کتابخانه تفاسیر
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 68
و ما بعدها غير مخالف للكتاب و السنة من طريق الاستنباط فقد رخص فيه لأهل العلم، أمّا التفسير و هو الكلام في أسباب نزول الآية و شأنها و قصّتها، فلا يجوز إلا بالسماع بعد ثبوته من طريق النقل، و أصل التفسير من التفسرة، و هي الدليل من الماء الذي ينظر فيه الطبيب فيكشف عن علّة المريض، كذلك المفسّر يكشف عن شأن الآية و قصتها، و اشتقاق التأويل: من الأول و هو الرجوع، يقال: أوّلته فأوّل، أي:
صرفته فانصرف.
[24] أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي «1» أنا الحاكم أبو الفضل الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى
[24]- صدره صحيح، خرجه الشيخان من غير هذا الوجه، و أما لفظ «لكل آية ...» فغريب جدا، و الإسناد ضعيف. مغيرة بن مقسم، مدلس و قد عنعن، و جرير بن عبد الحميد تغير حفظ بأخرة، و الوهن فقط في عجره.
- و أخرجه الطحاوي في «المشكل» (3095) من طريق جرير بن عبد الحميد بهذا الإسناد.
- و أخرجه أبو يعلى 5149 من طريق المغيرة بن مقسم بهذا الإسناد.
- و أخرجه الطبري 10 من طريق جرير بن عبد الحميد عن المغيرة عن واصل بن حيان عمن ذكره عن أبي الأحوص به.
و هذا اضطراب حيث هاهنا فيه راو لم يسمّ.
- و أخرجه ابن حبان 750 من طريق محمد بن عجلان عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص به. و الهمداني إن كان عمرو بن عبد اللّه السبيعي، فهو ثقة، لكنه مدلس، و قد عنعن و إن كان الهجري، فهو ضعيف. و هو الراجح كونه الهجري، و الوهم من أحد رواة ابن حبان.
- و أخرجه الطبري 11 من طريق أبي إسحاق الهجري عن أبي الأحوص به و أبو إسحاق الهجري هو إبراهيم بن مسلم، و فيه لين.
- و أخرجه الطبراني في «الكبير» (10090) و البزار 2312 و الطحاوي في «المشكل» (3077) من طريق محمد بن عجلان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص به، و لم يذكروا أبا إسحاق إلا أن البزار قال عقب روايته: لم يروه هكذا غير الهجري، و لا روى ابن عجلان عن الهجري غيره، و لا نعلمه من طريق ابن عجلان إلا من هذا الوجه ا ه.
و قال الهيثمي في «المجمع» (7/ 152) (11579): رواه البزار، و أبو يعلى في «الكبير»، و في رواية عنده «لكل حرف منها بطن و ظهر».
و الطبراني في «الأوسط» باختصار آخره، و رجال أبي يعلى ثقات، و رواية البزار عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق قال في آخرها: لم يرو محمد بن عجلان عن إبراهيم الهجري غير هذا الحديث. قلت: و محمد بن عجلان إنما روى عن أبي إسحاق السبيعي، فإن كان هو أبا إسحاق السبيعي، فرجال البزار أيضا ثقات ا ه. قلت: لا يليق هذا الحديث بأبي إسحاق السّبيعي، و لو كان عنده لرواه عنه الثقات، لأنه محدث أهل الكوفة، و قد روى له الأئمة الستة، و هو مكثر.
- و أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص (43) عن حجاج عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن مرسلا و من طريق أبي عبيد أخرجه البغوي في «شرح السنة» (122) و لفظه «ما أنزل اللّه تعالى آية إلا لها ظهر و بطن، و كل حرف حد، و كل حد مطلع».
و رواية البغوي «... و لكل حرف حد، و لكل حد مطلع». و هذا مرسل، و مع إرساله علي بن زيد ضعيف.
- و أخرجه أبو عبيد أيضا ص 42 عن حجاج عن المبارك بن فضالة عن الحسن مرسلا. و مرسلات الحسن واهية، لأنه يروي عن كل أحد كما هو مقرر في كتب المصطلح.
الخلاصة: أما صدره، فصحيح، رواه الجماعة عن غير واحد من الصحابة رضي اللّه عنهم، و كذا رواه غير واحد بدون عجزه، و أما عجزه، فغريب، بل هو منكر، و يكفي في غرابته هو أنه لم يروه أحد من الأئمة الستة، و الإسناد الأول ضعيف جرير تغير حفظه، و مغيرة مدلس، و قد عنعن، ثم قد روي عن واصل عن رجل لم يسم عن أبي الأحوص كذا رواه الطبري و تقدم. و أما الطريق الثاني: فمداره على أبي إسحاق، و هو الهجري و هو ضعيف ضعفه ابن معين و النسائي و غيرهما. و لا يصح كونه أبي إسحاق السبيعي الهمداني، و قد أخطأ أحد رجال ابن حبان فجعله الهمداني،
(1) وقع في الأصل «البراني» و التصويب عن «ط».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 69
أنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، ثنا جرير بن عبد الحميد عن المغيرة عن واصل بن حيان، عن ابن [أبي] «1» الهذيل عن أبي الأحوص عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه:
عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال: «إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر و بطن و لكل حدّ مطلع»، و يروى: «لكل حرف حد، و لكل حد مطلع» «2» .
و اختلفوا في تأويله، قيل: الظهر لفظ القرآن، و البطن تأويله، و قيل: الظهر ما حدث عن أقوام أنهم عصوا فعوقبوا، فهو في الظاهر خبر و باطنه عظة و تحذير أن يفعل أحد مثل ما فعلوا فيحلّ به مثل ما حلّ بهم، و قيل: معنى الظهر و البطن التلاوة و التفهّم، يقول: لكل آية ظاهر و هو أن تقرأها كما نزلت «3» ، قال اللّه تعالى: وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 4]، و باطن و هو التدبّر و التفكّر، قال اللّه تعالى:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [ص: 29]، ثم التلاوة تكون بالتعلّم، [و الحفظ بالدرس] «4» ، و التفهّم يكون بصدق النيّة و تعظيم الحرمة، و طيب الطعمة، و قوله: «لكل حرف حد» أراد به: له «5» حد في التلاوة و التفسير لا يجاوز، ففي التلاوة لا يجاوز المصحف و في التفسير لا يجاوز المسموع، و قوله:
«لكل حد مطلع»، أي: مصعد يصعد إليه من معرفة علمه، و يقال: المطلع الفهم، و قد يفتح اللّه على المدبّر و المتفكر في التأويل و المعاني ما لا يفتحه «6» على غيره، و فوق كل ذي علم عليم، و ما توفيقي إلا اللّه العزيز الحكيم.
و قد صرح البزار بأن محمد بن عجلان روى هذا الحديث الواحد عن أبي إسحاق الهجري، و القول قول البزار، فهو أحد الأئمة الأثبات في معرفة علل الحديث، و كتابه مليء بذكر فوائد في العلل و بيانها. و لا يبعد كون لفظ «لكل آية ...» مدرج من كلام الهجري أو أبي الأحوص، و اللّه أعلم.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل و استدرك من كتب التراجم و من مصادر التخريج.
(2) هذه الرواية اللبغوي في «شرح السنة» (122) عن علي بن زيد عن الحسن، و هو مرسل، و مع إرساله علي بن زيد ضعيف.
و هذه الزيادة منكرة، و اللّه تعالى أعلم.
(3) في المطبوع «أنزلت».
(4) زيد في المطبوع.
(5) في المطبوع «من».
(6) في المطبوع «يفتح».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 70
1- سورة الفاتحة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و لها ثلاثة أسماء معروفة: فاتحة الكتاب، و أم القرآن، و السبع المثاني، سميت فاتحة الكتاب لأنه تعالى بها افتتح القرآن، و [سميت] «1» أم القرآن «2» : لأنها أصل القرآن، منها بدئ القرآن، و أم الشيء أصله، و يقال لمكة: أم القرى، لأنها أصل البلاد، دحيت «3» الأرض من تحتها، و قيل: لأنها مقدمة و إمام لما يتلوها من السور يبدأ بكتابتها في الصحف و بقراءتها «4» في الصلاة، و السبع المثاني: لأنها سبع آيات باتفاق العلماء، و سميت مثاني لأنها تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة.
و قال مجاهد: سميت مثاني لأنّ اللّه تعالى استثناها لهذه الأمة فدخرها لهم، و هي مكية على قول الأكثرين، و قال مجاهد: مدنية، و قيل: نزلت مرتين، مرة بمكة و مرة بالمدينة، و لذلك سميت مثاني، و الأوّل أصح أنّها مكية لأن اللّه تعالى منّ على الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الحجر:
87]، و المراد منها: فاتحة الكتاب، و سورة الحجر مكية، فلم يكن يمنّ عليه بها قبل نزولها.
[سورة الفاتحة (1): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
قوله: بِسْمِ اللَّهِ الباء زائدة تخفض «5» ما بعدها، مثل من و عن، و المتعلق به [الباء] «6» محذوف لدلالة الكلام عليه، تقديره: ابدأ بسم اللّه أو قل بسم اللّه، و أسقطت الألف من الاسم طلبا للخفة لكثرة استعمالها، و طولت الباء قال القتيبي: ليكون افتتاح «7» كتاب اللّه بحرف معظم.
كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه يقول لكتّابه: طوّلوا الباء و أظهروا السين و فرّجوا بينهما و دوّروا الميم تعظيما لكتاب اللّه عزّ و جلّ.
و قيل: لما أسقطوا الألف ردّوا طول الألف على الباء ليكون دالّا على سقوط الألف، ألا ترى أنه لما كتبت «8» الألف في: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] ردت الباء إلى صيغتها، و لا تحذف «9» الألف إذا أضيف
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «الكتاب».
(3) دحا اللّه الأرض دحوا: بسطها.
(4) في المخطوط «أ» «و يقرأ بها».
(5) في المطبوع «يخفض».
(6) سقط من المطبوع.
(7) في المطبوع زيد «كلام» بعد لفظ «افتتاح».
(8) في المطبوع «كتب».
(9) في المطبوع «يحذف».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 71
الاسم إلى غير اللّه و لا مع غير الباء، و الاسم هو المسمى و عينه و ذاته، قال اللّه تعالى: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى [مريم: 7]، أخبر أن اسمه يحيى ثم نادى الاسم فقال: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ [مريم: 12]، و قال: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها [يوسف: 40] و أراد [بالأسماء] «1» الأشخاص المعبودة، لأنهم كانوا يعبدون المسميات و قال: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ [الأعلى: 1]، و تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن: 78] ثم يقال للتسمية أيضا اسم، فاستعماله في التسمية أكثر من المسمى، فإن قيل: ما معنى التسمية من اللّه لنفسه؟ قيل: هو تعليم للعباد كيف يستفتحون القراءة، و اختلفوا في اشتقاقه، قال المبرد من البصريين:
هو مشتق من السمو و هو العلو، فكأنه علا على معناه و ظهر عليه و صار معناه [لا] «2» تحته، و قال ثعلب من الكوفيين: هو [مشتق] «3» من الوسم و السمة و هي العلامة و كأنه علامة لمعناه و علامة للمسمى، و الأول أصح لأنه يصغر على سمي، و لو كان من السمت لكان يصغر على الوسيم كما يقال في الوعد وعيد، و يقال في تصريفه: سميت، و لو كان من الوسم لقيل: و سمت.
قوله تعالى: اللَّهِ قال الخليل و جماعة: هو اسم علم خاص للّه عزّ و جلّ لا اشتقاق له كأسماء الأعلام للعباد، مثل زيد و عمرو، و قال جماعة: هو مشتق.
ثم اختلفوا في اشتقاقه فقيل: من أله إلاهة أي: عبد عبادة، و قرأ ابن عباس رضي اللّه عنهما «و يذرك و إلا هتك «4» » أي: عبادتك معناه أنه المستحق للعبادة دون غيره، و قيل: أصله أله، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ [المؤمنون: 91]، قال المبرد: هو قول العرب:
ألهت إلى فلان أي سكنت إليه، قال الشاعر:
ألهت إليها و الحوادث جمّة «5» فكأن الخلق يسكنون إليه و يطمئنون بذكره، يقال: ألهت إليه أي: فزعت إليه، و قال الشاعر:
ألهت إليها و الركائب وقف «6» و قيل: أصل الإله ولاه، فأبدلت الواو بالهمزة مثل و شاح و أشاح، اشتقاقه من الوله لأن العباد يولهون إليه، أي يفزعون إليه في الشدائد و يلجؤون إليه في الحوائج كما يوله كل طفل إلى أمه، و قيل:
هو من الوله و هو ذهاب العقل لفقد من يعز عليك.
قوله: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، و اختلفوا فيهما، منهم من قال: هما بمعنى واحد مثل ندمان و نديم، و معناهما ذو الرحمة، و ذكر أحدهما بعد الآخر تطميعا لقلوب الراغبين، و قال المبرد: هو إنعام بعد إنعام و تفضل بعد تفضل، و منهم من فرّق بينهما فقال: للرحمن معنى العموم، و للرحيم معنى الخصوص، فالرحمن بمعنى الرزاق في الدنيا، و هو على العموم لكافة الخلق، و الرحيم بمعنى العافي «7» في الآخرة و العفو في الآخرة للمؤمنين على الخصوص.
و لذلك قيل في الدعاء: يا رحمن الدنيا و رحيم الآخرة، فالرحمن من تصل رحمته إلى الخلق على
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع.
(3) سقط من المطبوع.
(4) قراءة حفص و رسم المصحف وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ [الأعراف: 127].
(5) ذكره ابن منظور في «اللسان» و لم ينسبه لأحد و فيه «إلينا» بدل «إليها».
(6) هو في «اللسان» بدون نسبة.
(7) في المطبوع «المعافى».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 72
العموم، و الرحيم من تصل رحمته إليهم على الخصوص، و لذلك يدعى غير اللّه رحيما و لا يدعى [غير اللّه] «1» رحمانا، فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ، و الرحيم عام اللفظ خاص المعنى، و الرحمة إرادة اللّه الخير لأهله، و قيل: هي ترك عقوبة من يستحقها و إسداء الخير إلى من لا يستحق، فهي على الأول صفة ذات و على الثاني صفة فعل.
و اختلفوا في آية التسمية فذهب قراء المدينة و البصرة و فقهاء الكوفة إلى أنها ليست من فاتحة الكتاب، و لا من غيرها من السور و الافتتاح بها للتّيمن و التبرك، و ذهب قراء مكة و الكوفة و أكثر فقهاء الحجاز إلى أنها [ليست] «2» من الفاتحة و ليست من سائر السور، و إنما «3» كتبت للفصل، و ذهب جماعة إلى أنها من الفاتحة و من كل سورة إلا سورة التوبة، و هو قول الثوري و ابن المبارك و الشافعي «4» ، لأنها كتبت في المصحف بخط سائر القرآن.
و اتفقوا على أن الفاتحة سبع آيات فالآية الأولى عند من يعدها من الفاتحة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و ابتداء الآية الأخيرة صراط الذين، و من لم يعدها من الفاتحة قال ابتداؤها الحمد للّه رب العالمين و ابتداء الآية الأخيرة غير المغضوب عليهم، و احتج من جعلها من الفاتحة و من السور بأنها كتبت في المصحف بخط القرآن و بما:
[25] أخبرنا [أبو الحسن] عبد الوهّاب بن محمد الكسائي، أنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الخلال، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، و أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أنا عبد المجيد عن ابن جريج أخبرني أبي عن سعيد بن جبير:
وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) [الحجر: 87]. هي أم القرآن قال أبي: و قرأها عليّ سعيد بن جبير حتى ختمها ثم قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الآية السابعة، قال سعيد: قرأها عليّ ابن عباس كما قرأتها عليك ثم قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الآية السابعة، قال ابن عباس: فادخرها «5» لكم فما أخرجها لأحد قبلكم.
و من لم يجعلها من الفاتحة، احتج بما:
[26] ثنا أبو الحسن محمد بن محمد الشيرزي «6» أنا زاهر بن أحمد ثنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو
[25]- موقوف، فيه عبد المجيد، و هو ابن عبد العزيز بن أبي رواد، ضعفه قوم و وثقه آخرون.
هو في «شرح السنة» (581) بهذا الإسناد، و مثل هذا الإسناد لا يحتج به في مثل هذه المواطن.
[26]- إسناده صحيح على شرط البخاري و مسلم، أبو مصعب أحمد بن أبي بكر؛ حميد بن أبي حميد.
و هو في «شرح السنة» (584) بهذا الإسناد.
- و أخرجه مسلم 399 و مالك 1/ 81.
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع.
(3) في المطبوع «فإنما».
(4) زيد في المطبوع «في قول».
(5) في المطبوع «فذخرها».
(6) في الأصل «الشيرازي» و التصويب عن «الأنساب» و «شرح السنة» (584)
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 73
مصعب [عن مالك] «1» عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال: قمت وراء أبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان كلهم [كان لا يقرأ] «2» بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إذا افتتح الصلاة.
ع [27] قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لا يعرف ختم السورة حتى نزلت «3» بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. و عن ابن عباس «4» قال: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل بسم اللّه الرحمن الرحيم.
ع [28] و قال الشعبي: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يكتب في بدء الأمر على رسم قريش باسمك اللهم حتى نزلت «5» وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها [هود: 41]، فكتب باسم اللّه حتى نزلت قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: 110]، فكتب بسم اللّه الرحمن حتى نزلت آية إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) [النمل: 30] فكتب مثلها.
[سورة الفاتحة (1): الآيات 2 الى 3]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)
قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ لفظه خبر كأنه يخبر أن «6» المستحق للحمد هو اللّه عزّ و جلّ و فيه تعليم الخلق، تقديره: قولوا الحمد للّه، و الحمد يكون بمعنى الشكر على النعمة و يكون بمعنى الثناء عليه بما فيه من الخصال الحميدة، يقال حمدت فلانا على ما أسدى إليّ من نعمة، و حمدته على علمه و شجاعته، و الشكر لا يكون إلا على النعمة، و الحمد أعم من الشكر إذ لا يقال: شكرت فلانا على علمه، فكل حامد شاكر و ليس كل شاكر حامدا، و قيل: الحمد باللسان قولا و الشكر بالأركان فعلا، قال اللّه تعالى: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً [الإسراء: 111]، و قال: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ: 13]، يعني: اعملوا الأعمال لأجل الشكر، فشكرا مفعولا له و انتصب باعملوا.
قوله: لِلَّهِ اللام فيه للاستحقاق كما يقال الدار لزيد قوله: رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) ، فالرب يكون بمعنى المالك كما يقال لمالك الدار: ربّ الدار، و يقال: ربّ الشيء إذا ملكه، و يكون بمعنى التربية و الإصلاح يقال: ربّ فلان الصنعة «7» يربها إذا أتمها و أصلحها، فهو ربّ مثل طب و بر، فاللّه تعالى مالك العالمين و مربّيهم، و لا يقال للمخلوق: هو الرب معرفا، إنّما يقال: ربّ كذا مضافا، لأنّ الألف و اللام للتعميم، و هو لا يملك الكل، و العالمين: جمع عالم [و العالم جمع] «8» لا واحد له من لفظه، و اختلفوا في العالمين.
[27]- ع أخرجه أبو داود 788 و الحاكم 1/ 231 عن ابن عباس به، و صححه الحاكم على شرطهما، و وافقه الذهبي، و له علة فقد كرره الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس، و صدره «كان المسلمون لا يعلمون ...» ليس فيه ذكر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و هو أقرب، و إسناده صحيح و اللّه أعلم. و انظر «تفسير الشوكاني» (22) بتخريجي.
[28]- ع يأتي في سورة النمل: [30) إن شاء اللّه تعالى.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل و استدرك من «شرح السنة» و كتب التخريج.
(2) ما بين المعقوفتين في الأصل «كانوا لا يقرؤون» و التصويب عن «الموطأ» و «صحيح مسلم» و «شرح السنة».
(3) في المطبوع «ينزل».
(4) في المطبوع «مسعود».
(5) في المطبوع «نزل».
(6) في المطبوع «عن» بدل «أن».
(7) في المطبوع «الضيعة».
(8) زيد في المطبوع.
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 74
قال ابن عباس: هم الجن و الإنس، لأنهم مكلفون بالخطاب، قال اللّه تعالى: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: 1]: و قال قتادة و مجاهد و الحسن: جميع المخلوقين، قال اللّه تعالى: قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا [الشعراء: 23. 24]، و اشتقاقه من العلم و العلامة، سمّوا به لظهور أثر الصنعة فيهم، قال أبو عبيدة «1» : هم أربع أمم: الملائكة و الإنس و الجن و الشياطين، مشتق من العلم، و لا يقال للبهائم: عالم لأنها [لا تعلم و] «2» لا تعقل.
و اختلفوا في مبلغهم، قال سعيد بن المسيب «3» : للّه ألف عالم ستمائة في البحر و أربعمائة في البر، و قال مقاتل بن حيان: للّه ثمانون ألف عالم، أربعون ألفا في البحر و أربعون ألفا في البر، و قال وهب:
للّه ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا عالم منها و ما العمران في الخراب إلا كفسطاط «4» في صحراء، و قال كعب الأحبار: و لا يحصي عدد العالمين أحد إلا اللّه، قال: وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر: 31].
[سورة الفاتحة (1): آية 4]
قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) ، قرأ عاصم و الكسائي و يعقوب مالِكِ و قرأ الآخرون «ملك» قال قوم: معناهما واحد مثل فرهين و فارهين و حذرين و حاذرين، و معناهما الربّ، [كما] «5» يقال:
رب الدار و مالكها، و قيل: المالك «6» هو القادر على اختراع الأعيان من العدم إلى الوجود، و لا يقدر عليه أحد غير اللّه.
قال أبو عبيدة: «مالك» أجمع و أوسع لأنه يقال: مالك العبيد «7» و الطير و الدواب، و لا يقال ملك هذه الأشياء، و لأنّه لا يكون مالك لشيء إلّا و هو يملكه، و قد يكون ملك الشيء و لا يملكه.
و قال قوم: ملك أولى لأن كل ملك ملك، و ليس كل ملك ملكا، و لأنه أوفق لسائر القرآن، مثل قوله تعالى: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ* [المؤمنون: 116] و الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ* [الحشر: 23] و مَلِكِ النَّاسِ (2) [الناس: 2] قال ابن عباس و مقاتل و السدي: ملك يوم الدين قاضي يوم الحساب، [قال مجاهد: و الدين: الحساب. قال اللّه تعالى ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ* [الروم: 30] أي الحساب المستقيم] «8» ، و قال قتادة: الدين [الحساب] «9» ، و يقع على الجزاء في الخير و الشر جميعا، كما يقال: كما تدين تدان.
قال محمد بن كعب القرظي: مالك «10» يوم لا ينفع فيه إلا الدّين، و قال يمان بن رئاب: الدّين القهر، يقال دنته فدان، أي: قهرته فذل، و قيل: الدّين الطاعة، أي: يوم الطاعة، و إنما خص يوم الدين بالذكر مع كونه مالكا للأيام كلها لأن الأملاك يومئذ زائلة فلا ملك و لا أمر إلّا له، قال اللّه تعالى:
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ [الفرقان: 26]، و قال: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16]، و قال: وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار: 19].
عمرو بن العاص، و السرادق من الأبنية.
(1) في المطبوع «عبيد».
(2) سقط من المطبوع.
(3) أثر سعيد بن المسيب و ما بعده متلقى عن أهل الكتاب لا حجة فيه.
(4) الفسطاط: مجتمع أهل الكورة (أي المدينة)- و علم مصر العتيقة التي بناها عمرو بن العاص و السرادق من البنية.
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيد في المخطوط «و مالك».
(7) في المطبوع «العبد».
(8) سقط من المطبوع.
(9) في المطبوع «الجزاء».