرها

(10) سورة يونس مكية و آياتها تسع و مائة(109)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(11) سورة هود مكية و آياتها ثلاث و عشرون و مائة(123)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(12) سورة يوسف مكية و آياتها إحدى عشرة و مائة(111)

توضيح عدد آيها فضلها تفسيرها

الجزء السادس

(13) سورة الرعد مدنية و آياتها ثلاث و أربعون(43)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(14) سورة إبراهيم مكية و آياتها ثنتان و خمسون(52)

(16) سورة النحل مكية و آياتها ثمان و عشرون و مائة(128)

توضيح عدد آيها فضلها تفسيرها

(17) سورة الإسراء مكية و آياتها إحدى عشرة و مائة(111)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(18) سورة الكهف مكية و آياتها عشر و مائة(110)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(19) سورة مريم مكية و آياتها ثمان و تسعون(98)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

الجزء السابع

(20) سورة طه مكية و آياتها خمس و ثلاثون و مائة(135)

عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(21) سورة الأنبياء مكية و آياتها اثنتا عشرة و مائة(112)

توضيح اختلافها فضلها تفسيرها

(22) سورة الحج مدنية و آياتها ثمان و سبعون(78)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(23) سورة المؤمنون مكية و آياتها ثماني عشرة و مائة(118)

عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(24) سورة النور مدنية و آياتها أربع و ستون(64)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(26) سورة الشعراء مكية و آياتها سبع و عشرون و مائتان(227)

(28) سورة القصص مكية و آياتها ثمان و ثمانون(88)

عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

الجزء الثامن

(29) سورة العنكبوت مكية و آياتها تسع و ستون(69)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(33) سورة الأحزاب مدنية و آياتها ثلاث و سبعون(73)

توضيح فضلها تفسيرها

(37) سورة الصافات مكية و آياتها ثنتان و ثمانون و مائة(182)

عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(39) سورة الزمر مكية و آياتها خمس و سبعون(75)

(40) سورة غافر مكية و آياتها خمس و ثمانون(85)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

الجزء التاسع

(43) سورة الزخرف مكية و آياتها تسع و ثمانون(89)

الجزء العاشر

مجمع البيان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 439

و الحج في اللغة هو القصد على وجه التكرار و في الشريعة عبارة عن قصد البيت بالعمل المشروع من الإحرام و الطواف و السعي و الوقوف بالموقفين و غير ذلك قال الشاعر:

و أشهد من عوف حلولا كثيرة

يحجون بيت الزبرقان المزعفرا

يعني يكثرون التردد إليه لسؤدده و العمرة هي الزيارة أخذ من العمارة لأن الزائر يعمر المكان بزيارته و هي في الشرع زيارة البيت بالعمل المشروع و الجناح الميل عن الحق يقال جنح إليه جنوحا إذا مال و أجنحته فاجتنح أي أملته فمال و جناحا الطائر يداه و يدا الإنسان جناحاه و جناحا العسكر جانباه و الطواف الدوران حول الشي‏ء و منه الطائف و في عرف الشرع الدور حول البيت و الطائفة الجماعة كالحلقة الدائرة و يطوف أصله يتطوف و مثله يطوع و الفرق بين الطاعة و التطوع أن الطاعة موافقة الإرادة في الفريضة و النافلة و التطوع التبرع بالنافلة خاصة و أصلهما من الطوع الذي هو الانقياد و الشاكر فاعل الشكر و إنما يوصف سبحانه بأنه شاكر مجازا و توسعا لأنه في الأصل هو المظهر للإنعام عليه و الله يتعالى عن أن يكون عليه نعمة لأحد.

الإعراب‏

قوله‏ «فَمَنْ حَجَّ» «وَ مَنْ تَطَوَّعَ» يحتمل أمرين (أحدهما) أن يكون من موصولا بمنزلة الذي و الآخر أن يكون للجزاء فإن كان موصولا فلا موضع للفعل الذي بعده هو مع صلته في موضع رفع الابتداء و الفاء على هذا مع ما بعده في قوله‏ «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ» «فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ» في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ الموصول و إن كان للجزاء كان الفعل الذي بعده في موضع الجزم و كانت الفاء مع ما بعدها أيضا في موضع جزم لوقوعها موقع الفعل المجزوم الذي هو جزاء و الفعل الذي هو حج أو تطوع على لفظ الماضي و التقدير به المستقبل كما أن ذلك في قولك إن أكرمتني أكرمتك كذلك و قوله‏ «فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ» إنما يصح أن يقع موقع الجزاء أو موقع خبر المبتدأ و إن لم يكن فيه ضمير عائد لأن تقديره يعامله معاملة الشاكر بحسن المجازاة و إيجاب المكافاة و إنما دخلت الفاء في خبر المبتدأ الموصول لما فيه من معنى الجزاء و إن لم يكن في موضع الجزم أ لا ترى أن هذه الفاء تؤذن بأن الثاني وجب لوجوب الأول.

المعنى‏

لما ذكر سبحانه امتحان العباد بالتكليف و الإلزام مرة و بالمصائب و الآلام أخرى ذكر سبحانه أن من جملة ذلك أمر الحج فقال‏ «إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» أي إنهما من أعلام متعبداته و قيل من مواضع نسكه و طاعاته عن ابن عباس و قيل من دين‏

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 440

الله عن الحسن و قيل فيه حذف و تقديره الطواف بين الصفا و المروة من شعائر الله و

روي عن جعفر الصادق (ع) أنه قال‏ نزل آدم على الصفا و نزلت حواء على المروة فسمي الصفا باسم آدم المصطفى و سميت المروة باسم المرأة

و قوله‏ «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ» أي قصده بالأفعال المشروعة «أَوِ اعْتَمَرَ» أي أتى بالعمرة بالمناسك المشروعة و قوله‏ «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ» أي لا حرج عليه‏ «أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما»

قال الصادق (ع) كان المسلمون يرون أن الصفا و المروة مما ابتدع أهل الجاهلية فأنزل الله هذه الآية و إنما قال‏ «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» و هو واجب أو طاعة على الخلاف فيه لأنه كان على الصفا صنم يقال له إساف و على المروة صنم يقال له نائلة و كان المشركون إذا طافوا بهما مسحوهما فتحرج المسلمون عن الطواف بهما لأجل الصنمين فأنزل الله تعالى هذه الآية

عن الشعبي و كثير من العلماء فرجع رفع الجناح عن الطواف بهما إلى تحرجهم عن الطواف بهما لأجل الصنمين لا إلى عين الطواف كما لو كان الإنسان محبوسا في موضع لا يمكنه الصلاة إلا بالتوجه إلى ما يكره التوجه إليه من المخرج و غيره فيقال له لا جناح عليك في الصلاة إلى ذلك المكان فلا يرجع رفع الجناح إلى عين الصلاة لأن عين الصلاة واجبة إنما يرجع إلى التوجه إلى ذلك المكان و رويت رواية أخرى‏

عن أبي عبد الله (ع) أنه كان ذلك في عمرة القضاء و ذلك أن رسول الله ص شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام فتشاغل رجل من أصحابه حتى أعيدت الأصنام فجاءوا إلى رسول الله ص فقيل له إن فلانا لم يطف و قد أعيدت الأصنام فنزلت هذه الآية «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» أي و الأصنام عليهما قال فكان الناس يسعون و الأصنام على حالها فلما حج النبي ص رمى بها

و قوله‏ «مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً» فيه أقوال (أولها) أن معناه من تبرع بالطواف و السعي بين الصفا و المروة بعد ما أدى الواجب من ذلك عن ابن عباس و غيره (و ثانيها) أن معناه من تطوع بالحج و العمرة بعد أداء الحج و العمرة المفروضين عن الأصم (و ثالثها) أن معناه من تطوع بالخيرات و أنواع الطاعات عن الحسن و من قال إن السعي ليس بواجب قال معناه من تبرع بالسعي بين الصفا و المروة و قوله‏ «فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ» أي مجازية على ذلك و إنما ذكر لفظ الشاكر تلطفا بعباده و مظاهرة في الإحسان و الإنعام إليهم كما قال‏ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً و الله سبحانه لا يستقرض عن عوز و لكنه ذكر هذا اللفظ على طريق التلطف أي يعامل عباده معاملة المستقرض من حيث إن العبد ينفق في حال غناه فيأخذ أضعاف ذلك في حال فقره و حاجته و كذلك لما كان يعامل عباده معاملة الشاكرين من حيث أنه يوجب الثناء له و الثواب سمى نفسه شاكرا و قوله‏ «عَلِيمٌ» أي بما تفعلونه من الأفعال فيجازيكم عليها

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 441

و قيل عليم بقدر الجزاء فلا يبخس أحدا حقه و في هذه الآية دلالة على أن السعي بين الصفا و المروة عبادة و لا خلاف في ذلك و هو عندنا فرض واجب في الحج و في العمرة و به قال الحسن و عائشة و هو مذهب الشافعي و أصحابه و قال إن السنة أوجبت السعي و هو

قوله ص‏ كتب عليكم السعي فاسعوا

فأما ظاهر الآية فإنما يدل على إباحة ما كرهوه من السعي و عند أبي حنيفة و أصحابه هو تطوع و هو اختيار الجبائي و روي ذلك عن أنس و ابن عباس و عندنا و عند الشافعي من تركه متعمدا فلا حج له.

[سورة البقرة (2): آية 159]

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى‏ مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159)

النزول‏

المعني بالآية اليهود و النصارى مثل كعب بن الأشرف و كعب بن أسد و ابن صوريا و زيد بن التابوه و غيرهم من علماء النصارى الذين كتموا أمر محمد و نبوته و هم يجدونه مكتوبا في التوراة و الإنجيل مثبتا فيهما عن ابن عباس و مجاهد و الحسن و قتادة و أكثر أهل العلم و قيل إنه متناول لكل من كتم ما أنزل الله و هو اختيار البلخي و هو الأقوى لأنه أعم فيدخل فيه أولئك و غيرهم.

المعنى‏

ثم حث الله سبحانه على إظهار الحق و بيانه و نهى عن إخفائه و كتمانه فقال‏ «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ» أي يخفون‏ «ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ» أي من الحجج المنزلة في الكتب‏ «وَ الْهُدى‏» أي الدلائل فالأول علوم الشرع و الثاني أدلة العقل فعم بالوعيد في كتمان جميعها و قيل أراد بالبينات الحجج الدالة على نبوته (ع) و بالهدى ما يؤديه إلى الخلق من الشرائع و قيل البينات و الهدى هي الأدلة و هما بمعنى واحد و إنما كرر لاختلاف لفظيهما «مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ» يعني في التوراة و الإنجيل من صفته (ع) و من الأحكام و قيل في الكتب المنزلة من عند الله و قيل أراد بقوله‏ «ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ» الكتب المتقدمة و بالكتاب القرآن‏ «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ» أي يبعدهم من رحمته بإيجاب العقوبة لأنه لا يجوز لهن من لا يستحق العقوبة «وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» قيل الملائكة و المؤمنون عن قتادة و الربيع و هو الصحيح لقوله سبحانه‏ «عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ» و قيل دواب الأرض و هوامها تقول منعنا القطر بمعاصي بني آدم عن‏

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 442

مجاهد و عكرمة و قيل كل شي‏ء سوى الثقلين الجن و الإنس عن ابن عباس و قيل إذا تلا عن الرجلان رجعت اللعنة على المستحق لها فإن لم يستحقها واحد منهما رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله عن ابن مسعود فإن قيل كيف يصح ذلك على قول من قال المراد باللاعنين البهائم و هذا الجمع لا يكون إلا للعقلاء قيل لما أضيف إليها فعل ما يعقل عوملت معاملة من يعقل كقوله سبحانه‏ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ‏ و إنما أضيف اللعن إلى من لا يعقل لأن الله يلهمهم اللعن عليهم لما في ذلك من الزجر عن المعاصي لأن الناس إذا علموا أنهم إذا عملوا هذه المعاصي استحقوا اللعن حتى أنه يلعنهم الدواب و الهوام كان لهم في ذلك أبلغ الزجر و قيل إنما يكون ذلك في الآخرة يكمل الله عقولها فتلعنهم و في هذه الآية دلالة على أن كتمان الحق مع الحاجة إلى إظهاره من أعظم الكبائر و أن من كتم شيئا من علوم الدين و فعل مثل فعلهم فهو مثلهم في عظم الجرم و يلزمه كما لزمهم الوعيد و

قد روي عن النبي ص أنه قال‏ من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار

و فيها أيضا دلالة على وجوب الدعاء إلى التوحيد و العدل لأن في كتاب الله تعالى ما يدل عليهما تأكيدا لما في العقول من الأدلة.

[سورة البقرة (2): آية 160]

إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)

اللغة

التوبة هي الندم الذي يقع موقع التنصل من الشي‏ء و ذلك بالتحسر على مواقعته و العزم على ترك معاودته إن أمكنت المعاودة و اعتبروا قوم ترك المعاودة على مثله في القبح و هذا أقوى لأن الأمة أجمعت على سقوط العقاب عند هذه التوبة و فيما عداها خلاف و إصلاح العمل هو إخلاصه من قبيح ما يشوبه و التبيين هو التعريض للعلم الذي يمكن به صحة التمييز من البين الذي هو القطع.

الإعراب‏

موضع الذين نصب على الاستثناء من الكلام الموجب و معنى الاستثناء الاختصاص بالشي‏ء دون غيره فإذا قلت جاءني القوم إلا زيدا فقد اختصصت زيدا بأنه لم يجي‏ء و إذا قلت ما جاءني إلا زيد فقد اختصصته بالمجي‏ء و إذا قلت ما جاءني زيد إلا راكبا فقد اختصصته بهذه الحالة دون غيرها من المشي و العدو و غيرهما.

المعنى‏

ثم استثنى الله سبحانه في هذه الآية من تاب و أصلح و بين من جملة من‏

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 443

استحق اللعنة فقال‏ «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا» أي ندموا على ما قدموا «وَ أَصْلَحُوا» نياتهم فيما يستقبل من الأوقات‏ «وَ بَيَّنُوا» اختلف فيه فقال أكثر المفسرين بينوا ما كتموه من البشارة بالنبي ص و قيل بينوا التوبة و إصلاح السريرة بالإظهار لذلك فإن من ارتكب المعصية سرا كفاه التوبة سرا و من أظهر المعصية يجب عليه أن يظهر التوبة و قيل بينوا التوبة بإخلاص العمل‏ «فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ» أي أقبل و الأصل في أتوب أفعل التوبة إلا أنه لما وصل بحرف الإضافة دل على أن معناه أقبل التوبة إنما كان لفظه مشتركا بين فاعل التوبة و القابل لها للترغيب في صفة التوبة إذ وصف بها القابل لها و هو الله عز اسمه و ذلك من إنعام الله على عباده لئلا يتوهم بما فيها من الدلالة على مفارقة الذنب أن الوصف بها عيب فلذلك جعلت في أعلى صفات المدح‏ «وَ أَنَا التَّوَّابُ» هذه اللفظة للمبالغة إما لكثرة ما يقبل التوبة و إما لأنه لا يرد تائبا منيبا أصلا و وصفه سبحانه نفسه بالرحيم عقيب قوله‏ «التَّوَّابُ» يدل على أن إسقاط العقاب عند التوبة تفضل من الله سبحانه و رحمة من جهته على ما قاله أصحابنا و أنه غير واجب عقلا على ما يذهب إليه المعتزلة فإن قالوا قد يكون الفعل الواجب نعمة إذا كان منعما بسببه كالثواب و العوض لما كان منعما بالتكليف و بالآلام التي تستحق بها الأعواض جاز أن يطلق عليها اسم النعمة فالجواب أن ذلك إنما قلناه في الثواب و العوض ضرورة و لا ضرورة هاهنا تدعو إلى ارتكابه.

[سورة البقرة (2): الآيات 161 الى 162]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)

اللغة

واحد الناس إنسان في المعنى فأما في اللفظ فلا واحد له فهو كنفر و رهط مما يقال إنه اسم للجمع و الخلود اللزوم أبدا و البقاء الوجود في وقتين فصاعدا و لذلك لم يجز في صفات الله تعالى خالد و جاز باق و لذلك يقال أخلد إلى قوله أي لزم معنى ما أتى به و منه قوله‏ وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ‏ أي مال إليها ميل اللازم لها و الفرق بين الخلود و الدوام أن الدوام هو الوجود في الأزل و إلا يزال فإذا قيل دام المطر فهو على المبالغة و حقيقته لم يزل من وقت كذا إلى وقت كذا و الخلود هو اللزوم أبدا و التخفيف هو النقصان من المقدار الذي له و العذاب هو الألم الذي له امتداد و الإنظار الإمهال قدر ما يقع النظر

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 444

في الخلاص و أصل النظر الطلب فالنظر بالعين هو الطلب بالعين و كذلك النظر بالقلب أو باليد أو بغيرها من الحواس تقول أنظر الثوب أين هو أي اطلبه أين هو و الفرق بين العذاب و الإيلام أن الإيلام قد يكون بجزء من الألم في الوقت الواحد مقدار ما يتألم به و العذاب الألم الذي له استمرار في أوقات و منه العذب لاستمراره في الحلق و العذبة لاستمرارها بالحركة.

الإعراب‏

«وَ هُمْ كُفَّارٌ» جملة في موضع الحال و أجمعين تأكيد و إنما أكد به ليرتفع الإيهام و الاحتمال قبل أن ينظر في تحقيق الاستدلال و لهذا لم يجز الأخفش رأيت أحد الرجلين كليهما و أجاز رأيتهما كليهما لأنك إذا ذكرت الحكم مقرونا بالدليل أزلت الإيهام للفساد و إذا ذكرته وحده فقد يتوهم عليك الغلط في المقصد و أنت لما ذكرت التثنية في قولك أحد الرجلين و ذكرت أحدا كنت بمنزلة من ذكر الحكم و الدليل عليه فأما ذكر التثنية في رأيتهما فبمنزلة ذكر الحكم وحده و خالدين منصوب على الحال و العامل فيه الظرف من قوله‏ عَلَيْهِمْ‏ لأن فيه معنى الاستقرار للعنة و ذو الحال الهاء و الميم من عليهم كقولك عليهم المال صاغرين و قوله‏ «فِيها» الهاء يعود إلى اللعنة في قول الزجاج و إلى النار في قول أبي العالية «لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ» جملة في موضع الحال‏ «وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ» كذلك و هم تأكيد لضمير في فعل مقدر يفسره هذا الظاهر تقديره و لا هم ينظرون هم.

المعنى‏

لما بين سبحانه حال من كتم الحق و حال من تاب منهم عقبه بحال من يموت من غير توبة منهم أو من الكفار جميعا فقال‏ «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ» أي ماتوا مصرين على الكفر و إنما قال‏ «وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ» مع أن كل كافر ملعون في حال كفره ليصير الوعيد فيه غير مشروط لأن بالموت يفوت التلافي بالتوبة فلذلك شرط سبحانه و بين أن الكفار لم يموتوا على كفرهم لم تكن هذه حالهم و قيل إن هذا الشرط إنما هو في خلود اللعنة لهم كقوله‏ «خالِدِينَ فِيها» «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ» أي إبعاده من رحمته و عقابه‏ «وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ» فإن قيل كيف قال‏ «وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ» و في الناس من لا يلعن الكافر فالجواب من وجوه (أحدها) أن كل أحد من الناس يلعن الكافر أما في الدنيا و أما في الآخرة أو فيهما جميعا كما قال‏ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً عن أبي العالية و (ثانيها) أنه أراد به المؤمنين كأنه لم يعتد بغيرهم كما يقال المؤمنون هم الناس عن قتادة و الربيع و (ثالثها) أنه لا يمتنع أحد من لعن الظالمين فيدخل في ذلك الكافر لأنه ظالم عن السدي و اللعنة إنما تكون من الناس على وجه الدعاء و من الله على‏

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 445

وجه الحكم و قوله‏ «خالِدِينَ فِيها» أي دائمين فيها أي في تلك اللعنة عن الزجاج و الجبائي و قيل في النار لأنه كالمذكور لشهرته في حال المعذبين و لأن اللعن إبعاد من الرحمة و إيجاب للعقاب و العقاب يكون في النار و أما الخلود في اللعنة فيحتمل أمرين (أحدهما) الاستحقاق للعنة بمعنى أنها تحق عليهم أبدا (و الثاني) في عاقبة اللعنة و هي النار التي لا تفنى أبدا و قوله‏ «لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ» أي يكون عذابهم على وتيرة واحدة فلا يخفف أحيانا و يشتد أحيانا «وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ» أي لا يمهلون للاعتذار كما قال سبحانه‏ وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ‏ قطعا لطمعهم في التوبة عن أبي العالية و قيل معناه لا يؤخر العذاب عنهم بل عذابهم حاضر.

[سورة البقرة (2): آية 163]

وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163)

اللغة

واحد شي‏ء لا ينقسم عددا كان أو غيره و يجري على وجهين على الحكم و على جهة الوصف فالحكم كقولك جزء واحد فإنه لا ينقسم من جهة أنه جزء و الوصف كقولك إنسان واحد و دار واحدة فإنه لا ينقسم من جهة أنه إنسان.

الإعراب‏

هو من قوله‏ «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» في موضع رفع على البدل من موضع لا مع الاسم كقولك لا رجل إلا زيد كأنك قلت ليس إلا زيد كما تريد من المعنى إذ لم تعتد بغيره و لا يجوز النصب على قولك ما قام أحد إلا زيد لأن البدل يدل على أن الاعتماد على الثاني و المعنى ذلك و النصب يدل على أن الاعتماد في الأخبار إنما هو على الأول و العبارة الواضحة إن هو بدل من محل إله قبل التركيب و قوله‏ «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» هو إثبات الله سبحانه و هو بمنزلة قولك الله الآلة وحده و إنما كان كذلك لأنه القادر على ما يستحق به العبادة و لا لم يدل على النفي في هذا الخبر من قبل أنه لم يدل على إله موجود و لا معدوم سوى الله لكنه نقيض لقول من ادعى إلها مع الله و إنما النفي إخبار بعدم شي‏ء كما أن الإثبات إخبار بوجوده.

النزول‏

ابن عباس قال إن كفار قريش قالوا يا محمد صف لنا و انسب لنا ربك فأنزل الله هذه الآية و سورة الإخلاص.

المعنى‏

صفحه بعد