کتابخانه تفاسیر
معانى القرآن، ج1، ص: 1
الجزء الأول
تاريخ تدوين هذا التفسير
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[به «1» الإعانة بدءا و ختما، و صلّى اللّه على سيّدنا محمد، و على آله و صحبه و سلّم.
حدّثنا أبو منصور نصر مولى أحمد بن رسته، قال: حدّثنا أبو الفضل يعقوب بن يوسف بن معقل النّيسابورىّ، سنه إحدى و سبعين و مائتين، قال: سمعت أبا عبد اللّه محمد بن الجهم بن هارون السّمّرىّ «2» ، سنة ثمان و ستين و مائتين، قال]:
الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه و بارك و سلّم على محمد خاتم النبيين، و على آله، و على جميع الأنبياء و المرسلين. و إياه نسأل التوفيق و الصواب، و حسن الثواب، و العصمة من الخطايا و الزّلل، فى القول و العمل. قال:
هذا كتاب فيه معانى القرآن، أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء- يرحمه اللّه- عن حفظه من غير نسخة، فى مجالسه أوّل النهار من أيام الثّلاثاوات و الجمع فى شهر رمضان، و ما بعده من سنة اثنتين، و فى شهور سنة ثلاث، و شهور من سنة أربع و مائتين. [قال «3» ]:
حدّثنا محمد بن الجهم، قال: حدّثنا الفرّاء، قال:
تفسير مشكل إعراب القرآن و معانيه
أمّ الكتاب
قال: فأوّل ذلك اجتماع القرّاء و كتّاب المصاحف «4» على حذف الألف من «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم»، [و فى فواتح الكتب، و إثباتهم الألف
(1) ما بين المربعين من نسختى ج، ش.
و تشديد ثانيه و فتحه-: بلد بين واسط و البصرة.
ابن الجهم، و هو أبو الفصل يعقوب بن يوسف.
(2) هذه النسبة إلى «سمر»- بكسر أوّله.
(3) سقط فى أ. و القائل هو الراوي عن محمد.
(4) بهامش نسخة أ: «الكتب».
معانى القرآن، ج1، ص: 2
فى قوله «1» ]: «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ»* «2» ؛ [و إنما حذفوها من «بسم اللّه الرحمن الرحيم» أول السور و الكتب] «3» لأنها وقعت فى موضع معروف لا يجهل القارئ معناه، و لا يحتاج إلى قراءته، فاستخفّ طرحها؛ لأن من شأن العرب الإيجاز و تقليل الكثير إذا عرف معناه. و أثبتت فى قوله: «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ»* لأنها لا تلزم هذا الاسم، و لا تكثر معه ككثرتها مع اللّه تبارك و تعالى. ألا ترى أنك تقول: «بسم اللّه» عند ابتداء كلّ فعل تأخذ فيه: من مأكل أو مشرب أو ذبيحة. فخفّ عليهم الحذف لمعرفتهم به.
و قد رأيت بعض الكتّاب تدعوه معرفته بهذا الموضع إلى أن يحذف الألف و السين من «اسم» لمعرفته بذلك، و لعلمه بأن القارئ لا يحتاج إلى علم ذلك. فلا تحذفنّ ألف «اسم» إذا أضفته إلى غير اللّه تبارك و تعالى، و لا تحذفنّها مع غير الباء من الصفات «4» ؛ و إن كانت تلك الصفة حرفا واحدا، مثل اللام و الكاف. فتقول: لاسم اللّه حلاوة فى القلوب، و ليس اسم كاسم اللّه؛ فتثبت الألف فى اللام و فى الكاف؛ لأنهما لم يستعملا كما استعملت الباء فى اسم اللّه. و مما كثر فى كلام العرب فحذفوا منه أكثر من ذا قولهم: أيش عندك؛ فحذفوا إعراب «5» «أىّ» و إحدى ياءيه، و حذفت الهمزة من «شىء»، و كسرت الشين و كانت مفتوحة؛ فى كثير من الكلام لا أحصيه.
فإن قال قائل: إنما حذفنا الألف من «بسم اللّه» لأن الباء لا يسكت عليها، فيجوز ابتداء الاسم بعدها. قيل له: فقد كتبت العرب فى المصاحف وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا* «6» بالألف؛ و الواو لا يسكت عليها؛ فى كثير من أشباهه. فهذا يبطل «7» ما ادّعى.
(1) ما بين المربعين ساقط من ج، ش. و الذي فيهما: «بخلاف قوله «فسبح ...» إلخ.
(2) آخر سورة الحاقة، و آية 74 من الواقعة.
(3) مابين المربعين فى أ.
(4) الصفة عند الكوفيين حرف الجرّ و الظرف.
(5) يريد بإعراب الحرف حركته.
(6) آية 32 سورة الكهف، و 13 سورة يس.
(7) فى ش: «تبطيل» و يبدو أنه تصحيف عما أثبتناه.
معانى القرآن، ج1، ص: 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ ... (2) اجتمع القرّاء على رفع «الْحَمْدُ» . و أمّا أهل البدو فمنهم من يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» .
و منهم من يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» . و منهم من يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» فيرفع الدال و اللام.
فأما من نصب فإنه يقول: «الْحَمْدُ» ليس باسم إنما هو مصدر؛ يجوز لقائله أن يقول: أحمد اللّه، فإذا صلح مكان المصدر (فعل أو يفعل) «1» جاز فيه النصب؛ من ذلك قول اللّه تبارك و تعالى: «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ» «2» يصلح مكانها فى مثله من الكلام أن يقول: فاضربوا الرقاب. و من ذلك قوله:
«مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ» «3» ؛ يصلح أن تقول فى مثله من الكلام: نعوذ باللّه. و منه قول العرب: سقيا لك، و رعيا لك؛ يجوز مكانه:
سقاك اللّه، و رعاك اللّه.
و أما من خفض الدال من «الْحَمْدُ» فإنه قال: هذه كلمة «4» كثرت على ألسن العرب حتى صارت كالاسم الواحد؛ فثقل عليهم أن يجتمع فى اسم واحد من كلامهم ضمّة بعدها كسرة، أو كسرة بعدها ضمّة، و وجدوا الكسرتين قد تجتمعان فى الاسم الواحد مثل إبل؛ فكسروا الدال ليكون على المثال من أسمائهم.
(1) يريد الماضي أو المضارع، و الأمر عند الكوفيين قطعة من المضارع.
(2) آية 4 سورة محمد.
(3) آية 79 سورة يوسف.
(4) يريد جملة الحمدلة. و إطلاق الكلمة على الجملة مجاز.
معانى القرآن، ج1، ص: 4
و أمّا الذين رفعوا اللّام فإنهم أرادوا المثال الأكثر من أسماء العرب الذي يجتمع فيه الضمتان؛ مثل: الحلم و العقب «1» .
و لا تنكرنّ أن يجعل الكلمتان كالواحدة إذا كثر بهما الكلام. و من ذلك قول العرب: «بأبا» إنما هو «بأبى» الياء من المتكلم ليست من الأب؛ فلما كثر بهما الكلام توهّموا أنهما حرف واحد فصيّروها ألفا ليكون على مثال:
حبلى و سكرى؛ و ما أشبهه من كلام العرب. أنشدنى أبو ثروان:
قال الجواري ما ذهبت مذهبا
و عبننى و لم أكن معيّبا
هل أنت إلّا ذاهب لتلعبا
أريت إن أعطيت نهدا كعثبا «2»
أذاك أم نعطيك هيدا هيدبا «3»
أبرد فى الظّلماء من مسّ الصّبا
فقلت: لا، بل ذاكما يا بيبا «4»
أجدر «5» ألّا تفضحا و تحربا
«هل أنت إلّا ذاهب لتلعبا» «6» ذهب ب «هل» إلى معنى «ما».
(1) العقب: العاقبة. و يقال فيه العقب بضم فسكون.
(2) يصف الركب (أي الفرج). و النهد: المرتفع المشرف؛ و منه نهد الثدي (كمنع و نصر) نهودا؛ إذا كعب و ارتفع و أشرف. و كعثب نهد: ناتى مرتفع؛ فإن كان لا صقا فهو هيدب. و الكعثب و الكثعب: الكرب الضخم الممتلى الشاخص المكتنز الناتئ. و الكعثب أيضا صاحبته؛ يقال: امرأة كعثب و كثعب؛ أي ضخمة الركب.
(3) الهيد الهيدب: الذي فيه رخاوة؛ مثل ركب العجائز المسترخى لكبرها.
(4) «يا بيبا» أصله: يا بأبى، و «يا» للنداء المراد منه التنبيه، و قد تستعمل فى موضعه «وا» كقول الراجز:
وا بأبى أنت و فوك الأشنب
(5) فى الأصول: «أحذر» و هو تصحيف. «و تحربا»: أي تغضبا. و حرب كفرح:
اشتدّ غضبه.
(6) أعاد هذا الشطر ليتكلم على شىء فيه. يريد أن الغرض من الاستفهام النفي؛ كقوله تعالى: «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ» .
معانى القرآن، ج1، ص: 5
(عَلَيْهِمْ) و (عَلَيْهِمْ) و هما لغتان؛ لكل لغة مذهب فى العربية.
فأما من رفع الهاء فإنه يقول: أصلها رفع فى نصبها و خفضها و رفعها؛ فأما الرفع فقولهم: «هم قالوا ذاك»، فى الابتداء؛ ألا ترى أنها مرفوعة لا يجوز فتحها و لا كسرها. و النصب فى قولك: «ضربهم» مرفوعة «1» لا يجوز فتحها و لا كسرها؛ فتركت فى «عَلَيْهِمْ» على جهتها الأولى.
و أما من قال: «عَلَيْهِمْ» فإنه استثقل الضمّة فى الهاء و قبلها ياء ساكنة، فقال:
«عَلَيْهِمْ» لكثرة دور المكنى «2» فى الكلام. و كذلك يفعلون بها إذا اتصلت بحرف مكسور مثل «بهم» و «بهم»، يجوز فيه الوجهان مع الكسرة و الياء «3» الساكنة.
و لا تبال أن تكون الياء مفتوحا ما قبلها أو مكسورا؛ فإذا انفتح ما قبل الياء فصارت ألفا فى اللفظ لم يجز فى «هم» إلا الرفع؛ مثل قوله تبارك و تعالى:
«وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» «4» و لا يجوز: «مولاهم الحقّ»، و قوله «فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» «5» لا يجوز: «فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» .
و مثله مما قالوا فيه بالوجهين إذا وليته «6» ياء ساكنة أو كسرة، قوله:
«وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ» «7» و «حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا» «8» يجوز رفع الألف من «أمّ» و «أمها» و كسرها فى الحرفين جميعا لمكان الياء. و الكسرة مثل قوله تبارك و تعالى: «فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ» «9» ، و قول من روى عن النبىّ صلى اللّه عليه و سلم: (أوصى امرأ بأمّه). فمن رفع قال: الرفع هو الأصل فى الأمّ
(1) كأن الأصل: «هى مرفوعة» فحذف المبتدأ للعلم به. و الحديث عن الهاء.
(2) يريد بالمكنى: الضمير.
(3) أي فى «عليهم».
(4) آية 30 سورة يونس.
(5) آية 90 سورة الأنعام.
(6) كذا فى الأصول. و الولي: القرب و الاتصال من قبل و من بعد، و إن اشتهر فيما يجىء بعد. فقوله: «وليته» أي اتصلت به، و المقام يقضى أنها اتصلت به قبله.
(7) آية 4 من سورة الزخرف.
(8) آية 59 سورة القصص.
(9) آية 11 سورة النساء.
معانى القرآن، ج1، ص: 6
و الأمّهات. و من كسر قال: هى كثيرة المجرى فى الكلام؛ فاستثقل ضمة قبلها ياء ساكنة أو كسرة. و إنما يجوز كسر ألف «أمّ» إذا وليها «1» كسرة أو ياء؛ فإذا انفتح ما قبلها فقلت: فلان عند أمّه، لم يجز أن تقول: عند إمّه، و كذلك إذا كان ما قبلها مضموما لم يجز كسرها؛ فتقول: اتّبعت أمّه، و لا يجوز الكسر.
و كذلك إذا كان ما قبلها حرفا مجزوما لم يكن فى الأمّ إلا ضم الألف؛ كقولك:
من أمّه، و عن أمّه. ألا ترى أنك تقول: عنهم و منهم [و اضربهم] «2» . و لا تقول:
عنهم و لا منهم، و لا اضربهم. فكل موضع حسن فيه كسر الهاء مثل قولهم: فيهم و أشباهها، جاز فيه كسر الألف من «أمّ» و هى قياسها. و لا يجوز أن تقول:
كتب إلى إمّه و لا على إمّه؛ لأن الذي قبلها ألف فى اللفظ و إنما هى ياء فى الكتاب: «إلى» «3» و «على». و كذلك: قد طالت يدا أمّه بالخير. و لا يجوز أن تقول: يدا إمّه. فإن قلت: جلس بين يدى أمّه؛ جاز كسرها و ضمها لأن الذي قبلها ياء. و من ذلك أن تقول: هم ضاربو أمّهاتهم؛ برفع الألف لا يكون غيره. و تقول: ما هم بضاربي أمّهاتهم و إمّهاتهم؛ يجوز الوجهان جميعا «4» لمكان الياء. و لا تبال «5» أن يكون ما قبل ألف «أمّ» موصولا بها «6» أو منقطعا منها؛ الوجهان يجوزان فيه؛ تقول: هذه أمّ زيد و إمّ زيد. و إذا ابتدأتها لم تكن إلا مرفوعة، كما كانت «هم» لا تكون إلا مرفوعة فى الابتداء، فأما «هم» فلا تكسر إلا مع حرف يتصل بها لا يفرق بينه و بينها مثل «بهم».
(1) كذا فى الأصول. و انظر ما كتب آنفا فى التعليق.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
و قوله بعد: «و لا اضربهم».
(3) فى أ: «مثل إلى».
(4) «جميعا» ساقط من أ.
(5) فى ج، ش: «يقال». و هو تحريف عما أثبت.