کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

معانى القرآن

تصدير

الجزء الثالث

و من سورة المؤمن و من سورة السجدة و من سورة عسق و من سورة الزخرف و من سورة الدخان و من سورة الجاثية و من سورة الأحقاف و من سورة محمد صلى الله عليه و سلم و من سورة الفتح و من سورة الحجرات و من سورة ق و القرآن المجيد و من سورة و الذاريات و من سورة - و الطور و من سورة النجم و من سورة القمر و من سورة الرحمن و من سورة الواقعة و من سورة الحديد و من سورة المجادلة و من سورة الحشر و من سورة الممتحنة و من سورة الصف و من سورة الجمعة و من سورة المنافقين و من سورة التغابن و من سورة النساء القصرى و هى: سورة الطلاق و من سورة المحرم و من سورة الملك و من سورة القلم و من سورة الحاقة و من سورة سأل سائل و من سورة نوح عليه السلام و من سورة الجن و من سورة المزمل و من سورة المدثر و من سورة القيامة و من سورة الإنسان و من سورة المرسلات و من سورة عم يتساءلون و من سورة النازعات و من سورة عبس و من سورة إذا الشمس كورت و من سورة إذا السماء انفطرت و من سورة المطففين و من سورة إذا السماء انشقت و من سورة البروج و من سورة الطارق و من سورة الأعلى و من سورة الغاشية و من سورة الفجر و من سورة البلد و من سورة الشمس و ضحاها و من سورة الليل و من سورة الضحى و من سورة ألم نشرح و من سورة التين و من سورة اقرأ باسم ربك و من سورة القدر و من سورة لم يكن و من سورة الزلزلة و من سورة العاديات و من سورة القارعة و من سورة التكاثر و من سورة العصر و من سورة الهمزة و من سورة الفيل و من سورة قريش و من سورة الدين و من سورة الكوثر و من سورة الكافرين و من سورة الفتح و من سورة أبى لهب و من سورة الإخلاص و من سورة الفلق و من سورة الناس فهرس الجزء الثالث من معانى القرآن للفراء

معانى القرآن


صفحه قبل

معانى القرآن، ج‏1، ص: 5

(عَلَيْهِمْ) و (عَلَيْهِمْ) و هما لغتان؛ لكل لغة مذهب فى العربية.

فأما من رفع الهاء فإنه يقول: أصلها رفع فى نصبها و خفضها و رفعها؛ فأما الرفع فقولهم: «هم قالوا ذاك»، فى الابتداء؛ ألا ترى أنها مرفوعة لا يجوز فتحها و لا كسرها. و النصب فى قولك: «ضربهم» مرفوعة «1» لا يجوز فتحها و لا كسرها؛ فتركت فى‏ «عَلَيْهِمْ» على جهتها الأولى.

و أما من قال: «عَلَيْهِمْ» فإنه استثقل الضمّة فى الهاء و قبلها ياء ساكنة، فقال:

«عَلَيْهِمْ» لكثرة دور المكنى‏ «2» فى الكلام. و كذلك يفعلون بها إذا اتصلت بحرف مكسور مثل «بهم» و «بهم»، يجوز فيه الوجهان مع الكسرة و الياء «3» الساكنة.

و لا تبال أن تكون الياء مفتوحا ما قبلها أو مكسورا؛ فإذا انفتح ما قبل الياء فصارت ألفا فى اللفظ لم يجز فى «هم» إلا الرفع؛ مثل قوله تبارك و تعالى:

«وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» «4» و لا يجوز: «مولاهم الحقّ»، و قوله‏ «فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» «5» لا يجوز: «فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» .

و مثله مما قالوا فيه بالوجهين إذا وليته‏ «6» ياء ساكنة أو كسرة، قوله:

«وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ» «7» و «حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا» «8» يجوز رفع الألف من «أمّ» و «أمها» و كسرها فى الحرفين جميعا لمكان الياء. و الكسرة مثل قوله تبارك و تعالى: «فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ» «9» ، و قول من روى عن النبىّ صلى اللّه عليه و سلم: (أوصى امرأ بأمّه). فمن رفع قال: الرفع هو الأصل فى الأمّ‏

(1) كأن الأصل: «هى مرفوعة» فحذف المبتدأ للعلم به. و الحديث عن الهاء.

(2) يريد بالمكنى: الضمير.

(3) أي فى «عليهم».

(4) آية 30 سورة يونس.

(5) آية 90 سورة الأنعام.

(6) كذا فى الأصول. و الولي: القرب و الاتصال من قبل و من بعد، و إن اشتهر فيما يجى‏ء بعد. فقوله: «وليته» أي اتصلت به، و المقام يقضى أنها اتصلت به قبله.

(7) آية 4 من سورة الزخرف.

(8) آية 59 سورة القصص.

(9) آية 11 سورة النساء.

معانى القرآن، ج‏1، ص: 6

و الأمّهات. و من كسر قال: هى كثيرة المجرى فى الكلام؛ فاستثقل ضمة قبلها ياء ساكنة أو كسرة. و إنما يجوز كسر ألف «أمّ» إذا وليها «1» كسرة أو ياء؛ فإذا انفتح ما قبلها فقلت: فلان عند أمّه، لم يجز أن تقول: عند إمّه، و كذلك إذا كان ما قبلها مضموما لم يجز كسرها؛ فتقول: اتّبعت أمّه، و لا يجوز الكسر.

و كذلك إذا كان ما قبلها حرفا مجزوما لم يكن فى الأمّ إلا ضم الألف؛ كقولك:

من أمّه، و عن أمّه. ألا ترى أنك تقول: عنهم و منهم [و اضربهم‏] «2» . و لا تقول:

عنهم و لا منهم، و لا اضربهم. فكل موضع حسن فيه كسر الهاء مثل قولهم: فيهم و أشباهها، جاز فيه كسر الألف من «أمّ» و هى قياسها. و لا يجوز أن تقول:

كتب إلى إمّه و لا على إمّه؛ لأن الذي قبلها ألف فى اللفظ و إنما هى ياء فى الكتاب: «إلى» «3» و «على». و كذلك: قد طالت يدا أمّه بالخير. و لا يجوز أن تقول: يدا إمّه. فإن قلت: جلس بين يدى أمّه؛ جاز كسرها و ضمها لأن الذي قبلها ياء. و من ذلك أن تقول: هم ضاربو أمّهاتهم؛ برفع الألف لا يكون غيره. و تقول: ما هم بضاربي أمّهاتهم و إمّهاتهم؛ يجوز الوجهان جميعا «4» لمكان الياء. و لا تبال‏ «5» أن يكون ما قبل ألف «أمّ» موصولا بها «6» أو منقطعا منها؛ الوجهان يجوزان فيه؛ تقول: هذه أمّ زيد و إمّ زيد. و إذا ابتدأتها لم تكن إلا مرفوعة، كما كانت «هم» لا تكون إلا مرفوعة فى الابتداء، فأما «هم» فلا تكسر إلا مع حرف يتصل بها لا يفرق بينه و بينها مثل «بهم».

(1) كذا فى الأصول. و انظر ما كتب آنفا فى التعليق.

(2) زيادة اقتضاها السياق.

و قوله بعد: «و لا اضربهم».

(3) فى أ: «مثل إلى».

(4) «جميعا» ساقط من أ.

(5) فى ج، ش: «يقال». و هو تحريف عما أثبت.

(6) يريد الوصل و الانقطاع فى الرسم و الخط.

معانى القرآن، ج‏1، ص: 7

و قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ... (7) بخفض‏ «غَيْرِ» لأنها نعت للذين، لا للهاء و الميم من‏ «عَلَيْهِمْ» . و إنما جاز أن تكون‏ «غَيْرِ» نعتا لمعرفة؛ لأنها قد أضيفت إلى اسم فيه ألف و لام، و ليس بمصمود «1» له و لا الأوّل أيضا بمصمود له، و هى فى الكلام بمنزلة قولك: لا أمرّ إلا بالصادق غير الكاذب؛ كأنك تريد بمن يصدق و لا يكذب. و لا يجوز أن تقول: مررت بعبد اللّه غير الظريف إلا على التكرير؛ لأن عبد اللّه موقّت‏ «2» ، و «غَيْرِ» فى مذهب‏ «3» نكرة غير موقتة، و لا تكون نعتا إلا لمعرفة غير موقتة. «4» و النصب جائز فى‏ «غَيْرِ» ، تجعله قطعا «5» من‏ «عَلَيْهِمْ» . و قد يجوز أن تجعل‏ «الَّذِينَ» قبلها فى موضع توقيت، و تخفض‏ «غَيْرِ» على التكرير: «صراط غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» .

(1) أي لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، لأن «الذين» مع كونه معرفة فتعريفه بالصلة؛ فهو قريب من النكرة لأنه عام. و «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ ...» أيضا لم يقصد به معين فمن ثم صلح أن تكون (غير) وصفا للمعرفة. و يرى بعضهم أن (غيرا) و إن كانت فى الأصل نكرة إلا أنها هنا قريب من المعرفة، لأنها إذا وقعت بين متضادين و كانا معرفتين تعرفت بالإضافة، أو قربت من المعرفة؛ كقولك: تعجبنى الحركة غير السكون، فالحركة دأب الحي غير الميت، و كذلك الحال هنا لأن المنعم عليهم و المغضوب عليهم متضادان معرفتان. و يجوز فى‏ «غَيْرِ» فى الآية أن تكون بدلا من‏ «الَّذِينَ» أو من الهاء فى‏ «عَلَيْهِمْ» .

(2) يعنى كونه علما معينا معرّفا بالعلمية.

(3) المذهب: مكان الذهاب؛ يراد به الطريق. أي أن‏ «غَيْرِ» فى طريق النكرة، و هذا كناية عن أنها نكرة.

(4) قال المبرد: و الفراء يأبى أن يكون‏ «غَيْرِ» نعتا إلا للذين لأنها بمنزلة النكرة، و قال الأخفش: «غَيْرِ» بدل؛ قال ثعلب: و ليس بممتنع ما قال، و معناه التكرير، كأنه أراد صراط غير المغضوب عليهم.

(5) يريد بالقطع أنه منصوب حالا من الهاء فى‏ «عَلَيْهِمْ» ؛ كأنه قيل:

أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم. و جوز أن يكون منصوبا بالاستثناء من‏ «الَّذِينَ» أو من الضمير فى‏ «عَلَيْهِمْ» أي إلا المغضوب عليهم.

معانى القرآن، ج‏1، ص: 8

و أما قوله تعالى: وَ لَا الضَّالِّينَ» (7) فإن معنى‏ «غَيْرِ» معنى‏ «لَا» ؛ فلذلك ردّت عليها «وَ لَا» . هذا كما تقول:

فلان غير محسن و لا مجمل؛ فإذا كانت‏ «غَيْرِ» بمعنى سوى لم يجز أن تكرّ عليها «لَا» ؛ ألا ترى أنه لا يجوز: عندى سوى عبد اللّه و لا زيد.

و قد قال بعض من‏ «1» لا يعرف العربية: إن معنى‏ «غَيْرِ» فى‏ «الْحَمْدُ» «2» معنى «سوى»، و إن‏ «لَا» صلة فى الكلام، و احتجّ بقول الشاعر «3» :

فى بئر لا حور سرى و ما شعر

و هذا [غير] جائز؛ لأن المعنى وقع على ما لا يتبين فيه عمله، فهو جحد محض. و إنما يجوز أن تجعل‏ «لَا» صلة إذا اتصلت بجحد قبلها؛ مثل قوله:

ما كان يرضى رسول اللّه دينهم‏

و الطيّبان أبو بكر و لا عمر «4»

فجعل‏ «لَا» صلة لمكان الجحد الذي فى أوّل الكلام؛ هذا التفسير أوضح؛ أراد فى بئر لا حور، «لَا» الصحيحة فى الجحد؛ لأنه أراد فى: بئر ماء لا يحير عليه شيئا؛ كأنك قلت: إلى غير رشد توجه و ما درى. و العرب تقول: طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا «5» ؛ أي لم يتبين لها أثر عمل.

(1) هو أبو عبيدة. و انظر اللسان (غير).

(2) أي سورة الفاتحة. و الحمد من أسمائها.

(3) هو العجاج، من أرجوزة له طويلة يمدح بها عمر بن عبيد اللّه بن معمر، و كان عبد الملك بن مروان وجهه لقتال أبى فديك الحروري فأوقع به و بأصحابه. و مطلعها:

قد جبر الدين الإله فجبر

و عور الرحمن من ولى العور

و قوله: «فى بئر لا حور» يريد فى بئر نقص سرى الحروري و ما شعر؛ يقول: نقص الحروري و مادرى.

و يقال: فلان يعمل فى حور أي فى نقصان. و هذا على ما يرى أبو عبيدة. و يرى الفرّاء أن الحور الرجوع و لا للنفى، أي سرى فى بئر غير رجوع، أي بئر منسوبة إلى عدم الرجوع لأنها لا ترجع عليه بخير. و الحور يأتى فى معنى النقصان و معنى الرجوع، فأخذ أبو عبيدة بالأول، و الفرّاء بالثاني. و انظر الخزانة 2/ 95 و البيت محرف فى الأصل و التصويب من ديوان العجاج.

(4) من قصيدة لجرير فى هجو الأخطل. و انظر الديوان طبعة الصاوى 263.

(5) أي ما ردت شيئا من الدقيق، و المراد أنه لم يتبين لها أثر عمل؛ كما قال المؤلف.

معانى القرآن، ج‏1، ص: 9

و من سورة البقرة

«1»

قوله تعالى: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ ... (2) الهجاء موقوف فى كل القرآن، و ليس بجزم يسمّى جزما، إنما هو كلام جزمه نيّة الوقوف على كل حرف منه؛ فافعل ذلك بجميع الهجاء فيما قلّ أو كثر. و إنما قرأت القرّاء «الم اللَّهُ» فى «آل عمران» ففتحوا الميم؛ لأن الميم كانت مجزومة لنيّة الوقفة «2» عليها، و إذا كان الحرف ينوى به الوقوف نوى بما بعده الاستئناف، فكانت القراءة «ال م اللّه» فتركت العرب همزة الألف من «اللّه» فصارت فتحتها فى الميم لسكونها، و لو كانت الميم جزما مستحقّا للجزم لكسرت، كما فى‏ «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ» «3» . و قد قرأها رجل من النحويين،- و هو أبو جعفر الرؤاسىّ و كان رجلا صالحا- «الم اللّه» بقطع الألف، و القراءة بطرح الهمزة. قال الفراء:

و بلغني عن عاصم أنه قرأ بقطع‏ «4» الألف.

(1) فى ج، ش: فاتحة البقرة.

(2) فى ج، ش: «الوقف». فتح الميم فى «الم اللّه» أوّل سورة آل عمران هو قراءة العامة؛ قال النحاس فى إعراب القرآن له: «و قد تكلم فيها النحويون القدماء؛ فمذهب سيبويه أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين، و اختاروا لها الفتح كى لا يجمع بين كسرة و ياء و كسرة قبلها ... ... و قال الكسائي: حروف التهجي إذا لقيتها ألف الوصل فحذفت ألف الوصل حركتها بحركة الألف فقلت: الم اللّه، و الم اذكر، و الم اقتربت».

و قال العكبري فى إعراب القرآن له: «و قيل فتحت لأن حركة همزة «اللّه» ألقيت عليها، و هذا بعيد؛ لأن همزة الوصل لا حظ لها فى الثبوت فى الوصل حتى تلقى حركتها على غيرها. و قيل الهمزة فى «اللّه» همزة قطع، و إنما حذفت لكثرة الاستعمال، فلذلك ألقيت حركتها على الميم لأنها تستحق الثبوت، و هذا يصح على قول من جعل أداة التعريف «أل».

(3) آية 27 سورة يس.

(4) قراءة عاصم كقراءة الرؤاسى، و هذه القراءة على تقدير الوقف على «الم» كما يقدرون الوقف على أسماء الأعداد فى نحو واحد، اثنان، ثلاثة، اربعة؛ و هم واصلون.

معانى القرآن، ج‏1، ص: 10

و إذا كان الهجاء أوّل سورة فكان حرفا واحدا؛ مثل قوله‏ «ص» و «ن» و «ق» كان فيه وجهان فى العربية؛ إن نويت به الهجاء تركته جزما و كتبته حرفا واحدا، و إن جعلته اسما للسورة أو فى مذهب قسم كتبته على هجائه «نون» و «صاد» و «قاف» و كسرت الدال من صاد، و الفاء من قاف، و نصبت النون الآخرة من «نون» فقلت: «نون و القلم» و «صاد و القرآن» و «قاف» لأنه قد صار كأنه أداة؛ كما قالوا رجلان، فخفضوا النون من رجلان لأن قبلها ألفا، و نصبوا النون فى «المسلمون و المسلمين» لأن قبلها ياء و واوا.

و كذلك فافعل ب «يس وَ الْقُرْآنِ» فتنصب النون من‏ «يس» و تجزمها.

و كذلك‏ «حم» و «طس» و لا يجوز ذلك فيما زاد على هذه الأحرف مثل «طا سين ميم» لأنها لا تشبه الأسماء، و «طس» تشبه قابيل. و لا يجوز ذلك فى شى‏ء من القرآن مثل‏ «الم»* و «المر» و نحوهما.

و قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ ... (2) يصلح فيه‏ ذلِكَ‏ من جهتين، و تصلح فيه «هذا» من جهة؛ فأما أحد الوجهين من‏ «ذلِكَ» فعلى معنى: هذه الحروف يا أحمد «1» ، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك. و الآخر أن يكون‏ «ذلِكَ» على معنى يصلح فيه «هذا»؛ لأن قوله «هذا» و «ذلِكَ» يصلحان فى كل كلام إذا ذكر ثم أتبعته بأحدهما بالإخبار عنه. ألا ترى أنك تقول: قد قدم فلان؛ فيقول السامع: قد بلغنا ذلك، و قد بلغنا هذا الخبر، فصلحت فيه «هذا»؛ لأنه قد قرب من جوابه، فصار كالحاضر الذي تشير إليه، و صلحت فيه‏ «ذلِكَ» لانقضائه، و المنقضى كالغائب. و لو كان شيئا قائما يرى لم يجز مكان‏ «ذلِكَ» «هذا»،

(1) فى ج، ش «محمد».

معانى القرآن، ج‏1، ص: 11

و لا مكان «هذا» «ذلِكَ» و قد قال اللّه جل و عز: «وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ» إلى قوله: «وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ» ثم قال: «هذا ذِكْرُ»* «1» .

و قال جلّ و عزّ فى موضع آخر: «وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ» ثم قال:

«هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ» «2» . و قال جلّ ذكره: «وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» ثم قال: «ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ» «3» . و لو قيل فى مثله من الكلام فى موضع‏ «ذلِكَ» : هذا» أو فى موضع «هذا»: «ذلِكَ» لكان صوابا.

و فى قراءة عبد اللّه بن مسعود «هذا فذوقوه» و فى قراءتنا «ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ» «4» .

فأما ما لا يجوز فيه «هذا» فى موضع‏ «ذلِكَ» و لا «ذلِكَ» فى موضع «هذا» فلو رأيت رجلين تنكر أحدهما لقلت للذى تعرف: من هذا الذي معك؟ و لا يجوز هاهنا: من ذلك؟ لأنك تراه بعينه.

و أما قوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ‏ (2) فإنه رفع من وجهين و نصب من وجهين؛ إذا أردت ب «الْكِتابُ» أن يكون نعتا ل «ذلِكَ» كان الهدى فى موضع رفع لأنه خبر ل «ذلِكَ» ؛ كأنك قلت: ذلك هدى لا شكّ فيه‏ «5» . و إن جعلت‏ لا رَيْبَ فِيهِ‏ خبره رفعت أيضا (هُدىً) تجعله تابعا لموضع‏ «لا رَيْبَ فِيهِ» ؛ كما قال اللّه عزّ و جلّ: «وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ»* «6» كأنه قال: و هذا كتاب، و هذا مبارك، و هذا من صفته كذا و كذا. و فيه وجه ثالث من الرفع: إن شئت رفعته على الاستئناف لتمام ما قبله، كما قرأت القرّاء «الم. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. هُدىً وَ رَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ» «7» بالرفع‏

(1) الآيات 45- 49 سورة ص.

(2) آية 52، 53 سورة ص.

(3) آية 19 سورة ق.

(4) آية 14 سورة الأنفال.

(5) و جملة «لا ريب فيه» على هذا اعتراض أو حال.

(6) آية 92 و 155 سورة الأنعام.

صفحه بعد