کتابخانه تفاسیر
مفاتيح الغيب
الجزء الأول
سورة الفاتحة
[سورة الفاتحة(1): الآيات 1 الى 7]
مقدمة و ففيها فصول:
الكتاب الأول في العلوم المستنبطة من قوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
القسم الأول من هذا الكتاب في المباحث الأدبية المتعلقة بهذه الكلمة، و فيه أبواب.
القسم الثاني من هذا الكتاب المشتمل على تفسير(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) في المباحث النقلية و العقلية، و فيه أبواب: -.
الكتاب الثاني في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم و فيه أبواب
الباب السابع في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية، و فيه فصول:
الكتاب الثالث الكلام في سورة الفاتحة و في ذكر أسماء هذه السورة،
الباب الخامس في تفسير سورة الفاتحة، و فيه فصول
الكلام في تفسير مجموع هذه السورة، و فيه فصول
الجزء الثاني
سورة البقرة
الجزء الثالث
تتمة سورة البقرة
الجزء الرابع
تتمة سورة البقرة
الجزء الخامس
تتمة سورة البقرة
الجزء السادس
تتمة سورة البقرة
الجزء السابع
[سورة البقرة(2): الآيات 258 الى 259]
سورة آل عمران
الجزء الثامن
تتمة سورة آل عمران
الجزء التاسع
تتمة سورة آل عمران
سورة النساء
الجزء العاشر
تتمة سورة النساء
الجزء الحادي عشر
تتمة سورة النساء
سورة المائدة(5)
الجزء الثاني عشر
تتمة سورة المائدة
سورة الأنعام
الجزء الثالث عشر
تتمة سورة الأنعام
الجزء الرابع عشر
سورة الأعراف
الجزء الخامس عشر
تتمة سورة الأعراف
سورة الأنفال
الجزء السادس عشر
تتمة سورة التوبة
الجزء السابع عشر
سورة يونس
سورة هود
الجزء الثامن عشر
تتمة سورة هود
سورة يوسف
الجزء التاسع عشر
تتمة سورة الرعد
سورة إبراهيم
سورة الحجر
الجزء العشرون
تتمة سورة النحل
سورة الإسراء
الجزء الواحد و العشرون
تتمة سورة الإسراء
سورة الكهف
سورة مريم عليها السلام
الجزء الثاني و العشرون
سورة طه
سورة الأنبياء عليهم السلام
الجزء الثالث و العشرون
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء الرابع و العشرون
تتمة سورة النور
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
الجزء الخامس و العشرون
تتمة سورة القصص
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان عليه السلام
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبا
الجزء السادس و العشرون
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
الجزء السابع و العشرون
سورة المؤمن
سورة فصلت السجدة
سورة الشورى
سورة الزخرف
الجزء الثامن و العشرون
سورة الأحقاف
سورة محمد صلى الله عليه و سلم
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق
سورة الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
الجزء التاسع و العشرون
تتمة سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
سورة الحشر
الجزء الثلاثون
سورة الملك
سورة القلم
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح عليه السلام
سورة الجن
سورة المزمل عليه السلام
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
الجزء الواحد و الثلاثون
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانشقاق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
الجزء الثاني و الثلاثون
سورة العلق
سورة العاديات
مفاتيح الغيب، ج1، ص: 97
المنديل» و بين قوله: «مسحت يدي بالمنديل» يكفي في صحة صدقه ما إذا مسح يده بجزء من أجزاء المنديل.
الثالث: أن بعض أهل اللغة قال: الباء قد تكون للتبعيض، و أنكره بعضهم، لكن رواية الإثبات راجحة فثبت أن الباء تفيد التبعيض، و مقدار ذلك البعض غير مذكور فوجب أن تفيد أي مقدار يسمى بعضا، فوجب الاكتفاء بمسح أقل جزء من الرأس، و هذا هو قول الشافعي، و الإشكال عليه أنه تعالى قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ* [النساء: 43] فوجب أن يكون مسح أقل جزء من أجزاء الوجه و اليد كافيا في التيمم، و عند الشافعي لا بد فيه من الإتمام، و له أن يجيب فيقول: مقتضى هذا النص الاكتفاء في التيمم بأقل جزء من الأجزاء إلا أن عند الشافعي الزيادة على النص ليست نسخا فأوجبنا الإتمام لسائر الدلائل، و في مسح الرأس لم يوجد دليل يدل على وجوب الإتمام فاكتفينا بالقدر المذكور في هذا النص.
المسألة السابعة: فرع أصحاب أبي حنيفة على باء الإلصاق مسائل: إحداها: قال محمد في «الزيادات»:
إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق بمشيئة اللّه تعالى لا يقع الطلاق، و هو كقوله: أنت طالق إن شاء اللّه، و لو قال: لمشيئة اللّه يقع، لأنه أخرجه مخرج التعليل، و كذلك أنت طالق بإرادة اللّه لا يقع الطلاق، و لو قال لإرادة اللّه يقع، أما إذا قال: أنت طالق بعلم اللّه أو لعلم اللّه فإنه يقع الطلاق في الوجهين، و لا بد من الفرق، و ثانيها:
قال في كتاب الأيمان لو قال لامرأته: إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني فأنت طالق، فإنها تحتاج في كل مرة إلى إذنه، و لو قال: إن خرجت إلا أن آذن لك فأذن لها مرة كفى، و لا بد من الفرق، و ثالثها: لو قال لامرأته:
طلقي نفسك ثلاثا بألف، فطلقت نفسها واحدة وقعت بثلث الألف و ذلك أن الباء هاهنا تدل على البدلية فيوزع البدل على المبدل، فصار بإزاء من طلقة ثلث الألف، و لو قال: طلقي نفسك ثلاثا على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع شيء عند أبي حنيفة لأن لفظة «على» كلمة شرط و لم يوجد الشرط و عند صاحبيه تقع واحدة بثلث الألف.
قلت: و هاهنا مسائل كثيرة متعلقة بالباء.
(أ) قال أبو حنيفة: الثمن إنما يتميز عن المثمن بدخول حرف الباء عليه، فإذا قال: بعت كذا بكذا، فالذي دخل عليه الباء هو الثمن فقط، و على هذا الفرق بنى مسألة البيع الفاسد فإنه قال: إذا قال: بعت هذا الكرباس بمن من الخمر صح البيع و انعقد فاسدا، و إذا قال بعت هذا الخمر بهذا الكرباس لم يصح، و الفرق أن في الصورة الأولى: الخمر ثمن، و في الصورة الثانية: الخمر مثمن، و جعل الخمر ثمنا جائز أما جعله مثمنا فإنه لا يجوز.
(ب) قال الشافعي: إذا قال بعت منك هذا الثوب بهذا الدرهم تعين ذلك الدرهم، و عند أبي حنيفة لا يتعين.
(ج) قال اللّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة: 111] فجعل الجنة ثمنا للنفس و المال.
و من أصول الفقه مسائل: (أ) الباء تدل على السببية قال اللّه تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ* [الأنفال: 13] هاهنا الباء دلت على السببية، و قيل: إنه لا يصح لأنه لا يجوز إدخال لفظ الباء على السبب فيقال ثبت هذا الحكم بهذا السبب.
مفاتيح الغيب، ج1، ص: 98
(ب) إذا قلنا الباء تفيد السببية فما الفرق بين باء السببية و بين لام السببية، لا بد من بيانه.
(ج) الباء في قوله: «سبحانك اللهم و بحمدك» لا بد من البحث عنه فإنه لا يدري أن هذه الباء بما ذا تتعلق، و كذلك البحث عن قوله: وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ [البقرة: 30] فإنه يجب البحث عن هذه الباء.
(د) قيل: كل العلوم مندرج في الكتب الأربعة، و علومها في القرآن، و علوم القرآن في الفاتحة، و علوم الفاتحة في (بسم اللّه الرحمن الرحيم) و علومها في الباء من بسم اللّه (قلت) لأن المقصود من كل العلوم وصول العبد إلى الرب، و هذا الباء باء الإلصاق فهو يلصق العبد بالرب، فهو كمال المقصود.
النوع الثالث من مباحث هذا الباب، مباحث حروف الجر.
فإن هذه الكلمة اشتملت على نوعين منها: أحدهما: الباء، و ثانيهما: لفظ «من» فنقول: في لفظ «من» مباحث:- (أ) أنك تقول: «أخذت المال من ابنك» فتكسر النون ثم تقول: «أخذت المال من الرجل» فتفتح النون، فههنا اختلف آخر هذه الكلمة، و إذا اختلفت الأحوال دلت على اختصاص كل حالة بهذه الحركة، فههنا اختلف آخر هذه الكلمة باختلاف العوامل، فإنه لا/ معنى للعامل إلا الأمر الدال على استحقاق هذه الحركات، فوجب كون هذه الكلمة معربة.
(ب) كلمة «من» وردت على وجوه أربعة: ابتداء الغاية، و التبعيض، و التبيين، و الزيادة.
(ج) قال المبرد: الأصل هو ابتداء الغاية، و البواقي مفرعة عليه، و قال آخرون: الأصل هو التبعيض، و البواقي مفرعة عليه.
(د) أنكر بعضهم كونها زائدة، و أما قوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ* [نوح: 4] فقد بينوا أنه يفيد فائدة زائدة فكأنه قال يغفر لكم بعض ذنوبكم، و من غفر كل بعض منه فقد غفر كله.
(ه) الفرق بين من و بين عن لا بد من ذكره قال الشيطان ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ [الأعراف: 17] و فيه سؤالان: الأول: لم خص الأولين بلفظ من و الثالث و الرابع بلفظ عن. الثاني: لما ذكر الشيطان لفظ من و لفظ عن فلم جاءت الاستعاذة بلفظ من فقال: (أعوذ باللّه من الشيطان) و لم يقل عن الشيطان.
النوع الرابع من مباحث هذا الباب:- (أ) الشيطان مبالغة في الشيطنة، كما أن الرحمن مبالغة في الرحمة، و الرجيم في حق الشيطان فعيل بمعنى مفعول، كما أن الرحيم في حق اللّه تعالى فعيل بمعنى فاعل، إذا عرفت هذا فهذه الكلمة تقتضي الفرار من الشيطان الرجيم إلى الرحمن الرحيم، و هذا يقتضي المساواة بينهما، و هذا ينشأ عنه قول الثنوية الذين يقولون إن اللّه و إبليس أخوان، إلا أن اللّه هو الأخ الكريم الرحيم الفاضل، و إبليس هو الأخ اللئيم الخسيس المؤذي، فالعاقل يفر من هذا الشرير إلى ذلك الخير.
مفاتيح الغيب، ج1، ص: 99
(ب) الإله هل هو رحيم كريم؟ فإن كان رحيما كريما فلم خلق الشيطان الرجيم و سلطه على العباد، و إن لم يكن رحيما كريما فأي فائدة في الرجوع إليه و الاستعاذة به من شر الشيطان.
(ج) الملائكة في السموات هل يقولون: (أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم) فإن ذكروه فإنما يستعيذون من شرور أنفسهم لا من شرور الشيطان.
(د) أهل الجنة في الجنة هل يقولون أعوذ باللّه.
(ه) الأنبياء و الصديقون لم يقولون (أعوذ باللّه) مع أن الشيطان أخبر أنه لا تعلق له بهم في قوله:
فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: 82، 83].
(و) الشيطان أخبر أنه لا تعلق له بهم إلا في مجرد الدعوة حيث قال: وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم: 22] و أما الإنسان فهو الذي/ ألقى نفسه في البلاء فكانت استعاذة الإنسان من شر نفسه أهم و ألزم من استعاذته من شر الشيطان فلم بدأ بالجانب الأضعف و ترك الجانب الأهم؟.
الكتاب الثاني في مباحث بسم اللّه الرحمن الرحيم و فيه أبواب
الباب الأول في مسائل جارية مجرى المقدمات
و فيه مسائل متعلق باء البسملة:
المسألة الأولى [متعلق باء البسملة]: قد بينا أن الباء من (بسم اللّه الرحمن الرحيم) متعلقة بمضمر، فنقول: هذا المضمر يحتمل أن يكون اسما، و أن يكون فعلا، و على التقديرين فيجوز أن يكون متقدما، و أن يكون متأخرا، فهذه أقسام أربعة، أما إذا كان متقدما و كان فعلا فكقولك: أبدأ باسم اللّه، و أما إذا كان متقدما و كان اسما فكقولك:
ابتداء الكلام باسم اللّه، و أما إذا كان متأخرا و كان فعلا فكقولك: باسم اللّه أبدأ، و أما إذا كان متأخرا و كان اسما فكقولك: باسم اللّه ابتدائي و يجب البحث هاهنا عن شيئين: الأول: أن التقديم أولى أم التأخير؟ فنقول كلاهما وارد في القرآن، أما التقديم فكقوله: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها [هود: 41] و أما التأخير فكقوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] و أقول: التقديم عندي أولى، و يدل عليه وجوه: الأول: أنه تعالى قديم واجب الوجود لذاته، فيكون وجوده سابقا على وجود غيره، و السابق بالذات يستحق السبق، في الذكر، الثاني: قال تعالى:
هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ [الحديد: 3] و قال: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ ، [الروم: 4] الثالث: أن التقديم في الذكر أدخل في التعظيم، الرابع: أنه قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ فههنا الفعل متأخر عن الاسم، فوجب أن يكون في قوله: (بسم اللّه) كذلك، فيكون التقدير باسم اللّه ابتدئ، الخامس: سمعت الشيخ الوالد ضياء الدين عمر رضي
مفاتيح الغيب، ج1، ص: 100
اللّه عنه يقول: سمعت الشيخ أبا القاسم الأنصاري يقول: حضر الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير الميهني مع الأستاذ أبي القاسم القشيري فقال الأستاذ القشيري: المحققون قالوا ما رأينا شيئا إلا و رأينا اللّه بعده، فقال الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير: ذاك مقام المريدين أما المحققون فإنهم ما رأوا شيئا إلا و كانوا قد رأوا اللّه قبله، قلت: و تحقيق الكلام أن الانتقال من المخلوق إلى الخالق إشارة إلى برهان الآن، و النزول من الخالق إلى المخلوق برهان اللم، و معلوم أن برهان اللم أشرف، و إذا ثبت هذا فمن أضمر الفعل أولا فكأنه انتقل من رؤية فعله إلى رؤية وجوب الاستعانة باسم اللّه/ و من قال: (باسم اللّه) ثم أضمر الفعل ثانيا فكأنه رأى وجوب الاستعانة باللّه ثم نزل منه إلى أحوال نفسه.
المسألة الثانية: إضمار الفعل أولى أم إضمار الاسم، قال الشيخ أبو بكر الرازي: نسق تلاوة القرآن يدل على أن المضمر هو الفعل، و هو الأمر، لأنه تعالى قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 4] و التقدير قولوا إياك نعبد و إياك نستعين، فكذلك قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* التقدير قولوا بسم اللّه، و أقول: لقائل أن يقول: بل إضمار الاسم أولى، لأنا إذا قلنا تقدير الكلام بسم اللّه ابتداء كل شيء كان هذا إخبارا عن كونه مبدأ في ذاته لجميع الحوادث و خالفا لجميع الكائنات، سواء قاله قائل أو لم يقله، و سواء ذكره ذاكر أو لم يذكره، و لا شك أن هذا الاحتمال أولى، و تمام الكلام فيه يجيء في بيان أن الأولى أن يقال قولوا الحمد للّه أو الأولى أن يقال الحمد للّه، لأنه إخبار عن كونه في نفسه مستحقا للحمد سواء قاله قائل أو لم يقله.
المسألة الثالثة: الجر يحصل بشيئين: أحدهما: بالحرف كما في قوله: «باسم» و الثاني: بالإضافة كما في «اللّه» من قوله: «باسم اللّه» و أما الجر الحاصل في لفظ «الرحمن الرحيم» فإنما حصل لكون الوصف تابعا للموصوف في الإعراب، فههنا أبحاث: أحدها: أن حروف الجر لم اقتضت الجر؟ و ثانيها: أن الإضافة لم اقتضت الجر؟ و ثالثها: أن اقتضاء الحرف أقوى أو اقتضاء الإضافة، و رابعها: أن الإضافة على كم قسم تقع، قالوا إضافة الشيء إلى نفسه محال، فبقي أن تقع الإضافة بين الجزء و الكل، أو بين الشيء و الخارج عن ذات الشيء المنفصل عنه، أما القسم الأول فنحو «باب حديد، و خاتم ذهب» لأن ذلك الباب بعض الحديد و ذلك الخاتم بعض الذهب، و أما القسم الثاني فكقولك: «غلام زيد» فإن المضاف إليه مغاير للمضاف بالكلية، و أما أقسام النسب و الإضافات فكأنها خارجة عن الضبط و التعديد، فإن أنواع النسب غير متناهية.
المسألة الرابعة: كون الاسم اسما للشيء نسبة بين اللفظة المخصوصة التي هي الاسم و بين الذات المخصوصة التي هي المسمى، و تلك النسبة معناها أن الناس اصطلحوا على جعل تلك اللفظة المخصوصة معرفة لذلك الشيء المخصوص، فكأنهم قالوا متى سمعتم هذه اللفظة منا فافهموا أنا أردنا بها ذلك المعنى الفلاني، فلما حصلت هذه النسبة بين الاسم و بين المسمى لا جرم صحت إضافة الاسم إلى المسمى، فهذا هو المراد من إضافة الاسم إلى اللّه تعالى.
المسألة الخامسة: قال أبو عبيد: ذكر الاسم في قوله: «بسم اللّه» صلة زائدة، و التقدير باللّه قال، و إنما ذكر لفظة الاسم: إما للتبرك، و إما ليكون فرقا بينه و بين القسم، و أقول/ و المراد من قوله: «بسم اللّه» قوله:
ابدءوا بسم اللّه، و كلام أبي عبيد ضعيف، لأنا لما أمرنا بالابتداء فهذا الأمر إنما يتناول فعلا من أفعالنا، و ذلك الفعل هو لفظنا و قولنا، فوجب أن يكون المراد أبدأ بذكر اللّه، و المراد أبدأ ببسم اللّه، و أيضا فالفائدة فيه أنه كما
مفاتيح الغيب، ج1، ص: 101
أن ذات اللّه تعالى أشرف الذوات فكذلك ذكره أشرف الأذكار، و اسمه أشرف الأسماء، فكما أنه في الوجود سابق على كل ما سواه وجب أن يكون ذكره سابقا على كل الأذكار، و أن يكون اسمه سابقا على كل الأسماء، و على هذا التقدير فقد حصل في لفظ الاسم هذه الفوائد الجليلة.
الباب الثاني فيما يتعلق بهذه الكلمة من القراءة و الكتابة
أما المباحث المتعلقة بالقراءة فكثيرة:- الوقف على كلمات البسملة:
المسألة الأولى [الوقف على كلمات البسملة]: أجمعوا على أن الوقف على قوله: «بسم» ناقص قبيح، و على قوله: «بسم اللّه» أو على قوله: «بسم اللّه الرحمن» كاف صحيح، و على قوله: «بسم اللّه الرحمن الرحيم» تام و اعلم أن الوقف لا بد و أن يقع على أحد هذه الأوجه الثلاثة، و هو أن يكون ناقصا، أو كافيا أو كاملا، فالوقف على كل كلام لا يفهم بنفسه ناقص، و الوقف على كل كلام مفهوم المعاني إلا أن ما بعده يكون متعلقا بما قبله يكون كافيا، و الوقف على كل كلام تام و يكون ما بعده منقطعا عنه يكون وقفا تاما.
ثم لقائل أن يقول: قوله: «الحمد للّه رب العالمين» كلام تام، إلا أن قوله: «الرحمن الرحيم ملك» متعلق بما قبله، لأنها صفات، و الصفات تابعة للموصوفات، فإن جاز قطع الصفة عن الموصوف و جعلها وحدها آية فلم لم يقولوا بسم اللّه الرحمن آية؟ ثم يقولوا الرحيم آية ثانية، و إن لم يجز ذلك فكيف جعلوا الرحمن الرحيم آية مستقلة، فهذا الإشكال لا بد من جوابه.
حكم لام الجلالة:
المسألة الثانية [حكم لام الجلالة]: أطبق القراء على ترك تغليظ اللام في قوله: «بسم اللّه» و في قوله: «الحمد للّه» و السبب فيه أن الانتقال من الكسرة إلى اللام المفخمة ثقيل، لأن الكسرة توجب التسفل، و اللام المفخمة حرف مستعل، و الانتقال من التسفل إلى التصعد ثقيل، و إنما استحسنوا تفخيم اللام و تغليظها من هذه الكلمة في حال كونها مرفوعة أو منصوبة كقوله: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ [الشورى: 19] قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] و قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ [التوبة: 111].
المسألة الثالثة: قالوا المقصود من هذا التفخيم أمران: الأول: الفرق بينه و بين لفظ اللام/ في الذكر، الثاني: أن التفخيم مشعر بالتعظيم، و هذا اللفظ يستحق المبالغة في التعظيم، الثالث: أن اللام الرقيقة إنما تذكر بطرف اللسان، و أما هذه اللام المغلظة فإنما تذكر بكل اللسان فكان العمل فيه أكثر فوجب أن يكون أدخل في الثواب، و أيضا جاء في التوراة يا موسى أجب ربك بكل قلبك، فههنا كان الإنسان يذكر ربه بكل لسانه، و هو يدل على أنه يذكره بكل قلبه، فلا جرم كان هذا أدخل في التعظيم.
المسألة الرابعة: لقائل أن يقول: نسبة اللام الرقيقة إلى اللام الغليظة كنسبة الدال إلى الطاء، و كنسبة
مفاتيح الغيب، ج1، ص: 102
السين إلى الصاد، فإن الدال تذكر بطرف اللسان و الطاء تذكر بكل اللسان و كذلك السين تذكر بطرف اللسان و الصاد تذكر بكل اللسان، فثبت أن نسبة اللام الرقيقة إلى اللام الغليظة كنسبة الدال إلى الطاء و كنسبة السين إلى الصاد، ثم إنا رأينا أن القوم قالوا الدال حرف و الطاء حرف آخر، و كذلك السين حرف و الصاد حرف آخر فكان الواجب أيضا أن يقولوا: اللام الرقيقة حرف و اللام الغليظة حرف آخر، و أنهم ما فعلوا ذلك و لا بد من الفرق.
حكم الإدغام:
المسألة الخامسة [حكم الإدغام]: تشديد اللام من قولك: «اللّه» للإدغام فإنه حصل هناك لامان الأولى: لام التعريف و هي ساكنة و الثانية: لام الأصل و هي متحركة، و إذا التقى حرفان مثلان من الحروف كلها و كان أول الحرفين ساكنا و الثاني متحركا أدغم الساكن في المتحرك ضرورة سواء كانا في كلمتين أو كلمة واحدة، و أما في الكلمتين فكما في قوله: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ، [البقرة: 16] وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ ، [النحل: 53] ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ* [الرعد: 34] و أما في الكلمة الواحدة فكما في هذه الكلمة.
و اعلم أن الألف و اللام و الواو و الياء إن كانت ساكنة امتنع اجتماع مثلين، فامتنع الإدغام لهذا السبب، و إن كانت متحركة و اجتمع فيها مثلان كان الإدغام جائزا.
المسألة السادسة: لأرباب الإشارات و المجاهدات هاهنا دقيقة، و هي أن لام التعريف و لام الأصل من لفظة «اللّه» اجتمعا فأدغم أحدهما في الثاني، فسقط لام المعرفة و بقي لام لفظة اللّه، و هذا كالتنبيه على أن المعرفة إذا حصلت إلى حضرة المعروفة سقطت المعرفة و فنيت و بطلت، و بقي المعروف الأزلي كما كان من غير زيادة و لا نقصان.
مد لام الجلالة:
المسألة السابعة [مد لام الجلالة]: لا يجوز حذف الألف من قولنا: اللّه في اللفظ، و جاز ذلك في ضرورة الشعر عند الوقف عليه، قال بعضهم:-
أقبل سيل جاء من عند اللّه
يجود جود الجنة المغله
انتهى، و يتفرع على هذا البحث مسائل في الشريعة: إحداها: أنه عند الحلف لو قال بله فهل ينعقد يمينه أم لا قال بعضهم: لا، لأن قوله بله اسم للرطوبة فلا ينعقد اليمين، و قال آخرون ينعقد اليمين به لأنه بحسب أصل اللغة جائز، و قد نوى به الحلف فوجب أن تنعقد و ثانيها: لو ذكره على هذه الصفة عند الذبيحة هل يصح ذلك أم لا، و ثالثها: لو ذكر قوله: «اللّه» في قوله: «اللّه أكبر» هل تنعقد الصلاة به أم لا؟.
المسألة الثامنة: لم يقرأ أحد اللّه بالإمالة إلا قتيبة في بعض الروايات انتهى.
حكم لام أل:
المسألة التاسعة [حكم لام أل]: تشديد الراء من قوله: «الرحمن الرحيم» لأجل إدغام لام التعريف في الراء، و لا خلاف بين القراء في لزوم إدغام لام التعريف في اللام، و في ثلاثة عشر حرفا سواه و هي: الصاد، و الضاد، و السين، و الشين، و الدال، و الذال، و الراء، و الزاي، و الطاء، و الظاء، و التاء، و الثاء، و النون، انتهى. كقوله تعالى:
مفاتيح الغيب، ج1، ص: 103
التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ و العلة الموجبة لجواز هذا الإدغام قرب المخرج، فإن اللام و كل هذه الحروف المذكورة مخرجها من طرف اللسان و ما يقرب منه، فحسن الإدغام، و لا خلاف بين القراء في امتناع إدغام لام التعريف فيما عدا هذه الثلاثة عشر كقوله:
الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ ... الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [التوبة: 112] كلها بالإظهار، و إنما لم يجز الإدغام فيها لبعد المخرج، فإنه إذا بعد مخرج الحرف الأول عن مخرج الحرف الثاني ثقل النطق بهما دفعة فوجب تمييز كل واحد منهما عن الآخر، بخلاف الحرفين اللذين يقرب مخرجاهما، لأن التمييز بينهما مشكل صعب.
المسألة العاشرة: أجمعوا على أنه لا يمال لفظ «الرحمن» و في جواز إمالته قولان للنحويين: أحدهما: أنه يجوز، و لعله قول سيبويه، و علة جوازه انكسار النون بعد الألف، و القول الثاني: و هو الأظهر عند النحويين، أنه لا يجوز.
المسألة الحادية عشرة: أجمعوا على أن إعراب «الرحمن الرحيم» هو الجر لكونهما صفتين للمجرور الأول إلا أن الرفع و النصب جائزان فيهما بحسب النحو، أما الرفع فعلى تقدير بسم اللّه هو الرحمن الرحيم، و أما النصب فعلى تقدير بسم اللّه أعين الرحمن الرحيم.
النوع الثاني من مباحث هذا الباب ما يتعلق بالخط، و فيه مسائل:- ما يتعلق بالبسملة قراءة و كتابة:
المسألة الأولى [ما يتعلق بالبسملة قراءة و كتابة]: طولوا الباء من «بسم اللّه» و ما طولوها في سائر المواضع، و ذكروا في الفرق وجهين:
الأول: أنه لما حذفت ألف الوصل بعد الباء طولوا هذه الباء ليدل طولها/ على الألف المحذوفة التي بعدها، ألا ترى أنهم لما كتبوا اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] بالألف ردوا الباء إلى صفتها الأصلية، الثاني: قال القتيبي، إنما طولوا الباء لأنهم أرادوا أن لا يستفتحوا كتاب اللّه إلا بحرف معظم، و كان عمر بن عبد العزيز يقول لكتابه طولوا الباء، و أظهروا السين. و دوروا الميم تعظيما لكتاب اللّه.
المسألة الثانية: قال أهل الإشارة و الباء حرف منخفض في الصورة فلما اتصل بكتبة لفظ اللّه ارتفعت و استعلت، فنرجو أن القلب لما اتصل بخدمة اللّه عزّ و جلّ أن يرتفع حاله و يعلو شأنه.
المسألة الثالثة: حذفوا ألف «اسم» من قوله: «بسم اللّه» و أثبتوه في قوله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) و الفرق من وجهين: الأول: أن كلمة «باسم اللّه» مذكورة في أكثر الأوقات عند أكثر الأفعال، فلأجل التخفيف حذفوا الألف، بخلاف سائر المواضع فإن ذكرها قليل. الثاني: قال الخليل: إنما حذفت الألف في قوله: «بسم اللّه» لأنها إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير ممكن، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف فسقطت في الخط، و إنما لم تسقط في قوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ لأن الباء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع كما في (بسم اللّه) لأنه يمكن حذف الباء من اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ مع بقاء المعنى صحيحا، فإنك لو قلت اقرأ اسم ربك صح المعنى، أما لو حذفت الباء من «بسم اللّه» لم يصح المعنى فظهر الفرق.