کتابخانه تفاسیر
محاسن التاويل
الجزء الأول
تمهيد خطير في قواعد التفسير
10 - قاعدة الترغيب و الترهيب في التنزيل الكريم
11 - قاعدة في أنه: هل في القرآن مجاز أم لا؟
سورة فاتحة الكتاب
سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثالث
سورة النساء
القول في تأويل قوله تعالى:[سورة النساء(4): آية 158]
الجزء الرابع
سورة المائدة
سورة الأنعام
الجزء الخامس
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة التوبة
الجزء السادس
سورة يونس
سورة هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
سورة الحجر
سورة النحل
سورة الإسراء
الجزء السابع
سورة الكهف
سورة مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
سورة العنكبوت
الجزء الثامن
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
سورة غافر
سورة فصلت(حم السجدة)
سورة الشورى
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
سورة محمد صلى الله عليه و سلم
سورة الفتح
سورة الحجرات
الجزء التاسع
سورة ق
سورة الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة الجمعة
سورة المنافقون
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة القلم
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة الفجر
سورة البلد
محاسن التاويل، ج4، ص: 553
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ، فيما يروي عن ربه تعالى: إن ربكم تبارك و تعالى رحيم. من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة. فإن عملها كتبت له عشرة إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة. و من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة. فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها اللّه و لا يهلك على اللّه إلا هالك. و رواه البخاريّ «1» و مسلم «2» و النسائيّ.
و
روى الإمام «3» أحمد و مسلم «4» عن أبي ذرّ قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: يقول اللّه تبارك و تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها أو أزيد. و من جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر. و من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا. و من تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا. و من أتاني يمشي أتيته هرولة، و من لقيني بقراب الأرض خطيئة بعد أن لا يشرك بي شيئا، لقيته بمثلها مغفرة.
و
روى الشيخان «5» عن أبي هريرة. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: يقول اللّه تعالى: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها. و إن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، و إذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة. لفظ البخاري.
و
روى الطبراني عن أبي مالك الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: الجمعة كفارة لما بينها و بين الجمعة التي تليها و زيادة ثلاثة أيام
. و ذلك لأن اللّه تعالى قال: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و
روى «6» الإمام أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله. و رواه النسائي
الترمذي و زاد: فأنزل اللّه تصديق ذلك في كتابه: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ، اليوم بعشرة أيام.
(1) أخرجه البخاري في: الرقاق، 31- باب من هم بحسنة أو سيئة، حديث 2435.
(2) أخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، حديث رقم 207.
(3) أخرجه في المسند 5/ 148.
(4)
أخرجه مسلم في: الذكر و الدعاء و التوبة و الاستغفار، حديث 22، و نصه: عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه و سلم «يقول الله عز و جل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، و من جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها، أو أغفر. و من تقرّب مني شبرا، تقربت منه ذراعا. و من تقرب مني ذراعا، تقرّبت منه باعا. و من أتاني يمشي، أتيته هرولة. و من لقيني بقراب الأرض (قراب الأرض ما يقارب ملأها) خطيئة، لا يشرك بي شيئا، لقيته بمثلها مغفرة»
. (5) أخرجه البخاري في: التوحيد، 35- باب قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ، حديث 2601.
و أخرج في معناه مسلم في: الإيمان حديث 205.
(6) أخرجه في المسند 5/ 146.
محاسن التاويل، ج4، ص: 554
و بقيت أخبار أخرى. و فيما ذكر كفاية.
ثم أمر تعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم أن يخبر أولئك المفرقين دينهم بما أنعم سبحانه عليه، من إرشاده إلى دينه القويم بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (6): آية 161]
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و هو دين الإسلام الذي ارتضاه لعباده المخلصين دِيناً نصب على البد من محل (إلى صراط) لأن معناه هداني صراطا.
بدليل قوله وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً [النساء: 175]، أو مفعول لمضمر يدل عليه المذكور. أي عرفني دينا. أو مفعول (هداني). و (هدى) يتعدى إلى اثنين قِيَماً صفة (دينا) بقرأ بالتشديد أي: ثابتا أبدا لا تغيره الملل و النحل، و لا تنسخه الشرائع و الكتب، مقوما لأمر المعاش و المعاد. و يقرأ بالتخفيف على أنه مصدر نعت به. و أصله قوم كعوض. فأعلّ لإعلال فعله كالقيام. مِلَّةَ إِبْراهِيمَ المتفق على صحتها و هي التي أعرض بها عن كل ما سواه تعالى. عطف بيان ل (دينا) حَنِيفاً حال من إِبْراهِيمَ أي مائلا عن كل دين و طريق باطل، فيه شرك ما، و قوله تعالى: وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اعتراض مقرر لنزاهته عليه السلام عما عليه المفرقون لدينه من عقد و عمل. أي ما كان منهم في أمر من أمور دينهم أصلا و فرعا.
صرح بذلك ردّا على الذين يدعون أنهم على ملته من مشركي مكة و اليهود و النصارى. أفاده أبو السعود.
تنبيه:
قال ابن كثير: هذه الآية كقوله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: 123] و ليس يلزم من كونه أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية، أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها. لأنه عليه السلام قام بها قياما عظيما، و أكملت له إكمالا تامّا لم يسبقه أحد إلى هذا الكمال. و لهذا قال: أنا خاتم الأنبياء و سيد ولد آدم على الإطلاق و صاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق، حتى الخليل عليه السلام. و
روى ابن مردويه عن ابن أبزى عن أبيه قال: كان
محاسن التاويل، ج4، ص: 555
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا أصبح قال: أصبحنا على ملة الإسلام و كلمة الإخلاص و دين نبينا و ملة إبراهيم حنيفا و ما كان من المشركين
. و
روى الإمام أحمد «1» عن ابن عباس قال قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أيّ الأديان أحب إلى اللّه تعالى؟ قال: الحنيفية السمحة
. و
روى الإمام أحمد «2» عن عائشة قالت: وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذقني على منكبيه لأنصر إلى زفن الحبشة. حتى كنت التي مللت، فانصرفت عنهم. و قالت عائشة: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يومئذ: ليعلم يهود أن في ديننا فسحة. إني أرسلت بحنيفية سمحة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (6): آية 162]
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162)
قُلْ إِنَّ صَلاتِي لما أن المأمور به متعلق بفروع الشرائع، و ما سبق بأصولها.
أي: إن صلاتي إلى الكعبة وَ نُسُكِي أي: طوافي و ذبحي للهدايا في الحج و العمرة، أو عبادتي كلها وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي أي: و ما آتيه في حياتي و ما أموت عليه من الإيمان و العمل الصالح. أو طاعات الحياة و الخيرات المضافة إلى الممات، كالوصية و التدبير. أو الحياة و الممات أنفسهما لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (6): آية 163]
لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)
لا شَرِيكَ لَهُ أي: خالصة للّه لا أشرك فيها غيره وَ بِذلِكَ أي: القول أو الإخلاص أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ أي: من هذه الأمة. لأن إسلام كل نبيّ متقدم على إسلام أمته.
قال ابن كثير: يأمر تعالى نبيه أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير اللّه تعالى و يذبحون لغير اسمه؛ أنه مخالف لهم في ذلك. فإن صلاته للّه و نسكه على اسمه وحده لا شريك له.
(1) أخرجه في المسند 1/ 236 و الحديث رقم 2107.
(2) أخرجه في المسند 6/ 116.
محاسن التاويل، ج4، ص: 556
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (6): آية 164]
قُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا فأشركه في عبادته، و هو جواب عن دعائهم له عليه الصلاة و السلام إلى عبادة آلهتهم، و في إيثار نفي البغية و الطلب، على نفي العبادة، أبلغيّة لا تخفي وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ حال في موضع العلة للإنكار و الدليل له. أي و كل ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للربوبية، فلا أكون عبدا لعبده.
قال ابن كثير: أي فلا أتوكل إلا عليه و لا أنيب إلا إليه. لأنه رب كل شيء و مليكه و له الخلق و الأمر. ففي هذه الآية الأمر بإخلاص العبادة و التوكل. كما تضمنت الآية التي قبلها إخلاص العبادة له لا شريك له. و هذا المعنى يقرن بالآخر كثيرا. كقوله تعالى مرشدا لعباده أن يقولوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . و قوله:
فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود: 123]. و قوله قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا [الملك: 29]. و قوله رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل: 9] و أشباه ذلك من الآيات.
وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى .
قال ابن كثير: إخبار عن الواقع يوم القيامة من جزاء اللّه تعالى و حكمه و عدله أن النفوس إنما تجازى بأعمالها إن خيرا فخير و إن شرا فشر. و أنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد. و هذا من عدله تعالى.
و قال أبو السعود: كانوا يقولون للمسلمين: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ إما بمعنى ليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم، و إما بمعنى لنحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا- فهذا رد له بالمعنى الأول. أي لا تكون جناية نفس من النفوس إلا عليها. و محال أن يكون صدورها عن شخص و قرارها على شخص آخر، حتى يتأتى ما ذكرتم، و قوله تعالى: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى رد له بالمعنى الثاني. أي: لا تحمل يومئذ نفس حاملة، حمل نفس أخرى، حتى يصح قولكم.
تنبيه:
قال السيوطي في (الإكليل): هذه الآية أصل في أنه لا يؤاخذ أحد بفعل
محاسن التاويل، ج4، ص: 557
أحد.، و قد ردت عائشة به على من قال: إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه. أخرجه البخاري «1» ، و أخرج ابن أبي حاتم عنها؛ أنها سئلت عن ولد الزنى؟ فقالت ليس عليه من خطيئة أبويه شيء. و تلت هذه الآية.
قال: الكيا الهراسيّ: و يحتج بقوله: وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها في عدم نفوذ تصرف زيد على عمرو إلّا ما قام عليه الدليل. قال ابن الفرس: و احتج به من أنكر ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام.
و قال بعض الزيدية: قوله تعالى: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يعني في أمر الآخرة. فيبطل قول إن أطفال المشركين يعذبون بكفر آبائهم. و يلزم أن لا يعذب الميت ببكاء أهله عليه. حيث لا سبب له. و أما في أمر الدنيا، فقد خص هذا بحديث العاقلة. و كذلك أسر أولاد الكفار و نحو ذلك. انتهى.
(1)
أخرجه البخاري في: الجنائز، 33- باب قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه».
و سنسوقه بما فيه من الحوار الذي دار بين عبد الله بن عمر رضي الله عنهما و بين سيدتنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عبيد اللّه بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان رضي الله عنه، بمكة. و جئنا لنشهدها، و حضرها ابن عمر و ابن عباس رضي الله عنهم. و إني لجالس بينهما (أو قال: جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي) فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله صلى اللّه عليه و سلم قال «إن الميت ليعذّب ببكاء أهله عليه».
فقال ابن عباس رضى الله عنهما: قد كان عمر رضي الله عنه يقول ذلك.
ثم حدّث قال: صدرت مع عمر رضي الله عنه من مكة، حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو يركب تحت ظل سمرة. فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب. قال فنظرت فإذا هو صهيب. فأخبرته فقال: ادعه لي. فرجعت إلى صهيب: فقلت: ارتحل فالحق أمير المؤمنين.
فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول: وا أخاه وا صاحباه.
فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب، أ تبكي عليّ و قد قال رسول الله صلى اللّه عليه و سلم «إن الميت يعذّب ببعض بكاء أهله عليه»؟
قال ابن عباس رضي الله عنه: فلما مات عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها.
فقالت: رحم الله عمر. و الله! ما حدّث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه.
و لكن رسول الله صلى اللّه عليه و سلم قال «إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه».
و قالت: حسبكم القرآن: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى .
قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك: و الله هو أضحك و أبكى.
قال ابن مليكة: و الله! ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئا.
و رقم حديث ابن عمر 684 و عمر 685 و عائشة 686.
محاسن التاويل، ج4، ص: 558
ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ أي: رجوعكم بعد الموت يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ بتمييز الحق من الباطل. و هذه الآية كقوله تعالى: قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ هُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ [الزخرف: 32].
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (6): آية 165]
وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ جمع خليفة. أي يخلف بعضكم بعضا فيها، فتعمرونها خلفا بعد سلف، للتصرف بوجوه مختلفة وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ أي فاوت بينكم في الأرزاق و الأخلاق و المحاسن و المساوئ و المناظر و الأشكال و الألوان، و له الحكمة في ذلك. كقوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا [الزخرف: 32]، و قوله سبحانه: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الإسراء: 21]، و قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ أي: ليختبركم في الذي أنعم به عليكم، أي امتحنكم، ليختبر الغنيّ في غناه و يسأله عن شكره، و الفقير في فقره و يسأله عن صبره. و
في صحيح مسلم «1» عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: إن الدنيا حلوة خضرة. و إن اللّه مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون. فاتقوا الدنيا و اتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء
. أفاده ابن كثير.
ثم رهّب تعالى من معصيته و رغّب في طاعته بقوله سبحانه إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ أي: لمن عصاه و خالف رسله وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أي: لمن والاه و اتبع رسله.
لطائف:
الأولى: قال السيوطيّ في (الإكليل). استدل بقوله تعالى: جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ من أجاز أن يقال للإمام: خليفة اللّه. انتهى.
أي: بناء على وجه في الآية. و هو أن المعنى: جعلكم خلائف اللّه في الأرض
(1) أخرجه مسلم في: الذكر و الدعاء و التوبة و الاستغفار، حديث 99.
محاسن التاويل، ج4، ص: 559
تتصرفون فيها. ذكره المفسرون. و آثرت، قبل، غير هذا الوجه لأنه أدق و أظهر، و اللّه أعلم.
الثانية: قال القاضي: وصف العقاب و لم يضفه إلى نفسه، و وصف ذاته بالمغفرة و ضم إليه الوصف بالرحمة، و أتى ببناء المبالغة و اللام المؤكدة- تنبيها على أنه سبحانه و تعالى غفور بالذات، معاقب بالعرض، كثير الرحمة مبالغ فيها، قليل العقوبة مسامح فيها. انتهى.
الثالثة: قال ابن كثير: إن الحق تعالى، كثيرا ما يقرن في القرآن بين هاتين الصفتين كقوله: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ، وَ إِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ [الرعد: 6]، و قوله: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ [الحجر: 49- 50]. إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على الترغيب و الترهيب.
فتارة يدعو عباده إليه بالرغبة و صفة الجنة و الترغيب فيما لديه، و تارة يدعوهم إليه بالرهبة و ذكر النار و أنكالها و عذابها و القيامة و أهوالها. و تارة بهما. لينجع في كلّ بحسبه. جعلنا اللّه ممن أطاعه فيما أمر، و ترك ما نهى عنه و زجر، إنه قريب مجيب.
قد تم بحمده تعالى الكلام على (محاسن تأويل) سورة الأنعام. و ذلك ضحوة الأربعاء في 28 ربيع الأول. في شباك السدّة اليمنى العليا من جامع السنانية عام 1321. و كان تخلّل مدة شهر و نصف، وقفت عن كتابة شيء من هذه السورة فيها، و ذلك من آخر البحث في قوله تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا .. الآية، لعارض رحلتي إلى بيت المقدس في 28 محرم من العام المذكور. و بعد العود إلى الوطن في 8 ربيع الأول بدأت من قوله تعالى: قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ .. الآية. في 20 ربيع الأول، و تمت السورة في التاريخ المتقدم، و الحمد للّه الّذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه. بقلم جامعه جمال الدين القاسميّ.
و يليه الجزء الخامس- و يحتوي على تفسير سور: