کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

مختصر الميزان فى تفسير القرآن

المجلد الاول

بحث حول الأساليب التفسيرية المختلفة الأسلوب التفسيري الصحيح الميزان في تفسير القرآن مختصر الميزان في تفسير القرآن مميزات هذا الكتاب مقدمة الميزان في تفسير القرآن

سورة البقرة و هي مأتان و ست و ثمانون آية

سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية

سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية

المجلد الثانى

سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية

سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية

المجلد الثالث

الجزء الرابع

المجلد الخامس

الجزء السادس

مختصر الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 583

فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ‏ (البقرة/ 194)، و قال الزمخشري: كلتا الفعلتين: الاولى و جزاؤها سيئة لأنها تسوء من تنزل به ففيه رعاية لحقيقة معنى اللفظ و إشارة الى أن مجازاة السيئة بمثلها إنما تحمد بشرط المماثلة من غير زيادة.

و قوله: فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏ وعد جميل على العفو و الإصلاح، و الظاهر أن المراد بالإصلاح إصلاحه أمره فيما بينه و بين ربه، و قيل: المراد إصلاحه ما بينه و بين ظالمه بالعفو و الإغضاء.

و قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ‏ قيل: فيه بيان أنه تعالى لم يرغّب المظلوم في العفو عن الظالم لميله الى الظالم أو لحبه إياه و لكن ليعرض المظلوم بذلك لجزيل الثواب، و لحبه تعالى الإحسان و الفضل.

قوله تعالى: وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ‏ - الى قوله- لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ضمير «ظُلْمِهِ» راجع الى المظلوم، و الإضافة من إضافة المصدر الى مفعوله.

الآيات الثلاث تبين و رفع لبس من قوله في الآية السابقة: «فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» فمن الجائز أن يتوهّم المظلوم أن في ذلك إلغاء لحق انتصاره فبيّن سبحانه بقوله أولا:

«وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ» أن لا سبيل على المظلومين و لا مجوّز لإبطال حقهم في الشرع الإلهي، و إرجاع ضمير الإفراد الى الموصول أولا باعتبار لفظه، و ضمير الجمع ثانيا باعتبار معناه.

و بين بقوله ثانيا: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ أن السبيل كله على الظالمين في الانتقام منهم للمظلومين، و أكد ذلك ذيلا بقوله: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ .

و بين بقوله ثالثا: وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أن الدعوة الى‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 584

الصبر و العفو ليست إبطالا لحق الانتصار و إنما هي إرشاد الى فضيلة هي من أعظم الفضائل فإن في المغفرة الصبر الذي هو من عزم الامور، و قد أكد الكلام بلام القسم أولا و باللام في خبر إن ثانيا لإفادة العناية بمضمونه.

قوله تعالى: وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ‏ الخ؛ لما ذكر المؤمنين بأوصافهم و أنّ لهم عند اللّه رزقهم المدّخر لهم و فيه سعادة عقباهم التي هداهم اللّه اليها التفت الى غيرهم و هم الظالمون الآئسون من تلك الهداية الموصلة الى السعادة المحرومون من هذا الرزق الكريم فبين أن اللّه سبحانه أضلهم لكفرهم و تكذيبهم فلا ينتهون الى ما عنده من الرزق و لا يسعدهم به و ليس لهم من دونه من ولي حتى يتولى أمرهم و يرزقهم ما حرّمهم اللّه من الرزق، فهم صفر الأكف يتمنون عند مشاهدة العذاب الرجوع الى الدنيا ليعملوا صالحا فيكونوا أمثال المؤمنين.

فقوله: وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ‏ الخ؛ من قبيل وضع السبب و هو إضلال اللّه لهم و عدم ولي آخر يتولى أمرهم فيهديهم و يرزقهم موضع المسبب و هو الهداية و الرزق.

و قوله: «وَ تَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى‏ مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ» إشارة الى تمنيهم الرجوع الى الدنيا بعد اليأس عن السعادة و مشاهدة العذاب.

و تَرَى‏ خطاب عام وجه الى النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بما أنه راء و معناه و ترى و يرى كل من هو راء، و فيه إشارة الى أنهم يتمنون ذلك على رؤس الأشهاد، و المرد هو الرد.

قوله تعالى: وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ‏ ضمير «عَلَيْها» للنار للدلالة المقام عليها و خفي الطرف ضعيفه و إنما ينظر من طرف خفي. الى المكاره المهولة من ابتلي بها فهو لا يريد أن ينصرف فيغفل عنها و لا يجترى‏ء أن يمتلى‏ء بها بصره كالمبصور ينظر الى السيف، و الباقي ظاهر.

و قوله: وَ قالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 585

يَوْمَ الْقِيامَةِ أي إن الخاسرين كل الخسران و بحقيقته هم الذين خسروا أنفسهم بحرمانها عن النجاة و أهليهم بعدم الانتفاع بهم يوم القيامة. و قيل أهلوهم أزواجهم من الحور و خدمهم في الجنة لو آمنوا و لا يخلو من وجه نظرا الى آيات وراثة الجنة.

و هذا القول المنسوب الى المؤمنين إنما يقولونه يوم القيامة- و التعبير بلفظ الماضي لتحقق الوقوع- لا في الدنيا كما يظهر من بعضهم فليس لاستناده تعالى الى مقالة المؤمنين في الدنيا وجه في مثل المقام، و ليس القائلون به جميع المؤمنين كائنين من كانوا و إنما هم الكاملون منهم المأذون لهم في الكلام الناطقون بالصواب محضا كأصحاب الأعراف و شهداء الأعمال قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ‏ (هود/ 105). و قال: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً (النبأ/ 38).

قوله تعالى: وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ الخ؛ هذا التعبير أعني قوله: «وَ ما كانَ لَهُمْ» الخ؛ دون أن يقال: و ما لهم من ولي كما قيل أولا للدلالة على ظهور بطلان دعواهم ولاية أوليائهم في الدنيا و أن ذلك كان باطلا من أول الأمر.

و قوله: وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ‏ صالح لتعليل صدر الآية و هو كالنتيجة لجميع ما تقدم من الكلام في حال الظالمين في عقباهم، و نوع انعطاف الى ما سبق من حديث تشريع الشريعة و السبيل بالوحي.

فهو كناية عن أنه لا سبيل الى السعادة إلا سبيل اللّه الذي شرعه لعباده من طريق الوحي و الرسالة فمن أضلّه عن سبيله لكفره و تكذيبه بسبيله فلا سبيل له يهتدي به الى سعادة العقبى و التخلص من العذاب و الهلاك.

قوله تعالى: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَ ما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ دعوة و إنذار بيوم القيامة المذكور في الآيات السابقة على ما يعطيه السياق، و قول بعضهم: إن المراد باليوم يوم الموت غير وجيه.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 586

و في قوله: «لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ» «لا» لنفي الجنس و «مَرَدَّ» اسمه و «لَهُ» خبره و «مِنَ اللَّهِ» حال من‏ «مَرَدَّ» ، و المعنى: يوم لا ردّ له من قبل اللّه أي إنه مقضي محتوم لا يردّه اللّه البتة فهو في معنى ما تكرر في كلامه تعالى من وصف يوم القيامة بأنه لا ريب فيه.

و قوله: ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَ ما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ الملجأ الملاذ الذي يلتجأ اليه و النكير- كما قيل- مصدر بمعنى الإنكار، و المعنى: ما لكم من ملاذ تلتجئون اليه من اللّه و ما لكم من إنكار لما صدر منكم لظهور الأمر من كل جهة.

قوله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ‏ عدول من خطابهم الى خطاب النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لإعلام أن ما حمّله من الأمر إنما هو التبليغ لا أزيد من ذلك فقد أرسل مبلّغا لدين اللّه إن عليه إلا البلاغ و لم يرسل حفيظا عليهم مسؤلا عن إيمانهم و طاعتهم حتى يمنعهم عن الإعراض و يتعب نفسه لإقبالهم عليه.

قوله تعالى: وَ إِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ الفرح بالرحمة كناية عن الاشتغال بالنعمة و نسيان المنعم، و المراد بالسيئة المصيبة التي تسوء الإنسان إذا أصابته، و قوله: «فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ» من وضع الظاهر موضع الضمير، و النكتة فيه تسجيل الذمّ و اللوم عليه بذكره باسمه.

و في الآية استشعار بإعراضهم و توبيخهم بعنوان الإنسان المشتغل بالدنيا فإنه بطبعه حليف الغفلة إن ذكّر بنعمة يؤتاها صرفه الفرح بها عن ذكر اللّه، و إن ذكّر بسيئة تصيبه بما قدّمت يداه شغله الكفران عن ذكر ربه فهو في غفلة عن ذكر ربه في نعمة كانت أو في نقمة فكاد أن لا تنجح فيه دعوة و لا تنفع فيه موعظة.

قوله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ الى آخر الآيتين، للآيتين نوع اتصال بما تقدم من حديث الرزق لما أن الأولاد المذكورين فيهما من قبيل الرزق.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 587

و قيل: إنهما متصلتان بالآية السابقة حيث ذكر فيها إذاقة الرحمة و إصابة السيئة و أن الإنسان يفرح بالرحمة و يكفر في السيئة فذكر تعالى في هاتين الآيتين أن ملك السماوات و الأرض للّه سبحانه يخلق ما يشاء فليس لمن يذوق رحمته أن يفرح بها و يشتغل به و لا لمن أصابته السيئة أن يكفر و يعترض بل له الخلق و الأمر فعلى المرحوم أن يشكر و على المصاب أن يرجع اليه.

و يبعّده أنه تعالى لم ينسب السيئة في الآية السابقة الى نفسه بل الى تقديم أيديهم فلا يناسبه نسبة القسمين جميعا في هذه الآية الى مشيّته و دعوتهم الى التسليم لها.

و كيف كان فقوله: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ» فيه قصر الملك و السلطنة فيه تعالى على جميع العالم و أن الخلق منوط بمشيّته من غير أن يكون هناك أمر يوجب عليه المشية أو يضطره على الخلق.

و قوله: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ الإناث جمع أنثى و الذكور و الذكران جمعا ذكر، و ظاهر التقابل أن المراد هبة الإناث فقط لمن يشاء و هبة الذكور فقط لمن يشاء و لذلك كرّرت المشية، قيل: وجه تعريف الذكور أنهم المطلوبون لهم المعهودون في أذهانهم و خاصة العرب.

و قوله: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً أي يجمع بينهم حال كونهم ذكرانا و إناثا معا فالتزويج في اللغة الجمع، و قوله: «وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً» أي لا يلد و لا يولد له، و لما كان هذا أيضا قسما برأسه قيّده بالمشية كالقسمين الأولين، و أما قسم الجمع بين الذكران و الإناث فإنه بالحقيقة جمع بين القسمين الأولين فاكتفى بما ذكر من المشية فيهما.

و قوله: إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ تعليل لما تقدم أي إنه عليم لا يزيد ما يزيد لجهل قدير لا

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 588

ينقص ما ينقص عن عجز «1»

[سورة الشورى (42): الآيات 51 الى 53]

وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لا الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)

بيان:

قوله تعالى: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ الخ؛ قد تقدم البحث عن معنى كلامه تعالى في الجزء الثاني من الكتاب، و إطلاق الكلام على كلامه تعالى و التكليم على فعله الخاص سواء كان إطلاقا حقيقيا أو مجازيا واقع في كلامه تعالى قال: يا مُوسى‏ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي‏ (الأعراف/ 144)، و قال: وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى‏ تَكْلِيماً (النساء/ 164)، و من مصاديق كلامه ما يتلقاه الأنبياء عليهم السّلام منه تعالى بالوحي.

و على هذا لا موجب لعدّ الاستثناء في قوله: «إِلَّا وَحْياً» منقطعا بل الوحي و القسمان‏

(1). الشورى 27- 50: بحث روائي حول قوله تعالى: «لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ» ؛ مصائب اولياء اللّه؛ الشورى.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 589

المذكوران بعده من تكليمه تعالى للبشر سواء كان إطلاق التكليم عليها إطلاقا حقيقيا أو مجازيا فكلّ واحد من الوحي و ما كان من وراء حجاب و ما كان بإرسال رسول نوع من تكليمه للبشر.

فقوله: وَحْياً - و الوحي الإشارة السريعة على ما ذكره الراغب- مفعول مطلق نوعي و كذا المعطوفان عليه في معنى المصدر النوعي، و المعنى: ما كان لبشر أن يكلمه اللّه نوعا من أنواع التكليم إلا هذه الأنواع الثلاثة أن يوحى وحيا أو يكون من وراء حجاب أو أن يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء.

ثم إن ظاهر الترديد في الآية بأو هو التقسيم على مغايرة بين الأقسام و قد قيّد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب، و الرسول الذي يوحي الى النبي و لم يقيّد القسم الأول بشي‏ء فظاهر المقابلة يفيد أن المراد به التكليم الخفي من دون أن يتوسط واسطة بينه تعالى و بين النبي أصلا، و أما القسمان الآخران ففيهما قيد زائد و هو الحجاب أو الرسول الموحي و كل منهما واسطة غير أن الفارق أن الواسطة الذي هو الرسول يوحي الى النبي فنسه و الحجاب واسطة ليس بموح و إنما الوحي من ورائه.

فتحصّل أن القسم الثالث‏ «أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ» وحي بتوسّط الرسول الذي هو ملك الوحي فيوحي ذلك الملك بإذن اللّه ما يشاء اللّه سبحانه قال تعالى:

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ‏ (الشعراء/ 194)، و قال: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى‏ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ‏ (البقرة/ 97)، و الموحي مع ذلك هو اللّه سبحانه كما قال: بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ‏ (يوسف/ 3).

صفحه بعد