کتابخانه تفاسیر
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل
الجزء الأول
سورة الحمد
سورة البقرة
الآيتان[سورة البقرة(2): الآيات 47 الى 48]
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثالث
تتمة سورة آل عمران
سورة النساء
الجزء الرابع
تتمة سورة المائدة
الآية[سورة المائدة(5): آية 67]
سورة الأنعام
الآيات[سورة الأنعام(6): الآيات 151 الى 153]
بحوث
الجزء الخامس
تتمة سورة الأعراف
الآية[سورة الأعراف(7): آية 142]
سورة الأنفال
الآية[سورة الأنفال(8): آية 41]
سورة التوبة
الجزء السادس
تتمة سورة التوبة
الآيات[سورة التوبة(9): الآيات 30 الى 33]
بحوث
سورة يونس
سورة هود
الجزء السابع
تتمة سورة هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة ابراهيم
الجزء الثامن
سورة الحجر
سورة النحل
سورة الإسراء
الجزء التاسع
تتمة سورة الاسراء
سورة الكهف
سورة مريم
الجزء العاشر
تتمة سورة طه
سورة الأنبياء
سورة الحج
سورة المؤمنين
الجزء الحادي عشر
«سورة النور»
سورة الفرقان
سورة الشعراء
الجزء الثاني عشر
سورة النمل
سورة القصص
سورة العنكبوت
الجزء الثالث عشر
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
الجزء الرابع عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
الجزء الخامس عشر
سورة الزمر
سورة المؤمن
سورة فصلت
الجزء السادس عشر
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الأحقاف
سورة محمد
سورة الفتح
الجزء السابع عشر
سورة ق
سورة الذاريات
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
الجزء الثامن عشر
«سورة الحديد»
سورة المجادلة
سورة الحشر
سورة الممتحنة مدنية
سورة الصف
سورة المنافقون
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة القلم
الجزء التاسع عشر
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة النبإ
سورة التكوير
الجزء العشرون
سورة المطففين
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص: 428
الآيتان [سورة البقرة (2): الآيات 151 الى 152]
التّفسير
مهمّة رسول اللّه:
ذكرت الفقرة الأخيرة من الآية السابقة أن أحد أسباب تغيير القبلة هو إتمام النعمة على النّاس و هدايتهم، و الآية أعلاه ابتدأت بكلمة «كما» إشارة إلى أن تغيير القبلة ليس هو النعمة الوحيدة التي أنعمها اللّه عليكم، بل منّ عليكم بنعم كثيرة كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ .
و كلمة «منكم» قد تعني أن الرّسول بشر مثلكم، و الإنسان وحده هو القادر على أن يكون مربّي البشر و قدوتهم و أن يتحسس آمالهم و آلامهم، و تلك نعمة كبرى أن يكون الرّسول بشرا «منكم».
و قد يكون المعنى أنه من بني قومكم و وطنكم، فالعرب الجاهليون قوم متعصبون عنصريون، و ما كان بالإمكان أن يخضعوا لنبي من غير قومهم، كما قال سبحانه في الآيتين: (198 و 199) من سورة الشعراء: وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص: 429
الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ .
كان هذا طبعا المرحلة الاولى من الدعوة، و في المراحل التالية ألغيت مسائل القومية و الوطن (الجغرافي)، و ربّى الإسلام أبناءه على أساس مبادئ «العالميّة» كوطن، و «الإنسانية» كقومية.
بعد ذكر هذه النعمة يشير القرآن إلى أربع نعم عادت على المسلمين ببركة هذه النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
1- يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا ، و يتلو من التلاوة، أي من إتيان الشيء متواليا، و الإتيان بالعبارات المتوالية (و بنظام صحيح) هي التلاوة.
النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذن يقرأ عليكم آيات اللّه متتالية، لتنفذ إلى قلوبكم، و لإعداد أنفسكم إلى التعليم و التربية.
2- وَ يُزَكِّيكُمْ .
و «التّزكية» هو الزيادة و الإنماء، أي إنّ النّبي بفضل آيات اللّه يزيدكم كمالا ماديا و معنويا، و ينمّي أرواحكم، و يربّي في أنفسكم الطهر و الفضيلة، و يزيل ألوان الرذائل التي كانت تغمر مجتمعكم في الجاهلية.
3- وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ .
التعليم طبعا مقدم بشكل طبيعي على التربية، و لكن القرآن- كما ذكرنا- يقدم التربية في مواضع تأكيدا على أنها هي الهدف النهائي.
الفرق بين «الكتاب» و «الحكمة» قد يكون بلحاظ أن الكتاب إشارة إلى آيات القرآن و الوحي الإلهي النازل على النّبي بشكل إعجازي، و الحكمة حديث النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و تعاليمه المسمّاة بالسنة.
و قد يكون الكتاب إشارة إلى أصل التعاليم الإسلامية، و الحكمة إشارة إلى أسرارها و عللها و نتائجها.
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص: 430
و من المفسرين من احتمل أن «الحكمة» إشارة إلى الحالة و الملكة الحاصلة من تعاليم الكتاب. و بامتلاكها يستطيع الفرد أن يضع الأمور في نصابها «1» .
صاحب «المنار» يرفض أن يكون معنى الحكمة «السنة»، و يستدل على رفضه بالآية الكريمة ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ «2» .
لكننا نعتقد أن الحكمة لها معنى واسع يشمل الكتاب و السنة معا، أمّا استعمالها القرآني مقابل «الكتاب» (كما في هذه الآية) فيشير إلى أنها «السنة» لا غير.
4- وَ يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ و هذا الموضوع طرحته الفقرات السابقة من الآية، حيث دار الحديث عن تعليم الكتاب و الحكمة. لكن القرآن عاد فأكد ذلك في فقرة مستقلة تنبيها على أن الأنبياء هم الذين بيّنوا لكم المعارف و العلوم، و لولا هم لخفي كثير من ذلك عليكم. فهم لم يكونوا قادة أخلاقيين و اجتماعيين فحسب، بل كانوا هداة طريق العلم و المعرفة، و بدون هدايتهم لم يكتب النضج للعلوم الإنسانية.
بعد استعراض جانب من النعم الإلهية في الآية، تذكر الآية التالية أن هذه النعم تستدعي الشكر، و بالاستفادة الصحيحة من هذه النعم يؤدي الإنسان حقّ شكر الباري تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ .
واضح أن عبارة فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ لا تشير إلى معنى عاطفي بين اللّه و عباده كما يقول النّاس لبعضهم ذلك. بل تشير إلى أصل تربوي و تكويني، أي اذكروني ... اذكروا الذات المقدسة التي هي معدن الخيرات و الحسنات و المبرات و لتطهر أرواحكم و أنفسكم، و تكون قابلة لشمول الرحمة الإلهية. ذكركم لهذه الذات المقدسة يجعل تحرككم أكثر إخلاصا و مضاء و قوّة و اتحادا.
كذلك المقصود من «الشكر و عدم الكفران» ليس تحريك اللسان بعبارات
(1)- في ظلال القرآن، ج 1، ص 1.
(2)- الإسراء، 39.
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص: 431
الشكر، بل المقصود استثمار كل نعمة في محلها و على طريق نفس الهدف الذي خلقت له، كي يؤدي ذلك الى زيادة الرحمة الإلهية.
بحثان
1- أقوال المفسرين في تفسير فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
للمفسرين آراء متنوعة في تفسير هذه الآية، و في بيان كيفية ذكر العبد و ذكر اللّه.
الفخر الرازي في تفسيره لخصها في عشرة:
1- اذكروني «بالإطاعة» كي أذكركم «برحمتي». و الشاهد على ذلك قوله تعالى: وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ «1» .
2- اذكروني «بالدعاء» كي أذكركم «بالإجابة»، دليل ذلك قوله تعالى:
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .
3- اذكروني «بالثناء و الطاعة» لأذكركم «بالثناء و النعمة».
4- اذكروني في «الدنيا» لأذكركم في «الآخرة».
5- اذكروني في «الخلوات» كي أذكركم في «الجمع».
6- اذكروني «لدى وفور النعمة» لأذكركم في «الصعاب».
7- اذكروني «بالعبادة» لأذكركم «بالعون»، و الشاهد على ذلك قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
8- اذكروني «بالمجاهدة» لأذكركم «بالهداية»، الشاهد على ذلك قوله
(1)- آل عمران، 132.
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص: 432
سبحانه في الآية 69 من سورة العنكبوت: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا .
9- اذكروني «بالصدق و الإخلاص» لأذكركم «بالخلاص و مزيدا للاختصاص».
10- اذكروني «بالربوبية» لأذكركم بالرحمة. دليل ذلك مجموع آيات سورة الحمد. «1» كل واحدة من التفاسير المذكورة هي طبعا مظهر من مظاهر المعنى الواسع للآية. و لا تقتصر هذه المظاهر على ما سبق فيشمل المعنى أيضا: اذكروني «بالشكر» لأذكركم «بزيادة النعمة» كما ورد في قوله سبحانه: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «2» كل ذكر للّه- كما قلنا- له أثر تربوي في وجود الإنسان إذ يجعل روحه مستعدة لنزول بركات جديدة متناسبة مع طريقة الذكر.
2- المقصود من ذكر اللّه
من المؤكد أن ذكر اللّه ليس بتحريك اللسان فقط، بل اللسان ترجمان القلب، الهدف هو التوجه بكل الوجود إلى ذات الباري سبحانه، ذلك التوجّه الذي يصون الإنسان من الذنب و يدعوه إلى الطاعة.
و من هنا ورد في أحاديث عديدة عن المعصومين: أن ذكر اللّه ليس باللسان فحسب، و من ذلك
حديث عن الرّسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يوصي به عليا قائلا: «ثلاث لا تطيقها هذه الأمّة: المواساة للأخ في ماله، و إنصاف النّاس من نفسه، و ذكر
(1)- التّفسير الكبير، الفخر الرازي، ج 4، ص 144، مع شيء من التصرف.
(2)- إبراهيم، 7.
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص: 433
اللّه على حال، و ليس هو سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر، و لكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف اللّه تعالى عنده و تركه»
«1» .
على أية حال، لا ينبغي أن نغفل عن الروعة في هذا الاقتران ... اللّه سبحانه على عظمته و جلاله و جبروته يقرن ذكره بذكر عبده الضعيف المحدود الصغير، إنه تكريم ما بعده تكريم للإنسان.
(1)- كتاب الخصال، نقلا عن تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 140.
الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص: 434
الآيتان [سورة البقرة (2): الآيات 153 الى 154]
سبب النّزول
روي عن ابن عباس بشأن نزول الآية الثانية إنها نزلت في قتلى بدر، و عددهم أربعة عشر، ستة من المهاجرين و ثمانية من الأنصار. و بعد انتهاء الغزوة قال بعض المسلمين عن هؤلاء الشهداء إنّهم «أموات» فنهت الآية عن ذلك.
التّفسير
الشّهداء أحياء
الآيات السابقة عرضت مفاهيم التعليم و التربية و الذكر و الشكر، و هي مفاهيم ذات معنى واسع جدا، و تتضمن أغلب التعاليم الدينية، و في الآية الاولى من آيتي بحثنا دار الحديث حول الصبر الذي لا تتحقق المفاهيم السابقة بدونه.
تقول الآية أوّلا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ .