کتابخانه تفاسیر
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 76
و الصراط المستقيم: قال ابن عباس و جابر: هو الإسلام و هو قول مقاتل، و قال ابن مسعود: هو القرآن.
ع [29] و روي عن علي مرفوعا «الصراط المستقيم كتاب اللّه».
و قال سعيد بن جبير: طريق الجنة، و قال سهل بن عبد اللّه: طريق السنة و الجماعة، و قال بكر بن عبد اللّه المزني: طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و قال أبو العالية و الحسن: رسول اللّه و صاحباه «1» ، و أصله في اللغة الطريق الواضح.
[سورة الفاتحة (1): آية 7]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أي: مننت عليهم بالهداية و التوفيق، قال عكرمة: مننت عليهم بالثبات على الإيمان و الاستقامة و هم الأنبياء عليهم السلام، و قيل: هم كل من ثبّته اللّه على الإيمان من النبيين و المؤمنين الذين ذكرهم اللّه تعالى في قوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ [النساء: 69] الآية.
قال ابن عباس: هم قوم موسى و عيسى عليهما السلام قبل أن يغيّروا دينهم، و قال عبد الرحمن:
هم النبي و من معه، و قال أبو العالية: هم الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و أبو بكر و عمر رضي اللّه عنهما، و قال عبد الرحمن بن [زيد] «2» : رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أهل بيته، و قال شهر بن حوشب: هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم [و أهل بيته] «3» .
قرأ حمزة «عليهم و لديهم و إليهم» بضم الهاء «4» ، و يضم يعقوب كل هاء قبلها ياء ساكنة تثنية و جمعا إلا قوله: بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَ [الممتحنة: 12]، و قرأ الآخرون بكسرها «5» ، فمن ضم الهاء ردها إلى الأصل لأنها مضمومة عند الانفراد، و من كسر «6» فلأجل الياء الساكنة و الياء أخت الكسرة، و ضم ابن كثير و أبو جعفر كل ميم جمع [ضما] «7» مشبعا في الوصل إذا لم يلقها ساكن، فإن لقيها ساكن فلا يشبع، و نافع يخفف «8» ، و يضم ورش عند ألف القطع، و إذا لقته «9» ألف وصل و قبل الهاء كسرة أو ياء ساكنة ضم الهاء و الميم حمزة و الكسائي و كسر هما أبو عمرو، كذلك يعقوب إذا انكسر ما قبله، و الآخرون [يقرؤون] «10» بضم الميم و كسر الهاء لأجل الياء أو لكسر ما قبلها و ضم الميم على الأصل.
قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يعني: غير صراط الذين غضبت عليهم، و الغضب هو إرادة الانتقام من العصاة، و غضب اللّه تعالى لا يلحق عصاة المؤمنين إنما يلحق الكافرين.
وَ لَا الضَّالِّينَ أي: و غير الضالين عن الهدى، و أصل الضلال الهلاك و الغيبوبة، يقال: ضل
[29]- ع انظر الحديث المتقدم برقم: 5، و الراجح فيه الوقف.
(1) زيد في المطبوع «و آله».
(2) في الأصل «زيدان» و هو تصحيف.
(3) زيد في المطبوع.
(4) في المطبوع «هاءاتها».
(5) في المطبوع «بكسر هما».
(6) في المطبوع «كسرها».
(7) سقط من المطبوع.
(8) في المطبوع «يخير».
(9) في المطبوع «تلقته».
(10) زيد في المطبوع.
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 77
الماء في اللبن إذا هلك و غاب، و «غير» هاهنا بمعنى لا، و لا بمعنى غير، و لذلك جاز العطف [عليها] «1» ، كما يقال: فلان غير محسن و لا مجمل، فإذا كان غير بمعنى سوى، فلا يجوز العطف عليها بلا، لا يجوز في الكلام: عندي سوى عبد اللّه و لا زيد، و قرأ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه «2» : «غير المغضوب عليهم و غير الضالين»، و قيل: المغضوب عليهم: هم اليهود. و الضالون: هم النصارى. لأن اللّه تعالى حكم على اليهود بالغضب، فقال: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة: 60]، و حكم على النصارى بالضلال فقال: وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ [المائدة: 77].
و قال سهل بن عبد اللّه: غير المغضوب عليهم بالبدعة و لا الضالين عن السنة، و السنة للقارئ أن يقول بعد فراغه من قراءة الفاتحة: «آمين»، مفصولا عن الفاتحة بسكتة، و هو مخفف و يجوز ممدودا و مقصورا، و معناه اللهم اسمع و استجب، و قال ابن عباس و قتادة: معناه كذلك يكون، و قال مجاهد: هو اسم من أسماء اللّه تعالى، و قيل: هو طابع الدعاء، و قيل: هو خاتم اللّه على عباده يدفع به الآفات عنهم، كخاتم الكتاب يمنعه من الفساد و ظهور ما فيه.
[30] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد بن القاضي، و أبو حامد أحمد بن عبد اللّه الصالحي قالا:
أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني، ثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي اللّه عنه:
أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إذا قال الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ ، فقولوا: آمين، فإن الملائكة يقولون «3» : آمين، و إن الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» صحيح.
[30]- صحيح. محمد بن يحيى هو الذهلي خرج له البخاري، و من فوقه رجال البخاري و مسلم، عبد الرزاق هو ابن همام صاحب المصنف، و معمر هو ابن راشد و الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، و ابن المسيب هو سعيد، و هذا إسناد كالشمس.
و هو في «شرح السنة» (590) بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق عبد الرزاق، و هو في «المصنف» (2644) عن معمر بهذا الإسناد.
و أخرجه البخاري 780 و 782 و 6402 و مسلم 410 و أبو داود 936 و الترمذي 250 و النسائي 2/ 144 و ابن ماجه 852 و مالك 1/ 87 و الشافعي في «المسند» (1/ 76- 77) و أحمد 2/ 233 و ابن خزيمة 569 و ابن حبان 1804 و البيهقي 2/ 57 من طرق كلهم من حديث أبي هريرة.
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع تقديم و تأخير هاهنا مخلّ بالمعنى.
(3) في المطبوع «تقول» و في- ب- «تقولون».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 78
(فصل في فضائل «1» فاتحة الكتاب)
[31] أنا أبو الحسن «2» أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكيّالي «3» أنا أبو نصر محمد بن علي بن الفضل الخزاعي، أنا أبو عثمان عمرو «4» بن عبد اللّه البصري ثنا محمد بن عبد «5» الوهّاب، ثنا خالد بن مخلد القطواني «6» حدثني محمد بن جعفر بن أبي كثير هو أخو إسماعيل بن جعفر عن «7» العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على أبي بن كعب و هو قائم يصلي فصاح به فقال: «تعال يا أبي» فعجّل أبي في صلاته، ثم جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال: «ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك، أليس اللّه يقول:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » [الأنفال: 24]؟ قال أبي: لا جرم يا رسول اللّه، لا تدعوني إلا أجبتك و إن كنت مصليا، قال «8» : «تحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان «9» مثلها»؟ فقال أبي: نعم يا رسول اللّه! فقال: «لا تخرج من باب المسجد حتى تعلّمها»، و النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يمشي يريد أن يخرج من المسجد فلما بلغ الباب ليخرج قال له أبي: السورة، يا رسول اللّه، فوقف فقال: «نعم! كيف تقرأ في صلاتك»؟ فقرأ أبي أمّ القرآن، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «و الذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان «10» مثلها و إنما هي السبع من «11» المثاني التي آتاني اللّه عزّ و جلّ»، هذا حديث حسن صحيح.
[31]- صحيح، خالد بن مخلد، روى له البخاري، و فيه ضعف لكن توبع، و شيخه روى له الشيخان، و العلاء من رجال مسلم، و أبوه روى له الشيخان.
و هو في «شرح السنة» (1183) بهذا الإسناد. و قال البغوي: هذا حديث صحيح.
- و أخرجه الترمذي 2875 من طريق قتيبة عن عبد العزيز بن محمد عن العلاء به.
و قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. و وافقه البغوي.
- و ورد بنحوه مختصرا من طريق عبد الحميد بن جعفر عن العلاء بهذا الإسناد. أخرجه الترمذي 3125 و النسائي 2/ 139 و أحمد 5/ 114 و الحاكم 1/ 557 و ابن خزيمة 500 و ابن حبان 775 و صححه الحاكم، و وافقه الذهبي.
و أخرجه مالك 1/ 83 عن العلاء عن أبي سعيد مولى عامر بن كريز مرسلا.
- و في الباب من حديث أبي سعيد بن المعلى أخرجه البخاري 4474 و 4647 و 4703 و 5006 و أبو داود 1458 و النسائي 2/ 139 و ابن ماجه 3785 و الطيالسي 2/ 9 و أحمد 3/ 211 و 450 و ابن حبان 777 و الطبراني 22/ (303) و البيهقي 2/ 368، و انظر «فتح الباري» (8/ 157).
(1) في المطبوع «فضل».
(2) في «شرح السنة» «أبو الحسين».
(3) وقع في الأصل «الكتاني» و التصويب عن «شرح السنة» و عن «ط».
(4) في الأصل «عمر» و التصويب عن «ط» و عن «شرح السنة».
(5) في الأصل «عبد اللّه الوهّاب» و التصويب عن «شرح السنة».
(6) في الأصل «القطراني» و التصويب عن «شرح السنة» و كتاب «الأنساب» للسمعاني.
(7) في الأصل «ابن العلاء» و التصويب عن «شرح السنة» و كتب التخريج.
(8) في المخطوط «فقال» و المثبت عن «شرح السنة» و المطبوع.
(9) في المطبوع «القرآن».
(10) في المطبوع «القرآن».
(11) لفظ «من» مثبت في المطبوع و «شرح السنة».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 79
[32] أخبرنا أبو بكرة محمد بن عبد الصمد الترابي أنا الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي، أنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد أنا إسحق بن إبراهيم الحنظلي، ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو الأحوص عن عمار بن رزيق «1» ، عن عبد اللّه بن عيسى عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عنده جبريل إذ سمع نقيضا «2» من فوقه: فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا باب فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك فأتى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقال: «أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب و خواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أعطيته»، صحيح.
[33] أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد الشّيرزي «3» حدثنا زاهر بن أحمد السرخسي، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، أنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن: أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت أبا هريرة يقول:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي [خداج، هي خداج] «4» خداج غير تمام»، قال: فقلت: يا أبا هريرة إني أحيانا أكون وراء الإمام؟ فغمز «5» ذراعي و قال: اقرأ بها يا فارسي «6» في نفسك فإني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «قال اللّه عزّ و جلّ قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين، فنصفها «7» لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل»، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «اقرؤوا يقول العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) يقول اللّه: حمدني عبدي، يقول العبد: الرحمن الرحيم، يقول اللّه: أثنى عليّ عبدي، يقول العبد: مالك يوم الدين، يقول اللّه: مجدني عبدي، يقول العبد: إيّاك نعبد و إيّاك نستعين، يقول اللّه عزّ و جلّ: هذه الآية بيني و بين عبدي، و لعبدي «8» ما سأل، يقول العبد: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ ، يقول اللّه: فهؤلاء لعبدي و لعبدي ما سأل».
صحيح. [و أخرجه مسلم عن قتيبة عن مالك] «9» .
[32]- حديث صحيح، رجاله رجال مسلم، أبو الأحوص هو سلام بن سليم الكوفي.
و هو في «شرح السنة» (1194) بهذا الإسناد.
و أخرجه مسلم 806 و النسائي 2/ 138 و الحاكم 1/ 558- 559 و ابن حبان 778 و الطبراني في «الكبير» 12255 من طرق عن عمار بن رزيق بهذا الإسناد.
[33]- إسناده صحيح على شرط مسلم. أبو مصعب هو أحد الأئمة ممن روى موطأ الإمام مالك بن أنس، و هو مطبوع.
و هو في «شرح السنة» (579) بهذا الإسناد.
و أخرجه المصنف من طريق مالك، و هو في «الموطأ» (1/ 84) عن العلاء به.
- و أخرجه مسلم 395 و أبو داود 821 و الترمذي 2953 و النسائي 2/ 135- 136 و ابن ماجه 838 و 3784 و عبد الرزاق 2767 و 2768 و ابن أبي شيبة 1/ 360 و أحمد 2/ 241 و 457 و 460 و ابن خزيمة 490 و ابن حبان 776 من حديث أبي هريرة رواه بعضهم. مطوّلا، و بعضهم مختصرا.
(1) في الأصل «ذريق» و التصويب عن «شرح السنة» و كتب التخريج و التراجم.
(2) في المطبوع «نقضا».
(3) وقع في النسخ، «الشيرازي» و التصويب عن «شرح السنة» و «الأنوار» (373)
(4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(5) غمزه بيده: شبه نخسه.
(6) في المطبوع «يا قارئ».
(7) في المطبوع «نصفها».
(8) في المطبوع «فلعبدي».
(9) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل و استدرك من «ط».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 80
2- سورة البقرة
[سورة البقرة مدنية و هي مائتان و ثمانون و سبع آيات] «1»
[سورة البقرة (2): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)
الم قال الشعبي و جماعة: آلم و سائر حروف الهجاء في أوائل السور من المتشابه الذي استأثر اللّه بعلمه، و هي سرّ القرآن، فنحن نؤمن بظاهرها و نكل العلم فيها إلى اللّه تعالى، و فائدة ذكرها طلب الإيمان بها.
قال أبو بكر الصديق [رضي اللّه عنه] «2» : في كل كتاب سرّ و سرّ اللّه في القرآن أوائل السور.
و قال علي [رضي اللّه عنه]: إن لكل كتاب صفوة و صفوة هذا الكتاب حروف التهجي.
و قال داود بن أبي هند: كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور فقال: يا داود إن لكل كتاب سرّا و إن سرّ القرآن فواتح السور فدعها، و سل عما سوى ذلك.
و قال جماعة: [هي] «3» معلومة المعاني، فقيل: كل حرف منها مفتاح اسم من أسمائه كما قال ابن عباس في كهيعص (1) [مريم: 1]، الكاف من كاف، و الهاء من هاد و الياء من حكيم «4» و العين من عليم و الصاد من صادق، و قيل في المص (1) [الأعراف: 1] أنا اللّه الملك الصادق، و قال الربيع بن أنس في آلم: الألف مفتاح اسمه اللّه و اللام مفتاح اسمه اللطيف و الميم مفتاح اسمه المجيد.
و قال محمد بن كعب: الألف آلاء اللّه و اللام لطفه و الميم ملكه، و روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: معنى الم أنا اللّه أعلم، و معنى المص أنا اللّه أعلم و أفضل، و معنى الر: أنا اللّه أرى، و معنى المر [الرعد: 1] أنا اللّه أعلم و أرى. قال الزجاج: و هذا حسن فإن العرب تذكر حرفا من كلمة تريدها كقولهم:
قلت لها قفي فقالت «5» قاف
أي: وقفت.
و عن سعيد بن جبير قال: هي أسماء اللّه تعالى مقطعة لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم اللّه الأعظم، ألا ترى أنك تقول المر و حم و ن فتكون الرحمن، و كذلك سائرها إلا أنا لا نقدر على وصلها.
و قال قتادة: هذه الحروف أسماء القرآن، و قال مجاهد و ابن زيد: هي أسماء السور، و بيانه أن
(1) سقط من المطبوع.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط وحده «حليم».
(5) زيد في المطبوع وحده «في».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 81
القائل إذا قال قرأت المص عرف السامع أنه قرأ السورة التي افتتحت بالمص.
و روي عن ابن عباس: أنها أقسام، و قال الأخفش: إنما أقسم اللّه بهذه الحروف لشرفها و فضلها لأنها مباني كتبه المنزلة و مبادئ أسمائه الحسنى.
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) قوله: ذلِكَ الْكِتابُ أي: هذا الكتاب و هو القرآن، و قيل: هذا فيه مضمر أي هذا ذلك الكتاب، قال الفراء: كان اللّه قد وعد نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء و لا يخلق عن كثرة الرد، فلما أنزل «1» القرآن قال: هذا ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أنزله عليك في التوراة و الإنجيل، و على لسان النبيين من قبلك، و هذا للتقريب و ذلك للتبعيد.
و قال ابن كيسان: إن اللّه تعالى أنزل قبل سورة البقرة سورا كذّب بها المشركون ثم أنزل سورة البقرة فقال: ذلك الكتاب يعني ما تقدم [سورة] «2» البقرة من السور، لا شك فيه، و الكتاب مصدر و هو بمعنى المكتوب كما يقال للمخلوق [خلق] «3» ، و هذا الدرهم ضرب فلان، [أي] «4» : مضروبه، و أصل الكتاب الضم و الجمع، و يقال للجند كتيبة، لاجتماعها و سمي الكتاب كتابا لأنه جمع حرف إلى أحرف. قوله تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ ، أي: لا شك فيه أنه من عند اللّه و أنه الحق و الصدق، و قيل: هو خبر بمعنى النهي أي: لا ترتابوا فيه لقوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ [البقرة: 197]، أي: لا ترفثوا و لا تفسقوا، قرأ ابن كثير فيه بالإشباع في الوصل، و كذلك كل هاء كناية «5» قبلها ساكن يشبعها وصلا ما لم يلقها «6» ساكن، ثم إن كان الساكن قبل الهاء ياء يشبعها بالكسر ياء، و إن كان غيرها يشبعها بالضم واوا، و وافقه حفص في قوله: فِيهِ مُهاناً [الفرقان: 69] فأشبعه.
قوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ، يدغم الغنة عند اللام و الراء أبو جعفر و ابن كثير و حمزة و الكسائي، زاد حمزة و الكسائي عند الياء، و زاد حمزة عند الواو، و الآخرون لا يدغمونها، و يخفي أبو جعفر النون و التنوين عند الخاء و الغين، هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ، أي: هو هدى، أي: رشد و بيان لأهل التقوى، و قيل:
هو نصب على الحال، أي: هاديا تقديره لا ريب «7» في هدايته للمتقين، و الهدى ما يهتدي به الإنسان، للمتقين، أي: للمؤمنين قال ابن عباس: المتقي من يتقي الشرك و الكبائر و الفواحش، و هو مأخوذ من الاتقاء، و أصله الحجز بين شيئين، و منه يقال: اتقى بترسه أي: جعله حاجزا بين نفسه و بين ما يقصده.
ع [34] و في الحديث: كنّا إذا احمرّ «8» البأس اتقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.
[34]- صحيح. هو طرف حديث أخرجه مسلم 1776 ح 79 و البيهقي في «الدلائل» (5/ 134- 135) عن البراء به. و فيه «إذا احمرّ البأس» بدل «إذا اشتد».
- و له شاهد من حديث علي أخرجه أحمد 1/ 86 و أبو الشيخ في «أخلاق النبي صلّى اللّه عليه و سلّم» ص (57) و أبو يعلى 302 و 412 و إسناده صحيح.
(1) زيد في المطبوع وحده «اللّه» و المثبت عن المخطوط و- ط.
(2) سقط من المطبوع.
(3) سقط من المطبوع.
(4) زيد في المطبوع.
(5) في المطبوع كتابة.
(6) في المطبوع «يلها».
(7) زيد في المطبوع «فيه».
(8) في المطبوع «اشتد».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 82
ي: إذا اشتد الحرب جعلناه حاجزا بيننا و بين العدو، [فكأنّ المتقي يجعل امتثال أمر اللّه و الاجتناب عما بهاه حاجزا بينه و بين العذاب] «1» ، قال عمر بن الخطاب [رضي اللّه عنه] لكعب الأحبار: حدثنا عن اتقون، فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال نعم، قال: فما عملت فيه؟ قال: حذّرت و شمّرت «2» ، قال كعب «3» : و ذلك التقوى، [و قال ابن عمر: التقوى أن لا ترى نفسك خيرا من أحد. و قال عمر بن عبد العزيز: التقوى ترك ما حرم اللّه و أداء ما افترض اللّه، فما رزق اللّه بعد ذلك فهو خير إلى خير، و قيل: هو الاقتداء «4» بالنبي صلّى اللّه عليه و سلّم.
ع [35] و في الحديث: «جماع التقوى» في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ » [النحل: 90] الآية، و قال شهر بن حوشب: المتقي الذي يترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس، و تخصيص المتقين بالذكر تشريف لهم أو لأنهم هم المنتفعون بالهدى] «5» .
[سورة البقرة (2): آية 3]
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ موضع الذين خفض، نعتا للمتقين (يؤمنون) يصدقون، و يترك همزه أبو عمرو و ورش، و الآخرون يهمزونه، و كذلك يتركان كل همزة ساكنة هي فاء الفعل [نحو] «6» يؤمن و مؤمن إلا أحرفا معدودة، و حقيقة الإيمان التصديق بالقلب، قال اللّه تعالى: وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف: 17] أي: بمصدق لنا.
و هو في الشريعة: الاعتقاد بالقلب و الإقرار باللسان و العمل بالأركان، فسمي الإقرار و العمل إيمانا لوجه من المناسبة لأنه من شرائعه، و الإسلام هو الخضوع و الانقياد فكل إيمان إسلام و ليس كل إسلام إيمانا إذا لم يكن معه تصديق، قال اللّه تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا [الحجرات: 14]، و ذلك لأن الرجل قد يكون [مسلما] «7» في الظاهر غير مصدق في الباطن و يكون مصدقا في الباطن غير منقاد في الظاهر، و قد اختلف [في] «8» جواب النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عنهما «9» حين سأله جبريل عليه السلام، و هو ما:
[36] أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد [بن علي بن] ...
[35]- لا أصل له في المرفوع، و إنما هو من كلام بعض أهل التفسير، و يأتي في سورة النحل.
[36]- إسناده صحيح. عيسى بن أحمد العسقلاني ثقة، و قد توبع و من دونه و من فوقه رجال البخاري و مسلم.
- و هو في «شرح السنة» (2) بهذا الإسناد.
- و أخرجه مسلم 8 و أبو داود 4695 و 4697 و الترمذي 2610 و النسائي 8/ 97 و ابن ماجه 63 و الطيالسي 21 و ابن أبي شيبة 11/ 44- 45 و أحمد 1/ 52 و 53 و 107 و ابن حبان 168 و ابن مندة في «الإيمان» (1- 8 و 185 و 186) من طرق عن كهمس بهذا الإسناد.
و في الباب من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 50 و 4777 و غيره.
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع «و تشمرت».
(3) كعب هو ابن ماتع الحميري، و يعرف ب- كعب الأحبار- عامة رواياته من الإسرائيليات.
(4) وقع في الأصل «اقتداء» و المثبت عن «ط».
(5) في المطبوع تقديم و تأخير في النص.
(6) زيد في المطبوع.
(7) في المطبوع «مستسلما».
(8) سقط من المطبوع.