کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

الجزء الثاني

سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة المؤمن سورة السجدة سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة القتال سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة و الليل سورة الضحى سورة ألم نشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة أبي لهب سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس الفهرس

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد


صفحه قبل

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏1، ص: 7

سورة الفاتحة

مكية، سبع آيات، تسع و عشرون كلمة، مائة و ثلاثة و أربعون حرفا بسم اللّه الرحمن الرحيم و السابعة: صِراطَ الَّذِينَ‏ إلى آخرها إن كانت البسملة منها و إن لم تكن منها فالسابعة:

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ إلى آخرها، و هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم:

أحدها: علم الأصول و قد جمعت الإلهيات في: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و النبوات في: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ و الدار الآخرة في‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ و ثانيها: علم الفروع و أعظمه العبادات، و هي مالية و بدنية و هما مفتقرتان إلى أمور المعاش من المعاملات و المناكحات، و لا بدّ لها من الأحكام التي تقتضيها الأوامر و النواهي.

و ثالثها: علم تحصيل الكمالات و هو علم الأخلاق و منه الاستقامة في الطريقة، و إلى ذلك الإشارة بقوله: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ . و قد جمعت الشريعة كلها في‏ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ .

و رابعها: علم القصص و الأخبار عن الأمم الخالية و قد جمعت السعداء من الأنبياء و غيرهم في: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ و الأشقياء من الكفار في: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ (1) الباء: بهاء اللّه و السين سناؤه فلا شي‏ء أعلى منه، و الميم: ملكه و هو على كل شي‏ء قدير. و الباء: ابتداء اسمه بارئ بصير. و السين:

ابتداء اسمه سميع. و الميم: ابتداء اسمه مجيد مليك. و الألف: ابتداء اسمه اللّه. و اللام: ابتداء اسمه لطيف. و الهاء: ابتداء اسمه هادي. و الراء: ابتداء اسمه رزاق. و الحاء: ابتداء اسمه حليم. و النون: ابتداء اسمه نافع و نور. الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ و الشكر للّه بنعمه السوابغ على عباده الذين هداهم للإيمان. رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (2) أي خالق الخلق و رازقهم و محوّلهم من حال إلى حال. الرَّحْمنِ‏ أي العاطف على البار و الفاجر بالرزق و دفع الآفات عنهم. الرَّحِيمِ‏ (3) أي الذي يستر عليهم الذنوب في الدنيا و يرحمهم في الآخرة فيدخلهم الجنة. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ (4) بإثبات الألف عند عاصم و الكسائي و يعقوب أي متصرف في الأمر كله يوم القيامة

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏1، ص: 8

كما قال تعالى: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏ [الانفطار: 19] و عند الباقين بحذف الألف و المعنى أي المتصرف في أمر القيامة بالأمر و النهي. إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي لا نعبد أحدا سواك. وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ (5) أي بك نستعين على عبادتك فلا حول عن المعصية إلا بعصمتك و لا قوة على الطاعة إلا بتوفيقك. اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ (6) أي زدنا هداية إلى دين الإسلام، أو المعنى أدمنا مهديين إليه. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ أي دين الذين مننت عليهم بالدين من النبيين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ‏ أي غير دين اليهود الذي غضبت‏ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ (7) أي غير دين النصارى الذين ضلوا عن الإسلام و يقال: المغضوب عليهم هم الكفار، و الضالون هم المنافقون لأن اللّه تعالى ذكر المؤمنين في أول البقرة في أربع آيات ثم ثنّى بذكر الكفار في آيتين، ثم ثلّث بذكر المنافقين في ثلاث عشرة آية. و يسنّ للقارئ بعد فراغه من الفاتحة أن يقول: آمين و هو اسم بمعنى فعل أمر، و هو استجب.

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏1، ص: 9

سورة البقرة

مدنية، مائتان و ست و ثمانون آية، ستة آلاف و مائة و أربع و أربعون كلمة، ستة و عشرون ألفا و مائتان و واحد و خمسون حرفا

الم‏ (1) قال الشعبي و جماعة: الم و سائر حروف الهجاء في أوائل السور من المتشابه الذي انفرد اللّه بعلمه، و هي سر القرآن فنحن نؤمن بظاهرها و نفوّض العلم فيها إلى اللّه تعالى، و فائدة ذكرها طلب الإيمان بها، و اللّه تعالى اختص بعلم لا تقدر عليه عقول الأنبياء، و الأنبياء اختصوا بعلم لا تقدر عليه عقول العلماء، و العلماء اختصوا بعلم لا تقدر عليه عقول العامة. و قال أبو بكر رضي اللّه عنه: في كل كتاب سر، و سر اللّه في القرآن أوائل السور. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ‏ أي هذا الكتاب الذي يقرؤه عليكم رسولي محمد لا شك في أنه من عندي، فإن آمنتم به هديتكم، و إن لم تؤمنوا به عذبتكم. هُدىً لِلْمُتَّقِينَ‏ (2) أي رحمة لأمة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏ أي يصدقون بما غاب عنهم من الجنة و النار، و الصراط و الميزان، و البعث و الحساب و غير ذلك.

و قيل: المراد بالغيب القلب. و المعنى يؤمنون بقلوبهم لا كالذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ أي يتمون الصلوات الخمس بالشروط و الأركان و الهيئات.

وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ‏ (3) أي مما أعطيناهم من الأموال يتصدقون لطاعة اللّه تعالى و هو أبو بكر الصديق و أصحابه. وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ من القرآن‏ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ‏ على سائر الأنبياء من التوراة و الإنجيل و الزبور و غيرها من سائر الكتب السابقة على القرآن‏ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ‏ (4) أي و هم يصدقون بما في الآخرة من البعث بعد الموت و الحساب و نعيم الجنة و هو عبد اللّه بن سلام و أصحابه. أُولئِكَ‏ أي أهل هذه الصفة عَلى‏ هُدىً‏ أي كرامة نزل‏ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ (5) أي الناجون من السخط و العذاب و هم أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و سلّم‏ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ (6) أي الذين كفروا في علم اللّه متساو لديهم إنذارك إياهم بالقرآن و عدمه و هم لا يريدون أن يؤمنوا بما جئت به فلا تطمع يا أشرف الخلق في إيمانهم، ثم ذكر اللّه سبب تركهم الإيمان بقوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى‏ سَمْعِهِمْ‏ أي طبع اللّه على قلوبهم فلا يدخلها إيمان و على سمعهم فلا ينتفعون بما يسمعونه‏

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏1، ص: 10

من الحق و وحّد السمع لوحدة المسموع و هو الصوت. وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ مبتدأ و خبر أي على أعينهم غطاء من عند اللّه تعالى فلا ينصرون الحق. وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ‏ (7) أي شديد في الآخرة و هم رؤساء اليهود الذين وصفهم اللّه بأنهم يكتمون الحق و هم يعلمون، و هم كعب بن الأشرف و حيي بن أخطب و جدي بن أخطب، و يقال: هم مشركو أهل مكة عتبة و شيبة و الوليد بن المغيرة و أبو جهل. وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا في السر بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ أي بالبعث بعد الموت الذي فيه جزاء الأعمال. وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ‏ (8) في السر يُخادِعُونَ اللَّهَ‏ أي يكذبونه في السر وَ الَّذِينَ آمَنُوا أبا بكر و سائر أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. وَ ما يَخْدَعُونَ‏ أي يكذبون‏ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‏ و هذه الجملة حال من ضمير يخادعون أي يفعلون ذلك، و الحال أنهم ما يضرون بذلك إلا أنفسهم فإن دائرة فعلهم مقصورة عليهم.

و قرأ عاصم و ابن عامر، و حمزة و الكسائي «و ما يخدعون» بفتح الياء و سكون الخاء و فتح الدال، و قرأ الباقون بضم الياء و فتح الخاء مع المد و كسر الدال، و لا خلاف في قوله: «يخادعون اللّه» فالجميع قرءوا بضم الياء و فتح الخاء و بالألف بعدها و كسر الدال، و أما الرسم فبغير ألف في الموضعين‏ وَ ما يَشْعُرُونَ‏ (9) أن اللّه يطلع نبيه على كذبهم. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏ أي شك و ظلمة فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً مرضا أي شكا و ظلمة بما أنزله من القرآن لأنه كلما أنزل آية كفروا بها فازدادوا شكا و خلافا. وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ أي وجيع في الآخرة يخلص وجعه إلى قلوبهم‏ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ‏ (10).

قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر بالتشديد، أي بتكذيبهم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و قرأ الباقون بتخفيف الذال أي بكذبهم في قولهم: آمنا في السر و هم المنافقون عبد اللّه بن أبي وجد بن قيس و معتب ابن قشير.

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ‏ أي لهؤلاء المنافقين: لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ‏ بتعويق الناس عن دين محمد صلّى اللّه عليه و سلّم‏ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ‏ (11) و إنما قالوا ذلك لأنهم تصوّروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض قال اللّه تعالى ردا عليهم أبلغ رد أَلا أي بلى‏ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ‏ لها بالتعويق‏ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ‏ (12) أن اللّه تعالى يطلع نبيه على فسادهم. وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن أي إن المؤمنين نصحوا المنافقون من وجهين:

أحدهما: النهي عن الإفساد و هو التخلي عن الرذائل.

و ثانيهما: الأمر بالإيمان و هو التحلي بالفضائل‏ كَما آمَنَ النَّاسُ‏ أي الكاملون في الإنسانية، العاملون بقضية العقل كأصحاب النبي أو كعبد اللّه بن سلام و غيره من مؤمني أهل الكتاب. و المعنى آمنوا إيمانا مقرونا بالإخلاص متمحضا عن شوائب النفاق مماثلا لإيمانهم‏ قالُوا فيما بينهم لا بحضرة المسلمين‏ أَ نُؤْمِنُ‏ بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم‏ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أي الجهال‏

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏1، ص: 11

و إنما سفّهوا المؤمنين لتحقير شأنهم، لأن أكثرهم فقراء و بعضهم موال كصهيب و بلال أو لعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد اللّه بن سلام و أصحابه قال اللّه تعالى ردا عليهم أبلغ رد أَلا أي بلى‏ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ أي الجهال الخرقى‏ وَ لكِنْ لا يَعْلَمُونَ‏ (13) أنهم سفهاء وَ إِذا لَقُوا أي المنافقون‏ الَّذِينَ آمَنُوا أبا بكر و أصحابه‏ قالُوا آمَنَّا في السر كإيمانكم‏ وَ إِذا خَلَوْا أي عادوا إِلى‏ شَياطِينِهِمْ‏ أي أكابرهم الذين يقدرون على الإفساد في الأرض و هم خمسة نفر: كعب بن الأشرف من اليهود بالمدينة، و أبو بردة في بني أسلم، و عبد الدار في جهينة، و عوف بن عامر في بني أسد، و عبد اللّه بن الأسود بالشام. قالُوا لهم لئلا يتوهموا فيهم المباينة إِنَّا مَعَكُمْ‏ أي على دينكم في السر إِنَّما نَحْنُ‏ في إظهار الإيمان عند المؤمنين‏ مُسْتَهْزِؤُنَ‏ (14) بهم من غير أن يخطر ببالنا الإيمان حقيقة اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ‏ أي اللّه يعاملهم معاملة المستهزئ في الدنيا و في الآخرة، أما في الدنيا فلأنه تعالى أطلع الرسول على أسرارهم مع أنهم كانوا يبالغون في إخفائها عنه، و أما في الآخرة فقال ابن عباس: إذا دخل المؤمنون الجنة و الكافرون النار فتح اللّه من الجنة بابا على الجحيم في الموضع الذي هو مسكن المنافقين، فإذا رأى المنافقون الباب مفتوحا خرجوا من الجحيم و يتوجهون إلى الجنة، و أهل الجنة ينظرون إليهم فإذا وصلوا إلى باب الجنة سدّ عليهم الباب، و ذلك قوله تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ‏ [المطففين: 29] وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ‏ أي يزيدهم في ضلالتهم‏ يَعْمَهُونَ‏ (15) أي يترددون في الكفر و تركه متحيّرين‏ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏ أي أولئك الموصوفون بالصفات السابقة من قوله: و من النّاس اختاروا الكفر على الإيمان‏ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ‏ أي فلم يربحوا في تجارتهم بل خسروا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ‏ (16) إلى طرق التجارة، فإن المقصود منها سلامة رأس المال و الربح، و هؤلاء قد أضاعوهما. فرأس مالهم العقل الصرف، و ربحه الهدى‏ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً أي صفة المنافقين في حال نفاقهم كصفة الذي أوقد نارا في ظلمة لكي يأمن بها على نفسه و أهله و ماله، فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ‏ أي فلما أضاءت النار المكان الذي حول المستوقد فأبصر و أمن مما يخافه‏ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ‏ أي أطفأ اللّه النور المقصود بالإيقاد فبقي المستوقدون في ظلمة و خوف، وَ تَرَكَهُمْ‏ أي المستوقدين‏ فِي ظُلُماتٍ‏ ظلمة الليل، و ظلمة تراكم الغمام فيه، و ظلمة انطفاء النار لا يُبْصِرُونَ‏ (17) ما حولهم، فكذلك هؤلاء المنافقون أمنوا على أنفسهم و أولادهم و أموالهم بسبب إظهار كلمة الإيمان، فإذا ماتوا جاءهم الخوف و العذاب و هم في القبر و ما بعده‏ صُمٌ‏ عن الحق فلا يسمعونه سماع قبول‏ بُكْمٌ‏ عن الخير فلا يقولونه قولا مطابقا للواقع لما سبق أنهم مؤمنون ظاهرا عُمْيٌ‏ عن طريق الهدى فلا يرونه رؤية نافعة فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ‏ (18) عن كفرهم و ضلالتهم‏ أَوْ كَصَيِّبٍ‏ أو صفة المنافقين كصفة أصحاب مطر نازل‏ مِنَ السَّماءِ أي السحاب ليلا و هم‏

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏1، ص: 12

في مفازة فِيهِ‏ أي الصيب‏ ظُلُماتٌ‏ ظلمة تكاثفه بتتابع القطر، و ظلمة إظلال الغمامة مع ظلمة الليل. وَ رَعْدٌ و هو صوت يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب إذا أخذتها الريح فتصوت عند ذلك من الارتعاد وَ بَرْقٌ‏ و هو ما يلمع من السحاب. يَجْعَلُونَ‏ أي أصحاب الصيب‏ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ‏ أي من أجل الصيحة الشديدة من صوت الرعد يكون معها قطعة نار حَذَرَ الْمَوْتِ‏ من سماعها فكذلك هؤلاء المنافقون إذا نزل القرآن المشبّه بالمطر في أن كلا سبب الحياة، و فيه ذكر الكفر المشبّه بالظلمات و عدم الاهتداء، و ذكر الوعيد على الكفر المشبه بالرعد في إزعاجه و إرهابه، و ذكر الحجج البيّنة المشبّهة بالبرق في ظهوره.

يسدون آذانهم من سماع القرآن حذر الميل إلى الإيمان الذي هو بمنزلة الموت عندهم، فإن ترك الدين موت‏ وَ اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ‏ (19) علما و قدرة فلا يفوتونه تعالى لأن المحاط لا يفوت المحيط يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ أي البرق‏ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ‏ أي في ضوء البرق‏ وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا أي بقوا في الظلمة، و هذا تمثيل لإزعاج ما في القرآن قلوبهم باختطاف البرق بأبصارهم و لتصديقهم لما يحبونه من تحصيل الغنيمة و عصمة الدماء و الأموال بمشيهم في البرق، و لوقوفهم لما يكرهون من التكاليف الشاقة عليهم كالصلاة و الصوم بوقوفهم في الظلمة.

وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ‏ أن يذهب بسمعهم و أبصارهم‏ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ‏ بقصيف الرعد وَ أَبْصارِهِمْ‏ بوميض البرق، كذلك لو شاء اللّه لذهب بسمع المنافقين بزجر ما في القرآن و وعيد ما فيه و أبصارهم بالبيان‏ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ أي ممكن من ذهاب السمع و البصر قَدِيرٌ (20).

قال الفخر الرازي: و أضاء إما متعد بمعنى كلما نور لهم مسلكا أخذوه، و إما غير متعد بمعنى كلما لمع لهم مشوا فيه بطرح نوره و يقويه قراءة ابن أبي عبلة كلما ضاء.

صفحه بعد