کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

مجمع البيان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

(2) سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون و مائتان(286)

نزول فضلها تفسيرها

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

(3) سورة آل عمران مدنية و آياتها مائتان(200)

توضيح فضلها

الجزء الثالث

(4) سورة النساء مدنية و آياتها ست و سبعون و مائة(176)

توضيح عدد آيها خلافها آيتان فضلها تفسيرها

(5) سورة المائدة مدنية و آياتها عشرون و مائة(120)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

الجزء الرابع

(6) سورة الأنعام مكية و آياتها خمس و ستون و مائة(165)

توضيح عدد آيها فضلها تفسيرها

(7) سورة الأعراف مكية و آياتها ست و مائتان(206)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(8) سورة الأنفال مدنية و آياتها خمس و سبعون(75)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

الجزء الخامس

(9) سورة التوبة مدنية و آياتها تسع و عشرون و مائة(129)

توضيح عدد آيها اختلافها أسماؤها عشرة فضلها علة ترك التسمية - في أولها قراءة و كتابة تفسيرها

(10) سورة يونس مكية و آياتها تسع و مائة(109)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(11) سورة هود مكية و آياتها ثلاث و عشرون و مائة(123)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(12) سورة يوسف مكية و آياتها إحدى عشرة و مائة(111)

توضيح عدد آيها فضلها تفسيرها

الجزء السادس

(13) سورة الرعد مدنية و آياتها ثلاث و أربعون(43)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(14) سورة إبراهيم مكية و آياتها ثنتان و خمسون(52)

(16) سورة النحل مكية و آياتها ثمان و عشرون و مائة(128)

توضيح عدد آيها فضلها تفسيرها

(17) سورة الإسراء مكية و آياتها إحدى عشرة و مائة(111)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(18) سورة الكهف مكية و آياتها عشر و مائة(110)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(19) سورة مريم مكية و آياتها ثمان و تسعون(98)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

الجزء السابع

(20) سورة طه مكية و آياتها خمس و ثلاثون و مائة(135)

عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(21) سورة الأنبياء مكية و آياتها اثنتا عشرة و مائة(112)

توضيح اختلافها فضلها تفسيرها

(22) سورة الحج مدنية و آياتها ثمان و سبعون(78)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(23) سورة المؤمنون مكية و آياتها ثماني عشرة و مائة(118)

عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(24) سورة النور مدنية و آياتها أربع و ستون(64)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(26) سورة الشعراء مكية و آياتها سبع و عشرون و مائتان(227)

(28) سورة القصص مكية و آياتها ثمان و ثمانون(88)

عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

الجزء الثامن

(29) سورة العنكبوت مكية و آياتها تسع و ستون(69)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(33) سورة الأحزاب مدنية و آياتها ثلاث و سبعون(73)

توضيح فضلها تفسيرها

(37) سورة الصافات مكية و آياتها ثنتان و ثمانون و مائة(182)

عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

(39) سورة الزمر مكية و آياتها خمس و سبعون(75)

(40) سورة غافر مكية و آياتها خمس و ثمانون(85)

توضيح عدد آيها اختلافها فضلها تفسيرها

الجزء التاسع

(43) سورة الزخرف مكية و آياتها تسع و ثمانون(89)

الجزء العاشر

مجمع البيان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 405

و تحملوني قال فأين أنت من شبان مكة و كانت مغنية نائحة قالت ما طلب مني بعد وقعة بدر فحث رسول الله ص عليها بني عبد المطلب فكسوها و حملوها و أعطوها نفقة و كان رسول الله ص يتجهز لفتح مكة فأتاها حاطب بن أبي بلتعة و كتب معها كتابا إلى أهل مكة و أعطاها عشرة دنانير عن ابن عباس و عشرة دراهم عن مقاتل بن حيان و كساها بردا على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة و كتب في الكتاب: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله ص يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة و نزل جبرائيل فأخبر النبي ص بما فعل فبعث رسول الله ص عليا و عمارا و عمر و الزبير و طلحة و المقداد بن الأسود و أبا مرثد و كانوا كلهم فرسانا و قال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي ذكره رسول الله ص فقالوا لها أين الكتاب فحلفت بالله ما معها من كتاب فنحوها و فتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علي (ع) و الله ما كذبنا و لا كذبنا و سل سيفه و قال لها أخرجي الكتاب و إلا و الله لأضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد أخبأته في شعرها فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله ص فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله و الله ما كفرت منذ أسلمت و لا غششتك منذ نصحتك و لا أحببتهم منذ فارقتهم و لكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا و له بمكة من يمنع عشيرته و كنت عريرا فيهم أي غريبا و كان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا و قد علمت أن الله ينزل بهم بأسه و أن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله ص و عذره فقام عمر بن الخطاب و قال دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله ص و ما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏

و روى البخاري و مسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا (ع) يقول‏ بعثنا رسول الله ص أنا و المقداد و الزبير و قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخرجنا و ذكر نحوه.

المعنى‏

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ» خاطب سبحانه المؤمنين و نهاهم أن يتخذوا الكافرين أولياء يوالونهم و يستنصرون بهم و ينصرونهم‏ «تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» أي تلقون إليهم المودة و تبذلون لهم النصيحة يقال ألقيت إليك بسري و قيل معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله ص بالمودة التي بينكم و بينهم عن الزجاج‏ «وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ» و هو القرآن و الإسلام‏ «يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ» من مكة «أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ» أي لأن تؤمنوا أو كراهة أن تؤمنوا فكأنه قال يفعلون ذلك لإيمانكم بالله‏

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 406

ربكم الذي خلقكم‏ «إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي» و المعنى أن كان غرضكم في خروجكم و هجرتكم الجهاد و طلب رضاي فأوفوا خروجكم حقه من معاداتهم و لا تلقوا إليهم بالمودة و لا تتخذوهم أولياء «تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» أي تعلمونهم في السر أن بينكم و بينهم مودة و قيل الباء للتعليل أي تعلمونهم بأحوال الرسول في السر بالمودة التي بينكم و بينهم فعل من يظن أنه يخفى علي ما يفعله‏ «وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ» لا يخفى علي شي‏ء من ذلك فأطلع رسولي عليه‏ «وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ» أي و من أسر إليهم بالمودة و ألقى إليهم أخبار رسولي منكم يا جماعة المؤمنين بعد هذا البيان‏ «فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ» أي عدل عن طريق الحق و جار عن سبيل الرشد و في هذه الآية دلالة على أن الكبيرة لا تخرج عن الإيمان لأن أحد من المسلمين لا يقول إن حاطبا قد خرج من الإيمان بما فعله من الكبيرة الموبقة «إِنْ يَثْقَفُوكُمْ» يعني أن هؤلاء الكفار أن يصادفوكم مقهورين و يظفروا بكم‏ «يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ» أي يمدوا إليكم أيديهم بالضرب و القتل و يبسطوا إليكم ألسنتهم بالشتم و المعنى أنهم يعادونكم و لا ينفعكم ما تلقون إليهم و لا يتركون غاية في إلحاق السوء بكم باليد و اللسان‏ «وَ وَدُّوا» مع ذلك‏ «لَوْ تَكْفُرُونَ» بالله كما كفروا و ترجعون عن دينكم‏ «لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ» أي ذوو أرحامكم و المعنى قراباتكم‏ «وَ لا أَوْلادُكُمْ» أي لا يحملنكم قراباتكم و لا أولادكم التي بمكة على خيانة النبي ص و المؤمنين فلن ينفعكم أولئك الذين عصيتم الله لأجلهم‏ «يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ» الله‏ «بَيْنَكُمْ» فيدخل أهل الإيمان و الطاعة الجنة و أهل الكفر و المعصية النار و يميز بعضكم من بعض ذلك اليوم فلا يرى القريب المؤمن في الجنة قريبه الكافر في النار و قيل معناه يقضي بينكم من فصل القضاء «وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» أي عليم بأعمالكم علم الله سبحانه بما عمله حاطب من مكاتبة أهل مكة حتى أخبر نبيه ص بذلك ثم ضرب سبحانه لهم إبراهيم مثلا في ترك موالاة الكفار فقال‏ «قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» أي اقتداء حسن‏ «فِي إِبْراهِيمَ» خليل الله‏ «وَ الَّذِينَ مَعَهُ» ممن آمن به و اتبعه و قيل الذين معه من الأنبياء عن ابن زيد «إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ» الكفار «إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ» فلا نواليكم‏ «وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي و براء من الأصنام التي تعبدونها و يجوز أن يكون ما مصدرية فيكون المعنى و من عبادتكم الأصنام‏ «كَفَرْنا بِكُمْ» أي يقولون لهم جحدنا دينكم و أنكرنا معبودكم‏ «وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً» فلا يكون بيننا موالاة في الدين‏ «حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ» أي تصدقوا بوحدانية الله و إخلاص التوحيد و العبادة له قال الفراء يقول الله تعالى أ فلا تأتسي يا حاطب بإبراهيم و قومه فتبرأ من أهلك كما تبرؤا منهم أي من قومهم الكفار «إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ» أي اقتدوا بإبراهيم في كل أموره‏

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 407

إلا في هذا القول فلا تقتدوا به فيه فإنه ع إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه بالإيمان فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه قال الحسن و إنما تبين له ذلك عند موت أبيه و لو لم يستثن ذلك لظن أنه يجوز الاستغفار للكفار مطلقا من غير موعدة بالإيمان منهم فنهوا أن يقتدوا به في هذا خاصة عن مجاهد و قتادة و ابن زيد و قيل كان آزر ينافق إبراهيم و يريه أنه مسلم و يعده إظهار الإسلام فيستغفر له عن الحسن و الجبائي ثم قال‏ «وَ ما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ» إذا أراد عقابك و لا يمكنني دفع ذلك عنك‏ «رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا» أي و كانوا يقولون ذلك‏ «وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا» أي إلى طاعتك رجعنا «وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ» أي إلى حكمك المرجع و هذه حكاية لقول إبراهيم و قومه و يحتمل أن يكون تعليما لعباده أن يقولوا ذلك فيفوضوا أمورهم إليه و يرجعون إليه بالتوبة «رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا» معناه لا تعذبنا بأيديهم و لا ببلاء من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق لما أصابهم هذا البلاء عن مجاهد و قيل معناه و لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن دينك و قيل معناه الطف بنا حتى نصبر على أذاهم و لا نتبعهم فنصير فتنة لهم و قيل معناه أعصمنا من موالاة الكفار فإنا إذا واليناهم ظنوا أنا صوبناهم و قيل معناه لا تخذلنا إذا حاربناهم فلو خذلتنا لقالوا لو كان هؤلاء على الحق لما خذلوا «وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا» ذنوبنا «إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ» الذي لا يغالب و «الْحَكِيمُ» الذي لا يفعل إلا الحكمة و الصواب و في هذا تعليم للمسلمين أن يدعو بهذا الدعاء.

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 408

[سورة الممتحنة (60): الآيات 6 الى 9]

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ مَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَ اللَّهُ قَدِيرٌ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى‏ إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)

النزول‏

نزل قوله‏ «لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ» الآية في خزاعة و بني مدلج و كانوا صالحوا رسول الله على أن لا يقاتلوه و لا يعينوا عليه أحدا عن ابن عباس.

المعنى‏

ثم أعاد سبحانه في ذكر الأسوة فقال‏ «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ» أي في إبراهيم و من آمن معه‏ «أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» أي قدوة حسنة و إنما أعاد ذكر الأسوة لأن الثاني منعقد بغير ما انعقد به الأول فإن الثاني فيه بيان أن الأسوة فيهم كان لرجاء ثواب الله و حسن المنقلب و الأول فيه بيان أن الأسوة في المعاداة للكفار و قوله‏ «لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ» بدل من قوله‏ «لَكُمْ» و هو بدل البعض من الكل مثل قوله‏ «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» و فيه بيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله و يخاف عقاب الآخرة و هو قوله‏ «وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ» و قيل يرجو ثواب الله و ما يعطيه من ذلك في اليوم الآخر «وَ مَنْ يَتَوَلَّ» أي و من يعرض عن هذا الاقتداء بإبراهيم و الأنبياء و المؤمنين و الذين معه فقد أخطأ حظ نفسه و ذهب عما يعود نفعه إليه فحذفه لدلالة الكلام عليه و هو قوله‏ «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» أي الغني عن ذلك المحمود في جميع أفعاله فلا يضره توليه و لكنه ضر نفسه‏ «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ» أي من كفار مكة «مَوَدَّةً» بالإسلام قال مقاتل لما أمر الله سبحانه المؤمنين بعداوة الكفار عادوا أقرباءهم فنزلت هذه الآية و المعنى أن موالاة الكفار لا تنفع و الله سبحانه قادر على أن يوفقهم للإيمان و تحصل المودة بينكم و بينهم فكونوا على رجاء و طمع من الله أن يفعل ذلك و قد فعل ذلك حين أسلموا عام الفتح فحصلت المودة بينهم و بين المسلمين‏ «وَ اللَّهُ قَدِيرٌ» على نقل القلوب من العداوة إلى المودة و على كل شي‏ء يصح أن يكون مقدورا له‏ «وَ اللَّهُ غَفُورٌ» لذنوب عباده‏ «رَحِيمٌ» بهم إذا تابوا و أسلموا «لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ» أي ليس ينهاكم الله عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال و برهم و معاملتهم بالعدل و هو قوله‏ «أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ» أي و تعدلوا فيما بينكم و بينهم من الوفاء بالعهد عن الزجاج و قيل إن المسلمين استأمروا النبي ص في أن يبروا أقرباءهم من المشركين و ذلك قبل أن يؤمروا بقتال جميع المشركين فنزلت هذه الآية و هي منسوخة بقوله‏ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏ عن ابن عباس و الحسن و قتادة و قيل إنه عنى بالذين لم يقاتلوكم من آمن من أهل مكة و لم يهاجر عن قتادة و قيل هي عامة في كل من كان بهذه الصفة عن ابن الزبير و الذي عليه الإجماع أن بر الرجل من يشاء من أهل الحرب قرابة كان أو غير قرابة ليس بمحرم و إنما الخلاف في‏

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 409

إعطائهم مال لزكاة و الفطرة و الكفارات فلم يجوزه أصحابنا و فيه خلاف بين الفقهاء و قوله‏ «أَنْ تَبَرُّوهُمْ» في موضع جر بدل من الذين و هو بدل الاشتمال و تقديره لا ينهاكم الله عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم‏ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» أي العادلين و قيل يحب الذين يجعلون لقراباتهم قسطا مما في بيوتهم من المطعومات ثم قال‏ «إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ» من أهل مكة و غيرهم‏ «وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ» أي منازلكم و أملاككم‏ «وَ ظاهَرُوا عَلى‏ إِخْراجِكُمْ» أي عاونوا على ذلك و عاضدوهم و هم العوام و الأتباع عاونوا رؤساءهم على الباطل‏ «أَنْ تَوَلَّوْهُمْ» أي ينهاكم الله عن أن تولوهم و توادوهم و تحبونهم و المعنى أن مكاتبتكم بينهم بإظهار سر المؤمنين موالاة لهم‏ «وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ» منكم أي يوالهم و ينصرهم‏ «فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» يستحقون بذلك العذاب الأليم.

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 410

[سورة الممتحنة (60): الآيات 10 الى 11]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)

القراءة

قرأ أهل البصرة و لا تمسكوا بالتشديد و الباقون‏ «وَ لا تُمْسِكُوا» بالتخفيف و في الشواذ قراءة الأعرج فعقبتم بالتشديد و قراءة النخعي و الزهري و يحيى بن يعمر بخلاف فعقبتم) خفيفة القاف من غير ألف و قراءة مسروق فعقبتم بكسر القاف من غير ألف و القراءة المشهورة «فَعاقَبْتُمْ» و قرأ مجاهد فأعقبتم.

الحجة

حجة من قرأ «لا تُمْسِكُوا» قوله‏ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ‏ وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً و أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ‏ و حجة من قال و لا تمسكوا قوله‏ وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ‏ يقال أمسكت بالشي‏ء و مسكت به و تمسكت به قال ابن جني روينا عن قطرب قال‏ «فَعاقَبْتُمْ» أصبتم عقبى منهن يقال عاقب الرجل شيئا إذا أخذ شيئا و أنشد لطرفة:

" فعقبتم بذنوب غير مر "

جمع مرة فسروه على أعطيتم و عدتم و قال في قوله‏ وَ لَمْ يُعَقِّبْ* لم يرجع و حكي عن الأعمش أنه قال عقبتم غنمتم و قد يجوز أن يكون عقبتم بوزن غنمتم و بمعناه جميعا و روي أيضا بيت طرفة فعقبتم بكسر القاف و حكى أبو عوانة عن المغيرة قال قرأت على إبراهيم‏ «فَعاقَبْتُمْ» فأخذها على فعقبتم خفيفة و معنى أعقبتم صنعتم بهم مثل ما صنعوا بكم.

النزول‏

قال ابن عباس صالح رسول الله ص بالحديبية مشركي مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده عليهم و من أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله ص فهو لهم و لم يردوه عليه و كتبوا بذلك كتابا و ختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب و النبي ص بالحديبية فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم و قال مقاتل هو صيفي ابن الراهب في طلبها و كان كافرا فقال يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا منا و هذه طينة الكتاب لم تجف بعد فنزلت الآية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ» من دار الكفر إلى دار الإسلام‏ «فَامْتَحِنُوهُنَّ» قال ابن عباس امتحانهن أن يستحلفن ما خرجت من بغض زوج و لا رغبة عن أرض إلى أرض و لا التماس دنيا و ما خرجت إلا حبا لله و لرسوله فاستحلفها رسول الله ص ما خرجت بغضا لزوجها و لا عشقا لرجل منا و ما خرجت إلا رغبة في الإسلام فحلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك فأعطى رسول الله ص زوجها مهرها و ما أنفق عليها و لم يردها عليه فتزوجها عمر بن الخطاب فكان رسول الله ص يرد من جاءه من الرجال و يحبس من جاءه من النساء إذا امتحن و يعطي أزواجهن مهورهن قال الزهري و لما نزلت هذه الآية و فيها قوله‏ «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا له بمكة مشركتين قرنية بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي‏

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏9، ص: 411

سفيان و هما على شركهما بمكة و الأخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم رجل من قومه و هما على شركهما و كانت عند طلحة بن عبد الله أروى بنت ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ففرق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر و كان طلحة قد هاجر و هي بمكة عند قومها كافرة ثم تزوجها في الإسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أمية و كانت ممن فرت إلى رسول الله ص من نساء الكفار فحبسها و زوجها خالدا و أميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الدحداحة ففرت منه و هو يومئذ كافر إلى رسول الله ص فزوجها رسول الله سهل بن حنيف فولدت عبد الله بن سهل قال الشعبي و كانت زينب بنت رسول الله ص امرأة أبي العاص بن الربيع فأسلمت و لحقت بالنبي ص في المدينة و أقام أبو العاص مشركا بمكة ثم أتى المدينة فأمنته زينب ثم أسلم فردها عليه رسول الله و قال الجبائي لم يدخل في شرط صلح الحديبية إلا رد الرجال دون النساء و لم يجر للنساء ذكر و أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة فجاء أخواها إلى المدينة فسألا رسول الله ص ردها عليهما فقال رسول الله ص إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء فلم يردها عليهما قال الجبائي و إنما لم يجر هذا الشرط في النساء لأن المرأة إذا أسلمت لم تحل لزوجها الكافر فكيف ترد عليه و قد وقعت الفرقة بينهما.

المعنى‏

صفحه بعد