کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

الجزء الثاني

سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة المؤمن سورة السجدة سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة القتال سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة و الليل سورة الضحى سورة ألم نشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة أبي لهب سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس الفهرس

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد


صفحه قبل

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏2، ص: 350

و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و شعبة «يدخلون» بالبناء للمفعول‏ يُرْزَقُونَ فِيها أي الجنة بِغَيْرِ حِسابٍ‏ (40) أي بلا هنداز في الكثرة و السعة.

وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ أي أيّ شي‏ء من المصالح في أني أدعوكم إلى الإيمان الذي يوجب النجاة شفقة عليكم و اعترافا بحقكم، وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) أي و أيّ شي‏ء تدعونني، إلى الكفر الذي يوجب الهلاك في النار! تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ‏ ! أي و لأشرك باللّه ما ليس بإله، و ما ليس بإله كيف يعقل جعله شريكا للإله! وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)؟! أي إلى الإيمان بإله العالم، فإنه و إن كان قادرا على التعذيب لا يغالب، لكنه غفار يغفر كفر سبعين سنة بإيمان ساعة واحدة، لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ أي حق أن الذي تدعونني إلى عبادته من الأوثان ليس له دعوة في الدنيا إلى نفسه، لأنها جمادات، و الجمادات لا تدعو أحدا إلى عبادة نفسها أصلا و أن اللّه تعالى إذا قلبها حيوانا في الآخرة تتبرأ من عابديها، وَ أَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ‏ بالموت، فأي عاقل يجوز له عقله أن يشتغل بعبادة الأشياء الباطلة، و أن يعرض عن عبادة الإله الذي لا بد و أن يكون مرجعنا إليه، وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ‏ في معصية اللّه كالإشراك و سفك الدماء هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43)، أي ملازموها، فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ‏ من النصائح وقت الموت و وقت مشاهدة الأهوال في القيامة وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44): قيل: لما قال ذلك المؤمن هذه الكلمات قصدوا قتله، فهرب منهم إلى الجبل، فطلبوه و لم يقدروا عليه، لأنه قد عول في دفع مكرهم على اللّه، فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا أي شدائد مكرهم. قيل: نجا مع موسى عليه السلام. و قيل: إنه لما فر منهم إلى الجبل أرسل فرعون ألفا ليقتلوه فأكلت السباع بعضهم، و رجع بعضهم هاربا، فقتل فرعون من رجع عقوبة على عدم قتله لذلك الرجل المؤمن. وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ‏ (45)، أي أحاط بفرعون و قومه شدة العذاب و هو القتل، و الغرق، و النار كما قال تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها بإحراقهم بها، غُدُوًّا وَ عَشِيًّا ، أي تعرض أرواحهم في البرزخ على النار من حين موتهم إلى قيامة الساعة، و لا يوقف على «سوء العذاب» إن جعل «النار» بدلا منه، و إن جعل خبر مبتدأ محذوف. فالوقف على «سوء العذاب» حسن، و كذا إن قرئ «النار» منصوبا على الاختصاص، أو نحوه، و إن جعل «النار» مبتدأ و خبره ما بعده فالوقف على «العذاب» تام، وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ‏ (46).

قرأ نافع و حمزة و الكسائي و حفص عن عاصم بفتح الهمزة، و كسر الخاء، أي و يوم القيامة يقول اللّه لخزنة جهنم أدخلوا آل فرعون في أشد العذاب. و الباقون بهمزة الوصل و ضم الخاء، و المعنى: و يوم القيامة يقال لهؤلاء الكفار: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب و هو عذاب جهنم.

وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ أي و اذكر يا أشرف الخلق لقومك وقت تخاصم بعضهم بعضا في‏

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏2، ص: 351

النار، فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ أي السفلة من الكفار لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ، أي للقادة الذين تعظموا عن الإيمان: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً أي أتباعا في دينكم، فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47)، أي فهل تقدرون على أن تدفعوا عنا جزءا من العذاب. و المقصود من هذا الكلام: المبالغة في تخجيل أولئك الرؤساء و إيلام قلوبهم. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا و هم القادة للسفلة: إِنَّا كُلٌّ فِيها أي نحن و أنتم واقعون في هذا العذاب، فلو قدرت على إزالة العذاب عنكم لدفعته عن أنفسنا ف «كل» مبتدأ و «فيها» خبره و الجملة خبران.

و قرئ «كلا» بالنصب على التأكيد لاسم «إن»، أي إن كلنا واقعون في النار، ثم يقولون:

إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) أي يوصل إلى كل أحد مقدار حقه من النعيم، أو من العذاب فلا معقب لحكمه، فعند ذلك يحصل اليأس للأتباع من المتبوعين فيرجعون إلى خزية جهنم، وَ قالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ من الضعفاء و المستكبرين إذا اشتدت عليهم النار، و قل صبرهم‏ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ‏ ، أي للملائكة الموكلين بعذاب أهل النار، ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ‏ (49) أي يخفف عنا شيئا من العذاب في وقت من الأوقات. قالُوا أي الخزنة:

أَ وَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ‏ ؟ أي ألم تنتبهوا عن هذا، و لم تكن تأتيكم رسلكم في الدنيا على الاستمرار بالحجج الواضحة الدالة على سوء الكفر و المعاصي‏ قالُوا بَلى‏ أي أتونا بها فكذبناهم، قالُوا أي الخزنة استهزاء بهم و إظهارا لخيبتهم: فَادْعُوا أي إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم فإنا لا نجترئ على الدعاء و لا نشفع إلا بالإذن في الشفاعة و إلا لمن كان مؤمنا وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ‏ (50)، أي ضياع. و هذا من كلام اللّه إخبارا لنبيه، فالوقف على «ادعوا» تام أو من كلام الخزنة- كما قاله الرازي و أبو السعود-

قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا بالرسل‏ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بانتقام الكفرة، وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) أي يوم يقوم كل من يشهد بأعمال العباد يوم القيامة من ملك، و نبي، و مؤمن بالحجة و الاعتذار، يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ‏ من الكفر.

و قرأ ابن كثير، و أبو عمرو، و ابن عامر «لا تنفع» بالتاء الفوقية. و الباقون بالياء التحتية وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ أي الإهانة وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) و هو العقاب الشديد. وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى‏ أي التوراة و المعجزات، وَ أَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ‏ (53)، أي و تركنا عليهم من بعد موسى التوراة هُدىً وَ ذِكْرى‏ لِأُولِي الْأَلْبابِ‏ (54) أي لأجل الهداية من الضلالة، و لأجل التذكرة لذوي العقول السليمة، فكتب أنبياء اللّه مشتملة على هذين القسمين، بعضها دلائل في أنفسها، و بعضها مذكرات لما ورد في الكتب الإلهية المتقدمة، فَاصْبِرْ يا أكرم الرسل على أذى اليهود و النصارى و المشركين، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ ، فاللّه ناصرك و منجز وعده في حقك، وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ‏ أي تب من ترك الأولى، و الأفضل في بعض الأحايين، فإنه‏

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏2، ص: 352

تعالى كافيك في نصرة دينك، و إظهاره على الدين كله، وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ (55)، أي ودم على التسبيح ملتبسا بحمده تعالى. و المراد منه الأمر بالمواظبة على ذكر اللّه باللسان، و بأن لا يغفل القلب عنه، إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏ ، و جملة «إن في صدورهم» إلخ خبر ل «إن»، و جملة «ما هم» إلخ صفة ل «كبر»، أي إن الذين يجحدون بآيات اللّه بغير برهان أتاهم في ذلك من اللّه تعالى ما في قلوبهم إلا تكبر عن الحق ما هم ببالغي كبره، أي الذين يناصبون الجدال معك بغير حجة إنما يحملهم على هذا الجدال الباطل كبر في صدورهم، و ذلك الكبر هو أنهم لو سلموا بنبوّتك لزمهم أن يكونوا تحت تصرفك، لأن النبوة تحتها كل رئاسة و ملك، و هم لا يرضون أن يكونوا في خدمتك و إنما هم يريدون أن تكون تحت يدهم و لا يصلون إلى هذا المراد، بل لا بد و أن يصيروا تحت أمرك و نهيك، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ‏ أي فالتجئ إليه تعالى من كيد من يجادلك، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‏ لأقوالهم‏ الْبَصِيرُ (56) بأعمالهم، لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ‏ ، أي فالذي قدر على ابتداء خلق السموات و الأرض مع عظمها، قادر على إعادة الإنسان الذي خلقه أولا، وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ (57) أي أن هذا البرهان مع قوته صار بحيث لا يعرفه من ينكرون الحشر و النشر، فظهر أن هؤلاء يجادلون في آيات اللّه بغير حجة، بل بمجرد الحسد و الكبر، وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ أي لا يستوي الجاهل المقلد المستدل، وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ لَا الْمُسِي‏ءُ أي و لا يستوي الآتي بالأعمال الصالحة، و الآتي بالأعمال الفاسدة. قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ‏ (58) أي أن المجادلين و إن كانوا يعلمون أن العلم خير من الجهل، و أن العمل الصالح خير من العمل الفاسد إلا أنهم ما يتعظون اتعاظا قليلا من أمثال القرآن، فإن الحسد يعمي قلوبهم فيعتقدون في الجهل و التقليد أنه محض المعرفة، و في الحسد و الكبر أنه محض الطاعة.

و قرأ عاصم و حمزة و الكسائي «تتذكرون» على الخطاب. و الباقون بالغيبة. إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها أي لا شك في مجيئها بإجماع الرسل على الوعد بوقوعها. وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ‏ و هم الذين ينكرون البعث، لا يُؤْمِنُونَ‏ (59) بمجي‏ء الساعة، وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ أي اعبدوني أثبكم و أغفر لكم، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ‏ (60) أي أذلاء.

و يقال: إن الدعاء هو السؤال، أي ادعوني أقبل إليكم، فالدعاء اعتراف بالعبودية و الذلة فكأنه قيل: إن تارك الدعاء إنما تركه لأجل أن يستكبر عن إظهار العبودية، و كل من دعا اللّه و في قلبه ذرة من الاعتماد على ماله و جاهه، و اجتهاده و أقاربه و أصدقائه، فهو في الحقيقة ما دعا اللّه إلا باللسان، أما قلبه فهو معول في تحصيل ذلك المطلوب على غير اللّه، فهذا ما دعا اللّه في‏

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏2، ص: 353

الحقيقة في وقت. أما إذا دعا في وقت لا يبقى في القلب التفات إلى غير اللّه، فإنه تحصل الاستجابة و انقطاع القلب بالكلية، عما سوى اللّه لا يحصل إلا عند القرب من الموت، فإن الإنسان قاطع في ذلك الوقت بأنه لا ينفعه شي‏ء سوى فضل اللّه تعالى.

و قرأ ابن كثير و شعبة «سيدخلون» على صيغة المبني للمفعول.

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ‏ باردا مظلما لِتَسْكُنُوا فِيهِ‏ أي لتستريحوا فيه بالنوم و بالعبادة وَ النَّهارَ مُبْصِراً أي مضيئا. و هذا إعلام بوجود الإله القادر، فإن الاشتغال بالدعاء لا بدّ و أن يكون مسبوقا بحصول المعرفة، و بأن من أنعم قبل السؤال بهذه النعم العالية فكيف لا ينعم بالأشياء القليلة بعد السؤال؟! إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ‏ كافة باختلاف الليل و النهار، و ما يحتويان عليه من المنافع‏ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ‏ (61). إما لكونه حريصا على الدنيا محبا للمال و الجاه، فإذا فاته وقع في كفران هذه النعم العظيمة، أو لأنها لما دامت و استمرت نسيها الإنسان، أو لاعتقاده أن هذه النعم ليست من اللّه تعالى، بأن يعتقد أن هذه الأفلاك واجبة الدوران لذواتها.

ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ‏ ، أي ذلكم المعلوم المميز بالأفعال الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد هو اللّه ربكم، خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ . و هذه أخبار أربعة عن اسم الإشارة.

و قرئ «خالق» بالنصب على الاختصاص، فيكون لا إله إلا هو استئنافا فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏ (62) أي فمن أي وجه تصرفون عن عبادته تعالى إلى عبادة غيره، و لم تعدلوا عن هذه الدلائل؟ و من أين تكذبون على اللّه بجعلكم له شركاء؟ كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ‏ (63)، أي مثل الصرف البعيد عن مناهج العقلاء يصرف الذين كانوا ينكرون آيات اللّه تعالى. اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً أي منزلا في حال الحياة و بعد الممات، وَ السَّماءَ بِناءً أي مثل القبة المضروبة على الأرض من غير عماد وَ صَوَّرَكُمْ‏ أي أحدث صورتكم على غير نظام واحد، فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ و لم يخلق اللّه تعالى حيوانا أحسن صورة من الإنسان، وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ‏ أي اللذائذ لا كرزق الدواب، ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ‏ أي ذلكم الذي نعت بالنعوت الجليلة هو اللّه المحسن إليكم، فَتَبارَكَ اللَّهُ‏ أي ثبت اللّه مع كثرة الخيرات‏ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ (64) أي مالكهم‏ هُوَ الْحَيُ‏ ، أي المنفرد بالحياة الذاتية لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فلا موجود يدانيه في ذاته و صفاته و أفعاله، فَادْعُوهُ‏ أي اعبدوه‏ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ أي الطاعة من الشرك‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (65).

قال الفراء: هو خبره و فيه إضمار الأمر أي فادعوه و احمدوه. و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما من قال: لا إله إلا اللّه فليقل بعدها الحمد للّه رب العالمين، أي و لما كان تعالى موصوفا بصفات الجلال و العزة استحق لذاته أن يقال له: الحمد للّه رب العالمين. قُلْ‏ لأهل مكة يا أكرم الرسل- حين قالوا لك: ارجع إلى دين آبائك-: إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ‏

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏2، ص: 354

اللَّهِ‏ أي الذين تعبدون من الأوثان‏ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ‏ أي الدلائل‏ مِنْ رَبِّي‏ ، و هي أن إله العالم قد ثبت كونه موصوفا بصفات الجلال و العظمة، وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ (66) أي أن أنقاد له و أخلص توحيدي له، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ‏ فكل إنسان مخلوق من مني و هو مخلوق من الدم، و هو يتولد من الأغذية، و هي منتهية إلى النباتية، و النبات إنما يكون من التراب و الماء، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ أي دم عبيط ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ‏ من بطون أمهاتكم‏ طِفْلًا ثُمَ‏ يبقيكم‏ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ‏ ، أي كمالكم في القوة و العقل، ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً .

و قرأ نافع و أبو عمرو، و هشام، و حفص بضم الشين. و الباقون بكسرها و قرئ «شيخا»، وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ‏ ، أي من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأشد، أو قبله أو قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا يفعل ذلك لتعيشوا، وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى‏ و هو وقت الموت‏ وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ (67)، أي و لكي تعقلوا ما في هذه الأحوال العجيبة من أنواع العبر و أقسام الدلائل، فإن دلائل وجود اللّه تعالى و قدرته إما من دلائل الآفاق، و هي: الليل، و النهار، و الأرض و السماء.

أو من دلائل الأنفس و هي: التصوير و حسن الصورة، و رزق الطيبات. أو من عمر الإنسان و هو على ثلاث مراتب: كونه طفلا و هو في التزايد شيئا فشيئا و بلوغه كمال النشوء و ظهوره في النقص. هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ ، فكما أن الانتقال من صفة إلى صفة أخرى يدل على الإله القادر كذلك الانتقال من الحياة إلى الموت، و بالعكس يدل على الإله القادر. فَإِذا قَضى‏ أَمْراً أي أراد أيّ أمر كان، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ (68) فعبّر اللّه عن نفاذ قدرته في الكائنات من غير معارض بما إذا قال: كن فيكون. أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ‏ أي انظر إلى هؤلاء المجادلين في آياته تعالى، الواضحة، الموجبة للإيمان بها أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ (69) أي كيف يصرفون عنها مع تعاضد الدواعي إلى الإقبال عليها،

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ‏ أي بالقرآن، وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا من سائر الكتب‏ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ‏ ، و الوقف هنا تام أو كاف- كما قاله أبو عمرو- و «إذ» بمعنى إذا، و هو ظرف ليعلمون، و السلاسل عطف على الأغلال. و المعنى فسوف يعلمون وقت أن يكون الإغلال و السلاسل في أعناقهم‏ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ‏ ، أي و هم يجرون بتلك السلاسل في الماء المسخن بنار جهنم.

و قرئ «و السلاسل يسحبون» بنصب «السلاسل» على أنه مفعول مقدم ل «يسحبون» بفتح الياء. و قرئ «و السلاسل» بالجر على إضمار الباء كما يدل عليه القراءة به. ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ (72) أي يحرقون، ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ‏ بعد أن يعذبوا بأنواع العذاب: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ أي مع اللّه‏ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا أي غابوا عن عيوننا فلا نراهم و لا نستشفع بهم، بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً أي بل لم نكن نعبد من قبل هذه الإعادة شيئا يضر و لا ينفع، و لا يبصر، و لا يسمع. و هذا اعتراف بأن عبادتهم الأصنام كانت باطلة أو يقال: بل لم نكن نعبد

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏2، ص: 355

من قبل هذا الوقت شيئا من دون اللّه. و هذا إنكار لعبادة الصنم‏ كَذلِكَ‏ أي مثل ذلك الإضلال‏ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ‏ (74) عن طريق الجنة ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ‏ (75)، أي ذلكم العذاب بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية، و عبادة الأصنام، و بكثرة المال و الأتباع و الصحة، ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ‏ أي السبعة المقسومة لكم‏ خالِدِينَ فِيها أي لا يخرجون منها و لا يموتون فيها، فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ (76) عن الحق، جهنم. فَاصْبِرْ على إيذائهم و إيحاشهم بتلك المجادلات. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بالنصرة لك، و بإنزال العذاب على أعدائك‏ حَقٌ‏ أي كائن بلا شك، فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ‏ أي فإن نرك بعض الذي نعد أولئك الكفار من أنواع العذاب، فذلك هو المطلوب‏ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ‏ قبل إنزال العذاب عليهم، فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ‏ (77) يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام، و يجوز أن يكون هذا جوابا للشرطين. فالمعنى: أن نعذبهم في حياتك أو لم نعذبهم فيها فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب. وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ أي أنت يا أشرف الرسل كالرسل من قبلك و قد ذكرنا حال بعضهم لك، و لم نذكر حال الباقين، و ليس فيهم أحد أعطاه اللّه معجزات إلا و قد جادله قومه فيها، و كذبوه فيها، و جرى عليهم من الهم مثل ما جرى عليك و صبروا، و كان قومهم يقترحون عليهم إظهار المعجزة الزائدة على قدر الحاجة على سبيل التعنت، ثم إن كان الصلاح في إظهارها أظهرناها و إلا لم نظهرها، و لم يكن ذلك قادحا في نبوتهم، فكذلك الحال في اقتراح قومك عليك المعجزات الزائدة، فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ‏ أي جاءكم اللّه بنزول العذاب على الأمم الماضية، قُضِيَ بِالْحَقِ‏ أي نفذ حكم اللّه بالعدل، وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ‏ (78)، أي و هلك في وقت مجي‏ء العذاب من يقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة على سبيل التعنت، اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ‏ أي الإبل- كما قاله الزجاج- لِتَرْكَبُوا مِنْها أي الإبل‏ وَ مِنْها أي من لحوم الإبل، تَأْكُلُونَ (79) وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ‏ ، كألبانها و أوبارها و جلودها، وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ‏ بحمل أثقالكم من بلد إلى بلد، وَ عَلَيْها أي الإبل بالهودج في البر، وَ عَلَى الْفُلْكِ‏ أي السفن في البحر تُحْمَلُونَ‏ (80) و تسافرون،

وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ‏ أي دلائله الدالة على كمال قدرته و وفور رحمته، فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ‏ (81) أي ليس في شي‏ء من هذه الدلائل ما يمكن إنكاره، لأنها كلها ظاهرة باهرة، أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ‏ أي أقعدوا، فلم يسيروا في أقطار الأرض؟ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ من الأمم الماضية المتكبرين؟ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ‏ أي من أهل مكة في العدد- يعرف في الأخبار- وَ أَشَدَّ قُوَّةً بالبدن‏ وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ‏ قد بقيت بعدهم بحصون عظيمة مثل الأهرام الموجودة بمصر فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ (82)، أي فلم ينفعهم الذي كانوا

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد، ج‏2، ص: 356

صفحه بعد