کتابخانه تفاسیر
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 25
صراط المستقيم و عند اهل السنّة بعد فراغ الفاتحة يستحب القول بكلمة آمين و روى جميل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كنت خلف امام ففرغ من قراءة الفاتحة فقل أنت من خلفه: الحمد للّه ربّ العالمين. و روى فضيل بن يسار عنه عليه السّلام إذا قرأت الفاتحة ففرغت من قراءتها فأنت في الصلاة فقل الحمد للّه رب العالمين. و اعلم انّ المصلّى إذا توجه بوجهه الى اللّه لأداء وظيفة العبودية و احرم بالتكبيرة مع النية الخالصة لمولاه و التزم بحضور قلبه و عرف نعم اللّه بالمشاهدة و نفسه بذلك اعدل شاهد و اصدق رائد ابتدأ بالتسمية استفتاحا باسم المنعم و اعترافا بإلهيته و استرواحا الى ذكر فضله فبعد ان اعترف بالمنعم الفرد اشتغل بالشكر له و الحمد له فقال «الْحَمْدُ لِلَّهِ» و لما رأى نعم اللّه على غيره واضحة كما شاهد آثارها على نفسه لائحة عرف أنّه رب الخلائق أجمعين فقال «رَبِّ الْعالَمِينَ» و لذلك لمّا كان شمول فضله و عموم رزقه للمربوبين قال «الرحمن» و لما رأى تقصيرهم في واجب شكره و عدم مؤاخذته عاجلا بالعصيان قال «الرحيم» و لمّا رأى ما بين العباد من التباغي و الفساد و التكالب و التلاكم و ان ليس بعضهم من شرّ بعضهم بسالم علم أنّ ورائهم يوما ينتصف فيه للمظلوم من الظالم فقال.
«مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» و لما عرف هذه الجملة فقد علم انّ له خالقا رازقا يحيى و يميت و يبدي و يعيد و لمّا صار الإله الموصوف بهذا الوصف كالمدرك بالحس و العيان تحول عن لفظ الغيبة إلى الخطاب فقال.
«إِيَّاكَ نَعْبُدُ» ثم سئله الاستعانة لأموره دينا و دنيا بقوله «وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» ثم سئله الاستدامة على دين الحق و الثبات عليه بل طلب أمرا جامعا لجميع مراتب الخير فقال «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» صراط أوليائك الذين اصطفيتهم فسأله ان يلحقه بهم و يسلك به سبيلهم لا سبيل الزائغين و المنحرفين فقال «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ» .
و القرآن أعجز الأولين و الآخرين بالبلاغة و الفصاحة. اعلم أنّه لا بدّ ان ان يكون لكلّ كلام مرغوب حظّ من البلاغة و قسط من الجزالة و البراعة فحينئذ ما ظنّك بما في ذروة الاعجاز و أعلم انّ شعب البلاغة في علم المعاني و البيان عشرة: الاستعارة، و التشبيه و الكناية و الإيجاز و الاطناب و المغالطة و التضمين و الاستدراج و المبادي و التخلص
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 26
و الاولى: اى الاستعارة هو ان يحاول المنشى و المتكلم تشبيه شيء بغيره و لا يأتى باداة التشبيه طلبا لزيادة الدلالة مع الإيجاز فيستعير اسم المشبه به و يكسوه الشبه من غير تعرض لذكر المشبه فيحصل به زيادة بلاغة مثاله فأذاقها اللّه لباس الجوع و الخوف. الضمير المؤنث راجع إلى مكة باعتبار أهلها و وجه الاستعارة ان الثوب لما كان يحيط بجوانب اللابس استعار اسم اللباس للخوف و الجوع حيث أراد سبحانه الاخبار عن احاطة الجوع و الخوف من جميع الجهات فهو ابلغ في المقصود إذ لو قال جعل اللّه الجوع و الخوف محيطين بهم من جوانبهم كانّه لباس لهم لم يكن في الكلام من الحسن ما في الاستعارة.
الثانية: من أبواب البلاغة التشبيه و هو الدلالة على شيئين اشتركا في معنى لكن ذلك المعنى ثابت و معروف في الاسم الذي دخلت عليه أداة التشبيه فيجعل المنشي و المتكلم الاسم الذي لم تدخل عليه الاداة كالاسم الذي دخل عليه الاداة مثاله زيد كالأسد و وجهه كالقمر كأنّهم جراد منتشر شبّه سبحانه الناس عند خروجهم من القبور مضطربين متحيرين قد طبقوا الجهات بكثرتهم لا يلوى بعضهم على بعض بالجراد المنتشر لحصول هذا المعنى من هذا التشبيه.
الثالثة: الكناية و هو لفظ استعمل في معناه لكن المراد ما يلزم ذلك المعنى، مثاله في عيسى و امه كانا يأكلان الطعام، كنى به عن خروج الخارج منهما لأنه من لوازم الاكل و هو افصح و أوجز و الطف، و المقصود من هذه الكناية ان من خرج منه هذا الخارج فهو بمعزل عن الإلهية و ردّ محكم لقول النصارى.
الرابعة: الإيجاز و هو التعبير بالألفاظ القليلة عن المعاني الكثيرة و هو دليل على رجحان العقل، فكل نوع صحيح من الإيجاز معدود من الاعجاز، و قد اجمع ارباب المعاني و البيان انّ أوجز كلمة استعملتها العرب هي قولهم: القتل أنفي للقتل، فلمّا نزل قوله و لكم في القصاص حيوة أذعنوا برجحانه بل قولهم القتل انفي للقتل هذا الكلام ليس بتامّ فانّ بعض القتل هو موجب لكثرة القتل لا نفيه.
الخامسة: الإطناب و هو ذكر الشيء مرّة أخرى بلفظ غير الاول لشدة الاعتناء به، مثاله: «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ» ، فقوله بأفواهكم
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 27
اطناب لأنّ قوله يقولون دلّ على ما دلّ بأفواهكم فانّ القول لا يكون الا بالفم و لكن نبّه به على تعظيم هذا الأمر لشدة قبحه.
السادسة: المغالطة و هي ان يأتي المنشى المجيّد بكلام يدلّ على معنى و له مثل او نقيض يكون المثل و النقيض احسن موقعا، مثاله في حقّ المنافقين و قد صدر منهم كلمات في حق النبيّ بالاستهزاء، فقال: «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ» فغالطوا في الجواب بهاتين الكلمتين الموهمتين صدق ما كانوا فيه، فكذّبهم اللّه بقوله: «قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ» السابعة: التضمين و هو ان يضمن المنشى كلامه شيئا من الأمثال او الشعرا و الحديث و هو يزيد الكلام عذوبة و حسنا.
الثامنة: الاستدراج و هو ان يصوغ لغرضه ألفاظا يكسوها من اللطافة ما يحيّر الألباب، و هو الركن الأعظم في هذه الصناعات، مثاله في القرآن. «وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ» ، فانّ موسى عليه السّلام لمّا أراد ان ينقل قومه من أرضهم الى غيرها أسمعهم ما سرّهم ثم استدرجهم الى مطلوبه بقوله: «يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» .
التاسعة: المبادي و تسمّى براعة الاستهلال، و هو ان يجعل اوّل كلامه دالّا على المقصود كقول النحوي: الحمد للّه الذي رفع من انخفض لجلاله.
العاشرة: التخلّص و هو ان يجعل بين المعنى الذي ينتقل عنه و الذي ينتقل اليه ارتباطا و تعلّقا بحيث يكون الكلام المشتمل على المعاني المتعددة كالمنتظم في سلك واحد مثاله: «وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ» الى ان يقول «فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ» ، فانّ في هذه الآيات الى قوله: ثم يحيين من حسن التخلص ما يدهش العقول فتأمّل في حسن البلاغة.
قال اهل البيان انّ من البلاغة براعة الاستهلال و حسن الابتداء و هو ان يأتي المتكلّم بكلام يفهم غرضه من كلامه، عند الابتداء من كلامه، من استهل الصبى اى صاح عند الولادة،
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 28
و استهل رأى الهلال و استهلت السماء اى جادت بالهلال و هو أول النظر و المقصود من إنزال القرآن حفظ الأصول التي عليها مدار الدين و الدنيا و الأصل الأول معرفة اللّه و صفاته، و الى هذا المعنى الإشارة برب العالمين الرحمن الرحيم من الصفات.
فيستحق الحمد و الإطاعة ثم الأهم معرفة النبوات، و اليه الإشارة بالذين أنعمت عليهم و معرفة المعاد، و اليه الإشارة بمالك يوم الدين، ثم علم العبادات و اليه الإشارة بايّاك نعبد، و علم السلوك و هو حمل النفس على الآداب الشرعية و الانقياد، و اليه الإشارة باهدنا الصراط المستقيم، و علم القصص و هو الاطّلاع على اخبار الأمم السابقة ليعلم المطّلع على ذلك سعادة من أطاع اللّه و شقاوة من عصاه، و اليه الإشارة بقوله:
«صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ» ففي فاتحة القرآن براعة و تنبيه على الغرض من إنزال القرآن، و كذلك سورة اقرأ فيها حسن الابتداء و البراعة، فان فيها الأمر بالقرائة و البدء فيها باسم اللّه لتعريف ذاته، و فيه اشارة الي علم الاحكام بقوله «عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» مثال براعة الاستهلال في الشعر قول ابى تمام يهنّى المعتصم العباسي بفتح عمورية و كان المنجمون زعموا انها لا تفتح في هذا الوقت.
السيف اصدق انباء من الكتب
في حدّه الحدبين الجدّ و اللعب
بيض الصفائح لأسود الصحائف في
متونهنّ جلاء الشك و الريب
قيل في معنى التفسير أصله من التفسرة و هو ماء المريض يجعلونه في القارورة ليعلم و يستنبط الطبيب مرض المريض فيستكشف منه، و قيل غيره. و القرآن معانيه على اقسام منها ان المصلحة لا تقتضي ان يعلم علمه احد حتى الأنبياء، مثاله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ» و قسم يعلمه من عرف العربية و هو المحكم، مثل: «قوله تعالى وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ* و «لا تَقْرَبُوا الزِّنى و لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ»* و اغلب القرآن من هذا القسم الثاني، و قسم ثالث و هو الذي لا يتبين المراد منه كاملا الّا إذا شرحه النبي، و هو الذي يسمّى بالمجمل نحو «أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ»* و مثل «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» و قسم رابع و هو الّذى لفظه مشترك و هو الّذى يسمّى بالمتشابه كه آن ذو احتمال بر معاني چند باشد، در
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 29
اين صورت پس متشابه آن باشد كه مراد أز ظاهر فهميده نشود بدون دليل سمعي نه عقلي، بعبارة اخرى لا يقدم المكلّف في العمل به الا باخبار الرسول و الامام من نقل الصحيح عنهم.
و مثال آيات متشابهه مثل و جاء ربّك و قوله فثمّ. وجه اللّه. و قرآن ناسخ است و منسوخ يعنى آيه بعد نسخ حكم ما قبل را ميكند مثل «وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً» كه اين آيه نسخ كرد آيه قبل را كه اين بود «وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ» و هذا الحكم منسوخ لكن التلاوة غير منسوخة، هذا قسم من النسخ و اما العامّ فهو لفظ يشمل جميع افراد جنسه و الخاص لا يشمل الا الفرد و اما أسامي القرآن أولها القرآن من الضم و الجمع و فرقان و كتاب و ذكر و تنزيل و حديث و موعظة و تذكرة و تبيان و بصائر و فصل و حكم و حكيم و ذكرى و حكمة و مهيمن و شافي و هدى و هادي و صراط مستقيم و نور و حبل و رحمت و روح و قصص و حق و بيان و عصمة و مبارك و نجوم لأنّها نزلت نجما نجما قال اللّه فلا اقسم بمواقع النجوم و هو المراد من المعنى و مجيد و عزيز و كريم و عظيم و سراج و منير و بشير و نذير و عجيب و قيّم و مبين و نعمة و علىّ فهي ثلاثة و أربعون اسما لها مناسبات مع المسمى. و اما السورة سميت بها قيل السورة المنزلة العظيمه. قال النابغة الم تر ان اللّه اعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب. اي منزلة شريفة عالية و كذا سور البلد لأنه مرتفع.
هذا إذا كان بغير الهمزة لكن إذا كان مهموزا فالمعنى بقية الماء و الطعام في الإناء، و اما الآية بمعني العلامة مثل و آية منك في كلام عيسى و بمعنى الرسالة أبلغه عني آية اى رسالة و بمعنى الجماعة كقولهم خرج القوم بآيتهم اى بجماعتهم و بمعنى الأعجوبة، كل هذه المعاني مناسبة للآية و اما الكلمة لفظ موضوع يدل على معني بالوضع.
في ثواب القراءة روى شهر بن حوشب عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال فضل القرآن على سائر الكلام كفضل اللّه على خلقه، و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القرآن غنى لا غنى دونه و لا فقر بعده قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القرآن أفضل كلشيء دون اللّه فمن وقّر القرآن فقد وقر اللّه و من لم يوقّر القرآن فقد
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 30
استخف بحرمة اللّه و حرمة القرآن عند اللّه كحرمة الوالد عند ولده.
و عن أبى امامة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من قرأ ثلث القرآن كأنّه اوتى ثلث النبوّة. و من قرأ ثلثيه كأنّما اوتى ثلثى النبوّة و من قرأ تمام القرآن فكأنّما اوتي تمام النبوّة، ثمّ يقال له اقرأ و ارقأ بكلّ آية درجة في الجنّة.
و في رواية عن نساء النبي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حملة القرآن هم المحفوفون برحمة اللّه الملبّسون نور اللّه، المعلّمون كلام اللّه، من عاداهم فقد عادي اللّه، و من و الأهم فقد والى اللّه، يقول اللّه تعالى يا حملة القرآن تحبّبوا الى اللّه بتوقير كتابه يزدكم حبّا و يحببكم إلى خلقه و يدفع عن مستمع القرآن شرّ الدنيا و يدفع عن تالي القرآن بلوى الآخرة، و لمستمع آية من كتاب اللّه خير من مبشر ذهبا و لتالى آية من كتاب اللّه خير مما تحت العرش الى تخوم الأرضين السفلى، و في رواية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من تلا كتاب اللّه من الصفحة لا من ظهر الخاطر خفّف اللّه عن والديه و لو كانا مشركين.
و في خبر آخر قال معاذ بن جبل: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ان أردتم عيش السعداء و موت الشهداء و النجاة يوم الحشر و الظل يوم الحرور، و الهدى يوم الضلالة فادرسوا القرآن فانّه كلام الرحمن و حرز من الشيطان و رجحان في الميزان. و روى حارث الهمدانى عن امير المؤمنين عن رسول اللّه: انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذكر فتنة بعده فقلنا يا رسول اللّه فبما الخلاص منها؟ قال: بكتاب اللّه، قال عطا أنزلت فاتحة الكتاب بمكّة يوم الجمعة كرامة أكرم اللّه نبيّه بها و كان معها سبعة آلاف ملك حين نزل بها جبرئيل، روى ان عير أقدمت من الشام لأبي جهل بمال عظيم و هي سبع فرق و رسول اللّه و أصحابه ينظرون إليها و أكثر الصحابة بهم جوع و عرى فخطر ببال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان يسأل شيئا من اللّه لحاجة أصحابه فنزل قوله تعالى:
«وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي» أى مكان سبع قوافل لأبي جهل، و لمّا علم اللّه ان تمنّيه لم يكن لنفسه بل لأصحابه قال: «وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ» .
و فضايل هذه السورة كثيرة، قيل انّه ليست فيها سبعة أحرف، ثاء الثبور و جيم الجهيم و خاء الخوف و زاء الزقوم و شين الشقاوة و ظاء الظلمة و فاء الفراق، و من قرأها
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج1، ص: 31
على التعظيم و الحرمة أمن من هذه الأشياء السبعة. و في الروضة من خطبة لعلىّ بن الحسين عليه السّلام: و أشعروا قلوبكم خوف اللّه و تذكّروا ما وعدكم اللّه في مرجعكم اليه من حسن ثوابه كما قد خوّفكم من شديد العقاب، فإنّه من خاف شيئا حذّره و من حذر شيئا تركه، و لا تكونوا من الغافلين. قال الصادق عليه السّلام: من عرف اللّه خاف اللّه، و من خاف اللّه سخط نفسه عن الدنيا، و ان حبّ الشرف و الذكر لا يكونان في قلب الخائف الهارب و المؤمن بين مخافتين ذنب قد مضى و عمر قد بقي لا يدرى ما يكتسب فيه من المهالك فهو لا يصبح إلا خائفا و لا يصلحه إلا الخوف و لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا، حتى يكون عاملا لما يخاف و يرجو.
روى الصدوق من ليث بن ابى سليم قال: سمعت رجلا من الأنصار يقول: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مستظل بظل شجرة في يوم شديد الحر إذ جاء رجل فنزع ثيابه ثمّ جعل يتمرّغ في الرّمضاء يقلّب ظهره مرّة و بطنه مرّة و جبهته مرّة و يقول يا نفس ذوقى فما عند اللّه أعظم ممّا صنعت بك؛ و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ينظر اليه ما يصنع ثمّ انّ الرجل لبس ثيابه ثمّ اقبل فأومى اليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بيده و دعاه فقال له: يا عبد اللّه ما حملك على ما صنعت قال:
مخافة اللّه فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لقد خفت ربّك حق مخافته، فانّ ربّك يباهى بك اهل السماء ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأصحابه يا معشر من حضر ادنوا من صاحبكم حتّى يدعو لكم فدنوا منه، فدعا لهم فقال: اللهمّ اجمع أمرنا على الهدى و اجعل التقوى زادنا و الجنّة مآبنا.
أقول و قلّة الخوف ناشية من ضعف الايمان و شدة الغفلة، امّا ضعف الايمان لأنّك ما استكملته باليقين و إيمانك ظنيّا تخمينيا و من لم يعقل عن اللّه لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة، و العلاج ملازمة الفكر في اهوال القيامة و التدبّر في سيرة الأنبياء و الكمّلين فإنّهم مع عصمتهم و جلالة شأنهم كيف يخافون اللّه و يأخذهم الغشوة من الخوف و يتململون تململ السليم؟