کتابخانه تفاسیر
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 9
و قد أودع جميع العلوم في الباء أي: بي كان ما كان و بي يكون ما يكون فوجود العوالم بي. و قال بعض أهل النظر لعلّ السرّ في أن جعل افتتحاح الكتاب الكريم بحرف الباء؛ و قدّمت على سائر الحروف لا سيّما على الألف مع تجرد الألف، بل يسقط الألف و يثبت مكانه الباء في بسم اللّه: إنّ في الباء تواضعا و انكسارا و في الأنف ترفّعا و تطاولا، فمن تواضع للّه رفعه اللّه؛ و الباء للاتصال و الإلصاق، بخلاف أكثر الحروف خصوصا الألف من حروف القطع؛ و الباء مكسورة فلمّا كانت فيها انكسار في الصورة و المعنى، وجدت شرف العندية من اللّه؛ و ذكروا فيها استحساناتا أخر ليس هذا المختصر يسعها، مثل انّ للباء علوّ الهمّة بخلاف بعضها، فانّه لما عرضت عليها النقط ما قبلت إلّا واحدة، و من قبيل هذه المناسبات كثيرة ذكروها في شروحهم، قال أمير المؤمنين أنا النقطة تحت الباء لعلّ مراده بيان مرتبة دلالته و إرشاده على التوحيد، أو يصف نفسه عليه السّلام في مقام معرفة التوحيد؛ و لذا وجبت ولايته.
قال محمّد بن صفوان عن ابن عبّاس قال: كنّا عند رسول اللّه فأقبل عليّ عليه السّلام قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرحبا بمن خلقه اللّه قبل أبيه آدم بأربعين ألف سنة، قلنا أ كان ابن قبل أبيه فقال: نعم انّ اللّه خلقني و عليّا من نور واحد قبل هذه المدة، ثمّ قسّمه نصفين، ثمّ خلق الأشياء من نوري و نور عليّ ... الحديث؛ أو مراده علمه بعلوم الكتب الأولين و الآخرين فيما أشرنا قبيل ذلك. قال صاحب التأويلات النجميّة انّ الباء شفوي و كان أوّل انفتاح فم الذرة الإنسانيّة في عهد الست بالجواب بكلمة بلى، فاختصت الباء بهذه الاختصاصات، فجعلها سبحانه مفتاح كتابه و مبدأ كلامه و خطابه؛ و أسماء اللّه تذكر فيما يصح أن يطلق عليه بالنظر إلى ذاته او باعتبار صفة من صفاته الثبوتية كالعليم او السلبيّه كالقدوس او باعتبار فعل من أفعاله كالخالق لكنها توقيفة عند الأكثر (الرَّحْمنِ) الرحمة في اللغة رقة القلب و الانعطاف و منه الرحم و المراد هنا هو التفضل و الإحسان فالمعني العاطف على خلقه بالرزق لهم و دفع الآفات عنهم؛ و الرحمن فعلان في الرحمن الذي يرحم و يبسط الرزق علينا الرحيم في دنيانا و ديننا؛ و في الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم تلك المبالغة لشمول الرحمن في الدارين و اختصاص الرحيم بالآخرة او بالمؤمنين. (الرَّحِيمِ)
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 10
اى المترحم إذا سئل اعطى و إذا لم يسئل غضب؛ و بنى آدم حين يسأل يغضب قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان للّه مائة رحمة اعطى واحدة منها لأهل الدنيا كلها و ادّخر تسعا و تسعين الى الآخرة يرحم بها عباده.
و اعلم ان الرحمة من الصفات الإلهية و هي حقيقة واحدة؛ لكنها تنقسم بالذاتية و الصفاتية اي تقتضيها اسماء الذات و اسماء الصفات و كل منهما عامّة و خاصّة فالرحمة العامة و الخاصة الذاتيّتان ما جاء في البسملة قيل ان للّه تعالى ثلاثة آلاف اسم، ألف عرفها الملائكة لا غير؛ و ألف عرفها الأنبياء لا غير، و ثلاثمائة في التورية؛ و ثلاثمائة في الإنجيل؛ و ثلاثمائة في الزبور؛ و تسعة و تسعون في القرآن؛ و واحد استأثر اللّه به ثم معنى هذه الثلاثة آلاف في هذه الأسماء الثلاثة اللّه و الرحمن و الرحيم فمن علمها و قال فكأنما ذكر اللّه بكل أسمائه.
و في الخبر انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال ليلة اسري بي الى السماء عرض عليّ جميع الجنان، فرأيت فيها اربعة انهار: نهرا من لبن و نهرا من ماء و نهرا من خمر و نهرا من عسل فقلت: يا جبرئيل من اين تجيء هذه الأنهار و الى اين تذهب قال نذهب الى حوض الكوثر و لا ادرى من اين تجيء؛ فادع اللّه ليعلّمك او يراك، فدعا ربّه فجاء ملك فسلم على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم قال: يا محمد غمض عينك قال: فغمضت عيني ثم قال: افتح عينك ففتحت فإذا انا عند شجرة؛ و رأيت قبة من دره بيضاء و لها باب من ذهب و قفل لو أن جميع ما في الدنيا من الجن و الانس وضعوا على تلك القبة لكانوا مثل طائر جالس على جبل، فرأيت هذه الأنهار الأربعة تخرج من تحت هذه القبة فلما أردت ارجع قال لي ذلك الملك:
لم لا تدخل القبة قلت: كيف ادخل و على بابها قفل لا مفتاح له عندي قال الملك مفتاحه بسم اللّه الرحمن الرحيم، فلما دنوت من القفل و قلت بسم اللّه الرحمن الرحيم انفتح القفل فدخلت في القبة فرأيت هذه الأنهار تجرى من اربعة اركان القبة؛ و رأيت مكتوبا على اربعة اركان القبة بسم اللّه الرحمن الرحيم؛ و رأيت نهر الماء يخرج من ميم بسم اللّه و رأيت نهر اللبن يخرج من هاء اللّه، و نهر الخمر يخرج من ميم الرّحمن و نهر العسل من ميم الرّحيم فعلمت ان اصل هذه الأنهار الاربعة من البسملة؛ فقال اللّه سبحانه
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 11
يا محمد من ذكرني بهذه الأسماء من أمتك بقلب خالص من الرياء و قال: بسم اللّه الرحمن الرحيم سقيته من هذه الأنهار؛ و في الحديث: من رفع قرطاسا من الأرض مكتوبا عليه بسم اللّه الرحمن الرحيم إجلالا له و لاسمه عن ان يدنس كان عند اللّه من الصديقين، و خفف عن والديه و ان كانا مشركين. و عن الرضا عليه السّلام: ان البسملة اقرب الى اسم اللّه الأعظم من سواد العين الى بياضها قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا قال المعلم للصبي: بسم اللّه بالخلوص: كتب اللّه له و لا بويه و لمعلمه برائة من النار إذا كانوا مؤمنين و لا يحصل الخلوص الا بهذه الأربع، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوصيك بأربع خصال الاولى: الصدق فلا تخرجن عن فيك كذبة ابدا (الثانية): الورع و لا تجرى على خيانة ابدا و (الثالثة)، الخوف من اللّه كأنك تراه و الرابعة، كثرة البكاء من خشية اللّه ينبي لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة.
قال الشيخ احمد البوني في لطائف الإشارات: ان شجرة الوجود تفرعت عن البسملة و العالم كله قائم بها و من اكثر من ذكرها رزق الهيبة عند العالم العلوي و السفلى قال الشيخ اكبر في الفتوحات إذا قرأت فاتحة الكتاب، فصل بسملتها معها في نفس واحد من غير قطع. قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حالفا عن جبرئيل حالفا عن ميكائيل حالفا عن اسرافيل قال اللّه: يا اسرافيل بعزتي و جلالي و جودي و كرمي من قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم متصلة بفاتحة الكتاب مرة واحدة فاشهدوا على انى قد غفرت له و قبلت منه الحسنات و تجاوزت له عن السيئات و لا احرق لسانه بالنار و أجيره من عذاب القبر و عذاب النار و عذاب يوم القيمة و الفزع الأكبر.
(سورة فاتحة الكتاب): وجه التسمية بفاتحة الكتاب اما لافتتاح المصاحف بها، و اما لأن الحمد فاتحة كل كلام و اما لأنها أول سورة نزلت و سميت بأم القرآن و أم الشيء أصله؛ و ذلك لان المقصود من كل القرآن تقرير امور اربعة: اقرار بالالوهية و النبوة، و اثبات المعاد، و اثبات الحكم، و الأمر له، و هذه السورة جامعة لهذه المراتب، و سميت بالسبع المثاني لأنها سبع آيات، او لان كل آية منها تقوم مقام سبع من القرآن، فمن قرأها اعطى ثواب قراءة الكل؛ او لان من قرأ آياتها السبع غلقت عنه أبواب النيران
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 12
السبعة. و اما وجه التسمية بالمثاني فلأنها تثنى في كل صلاة، او لان نزولها مرتين مرة في مكّة و اخرى في المدينة و سميت بسورة الصلاة و سورة الشافية و الكافية و الوافية و سورة الحمد و سورة السؤال و سورة الدعاء و سورة الكنز لما روي ان اللّه تعالى قال فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشىّ
[سورة الفاتحة (1): آية 2]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
قال الزمخشري: الحمد على الابتداء و خبره الظرف الذي هو للّه و أصله النصب بإضمار فعله، على انه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة و معنى الاخبار كقولهم شكرا و عجبا و ما أشبهه، و منها سبحانك و معاذ اللّه ينزلونها منزلة افعالها، و العدول بها عن النصب الى الرفع في الآية على الابتداء للدلالة على ثبات المعنى و استقراره، و منه قوله تعالى قالوا سلاما قال ابراهيم سلام رفع السلام الثاني للدلالة على انّ ابراهيم حيّاهم بتحيّة احسن من تحيتهم، لأن الرفع دالّ على معنى ثبات السلام لهم، فيئول حقيقة المعنى نحمد اللّه حمدا فلذلك قيل إياك نعبد و إياك نستعين انتهى فقوله الحمد للّه لامه امّا للعهد اى الحمد الكامل؛ و هو حمد اللّه لنفسه و حمد الرسل او اللام للعموم و الاستغراق اى جميع المحامد و الاثنية من الملك و البشر خاص للّه. و الحمد و المدح اخوان و هو الثناء الجميل من نعمة او غيرها. و الحمد و الثناء ذاتا خاص به تعالى شانه على لسان أنبيائه، و التكليف من النعمة لان بقائك موقوف عليه، و اما الشكر فعلى النعمة خاصة، و الحمد ثناء المحمود و اظهار كماله و أفعاله و آثاره، و هو قولي و فعلي و حالي.
اما القولي فحمد اللسان و ثنائه عليه بما اثنى به نفسه على لسان أنبيائه.
و اما (الفعلى) فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات و الخيرات ابتغاء لمرضاته حتى يستعمل الحامد كل عضو فيما خلق لأجله على الوجه المشروع حتى يوافق ساير أعضائه لسانه (و اما الحالي) فهو بحسب القلب كالتخلق بأخلاق اللّه من الرضا و التسليم و الاتصاف بالكمالات العلمية و حب المعروف و بغض المنكر ورده و هو الجهاد الأكبر فيكون في حكم الشهيد ثوابا فمن ما روى في ثواب الشهداء يشمله فحينئذ يكون اهل الحال و يستحق
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 13
المواهب من اللّه الواردة عليه ميراثا أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس و ذلك بسبب العمل الصالح المزكّى للنفس المصفّى للقلب، و عبّر بالحال لحول العبد به من الرسوم العادية الشهوية إلى الصفات الحقية، و أول قدم الحال الدخول في باب الأبواب و هو التوبة، لأنها أول ما يدخل به العبد حضرت القرب من جبان الرب* (رَبِّ الْعالَمِينَ) * ربّه يربه فهو ربّ، و يجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة، كما وصف بالعدل؛ و الرب السيد المالك، و منه قول صفوان لأبي سفيان لأن يربّني رجل من قريش أحبّ إليّ من أن يربّني رجل من هوازن، و منه قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أللهم لا تجعل لفاجر عليّ يدا: بيان برهان على استحاقه تعالى الحمد بقوله مربى العالمين بإيجادهم و تربية أسباب وجودهم فيربى الظاهر بالنعمة و الباطن بالفيض و الرحمة و أحكام الشريعة التي بها قوام بقائهم في السعادة الأبدية و يربى سبحانه أجزاء العوالم كلا بحسبها فسبحان من ربي الإنسان بأحسن التربية فاسمع بعظم و بصر بشحم.
أعلم أنّه اختلف في أفضلية نعمة البصر و السمع فقال قائل بأفضلية السمع لوجوه منها أنّ اللّه قدم في الذكر في اغلب القرآن السمع على البصر و التقديم في الذكر دليل على الشرف.
و منها أنّ العمى وقع في حقّ الأنبياء و أمّا الصمم فغير جائز لأنّه مخلّ بأداء الرسالة.
و منها ان السمع تدرك من جميع الجوانب دون البصر.
و منها انّ الإنسان يستفيد من المعارف من المعلم و ذلك لا يمكن إلّا بالسمع.
و منها انّ امتياز الإنسان عن سائر الحيوانات بالنطق و الكلام، و انما ينتفع به السامعة لا الباصرة و متعلّق السمع النطق الذي به شرف الإنسان و متعلق البصر الألوان و الأشكال و ذلك أمر مشترك بين الإنسان و سائر الحيوان.
و منهم من قال بأن البصر أفضل من السمع قالوا المشهور انّه ليس الخبر كالمعاينة و ذلك تدل على أنّ أكمل وجوه الإدراك البصر.
الثّاني انّ عجائب حكمة اللّه في العين أكثر من عجائب حكمته في تخليق الأذن فركّب العين من سبع طبقات و ثلاث رطوبات و جعل لها عضلات كثيرة على صور مختلفة
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 14
و الأذن ليس كذلك، و كثرة العناية في التخليق في الشيء يدلّ على كونه أفضل من غيره.
الثّالث انّ القوّة الباصرة هي النور و آلة السّامعه هي الهواء و النّور أشرف من الهواء.
الرابع انّ البصر يرى ما فوق سبع سماوات و السمع لا يدرك ما بعد على فرسخين فكان البصر أقوى.
الخامس إنّ بعض النّاس يسمع كلام اللّه و كلام الملائكة في الدنيا و لا يراه أحد و أنّ موسى سمع كلام من غير سؤال و لمّا سئل الرؤية قال لن تراني فذلك يدل على أنّ حال الرؤية أعظم و أعلى من السماع، على أنّ ذهاب العين ليس كذهاب السّمع و هي الكريمتان. و انطق بلحم و رتّب غذائه في النبات بحبوبه و ثماره و في الحيوان بحياته و آثار نفعه، و في الأراضي بأشجاره و أنهاره و في الأفلاك بكواكبه و أنواره.
و لمّا علم أنّ النفوس لو يهملوا اهلكوا أنفسهم في مدّة قليلة لعدم علمهم في تدبير أمورهم و بقائهم، وضع لهم قانونا سماويا لحفظ نفوسهم و درك سعادة الفانية و الباقية لأنّهم خلقوا للبقاء لا للفناء، فسبحان من فلحت حجته و استظهر سلطانه و اقسطت موازينه فجعل السيئة ذنبا و الذنب فتنة و الفتنة دنسا، و جعل الحسنى عتبا و العتبى توبة و التوبة طهورا، فمن تاب اهتدى و من افتتن غوى ما لم يتب إلى اللّه و يعترف بذنبه و لا يهلك على اللّه هالك. اللّه اللّه فما أوسع ما لديه من التوبة و الرحمة و البشرى و الحلم العظيم، و ما أنكل ما عنده من الإنكال و الجحيم و البطش الشديد، فمن ظفر بطاعته اجتلب كرامته و من دخل في معصيته ذاق وبال نقمته و عمّا قليل ليصبحنّ نادمين.
قال الباقر عليه السّلام صلّى عليّ عليه السّلام بالعراق صلاة الصبح ثمّ خطب خطبة فبكى و أبكى الناس من خوف اللّه ثمّ ما رؤي بعد ذلك ضاحكا إلى أن توفي فما ظنّك بنفسك.
و ربما يغتر بعض الجهّال ببعض ظواهر الأخبار بما ورد في ثواب الأعمال و هو غافل عن شرائطها الشرعية الواقعية أو يغتر بالنسب الرفيع كالسيادة و العالمية فيقول مثلا جدي يشفعني فلا يقوم بالشرعيات و لا يعمل بالفرعيات و لا ينفعه الحسب و لا النسب كما في روضة الكافي.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 15
قال الباقر عليه السّلام: لا تتّخذوا من دون اللّه وليجة، فلا تكونوا مؤمنين فإنّ كل سبب و نسب و قرابة و وليجة و شبهه منقطع مضمحلّ، كالغبار الّذي يكون على الحجر الصلد إذا أصابه المطر الكثير إلّا ما أثبته القرآن و يكون بإطاعة الرسول؛ و «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» و دع عنك الفضولي و المعضلات، و إنّ سنة اللّه لا تبدّل.
و (الْعالَمِينَ) جمع عالم و العالم جمع لا واحد له من لفظه. و العالم اسم لكلّ ما يعلم به في الأصل كالحاتم اسم لما يحتم، ثمّ غلب استعماله فيما سوى اللّه.
قال وهب: للّه ثمانية عشر ألف عالم و الدنيا عالم منها. قال كعب الأحبار: العوالم لا تحصى لقوله تعالى: «وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ» . «1» و عن أبي هريرة: إنّ اللّه تعالى خلق الخلق من ذوي العقول أربعة أصناف:
الملائكة و الشياطين و الجنّ و الإنس، ثمّ جعل هؤلاء عشرة أجزاء: تسعة منهم الملائكة و واحد الثلاثة الباقية، ثمّ جعل هذه الثلاثة عشرة أجزاء: تسعة منهم الشياطين و جزء واحد الجنّ و الإنس، ثمّ جعلهما عشرة أجزاء تسعة منهم الجنّ و واحد الإنس. ثمّ جعل الإنس مائة و خمسة و عشرين جزءا فجعل مائة جزء في بلاد الهند، منهم ساطوخ و هم أناس رؤوسهم مثل رؤوس الكلاب، و مالوخ و هم أناس أعينهم في صدورهم، و ماسوخ و هم أناس آذانهم كآذان الفيلة، و مألوف و هم أناس لا يطاوعهم أرجلهم يسمّون «دوالپاي» و هؤلاء كلّهم كفرة مصيرهم إلى النار. و جعل اثني عشر جزءا منهم في بلاد الروم: النسطوريّة و الملكائيّة و الإسرائيليّة و مصيرهم إلى النار جميعا. و جعل ستّة أجزاء منهم في المشرق: يأجوج و مأجوج و ترك و خاقان، و ترك حد خلخ و ترك خضر، و ترك جرجر، و جعل ستّة أجزاء في المغرب: الزنج و الزط و الحبشة و النوبة و بربر و سائر كفّار العرب و مصيرهم إلى النار، و بقي من الإنس من أهل التوحيد جزء واحد، فجزّأهم ثلاثا و سبعين فرقة: اثنتان و سبعون على خطر و هالكة، و هم أصحاب البدع و الضلالات و فرقة ناجية.
و في الحديث: إنّ بني إسرائيل تفرّقت على ثنتين و سبعين فرقة، و تفرّق امّتى