کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

مختصر الميزان فى تفسير القرآن

المجلد الاول

بحث حول الأساليب التفسيرية المختلفة الأسلوب التفسيري الصحيح الميزان في تفسير القرآن مختصر الميزان في تفسير القرآن مميزات هذا الكتاب مقدمة الميزان في تفسير القرآن

سورة البقرة و هي مأتان و ست و ثمانون آية

سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية

سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية

المجلد الثانى

سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية

سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية

المجلد الثالث

الجزء الرابع

المجلد الخامس

الجزء السادس

مختصر الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 29

و في كشف الغمة عن الصادق عليه السّلام قال: فقد لابي عليه السّلام: بغلة فقال لئن ردها اللّه عليّ لاحمدنه بمحامد يرضيها فما لبث أن أتى بها بسرجها و لجامها فلما استوى و ضم اليه ثيابه رفع رأسه الى السماء و قال الحمد للّه و لم يزد، ثم قال ما تركت و لا ابقيت شيئا جعلت أنواع المحامد للّه عز و جل، فما من حمد الا و هو داخل فيها.

قلت: و في العيون عن علي عليه السلام انه سئل عن تفسيرها فقال: هو ان اللّه عرّف عباده بعض نعمه عليهم جملا اذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لانها اكثر من ان تحصى أو تعرف، فقال: قولوا الحمد للّه على ما انعم به علينا.

اقول: يشير عليه السّلام الى ما مر من أن الحمد، من العبد و انما ذكره اللّه بالنيابة تأديبا و تعليما «1» .

بحث فلسفي:

البراهين العقلية ناهضة على ان استقلال المعلول و كل شأن من شئونه انما هو بالعلة، و ان كل ماله من كمال فهو من اظلال وجود علته، فلو كان للحسن و الجمال حقيقة في الوجود فكماله و استقلاله للواجب تعالى لانه العلة التي ينتهي اليه جميع العلل، و الثناء و الحمد هو اظهار موجود ما بوجوده كمال موجود آخر و هو لا محالة علته، و اذا كان كل كمال ينتهي اليه تعالى فحقيقة كل ثناء و حمد تعود و تنتهي اليه تعالى، فالحمد للّه رب العالمين.

قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ الآية؛ العبد هو المملوك من الانسان أو من كل ذي شعور بتجريد المعنى كما يعطيه قوله تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (مريم/ 93). و العبادة مأخوذة منه و ربما تفرقت اشتقاقاتها أو المعاني المستعملة هي فيها لاختلاف الموارد، و ما ذكره الجوهري في الصحاح أن أصل العبودية

(1). الحمد 1- 5: بحث فلسفي في العبودية و الحمد.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 30

الخضوع فهو من باب الأخذ بلازم المعنى و إلا فالخضوع متعد باللام و العبادة متعدية بنفسها.

و بالجملة فكأنّ العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية لربه و لذلك كانت العبادة منافية للاستكبار و غير منافية للاشتراك فمن الجائز ان يشترك ازيد من الواحد في ملك رقبة أو في عبادة عبد، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ‏ (غافر/ 60). و قال تعالى: وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (الكهف/ 110). فعد الاشراك ممكنا و لذلك نهى عنه، و النهى لا يمكن الّا عن ممكن مقدور بخلاف الاستكبار عن العبادة فانه لا يجامعها.

و العبودية انما يستقيم بين العبيد و مواليهم فيما يملكه الموالى منهم، و اما ما لا يتعلق به الملك من شئون وجود العبد ككونه ابن فلان أو ذا طول في قامته فلا يتعلق به عبادة و لا عبودية، لكن اللّه سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت فلا ملكه يشوبه ملك ممن سواه و لا ان العبد يتبعض في نسبته اليه تعالى فيكون شي‏ء منه مملوكا و شي‏ء آخر غير مملوك، و لا تصرّف من التصرفات فيه جائز و تصرف آخر غير جائز كما ان العبيد فيما بيننا شي‏ء منهم مملوك و هو افعالهم الاختيارية و شي‏ء غير مملوك و هو الاوصاف الاضطرارية، و بعض التصرفات فيهم جائز كالاستفادة من فعلهم و بعضها غير جائز كقتلهم من غير جرم مثلا، فهو تعالى مالك على الاطلاق من غير شرط و لا قيد و غيره مملوك على الاطلاق من غير شرط و لا قيد فهناك حصر من جهتين، الرب مقصور في المالكية، و العبد مقصور في العبودية، و هذه هي التي يدل عليه قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ . حيث قدّم المفعول و اطلقت العبادة.

ثم ان الملك حيث كان متقوم الوجود بمالكه كما عرفت مما مر، فلا يكون حاجبا عن مالكه و لا يحجب عنه، فانك اذا نظرت الى دار زيد فان نظرت اليها من جهة انها دار امكنك ان تغفل عن زيد، و ان نظرت اليها بما انها ملك زيد لم يمكنك الغفلة عن مالكها و هو زيد.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 31

و لكنك عرفت ان ما سواه تعالى ليس له الّا المملوكية فقط و هذه حقيقته فشي‏ء منه في الحقيقة لا يحجب عنه تعالى، و لا النظر اليه يجامع الغفلة عنه تعالى، فله تعالى الحضور المطلق، قال سبحانه: أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطٌ (السجدة/ 54) و اذا كان كذلك فحق عبادته تعالى ان يكون عن حضور من الجانبين.

اما من جانب الرب عز و جل، فان يعبد عبادة معبود حاضر و هو الموجب للالتفات (المأخوذ في قوله تعالى‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) عن الغيبة الى الحضور.

اما من جانب الرب العبد، فان يكون عبادته عبادة عبد حاضر من غير ان يغيب في عبادته فيكون عبادته صوره فقط من غير معنى و جسدا من غير روح؛ أو يتبغض فيشتغل بربه و بغيره، اما ظاهرا و باطنا كالوثنيين في عبادتهم للّه و لاصنامهم معا، أو باطنا فقط كمن يشتغل في عبادته بغيره تعالى بنحو الغايات و الاغراض؛ كأن يعبد اللّه و همّه في غيره، أو يعبد اللّه طمعا في جنة أو خوفا من نار فان ذلك كله من الشرك في العبادة الذي ورد عنه النهي، قال تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ‏ (الزمر/ 2)، و قال تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى‏ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏ (الزمر/ 3).

فالعبادة إنما تكون عبادة حقيقة، اذا كان على خلوص من العبد و هو الحضور الذي ذكرناه، و قد ظهر انه انما يتم اذا لم يشتغل بغيره تعالى في عمله فيكون قد اعطاه الشركة مع اللّه سبحانه في عبادته و لم يتعلق قلبه في عبادته رجائا أو خوفا هو الغاية في عبادته كجنة أو نار فيكون عبادته له لا لوجه اللّه، و لم يشتغل بنفسه فيكون منافيا لمقام العبودية التي لا تلائم الإنيّة و الاستكبار، و كأن الإتيان بلفظ المتكلم مع الغير للايماء الى هذه النكتة فان فيه هضما للنفس بالغاء تعينها و شخوصها وحدها المستلزم لنحو من الإنية و الاستقلال بخلاف ادخالها

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 32

في الجماعة و خلطها بسواد الناس فان فيه امحاء التعين و اعفاء الاثر فيؤمن به ذلك.

و قد ظهر من ذلك كله: ان اظهار العبودية بقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ ؛ لا يشتمل على نقص من حيث المعنى و من حيث الاخلاص الا ما في قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ من نسبة العبد العبادة الى نفسه المشتمل بالاستلزام على دعوى الاستقلال في الوجود و القدرة و الارادة مع انه مملوك و المملوك لا يملك شيئا، فكأنه تدورك ذلك بقوله تعالى: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ ، أي انما ننسب العبادة الى انفسنا و ندّعيه لنا مع الاستعانة بك لا مستقلين بذلك مدعين ذلك دونك، فقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ ؛ لإبداء معنى واحد و هو العبادة عن اخلاص، و يمكن ان يكون هذا هو الوجه في اتحاد الاستعانة و العبادة في السياق الخطابي حيث قيل اياك نعبد و اياك نستعين من دون ان يقال: اياك نعبد اعنّا و اهدنا الصراط المستقيم و اما تغيير السياق في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ ..

الآية. فسيجي‏ء الكلام فيه انشاء اللّه تعالى.

فقد بان بما مر من البيان في قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ... الآية؛ الوجه في الالتفات من الغيبة الى الحضور، و الوجه في الحصر الذي يفيده تقديم المفعول، و الوجه في اطلاق قوله:

نَعْبُدُ ، و الوجه في اختيار لفظ المتكلم مع الغير، و الوجه في تعقيب الجملة الاولى بالثانية، و الوجه في تشريك الجملتين في السياق، و قد ذكر المفسرون نكات اخرى في اطراف ذلك من ارادها فليراجع كتبهم و هو اللّه سبحانه غريم لا يقضى دينه.

[سورة الفاتحة (1): الآيات 6 الى 7]

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 33

بيان:

قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ الخ؛ اما الهداية فيظهر معناها في ذيل الكلام على الصراط و اما الصراط فهو و الطريق و السبيل قريب المعنى، و قد وصف تعالى الصراط بالاستقامة ثم بيّن انه الصراط الذي يسلكه الذين انعم اللّه تعالى عليهم، فالصراط الذي من شأنه ذلك هو الذي سئل الهداية اليه و هو بمعنى الغاية للعبادة اي: ان العبد يسئل ربه ان تقع عبادته الخالصة في هذا الصراط.

بيان ذلك: ان اللّه سبحانه قرر في كلامه لنوع الانسان بل لجميع من سواه سبيلا يسلكون به اليه سبحانه فقال تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ‏ (الإنشقاق/ 6) و قال تعالى: وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (التغابن/ 3)، و قال‏ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (الشورى/ 53)، الى غير ذلك من الآيات و هي واضحة الدلالة على ان الجميع سالكوا سبيل، و انهم سائرون الى اللّه سبحانه.

ثم بيّن: أن السبيل ليس سبيلا واحدا ذا نعت واحد بل هو منشعب الى شعبتين منقسم الى طريقين، فقال: أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ‏ (يس/ 61).

فهناك طريق مستقيم و طريق آخر ورائه، و قال تعالى: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ‏ (البقرة/ 186)، و قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ‏ (غافر/ 60)، فبيّن تعالى: انه قريب من عباده و ان الطريق الاقرب اليه تعالى طريق عبادته و دعائه، ثم قال تعالى في وصف الذين لا يؤمنون: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (السجدة/ 44). فبيّن: ان غاية الذين لا يؤمنون في مسيرهم و سبيلهم بعيدة.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 34

فتبيّن: ان السبيل الى اللّه سبيلان: سبيل قريب و هو سبيل المؤمنين و سبيل بعيد و هو سبيل غيرهم فهذا نحو اختلاف في السبيل و هناك نحو آخر من الاختلاف، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ (الأعراف/ 40). و لو لا طروق من متطرق لم يكن للباب معنى فهناك طريق من السفل الى العلو، و قال تعالى: وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى‏ (طه/ 81). و الهوي هو السقوط الى أسفل، فهناك طريق آخر آخذ في السفالة و الانحدار، و قال تعالى: وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ‏ (البقرة/ 108). فعرّف الضلال عن سواء السبيل بالشرك لمكان قوله: فَقَدْ ضَلَ‏ ، و عند ذلك تقسم الناس في طرقهم ثلثة اقسام: من طريقه الى فوق و هم الذين يؤمنون بايات اللّه و لا يستكبرون عن عبادته، و من طريقه الى السفل و هم المغضوب عليهم، و من ضل الطريق و هو حيران فيه و هم الضالون، و ربما اشعر بهذا التقسيم قوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ .

و الصراط المستقيم لا محالة ليس هو الطريقين الآخرين من الطرق الثلث اعني: طريق المغضوب عليهم و طريق الضالين فهو من الطريق الأول الذي هو طريق المؤمنين غير المستكبرين إلا ان قوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ‏ (المجادلة/ 11). يدل على ان نفس الطريق الأول ايضا يقع فيه انقسام.

و بيانه: ان كل ضلال فهو شرك كالعكس على ما عرفت من قوله تعالى: وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ‏ (البقرة/ 108). و في هذا المعنى قوله تعالى: أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً (يس/ 62). و القرآن بعد الشرك ظلما و بالعكس، كما يدل عليه قوله تعالى: حكاية عن الشيطان لما قضي الأمر: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ (إبراهيم/ 22). كما يعد الظلم ضلالا في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 35

أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ‏ (الأنعام/ 82). و هو ظاهر من ترتيب الاهتداء و الامن من الضلال أو العذاب الذي يستتبعه الضلال، على ارتفاع الظلم و لبس الايمان به، و بالجملة الضلال و الشرك و الظلم امرها واحد و هي متلازمة مصداقا، و هذا هو المراد من قولنا: ان كل واحد منها معرّف بالآخر أو هو الآخر فالمراد المصداق دون المفهوم.

اذا عرفت هذا علمت ان الصراط المستقيم الذي هو صراط غير الضالين صراط لا يقع فيه شرك و لا ظلم البتة كما لا يقع فيه ضلال البتة، لا في باطن الجنان من كفر أو خطور لا يرضى به اللّه سبحانه، و لا في ظاهر الجوارح و الاركان من فعل معصية أو قصور في طاعة، و هذا هو حق التوحيد علما و عملا اذ لا ثالث لهما و ماذا بعد الحق الا الضلال؟ و ينطبق على ذلك قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ‏ (الأنعام/ 82)، و فيه تثبيت للامن في الطريق و وعد بالاهتداء التام بنائا على ما ذكروه: من كون اسم الفاعل حقيقة في الاستقبال فليفهم فهذا نعت من نعوت الصراط المستقيم.

ثم انّه تعالى عرف هؤلاء المنعم عليهم الذين نسب الصراط المستقيم اليهم بقوله تعالى:

وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (النساء/ 68). و قد وصف هذا الايمان و الاطاعة قبل هذه الآية بقوله: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً (النساء/ 66). فوصفهم بالثبات التام قولا و فعلا و ظاهرا و باطنا على العبودية لا يشذ منهم شاذ من هذه الجهة و مع ذلك جعل هؤلاء المؤمنين تبعا لاولئك المنعم عليهم و في صف دون صفهم لمكان مع و لمكان قوله: وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً و لم يقل: فاولئك من الذين.

صفحه بعد